من يحمي حرية التعبير في العراق الجديد؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ما أن لاح أفق الحرية وانفتحت فضاءات التعبير أمام العراقيين، وكادت أن تترسخ في غضون السنوات القليلة الماضية، حتى تتالت هراوات المتربصين بالتلويح لمن يقدم رأيه على الملأ من دون خوف أو تردد او ينشر كتابا ابداعيا او يؤسس موقعا الكترونيا او صحيفة ورقية او غيرها من وسائل التثقيف والاعلام، ولعلنا لا نتجنى على أحد حين نشير الى خشية المواطن العراقي على حريته من أن تُنتهك وتُصادر مرة اخرى، وهو الذي صودرت حريته على مدى مئات السنين، فقدم دماءً وأرواحا من أجل أن يستعيدها من براثن الجهلة والقلتة والأفاقين الذين ما فتئوا يسحقون الفقراء ويستبحيون دماءهم وارواحهم وجل حقوقهم في وضح النهار.

ولعل الحلقة الاخطر في محاصرة حرية القول، تكمن في بعض القرارات او التشريعات التي تحاول أن تختبئ تحت عباءة الدستور (وقوانينه الفرعية) او تلك التي يصدرها صانع القرار بعشوائية تشبه تلك السياسات العشوائية التي قادت بعض الامم والشعوب الى الدرك الادنى من سلامة العيش وحريته، ولذلك فإن أخطر (الهراوات) هي تلك التي تُرفع بإسم الدستور او بإسم القانون الفرعي الذي يدّعي مشرِّعوه بأنه نابع من جوهر الدستور العراقي المُقرُّ شعبيا، وتحت ذريعة الحفاظ على السلامة العامة وما شابه.

فحين نبحث في بعض المواد الدستورية سنجد كثيرا منها يتضمن فروعا يؤجل الخوض في تفاصيلها، لتنتهي مثل هذه الفروع بجملة (ويُنظّم بقانون) مما أتاح لبعض المشرعين أن يضيّقوا الخناق على حرية الرأي أو التعبير او الاطلاع على المعلومة وما شابه وهي حقوق مكفولة لا ينبغي السماح بالتطاول عليها تحت أية حجة كانت، ولعل السبب الذي يخشاه المهتمون يكمن في المحاولات التي تحاول أن تدفع بالبلد خطوة بل خطوات الى الوراء.

لقد تنفس العراقيون الصعداء بعد المتغيرات السياسية وانفتحت امامهم مئات النوافذ الاعلامية والابداعية وأخذوا يمارسون حرياتهم بعيدا عن الرقيب الحكومي وعن سلطة القائد او الحزب وما شابه، وصارت الساحة مفتوحة للجميع وقادرة على استيعاب شتى الاتجاهات المتباينة والمتضادة او المتقاربة في مساراتها، وبدأت أيضا تتأسس بعض التقاليد التي من شأنها ترسيخ الحرية كمنهج حياتي متحضر ومتاح لكل من يود الادلاء برأيه بغض النظر عن صحته او خطئه أو اختلافه مع السلطة او تقاربه منها، خلافا لما كان معتادا بين شرائح المجتمع.

كما اننا لاحظنا تنامي اقبال الانسان العراقي على منابع المعلومات من مصادرها المتنوعة ومحاولاته المتواصلة على الالتحاق بالركب العالمي في قطاع الاتصالات والاعلام والجوانب الابداعية المختلفة، وكأنه يبحث عن فرص تعويض الأزمنة التي حُرم فيها من هذه الوسائل بهراوة السياسي او مقص الرقيب او غيرهما، لذا فإن الصمت او السكوت على المحاولات (المريضة) المتعصبة التي تهدف الى تطويق (الحرية) بتشريعات واهية كاذبة متبجحة غير مقبول ولا يليق بالعراقيين الذين يعرفون قبل غيرهم ماذا يعني (خنق حرية التعبير).

وهكذا تبدو الحاجة جوهرية الى حماية هذا المكتسب الذي ما كان له ان يتحقق لو لا اصرار (الناس عامة) على سيادة منهج الحرية والتعدد والاختلاف والتقارب والتلاقح في الآراء التي ستصح مهما اختلفت، خلافا لمنهج (الهراوات) الذي يسعى لتضييق الخناق على حرية التعبير وترسيخ الرؤية الاحادية الهادفة الى مراعاة السلطان ومصالحه التي يمكن اختصارها جميعا بـ (الحفاظ على كرسي التسلط والطغيان).

لذا يريد العراقيون أن تختفي لغة (الهراوات والرقابة والمنع) بعيدا عن التبجح بمقارعة (الثقافات المضادة) والحفاظ على المصالح العامة وما شابه من اساليب باتت مكشوفة لابسط الناس وأقلهم وعيا، وأن يُنتهج إسلوب (التوعية والتوضيح والتحاور والإفهام) بديلا لمنهج المنع والتكميم وما شابه.

من هنا فالعراقيون بحاجة الى حماية حريتهم بل وتحصينها بأقصى الممكنات التشريعية وغيرها من المتربصين بها، لاسيما اولئك الذين يجدون أنفسهم خلف دفة القيادة ويتخيلون بأنهم قادرون على وضع اللصائق المكممة فوق افواه الناس، متناسين أن التجارب البعيدة والقريبة أوضحت للجميع بأن لغة الإسكات ستولد لغة أخرى أكثر صرامة، تتمثل باكتساح الكراسي الحاكمة، ليس بالأساليب الرخيصة المعروفة سلفا، بل بصناديق الاقتراع حصرا.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 1/تشرين الثاني/2009 - 12/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م