النفط... السلعة التي لم نحسن توظيفها

مرتضى بدر

في الخليج، دائماً حينما نتكلم عن الاقتصاد يتبادر إلى أذهاننا النفط، وهو الثروة الطبيعية الوحيدة التي نعتمد عليها في حياتنا وفي اقتصادياتنا. وبسبب هذه السلعة الثمينة حشدت القوى الكبرى أساطيلها، ودخلت الحروب من أجلها، حتى ضمنت استمرار تدفّقها نحو أسواقها وبأرخص الأسعار لسنوات طويلة... منذ عقود واقتصاديات الغرب، وبعض الدول النامية، أخذت تتوسع وتتنوع في إنتاجياتها، بينما اقتصادياتنا بقت على حالها تعتمد على هذا المورد الوحيد الذي سوف ينضب عاجلاً أم آجلاً.

وكلّ ما أضيف منذ تلك الفترة لغاية اليوم من إنشاء لبعض مصانع الألمنيوم والبتروكيماويات، والحديد والصلب، وبعض الصناعات الخفيفة. لم تستطع حكوماتنا استثمار هذا المورد استثمارًا صحيحًا، فقد كان جلّ همها الحصول على الأموال مقابل بيعها النفط وتكديسها في البنوك الغربية، بينما بعض الدول النامية اتبعت سياسة المقايضة، أي النفط مقابل معدات صناعية حديثة، أو إنشاء مصانع وغيرها من المشاريع الزراعية والعمرانية، والاستفادة من التقنيات المتطورة، فأخذت توسع وتنوع في منتجاتها الصناعية - الصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة - كما أدرجت خطط دعم الشركات الصغيرة ضمن سياساتها الاقتصادية، إضافة إلى بحثها عن الطاقة البديلة، وكانت مدركة بأنّ الاعتماد الكلي على النفط يعتبر خطأ استراتيجيا وموتا بطيئا للدولة، بينما نحن بقينا ندور في دائرة الاستهلاك من دون تطوير وتحديث وتنويع للإنتاج.

كان يجب أن ننتهي من خطط التنمية الأساسية قبل ثلاثة عقود وننتقل من بعدها إلى الإصلاح الشامل والاستثمار في الإنسان، وهذا للأسف لم يتحقق بسبب إهمال الشق السياسي من عملية الإصلاح... ضمن منتدى الإعلام العربي الذي عقد في شهر مايو في دبي قال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى: “إن العالم العربي لم يقم بالتطور المطلوب منه على الرغم من الجهود التي تبذل، إلا نفرة هنا ونقطة هناك”.

 في الواقع إن ترجيح الاقتصاد على السياسة جعل دولنا تمشي كالعرجاء، فلم تفلح في بناء اقتصاد متين، ولا في تأسيس بيئة سياسية سليمة توازي المجتمعات الديمقراطية، وبدل أن يكون النفط في خدمة الشعوب، أصبحت الشعوب في خدمة النفط.

أليس من المعيب أن تعاني بعض الدول النفطية من انقطاعٍ في الكهرباء والماء، وترتفع فيها نسبة الفقر والبطالة، إضافة إلى أزمة السكن في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى وجود فائض مالي وأرصدة ضخمة لهذه الدول تقدر بـ800 مليار دولار؟ ويبدو أن معظمها قد تبخرت في الأزمة المالية الأخيرة!

 في المؤتمر الخليجي الأول لاستثمارات النفط والغاز والبتروكيماويات في ظل الأزمة المالية العالمية الذي عقد في المنامة الأسبوع الماضي قدر وزير شؤون النفط والغاز رئيس الهيئة الوطنية للنفط والغاز عبدالحسين ميرزا تراجع إيرادات النفط في دول الخليج بنسبة 50 % بسبب الأزمة المالية. وبعيداً عن لغة الأرقام، الدول العربية لم تستخدم النفط كسلاح إلا مرة واحدة عام 1973 اثناء حرب أكتوبر، فكان توظيفًا سياسيًا سليمًا للنفط، وكان ذلك الموقف نابعًا من روح المسؤولية، أوصل من خلاله رسالة قوية ومؤثرة للغرب...

 اليوم ومع اتساع الركود الاقتصادي العالمي، برزت تحديات خطيرة أمام الدول المصدرة للنفط، خاصة ما تتحدث عنه التقارير من انخفاض الفوائض المالية للدول الخليجية لهذا العام نتيجة تراجع الإيرادات النفطية، وهذا يعتبر جرس إنذار، مفاده ان عهد الرفاهية في الخليج يشارف على الانتهاء! ومن المتوقع ان تشهد جميع هذه الدول العجز في موازناتها، وهذا ما يؤدي إلى تقليل في الإنفاق، وربط الأحزمة، وإلغاء الكثير من المشاريع، فضلا عن ازدياد البطالة، وما ترافقه من توترات سياسية...

 لكننا نتساءل: هل التحديات الحالية كفيلة بإيقاظ حكوماتنا من غفلتها؟ وإلى متى تستمر تمشي كالسُلحفاة بينما حكومات عديدة نراها تخطو خطوات حثيثة نحو التطوير والتحديث وتنويع مصادر الدخل رغم ما يواجه طريقها من الكثير من التحديات؟ وبصريح العبارة نستطيع القول إن دولنا تعاني الخلل في عملية إدارة الأزمات!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 1/تشرين الثاني/2009 - 12/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م