بذور الشر في العراق

د. عدنان جواد الطعمة- ألمانيا

بينما كنت أطبع صوري في أحد المحلات التجارية في مدينتنا، تقدم نحوي رجل من أهالي مدينة ماربورغ وسلم علي وسألني عن كيفية قيامي بطباعة صوري المخزونة في الميموري ستيك لكامرتي كانون. فبدأت أشرح له الكيفية وتبادلنا الحديث عن الأزمة المالية العالمية وجشع الشركات الإحتكارية العظمي بالإستيلاء على مقدرات شعوب العالم كالمياه والأغذية والبذور والمعادن والمياه الجوفية.

قال لي أنه جاء من أستراليا لزيارة قصيرة لأهله في مدينة ماربورغ، واقترح علي قراءة هذا الكتاب بعنوان: بذور الشرDie Saat des Boesen تأليف: Antonio Inacio Andrioli و نشر: Ricahrd Fuchs فإنك ستعرف كيف أن بضعة شركات عملاقة إحتكارية تسيطر على قوت البلدان والشعوب في العالم.

سبق أن سمعت من أحد البيولوجيين الذي كان يعمل في حديقة النباتات القديمة في مدينتنا بأن الشركة السويسرية للمواد الكيمياوية قد قامت بتحسين وتطوير بذور الذرة بالهندسة الجينية الوراثية التي غيرت تركيب الذرة كليا، أطلق عليها BT – Mais 176 ذرة ب ت 176.

أدخلت بذور الذرة الجينية هذه لأول مرة في ألمانيا.، حيث وافقت الجهات المختصة على السماح بزرعها في المزارع باعتقادها أن ليست لها عوامل سلبية مضرة بصحة الحيوان والإنسان والبيئة وفق الوثائق التي قدمتها الشركة لهذه الجهات الرسمية.

ثم أخبرني الخبير البيولوجي بأنه يعرف مزارعا إسمه Gottfried Gloeckner الذي يسكن في مدينة Woelfersheim كان المزارع الأول الذي إشترى بذور الذرة ب ت 176 من الشركة السويسرية Syngenta حيث زرعها في مساحة نصف هكتار، لكي يستعملها كعلف للأبقار التي كانت تنتج يوميا 1500 لترا من الحليب.

وعندما خرجت من المحل التجاري ذهبت مباشرة إلى مكتبة بيع الكتب وطلبت شراء هذا الكتاب. وبعد يومين إستلمت الكتاب فوجدت فيه فصولا مذهلة ومرعبة تهز ضمير الإنسانية وتبين طمع واحتكار الشركات Monsanto, Dow, Pioneer, Novartis ( Syngenta) وغيرها التي تحاول السيطرة على كل بذور العالم، بحيث أنها تجبر المزارعين على شراء بذورها الجينية التي تحتوي على مواد سامة مضرة بصحة الحيوان والإنسان.

أصابني الذعر والغضب والألم عندما قرات مأساة المهندس الزراعي جوتفريد غلويكنر الذي فقد 125 بقرة حلوبة بعد إعطائهم علف الذرة ب ت 176 لمدة سنتين. سأكتب التفاصيل عنه في المقالة الثانية إن شاء الله.

وعندما قرأت الفصل الخاص بالعراق في الصفحات 44 – 47 إنتابني الحزن العميق والغضب والألم على ما حدث ويحدث في العراق من جرائم ضد الإنسانية والبيئة التي ستصيب هذا الجيل والإجيال القادمة من تسمم وأمراض، إذا لم تتخذ الحكومة العراقية الحالية إجراءا حاسما لإلغاء كل العقود التي ابرمتها الشركة الأمريكية مونسانتوا مع المزارعين العراقيين، حيث أجبرتهم على شراء بذورها المزروعة بهندسة الجينات الوراثية السامة، فإنها بحق ستكون كارثة على الأجيال القادمة لا سمح الله..

لم تكتف قوات الحلفاء بالدمار الشامل الذي قامت به ضد البيئة والمزارع وسايلوات حبوب الحنطة والذرة والشعير وقتل الآلاف من المواطنين عمدا دون تمييز ونهب القطع الفنية والأثرية إبان إحتلال بغداد ونهب ثروات العراق من دون رقابة وحساب فحسب، بل أنها أدخلت مواد وأوامر التي أصبحت قانونية وخاصة المادة أوالأمر رقم 81 بإجبار الفلاحين والمزارعين العراقيين على توقيع إتفاقيات مع شركة مونسانتو وغيرها على إستيراد فقط بذور القمح والذرة والشعير وغيرها المزروعة بالهندسة الجينية الوراثية.

وان المزارعين إذا زرعوا بذورا طبيعية بيولوجية كما كان يزرعها الآباء والأجداد منذ آلاف السنين قبل الميلاد في بلاد وادي الرافدين ( العراق اليوم ) فإنهم سيتعرضون إلى أقسى العقوبات. كما أجبرت هذه المادة وغيرها الحكومات العراقية الحالية والقادمة بعدم إلغاء هذه الإتفاقيات، وكأنها كتاب مقدس نازل من السماء.

أحاول ترجمة أهم ما ورد في الفصل عن العراق في الصفحات 44 – 47، لكي تتطلع الحكومة العراقية وكافة المسؤولين الكرام وكذلك شعبنا العراقي الكريم والشعوب العربية الشقيقة على هذه الجريمة النكراء.

( قال هارولد بنتر Harold Pinter في خطابه أمام مؤسسة الحائزين على جائزة نوبل عام 2005 في مؤتمر عقد بمدينة ميونيخ: أن غزو العراق كان عملية لصوص وقطاع طرق، عملية دولة إرهابية مكشوفة، التي استهترت بالحقوق الدولية مبينة:

نحن جلبنا للشعب العراق التعذيب والقنابل الإنشطارية واليورانيوم المنضب وعمليات لا حصر لها بالقتل المتعمد المتعسف والفقر والإهانة والموت

وهذا يسمونه تطبيق وجلب الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط ).

إن بلاد ما بين النهرين المتدفقين الفرات ودجلة (هما أنهار الجنة )، أطلق عليها في السابق مابين النهرين، هي مهد الزراعة والفلاحة. ويروى عنها في الكتاب المقدس الإنجيل بأن الله سبحانه وتعالى قد زرع جنة عدن في هذه المنطقة

( أي مابين نهري الفرات ودجلة ). وقد استخدمت مياه النهرين في العصور القديمة لسقي وري البلاد والمزارع عبر حفر قنوات وجداول إصطناعية.

وقد تم زراعة وتحسين أهم النباتات الغذائية هنا. وبهذه الطرق نشأت آلاف الأنواع المختلفة والملائمة لأحوال التربة والمناخ وكانت لهذه النباتات مناعة قوية ضد الحشرات الضارة والأمراض.

وحسب التقديرات والدراسات اصبح عدد أنواع الحنطة أكثر من 200 ألف نوعا من القمح تعود إلى طرق زراعتها في بلاد ما بين النهرين.

لم تكن هذه الأنواع الإرث الثقافي للعراق فحسب، بل للإنسانية جمعاء.

إستفاد أيضا الفلاحون والمزارعون الأمريكيون والأوروبيون منذ مئات السنين من التربية الزراعية لأول فلاح من بلاد ما بين النهرين.

وكالسابق إزدهرت الزراعة في العراق بزراعة القمح والحنطة والشعير والرز ( التمن ) والبقول وأنواع التمور والقطن وهي من أهم فروع الكسب والتجارة.

كان المزارعون والفلاحون يتبادلون البذور فيما بينهم التي يحتفظون بجزء منها في موسم الحصاد من أجل زراعتها للعام القادم.

وطريقة حفظ كمية قليلة من البذور من كل موسم حصاد لزراعتها في السنة القادمة هي متبعة ليس فقط في العراق فحسب، بل وفي العالم أجمع.

إستخدم أكثر من مليار وأربعمائة مزراع في العالم، ليس فقط في العالم الثالث فحسب، بل في العالم أجمع للتبادل الحر للحبوب بين المزارعين من أجل العيش والحياة.

وبهذه الطريقة يمكن حفظ البذور البيولوجية الأصلية الطبيعية بهذه الطريقة.

وحسب التقديرات لا زالت 75% من البذور الطبيعية في أيادي المزارعين في العالم. ومنذ سيطرة الشركات العملاقة الإحتكارية الدولية المختلفة على القطاع الزراعي تم سحب حقوق الفلاحين.

وعندما يعلن جورج دبليو بوش: " نحن في العراق، لكي نزرع بذور الديموقراطية، التي ستنتشر في المنطقة كلها "، لكان عليه الأفضل أن يقول الحقيقة: " نحن جئنا من أجل نشر وبيع بذور الشركات Monsanto وDow و Pioneer ".

ووفقا لخطط الحكومة الأمريكية والشركات الصناعية الزراعية أصبحت زراعة وتبادل بذور الحبوب بين المزارعين والفلاحين العراقيين في خبر كان.

نتيجة لقصف المزارع وسايلوات الحبوب لعدة مرات بالقرب من أبو غريب ومناطق أخرى في وسط وجنوب العراق بالقنابل والمدفعية والصواريخ لم يبق من مخزون الحبوب شئ يذكر. وهذا جاء من مصلحة أمريكا.

ومن خلال ذلك القصف المتعدد كانت ضحيته:

سايلوات العلف الحيواني، وحقول الدواجن، ومخازن السماد الطبيعي، ومحطات الضخ الكهربائي وأنظمة سقي المزارع.

تم إصدار قانونا من قبل قوات الإحتلال الذي وافق عليه البرلمان العراقي، بحيث أصبح إستيراد البذور الجينية من الشركات الأمريكية.

وعندما عين بول بريمر الثالث حاكما مدنيا لمجلس الحكم المؤقت في مايس عام 2003 وغادر العراق في نهاية حزيران عام 2004، خلف وراءه 100 أمرا جديدا للحكومة العراقية المؤقتة، التي تحولت هذه الأوامر إلى قانون.

وبذلك تحول الإقتصاد الحكومي العراقي إلى قطاع خاص ما عدا موارد النفط والمواد الجوفية.

لم تحتاج الإستثمارات الأجنبية إلى موافقات الدوائر الرسمية العراقية في حين تقع الموافقة على الشريك العراقي. ولا تدفع الشركات الأجنبية ضريبة على أرباحها التي تسحبها إلى خارج العراق.

ومن أحد الأوامر هو رقم 81 هوجزء لا يتجزأ من القانون ( فيما يخص للشركات Patents، Industrial Design, Undisclused Information,Intergrated Circuits and Plant Variety Law) التي أستبدلت بقانون برائة الإختراع العراقي لعام 1970.

لا يحق لأية حكومة عراقية منتخبة أن تغير قوانين الحكومة الأمريكية التي وضعتها.

وهذه الأوامر حول براءة الإختراع ونوع الصناعة ومعلومات أخرى لم تنشر إلا أنها روابط قانونية ملزمة.

وقد عملت ووضعت شركة مونسانتو Monsanto Corporation المادة 81 للحكومة الأمريكية.

وبذلك يمنع إعادة زراعة كمية من البذور الطبيعية المخزونة بعد موسم الحصاد وفق القانون الجديد للحكومة الأمريكية المحتلة. وعلى العكس ستنتشر بذور إختراع إتحاد الشركات العملاقة أمثال:

Monsanto, Dow Chemical, DuPont, Bayer or Syngenta.

لذا أرجو من السادة المسؤولين الكرام في العراق أن يلغوا هذه الفقرة أو المادة رقم 81 ويمنعوا إستيراد بذور الشر والوباء المعمولة بالهندسة الجينية والوراثية من هذه الشركات وغيرها، حرصا على سلامة الأجيال القادمة وتربة وبيئة العراق من هذه المواد السامة. وأقول بكل أدب واحترام إذا لم تفعلوا ذلك وتنقذوا شعبنا العراقي والأجيال القادمة، أخشى أن لعنة أمهات وآباء الأجيال القادمة ستلاحقكم إلى يوم القيامة، والله من وراء القصد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تشرين الثاني/2009 - 7/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م