اليمين الإسرائيلي: أساليب مبتكرة لسحق الفلسطينيين وكسر إرادة القتال

 

شبكة النبأ: اصطدمت أطروحات وتعهدات أوباما بإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة بحكومة يمينية متشددة في إسرائيل تبنت برنامجًا سياسيًّا يقوم على توسيع نطاق التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، واعتبار قيام الدولة الفلسطينية تهديد لأمن إسرائيل فضلاً عن رفض تقديم أي تنازلات في إطار العملية التفاوضية لاسيما الانسحاب من المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهو ما قد يعزى في تركيبة الحكومة الائتلافية الإسرائيلية التي تسيطر عليها أحزاب اليمين الديني ذات التوجهات الداعمة للاستيطان، حيث لا تتجاوز مشاركة أحزاب اليسار أو يمين الوسط الداعمة للتفاوض خمس مناصب وزارية حظي بها حزب العمل الإسرائيلي من إجمالي 30 منصب وزاري، فيما سيطرت أحزاب اليمين (حزب الليكود وحزب إسرائيل بيتنا ) واليمين الديني ( حزب شاس وحزب يهود هاتوراه وحزب البيت اليهودي) على بقية المناصب الوزارية والتي كان من أهمها وزارة الخارجية التي تولاها أفيجدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا الذي يستند إلى تأييد اليهود الروس والمستوطنين المتدينين . بحسب موقع تقرير واشنطن.

بيد أن السياسات الحدية المتطرفة تجاه عملية التسوية لا تعد سوى جانب من نتاج تفاعلات مجتمعية معقدة في إسرائيل أسفرت عن تصاعد نفوذ تيار اليمين الديني المتشدد الرافض لعملية التسوية ولحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، ناهيك عن دعم المنتمين لذلك التيار للنشاط الاستيطاني باعتباره أحد الوظائف المحورية للمجتمع الإسرائيلي استنادًا لتفسيرات حاخامات الحريديم لنصوص التوراة.

ومن هذا المنطلق جاءت دراسة نيكولاس بيلهام Nicolas Pelham الباحث بمجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group بعنوان " يمين إسرائيل الديني وعملية السلام " والتي نشرها تقرير الشرق الأوسط الصادر عن "مشروع الشرق الأوسط للأبحاث والمعلومات " The Middle East Research & Information Project في 12 من أكتوبر الجاري لتفسير تصاعد نفوذ أنصار اليمين الديني في إسرائيل على المستوى السياسي والمجتمعي وأثر توجهاتهم على مستقبل عملية التسوية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي .

اليمين الديني واقع ديمغرافي جديد

شهدت الأوضاع السياسية والمجتمعية في إسرائيل تغيرات هيكلية منذ طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون خطة فك الارتباط أحادي الجانب عام 2003 والتي تم بمقتضاها الانسحاب من مستوطنات قطاع غزة.

فعلى الرغم من انتماء حزب الليكود الذي تزعمه شارون لليمين السياسي في إسرائيل إلا أن نفوذ المتدينين داخل الحزب أو في المجتمع الإسرائيلي لم يكن قد تصاعد بشكل ملحوظ بما جعل الانسحاب من مستوطنات غزة ممكنًا ولم يكلف شارون سوى إنشاء حزب جديد يضم مؤيدي رؤيته لعملية التسوية ويكون أقرب في برنامجه السياسي إلى يمين الوسط العلماني منه إلى اليمين ( حزب كاديما).

ولكن على أثر تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان وتراجع ثقة الرأي العام الإسرائيلي في مؤسسات الدولة والساسة لاسيما مع الكشف عن قضايا فساد سياسي كان أبرزها قضية خصخصة بنك ليؤمي التي تورط فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود أولمرت، بدا من الملاحظ تصاعد نفوذ تيارات اليمين الديني المتشدد في إسرائيل وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تصاعد وتيرة التظاهرات الاحتجاجية لناشطي الاستيطان المتدينين في الضفة الغربية وزيادة أعضاء الكنيست من المنتمين لأحزاب اليمين الديني وتغلغل ذلك التيار المتشدد في الجيش الإسرائيلي والمؤسسات البيروقراطية على السواء.

ناهيك عن تبني قطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي لأطروحات قياداته حول عملية التسوية وأمن إسرائيل بعدما كان ينظر إليها على أنها أطروحات حدية متطرفة لا تحقق سوى مصالح المستوطنين .

وفي هذا الصدد يمكن القول إن الوزن الديموغرافي للمستوطنين المتشددين وأنصار اليمين الديني قد أضحى من غير الممكن تجاهله على المستوى السياسي ،حيث تجاوز عدد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية 145 مستوطنة يقطنها حوالي 300 ألف نسمة، يمثلون حوالي 4 % من مواطني إسرائيل بعدما كان عددهم لا يتجاوز 105 ألف نسمة عندما تم توقيع اتفاق أوسلو عام 1992، وخلال تلك الفترة نجح المستوطنون في تعزيز عزلتهم عن المجتمع الإسرائيلي بتدشين مدارس وجامعات تقوم على المزج ما بين التعاليم الدينية والتدريب العسكري.

كما قام المستوطنون بإنشاء قوات أمن خاصة لحماية مستوطناتهم تم تدريبها في وحدات الجيش الإسرائيلي وخضعت لإشراف حاخامات وثيقة الصلة بالمنظمات الناشطة في مجال الاستيطان مثل جمعية "ألعاد" الاستيطانية .

تغيرات الخريطة السياسية

لم يقتصر المد الديني على قاطني المستوطنات وإنما تجاوز ذلك ليجتذب تأييد قطاعات مختلفة من يهود إسرائيل، ووفقًا لبيانات معهد إسرائيل للديمقراطيةIsrael Democracy Institute فإن 8 % من يهود إسرائيل فوق 50 عامًا و32 % ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا ينتمون إما للتيار الديني القومي أو للتيار الديني المتشدد في حين تراجعت نسبة اليهود العلمانيين من 23 % عام 1997إلى 17 % عام 2007، وإجمالاً يتجاوز عدد اليهود المتدنين في إسرائيل حوالي 1.5 مليون نسمة بما يمثل حوالي 20 % من العدد الإجمالي لسكان إسرائيل.

وارتبط تصاعد الوزن الديمغرافي لمؤيدي اليمين الديني في إسرائيل بتصاعد تمثيلهم في قطاعات الجيش الإسرائيلي، حيث يحرص المتدينون لاسيما من الحريديم لأداء مدة خدمتهم في الجيش بالمناطق الاستيطانية داخل الخط الأخضر في الضفة الغربية وعادة ما تقوم القيادات العسكرية الإسرائيلية بنشر وحدات المتدينين وفق انتمائهم الجغرافي، بحيث يؤدي كل منهم خدمته العسكرية في المستوطنة التي يقطنها. ويقدر الباحث الإسرائيلي ياجال ليفي Yigal Levy نسبة المتدينين في صفوف الجيش الإسرائيلي بحوالي 40%.

وفي السياق ذاته يمكن الاستدلال على نفوذ التيار الديني المتشدد في الجيش الإسرائيلي بالدور المتعاظم للحاخامات أثناء عملية الرصاص المسكوب في قطاع غزة في يناير الماضي، حيث تم تشكيل وحدة دينية تحت مسمى وحدة "الوعي اليهودي" صاحبت الجيش لتحفيز الجنود على القتال ومن ثم بدأ الجيش الإسرائيلي يعاني من ازدواجية في نظم التوجيه وبات على عدد كبير من الجنود المتدينين الاختيار بين الانصياع لأوامر قادتهم أو لتوجيهات الحاخامات التابعين للجيش .

وعلى المستوى السياسي لم يتمتع تيار اليمين الديني في أي فترة في التطور التاريخي لإسرائيل بأغلبية برلمانية تماثل التي تمتع بها بعد انتخابات الكنيست الثامنة عشرة عام 2009، ومن بين 120 مقعد هي إجمالي عدد مقاعد الكنيست شغلت أحزاب اليمين حوالي 65 مقعدًا من بينها حوالي 27 مقعدًا لأحزاب اليمين الديني بما يمكنهم من عرقلة تمرير أي قرار داخل الكتلة البرلمانية للائتلاف الحاكم المكون من 75 عضوًا بالكنيست ينتمون لأحزاب اليمين واليمين الديني وحزب العمل كممثل لتيار يسار الوسط.

وبدا أن حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدأ يعتمد بشكل أكبر على دعم المستوطنين وهو ما تجلى في تصاعد تأييد المستوطنين المتدينين له في انتخابات الكنيست الأخيرة، ليصل إلى حوالي 23 % في مقابل 12 % في انتخابات عام 2006 .

بيد أن ذلك التغير في خريطة مؤيدي حزب الليكود يفرض عليه قيودًا متعددة ومن المرجح أن يواجه مشروع نتنياهو للتجميد المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية في حال تنفيذه بموجة من التظاهرات الاحتجاجية وتراجع في تأييد المستوطنين للحزب فضلاً عن تفكك الائتلاف الحكومي والدعوة لانتخابات مبكرة لن تأتي نتيجتها بأي حال لصالح حزب الليكود على غرار ما حدث بعد تخلي اللوبي الاستيطاني في الكنيست عن نتنياهو بعد توقيعه لاتفاقية واي ريفر عام 1999 وإصداره لأمر إخلاء مستوطنة عبرون في الضفة الغربية .

وفي السياق ذاته نجح التيار الاستيطاني الديني في استقطاب عدد من قيادات الإدارة المدنية والمحلية لتيسير استصدار تراخيص بناء المستوطنات، وتخصيص الأراضي التي تخضع لملكية الدولة للأغراض الاستيطانية.

وفي هذا الإطار يطرح القانون المقدس الذي يروج له الحاخامات في مواجهة القانون الوضعي للدولة الذي يعوق في بعض الأحيان النشاط الاستيطاني الإسرائيلي وبالنظر إلى تبني قطاعات واسعة من موظفي الإدارة المدنية لتوجهات التيار الديني المتشدد فإن القانون المقدس عادة ما يطبق مقابل تجاهل ما ينص عليه القانون الوضعي .

الاستيطان وضغوط الداخل

وتكمن إشكالية العلاقة بين تصاعد نفوذ اليمين الديني ومستقبل عملية السلام في توجهات المنتمين لهذا التيار التي تعتبر إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تهديدًا لأمن إسرائيل ولا تقبل تجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس وتعتبر تفكيك أي من المستوطنات القائمة والانسحاب منها خيانة " لأمانة آلهية " وفق نصوص التوراة، وفي هذا الإطار كشف استطلاع للرأي في أبريل 2008 أن حوالي 64 % من اليهود المتدينين لا يقبلون إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ويرفض حوالي 72 % منهم استئناف المفاوضات مع الطرف الفلسطيني وبطبيعة الحال لا يقبل غالبية الإسرائيليين الانسحاب من مستوطنات الضفة الغربية .

وتقدم الدراسة التي أعدها نيكولاس بيلهام والتي تم عرضها سلفًا إطارًا تفسيريًّا لنهج حكومة نتنياهو الرافض لتجميد الاستيطان ويمكن الإضافة إلى ما ورد بها والقول بأن الحكومة الإسرائيلية تتعرض لضغوط من ثلاث جهات رئيسة تدفعها لمزيدٍ من التشدد في سياستها تجاه عملية التسوية بحيث تأتي أحزاب اليمين الدينية المنضمة للائتلاف الحاكم على رأس تلك الجهات، حيث طالب حزب "الاتحاد الوطني" الذي يمثل بشكل خاص المستوطنين بإعادة المستوطنين إلى مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة الغربية التي أخليت ضمن خطة "فك الارتباط" مع السلطة الفلسطينية قبل نحو عشرة أعوام بزعم أن "فك الارتباط" أسفر عن نتائج عكسية. وأصدر الحزب الذي يتزعمه يعكوف كاتس بيانا في 28 من فبراير جاء فيه: "إن الفلسطينيين فهموا عملية فك الارتباط بشكل خاطئ، وفسروها على أنها تأتي للتعبير عن ضعف دولة إسرائيل، ويجب إعادة الردع من خلال العودة إلى المناطق التي أخليناها".

كما يتبنى حاخامات طائفة الحريديم المتشددة مواقف أكثر تطرفًا من وزراء الحكومة الإسرائيلية مثل رفضهم لعقد صفقة مع حركة حماس لتحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين ودعوتهم لتحرير شاليط بالقوة وقيامهم بإطلاق مبادرة في 27 من يونيو يدعون فيها أنصارهم من العائلات الدينية واليمينية اليهودية للاستيطان في هضبة الجولان السورية المحتلة بشكل يعزز من التواجد اليهودي بالهضبة، وهو ما وصفته صحيفة معاريف الإسرائيلية بـ"الاستيطان الديني وتزعم هذا التوجه عوفير كوهين رئيس "الحركة من أجل القيم اليهودية"،و ذلك للتغلب على ارتفاع أسعار العقارات في إسرائيل .

ويمارس المجلس الاستيطاني الإسرائيلي ضغوط قوية لردع أي تنازل ضئيل الأحزاب اليمينية المتحالفة معهم في الحكومة الإسرائيلية، فقبيل زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك للولايات المتحدة للتباحث حول تجميد الاستيطان في الضفة الغربية في 29 من يونيو نقلت صحيفة يديعوت أحرنوت عن داني دايان رئيس المجلس الاستيطاني الإسرائيلي رفضه لتقديم أي تنازل فيما يتعلق بالاستيطان أو حتى القبول بقيام دولة فلسطينية، واعتبر دايان أنه "آن الأوان لهذه الحكومة أن تقول الحقيقة – بأنها انتخبت لأنها تؤمن بأن الدولة الفلسطينية هي خطر وجودي على إسرائيل، ولليهود حق في الاستيطان في أي مكان في أرض إسرائيل، وفي البناء - ليس فقط لسد احتياجات النمو الطبيعي- وإذا لم نقم بذلك سننزلق من السيئ إلى الأسوأ"، منتقدًا ما أسماه تنازلات نتنياهو بقوله" "نتنياهو استسلم مرة أخرى، وبشكل مهين للرئيس الأمريكي، فبعد قبوله الدولة الفلسطينية والخروج العسكري من مدن الضفة، يقبل الآن تجميد الاستيطان"؟.

ومن ثم يمكن تفسير تشدد حكومة نتنياهو حيال تجميد الاستيطان في أحد أبعاده بخضوعها للضغوط سالفة الذكر ناهيك عن توجهاتها اليمنية وتشكيل الائتلاف الحاكم الذي يضع النشاط الاستيطاني على قائمة أولوياته لاجتذاب تأييد اليهود المتدينين من قاطني المستوطنات، بما يعني أن حكومة نتنياهو لا يمكنها تقديم أي تنازلات في المفاوضات مع الطرف الفلسطيني ولا يمكن اعتبارها بأي حال شريكًا يمكن الاعتماد عليه مستقبلاً في عملية التسوية .

الحرب الضرورة

ذكرت المقالة المنشورة بدورية الشرق الأوسط Middle East Quarterly للكاتب دانيال بايبس Daniel Pipes - هو كاتب معروف بتحيزه للكيان الصهيوني- في مقالته "عملية السلام أم عملية الحرب؟ إسرائيل وأعداؤها" أنه لا أمل في إنجاح أي مبادرة لمباحثات السلام، حيث أخفقت عديد من المبادرات السابقة. ويرجع دانيال فشل المباحثات السابقة إلى أن إسرائيل تستبعد خيار الحرب وإدراج القدس على أجندة المفاوضات، لذلك ينبغي على واشنطن التخلي عن المفاوضات والعودة بدلاً من ذلك إلى سياسة أكثر نجاحًا وهي "القتال لتحقيق النصر".

يرى دانيال أن الحروب لا نهاية لها من خلال حسن النية ولكن من خلال تحقيق النصر ليكون أحد أطراف الصراع على الأقل مهزومًا، وبالتالي يتخلى عن أهدافه و يقبل بشروط المفاوضات ويقدم التنازلات.

فسحق إرادة العدو على القتال لا يعني بالضرورة سحق العدو وإبادته. فالتوقيع على اتفاقات أوسلو في سبتمبر 1993 بين رئيس الوزراء إسرائيل إسحاق رابين وياسر عرفات الزعيم الفلسطيني وبرعاية إدارة بيل كلينتون كان البعض يراها بمثابة رمز للدبلوماسية الرائعة.

والذي رأى فيها وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفرWarren Christopher أنه المستحيل الذي أصبح ممكنًا ورأى كل طرف أنه حقق المطلوب: الكرامة والاستقلال الذاتي للفلسطينيين والاعتراف والأمن للإسرائيليين. وفاز عرفات ورابين وبيريز معًا بجائزة نوبل للسلام لعام 1994.

وعلى خلاف المتوقع، كان من نتائج الاتفاق تدهور الأوضاع بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، حيث استمر الفلسطينيون تحت السيطرة الإسرائيلية كما كان الوضع قبل اتفاقات أوسلو وزاد الفقر والفساد وثقافة الموت والتطرف الإسلامي. وبالنسبة للإسرائيليين، فقد أظهرت تقارير وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الإسرائيليين الذين لقوا مصرعهم في هجمات فلسطينية التي زاد معدلها خلال السنوات الخمس التي تلت اتفاقات أوسلو مما كانت عليه في السنوات الخمس عشرة السابقة على ذلك.

ويرجع دانيال أسباب خلل مفاوضات السلام إلى سوء فهم إسحاق رابين وخلفائه - شمون بيريز وبنيامين نتنياهو وأيهود باراك - لإنهاء الحرب وأسلوب حسن النية والتوفيق والوساطة والمرونة وضبط النفس والتسوية أملاً في التغيير سلوك الفلسطينيين ونبذ العداء للإسرائيليين . وأن التنازلات الإسرائيلية فسرت من جانب الفلسطينيين وغيرهم على أنها إشارات من ضعف الدولة اليهودية، فقد استهزئ زعيم حزب الله حسن نصر الله بإسرائيل، فقال عنها أنها "أضعف من بيت العنكبوت". والفلسطينيون ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها دولة قوية اقتصاديًّا وعسكريًّا ولكنها ضعيفة معنويًّا وسياسيًّا ولاسيما بعد الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005 وحرب لبنان في 2006.

ومن المرجح أن يتطلب تغير هذه التصورات عقودًا من العمل الشاق لتحقيق النصر. فالسيناريوهات المحتملة من أجل إنهاء الصراع هي واحدة من اثنتين إما أنه لن يكون هناك وجود للدولة الصهيونية، أو أنها ستكون مقبولة من قبل جيرانها مع اختلاف تفاصيل تنفيذ الهدفين وحدودهما.

سحق الفلسطينيين

جميع الأساليب المبتكرة التي تبناها أو اتخذها الإسرائيليون لإدارة الصراع تهدف إلى تجنب الحرب وليس الفوز بها، لا أحد منها يتناول الحاجة إلى كسر الإرادة الفلسطينية للقتال.

ومن تلك الأساليب التسوية الإقليمية وتطوير الاقتصاد الفلسطيني المتبعة من إسحاق رابين وشيمون بيريز في عملية أوسلو، والإجراءات الأمنية أحادية الجانب كبناء الجدار والانسحاب من قطاع غزة وهو الأسلوب المتبع من أرييل شارون وأيهود أولمرت وحزب كاديما، وأسلوب استئجار الأراضي تحت البلدات الإسرائيلية في الضفة الغربية لمدة 99 عامًا والمتبع من عمير بيرتس وحزب العمل، وأسلوب تشجيع الفلسطينيين على بناء حكومة جيدة وهو الأسلوب المتبع من ناتان شارانسكي وجورج دبليو بوش، وتراجع الإقليمية والمتبع من التيار اليساري في إسرائيل، وأسلوب استبعاد الفلسطينيين الخائنين من الجنسية الإسرائيلية وهو الأسلوب المتبع من أفيجدور ليبرمان، طرد الفلسطينيين من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل وهو أسلوب مائير كاهانا. كل ذلك من شأنه أن يجنب إسرائيل العمل الشاق من أجل النصر وفرض الإرادة.

فعن طريق الاقتصاد والتنمية والتعليم يمكن القضاء على عدو إسرائيل . فيرى دانيال أن إسرائيل تحتاج لردع الفلسطينيين وسحقهم ليكونوا عظة لغيرهم من العرب والمسلمين عن طريق القضاء على كل عنصر يشجع الفلسطينيين على هدفهم بأنهم يستطيعون القضاء على إسرائيل، وتشجيع عوامل التخلي عن هذا الهدف. فالفلسطينيون هم عدو إسرائيل في نهاية المطاف وهم تقريبًا الحجم الديموغرافي لإسرائيل ذاته، حسب تعبير دانيال .

ويتحدث دانيال عن ضرورة إصلاح النظام التعليمي للتخلص من تشويه صورة اليهود وإسرائيل، وتوضيح العلاقة الدينية لليهود بالقدس، وترويج فكرة التطبيع التجاري والثقافي والعلاقات الإنسانية مع الإسرائيليين يعد أمرًا هامًّا لكسب المعركة وفرض الإرادة.

انتصار إسرائيل وأمريكا وجهان لعملة واحدة

تواجه الإدارة الأمريكية خيارًا قاسيًّا، أما تأييد الهدف الفلسطيني والذي صوره دانيال بأنه القضاء على إسرائيل وهو هدف "بربري وهمجي السلوك"، أو تأييد الهدف الإسرائيلي لكسب قبول جيرانها بوجودها بالمنطقة وهو الهدف المدني المتحضر المقبول. وبالتالي يتعين على الإدارة الأمريكية أن تقف مع إسرائيل في هدفها لكسب القبول.

يتعين على الإدارة الأمريكية العمل مع إسرائيل والدول العربية وغيرهم لحمل الفلسطينيين على قبول وجود إسرائيل و اشتراط القبول قبل الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومناقشة الوضع النهائي وتقديم أي مساعدات مالية أو أسلحة. ويرى دانيال أن ذلك لن يتم إلا من خلال إظهار إسرائيل لقوتها كما حدث ضد حماس في غزة في سبتمبر 2008 لإفراغ العقلية العدوانية ضد إسرائيل والقضاء على المقاومة.

انتصار إسرائيل يمكن الولايات المتحدة من تهديد أعدائها بالمنطقة - حماس وحزب الله وسوريا وإيران- وهم أعداء إسرائيل أيضًا. فيتعين على واشنطن ألاَّ تشجع على الانخراط في عمليات تبادل الأسرى مع حماس باعتبارها جماعات إرهابية ، وعدم السماح لحزب الله بإعادة تسليح نفسه في جنوب لبنان أو فتح أو حماس في غزة ، وعدم تأييد الانسحاب الأحادي من الضفة الغربية والذي سيؤدى إلى تسليم الضفة إلى حماس "الجماعة الإرهابية" مما يترتب عليه تهديد الحكم الهاشمي في الأردن.

وبالتالي من السابق لأوانه تحرك الدبلوماسية التي تهدف إلى إيقاف وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي حتى يتخلى الفلسطينيون عن معاداة الصهيونية، آنذاك يمكن إعادة فتح المفاوضات وتناول القضايا من جديد كبنود أوسلو والحدود، والموارد، والتسلح، والحقوق السكنية.

روية تحليلية لما ذكره دانيال

نجد أن الكاتب تحيز في سرده لأسباب فشل مباحثات السلام السابقة، وضرورة اختيار خيار الحرب للوصول للسلام وفرض الإرادة والمطالب الإسرائيلية على الفلسطينيين لردع غيرهم، وضرورة قيام الولايات المتحدة بتأييد السياسة الإسرائيلية والتي ستحافظ على المصالح الحيوية لأمريكا بالمنطقة. فقد بدأ الكاتب باختياره لعنوان مقالته "إسرائيل وأعداؤها" ليعبر عن الاتجاه التحيزي العدائي لتيار السلام.

إن فشل محاولات إدارة بوش لاستئناف مباحثات السلام تكمن في نهجه وأسلوبه لمعالجة الأزمات وقد تناسى الكاتب أن نهج كلٍّ من جورج بوش وباراك أوباما في تناوله للموضوعات واتخاذ قراراته مختلف. وأن السبب الكامن والسمة المشتركة لجميع المبادرات الأمريكية وغيرها من المبادرات لاستئناف مباحثات السلام "هو عدم الثقة من الجانبين للآخر".

فالمبادرات السابقة كاتفاق أوسلو 1993 والتي لم تفرز سلام إيجابي ولم تحقق السلام المرجو منه وذلك للتقاعس في تنفيذ التدابير الدالة على حسن النوايا لبناء الثقة. ونرى أن فشل مباحثات السلام راجع إلى عدم التوازن بين الأطراف، فالإسرائيليين لديهم القوة والقدرة على سحق أي طرف بالإضافة إلى تأييد بعض الدول الكبرى في النظام الدولي لهذا السحق. وعلى الجانب الأخر، لا يمتلك الفلسطينيون القوة ولا القدرة للدفاع عن أنفسهم ضد العدوانية الصهيونية . فكيف نطلب منهم منح مزيدٍ من التنازلات.

أشار دانيال إلى أن أسباب فشل المفاوضات هو تخلي الجانب الإسرائيلي لخيار الحرب، وقد تنسى أن فشل المفاوضات هو استخدام إسرائيل الخيار ذاته بصورة شبه يومية ضد الفلسطينيين. وأن فشل التوقعات المرجوة من اتفاق أوسلو لم يكن ناتجًا عن فشل إدارة ياسر عرفات أو ما اسماه دانيال "التطرف الإسلامي" بل نتيجة استمرار "التطرف اليهودي الصهيوني" أي الإرهاب اليهودي الإسرائيلي من قمع الشعب الفلسطيني الأعزل، ومواصلة الجهود الاستيطانية الإسرائيلية وبناء المستوطنات في الضفة الغربية لتشريد الفلسطينيين وتقييد المساحة المتاحة لقيام الدولة الفلسطينية.

وحقيقة الأمر أن خلل مفاوضات السلام يرجع إلى عدم حدوث أي تغيير في نهج السياسة الإسرائيلية سواء في عهد رابين وخلفائه - شمون بيريز وبنيامين نتنياهو وأيهود باراك - لإنهاء الحرب، فمازالت إسرائيل تستمر في بناء المستوطنات ومازال الإرهاب اليهودي الإسرائيلي مستمرًا ضد الشعب الفلسطيني . فقد توقع الفلسطينيون من المفاوضات تغيير السلوك الإسرائيليين وإعطاء الشعب الفلسطيني مظاهر الحق في الحياة الكريمة إلا أن آمالهم أصبحت سرابًا في ظل الممارسات التمييزية الاستعمارية التي لم تنته حتى الآن "كحرب غزة 2008".

فقد ذكر مؤخرًا نيتانياهو لمبعوث أوباما جورج ميتشل في القدس أن إسرائيل لن تستأنف محادثات السلام ما لم يتم الاستجابة، أولاً للشروط التي كانت مرفوضة في السابق مثل الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية. وهو الأمر المرفوض من كافة الدول العربية بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وقد حاول دانيال إدراج لفظ "الدولة اليهودية" كإشارة إلى يهودية دولة إسرائيل وهى إحدى المحاولات الإعلامية التي تستخدمها إسرائيل لطمس الحقائق وإثبات الأكاذيب لكي تتخذ القضية نزعة دينية - على الرغم من أن ما جاء في التوراة معارض لإنشاء دولة إسرائيلية.

والسؤال المطروح لدانيال وأمثاله إذا كانت إسرائيل تبحث عن السلام القائم على اعتراف الفلسطينيين وغيرهم من الدول العربية بدولة إسرائيل فلماذا يتجاهل الإسرائيليون ولم يوافقوا على المبادرة التي أطلقتها قمة الجامعة العربية عام 2002 والتي تعرض على إسرائيل الاعتراف مقابل الانسحاب من كافة الأراضي التي احتلتها عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية وحل "عادل" للاجئين الفلسطينيين. فالسلام لا يكون بتقديم الطرف المعدم مزيدًا من التنازلات، اللهم إلا إذا كان التفاوض هو التنازل عن الحق في الحياة للإسرائيليين. "فالسلام لا يعني الاستسلام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/تشرين الثاني/2009 - 9/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م