ممثلو الشعب يخذلون الشعب

بشرى الخزرجي

الروايات التي نقلها الناجون من بطش النظام العراقي السابق أبان الانتفاضة الشعبية العارمة مطلع التسعينات تبعث على حيرة التساؤل الباحث عن حجم دور قيادات المعارضة العراقية المتواجدة في دول الجوار آنذاك، ماذا قدمت وكيف تفاعلت مع ذلك الحدث الشعبي الكبير!،

فمن الأمور التي ذكرها من كان هناك في صفوف المنتفضين وهم بطبيعة الحال سكان تلك المدن التي شمرت عن ساعديها نافضة عنها غبار الذل والهوان الذي أراده لها حزب البعث السابق بحروبه المدمرة الرعناء، وبينهم كانت صديقة عزيزة عملت معيدة بجامعة البصرة جنوب العراق وأصبحت وبحكم عملها ونزولها الشارع شاهدة على حقبة سوداء من تاريخ هذا البلد المبتلى على الدوام ، لما رأت وبأم العين من جرائم دموية قامت بها عناصر النظام البعثي القمعية، ومشاهدات تتعلق بسرقات (حوسمة ) منشئات حكومية وبيوتات عوائل البصرة الميسورة وأمور عديدة مخزية يطول شرحها.

سألت الصديقة الشاهدة ضمن سردها المفصل لحوادث انتفاضة الشعب العراقي سؤالا لطالما شغل تفكيرها مفاده.. أن العديد من القادة السياسيين الحاليين والذين يتسنمون مناصب مهمة في الدولة العراقية، كانوا على بعد أمتار قليلة من مدن العراق المنتفضة، لكنهم لم يحركوا ساكنا، فقد تركونا.. وتقصد تركوا الشعب العراقي، ندفع الثمن باهظا في مواجهة الآليات العسكرية البعثية الشديدة القسوة، فلم يقدم القادة المتنافسون الآن وبشدة على السلطة والنفوذ والمكاسب لنا غير صور زعماء أحزابهم الملونة وغير الملونة!  بينما كان المنتفضون وهم من العامة البسطاء وبضمنهم العسكري والموظف والطالب والكاسب وغيرهم، ينتظرون التدخل والنصرة، وإظهار طاقات قيادية تستوعب الجهود الكبرى وتحميها من الفشل والضياع!..

 تدخلات لو تمت بالفعل وصيرت لصالح الشعب العراقي في وقتها المناسب لربما اختلف الأمر، ولما جرى ما جرى من ويلات وانتكاسة قضت على الآمال والمنجزات، فالبعض كان يفترض فيهم دعم الإرادة الجماهيرية الثائرة، لكن وللأسف وبدلا من ذلك الافتراض، فضلت المعارضة العراقية التفرج علينا عن بعد ونحن نباد ونذبح ونقمع على أيدي قوات الحرس الجمهوري الخاص المسنود بعناصر عشائرية ولائها المنقطع للنظام الصدامي وحزبه الفاشي حيث الفزعة  المعروفة التي طالبت بها قيادات بعثية بارزة من العشائر العراقية حينها.

ترى لماذا اختار زعماء المعارضة السابقون قادة العراق اللاحقون، التفرج على الشعب العراقي يسحق بعد ان اسقط في انتفاضته الشعبية الذاتية معظم المحافظات والمدن والقصبات دون ان يتدخلوا التدخل المسؤول!، فهل كانوا ينتظرون نهاية الفصل الأخير وكيفية تصرف القوات الأمريكية المرابطة على الجانب الأخر، وقد خذلت الأخيرة العراقيين في الوسط والجنوب أيضا، بعد ان وعدهم بوش الأب بالتدخل والمآزرة.

شريط الحوادث المؤلمة تلك وما يحمله من تساؤلات مشروعة يمر في مخيلة العديد وهم يرصدون المشهد السياسي العراقي القائم، وبعد فشل الكثير من السياسيين في تقديم ما يلفت النظر إليهم والى إمكاناتهم القيادية الفريدة من نوعها، خصوصا بعد أن أصبح الشعب أكثر وعيا وأكثر نضجا.

ظهرت الكتل النيابية المشاركة في الانتخابات القادمة والاصطفافات المراد لها ان تكون جديدة! لكنها بنفس الوجوه القديمة طبعا! و تعرف الناخب العراقي الواعي عليها وعلى واقعها، فأعضاء هذه الكتل يأتلفون للانتخابات والمصالح الحزبية، ويتخاصمون ويتقاطعون أثناء جلسات البرلمان وعندما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة، نجد المماطلة والمشاكسة سيدة الموقف، وبالنسبة للتصويت على القوانين المهمة المعطلة ومنها قانون الانتخابات الذي لم يحسم ورحله أعضاء الأحزاب للمجلس السياسي الأمني (!) غير الدستوري، فهو الآخر انتكاسة وفشل ما بعده فشل.

إن السجالات المحتدمة من قبل الأحزاب على (حزورة)  تدعى مدينة كركوك ووضعها ومصير أهلها، والجدل الدائر حول شكل القائمة الانتخابية التي سوف تعتمد (مفتوحة أم مغلقة) والتصريحات المتناقضة فحدث ولا حرج، كلها وغيرها جعلت المواطن العراقي في حيرة من أمره (مسكين محتار من يومه)! والحقيقة الله يساعده ويعينه في ظل هكذا واقع مرير وهكذا قوائم ظاهرها التحالف وباطنها التخالف ضاربة بمصالح الناس والعراق عرض الحائط، والحق فان بعض هذه التيارات والاحزاب تحاول ومن خلال الاستفتاءات الشعبية ودعوة الكفاءات للترشيح، أبراز قدرات ديمقراطية تتلائم والمرحلة الراهنة، من شأنها كسب رضا الجمهور الذي وحسب وصف أحد قادة هذه الكتل مفتح باللبن! بينما يتعمد ذات القيادي وعبر ماكنته الإعلامية الغامضة استغفال هذا الجمهور، وبطرق ملتوية تفرض ثقافة التسقيط وتتلاعب بالمشاعر والمفردات لأجل تشويش قرار الناخب العراقي الموصوف بالواعي والمفتًح. 

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 25/تشرين الثاني/2009 - 5/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م