حركة النص الالهي

برير السادة

يتميز النص الالهي (القران الكريم) بخواص عديدة على النص البشري, تجعل منه نصا مهيمن على مجمل النصوص البشرية سواء كانت فهما او تفسيرا. احدى هذه الخواص هي سعة النص وامتداده, حيث ان التعاقب الزماني, وكثرة المفسرين والشارحين, لا تجعل من هذا النص فارغا او غائبا في زمن ما. فمرونة النص وامتدداده اوسع بكثير من حدود الزمان والمكان.

المميزة الثانية للنص الالهي فاعليته وقدرتة على بعث روح الحرية والحركة, ووضع جميع القيود والاغلال المناعة عن الانطلاق نحو الكمال والتعالي الحضاري والانساني, وقد اشار القران الكريم في العديد من اياته لهذه الميزة كما في قوله تعالى "لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم افلا تعقلون".

 واهم تجليات هذه الخاصية والميزة برزت في دعوة القران لحرية العقيدة, يقول تعالى "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم"   دعوة القران للتفكر والتعقل والنظر في السموات والارض وآيات الكتاب في هذا المجال كثيرة يقول تعالى "ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون"  ويقول تعالى "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار".

ومنها ايضا التاكيد على كرامة الانسان واستخلافه في الارض يقول تعالى "ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".

ومن تجلياتها نقل تجارب الامم السابقة وتبيين معالم السنن التاريخية والاجتماعية والاخلاقية من خلال قصص الانبياء, واخيرا الدعوة للحوار والتجادل بالتي احسن يقول تعال "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين" 

فمن البديهي ان ميزات النص الالهي تضعنا امام سؤال مهم عن تعطل فاعلية النص في حياتنا المعاصرة؟ وهو سؤال مهم لكونه يتساءل عن اسباب التعطيل التي نمثل نحن فيها السبب الرئيس بسبب التغييب الطوعي والقسري للنص الالهي عن حياتنا المعاصرة.

ففاعلية النص لا تعني باي حال من الاحوال هدايته الجبرية والالزمية للانسان مادام معرضا عن هدايته, وهو ما يعني الغياب عن النص او تغييبه وعدم استحضاره.

على ان لا يكون هذه الاستحضار شرفيا, غايته الترنم بالتجويد والاستمتاع بالالفاط وعذوبة الكلمات, فيما تغيب كل المعاني السامية والكبيرة. من هنا يجب علينا ان نرسم معالم الاستحضار الحقيقي للنص الالهي.

آليات استحضار النص الالهي:

اولا: لاشك ان المفردة الاولى من استحضار ودعوة النص الالهي تكمن في تجسير القطيعة بيننا وبين النص, عبر الممارسة اليومية لقراءة النص الالهي, باعتباره دستورا وقانونا منظم لحياتنا ومسيرتنا, اهمية هذه المفردة تكمن في تغلغل المفاهيم القرانية الى العقول والنفوس واستدعئها بشكل الي بل ربما انتظامها قاعدة فكرية في التعاطي الحياتي, ويؤكد القران الكريم على هذه النقطة يقول تعالى "ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القران علم ان سيكون منكم مرضى واخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله واخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا واعظم اجرا واستغفروا الله ان الله غفور رحيم"

ولعل المدقق في الايات السالفة يلحظ إشارة مهمة في التأكيد على التواصل مع النص الالهي رغم ظروف المرض والعمل والجهاد في سبيل الله. والتي هي اليوم اكثر مبرراتنا للانقطاع عن قراءة القران الكريم.

ثانيا: التدبر في النص الالهي وليس التفسير بسبب تعقيداته الكبيرة والحاجة لتوفر شروط علمية معينة في المفسر كما يرى اغلب المفسرون. اما التدبر والتفكر في الايات فهو اكثر انسجاما مع الحركة اليومية بسبب قلة ادواته وسهولة منهجة. فالتدبر اقل ما يراد منه البحث عن الهدف والمراد من الايات, والاستفادة من تجارب الامم السالفة والسنن التاريخية والاجتماعية والاخلاقية.

ولان كان السؤال نصف العلم. فان التدبر منهج يقوم على السؤال والتساؤل, الامر الذي يجعل منه منهج ذو فاعلية عجيبة في الحراك الفكري والثقافي –على خلاف التفسير الذي اصطبغ بمناهج فكرية متنوعة_ وتراكمات ثقافية –اقرب ما تكون لصورة فكرية - تاريخية للفترة الزمنية للتفسير.

فالتدبر ممارسة تعكس صورة التعايش والتفاعل مع مفاهيم واهداف النص الالهي, ورغبة الاستفادة من مميزاته في التحريك نحو النهوض والكمال.

ثالثا: ممارسة مفاهيم النص الالهي المتمثلة في امره ونهيه ودعوته وحثه وزجره وتوبيخه... هذه الممارسة يجب ان تكون متكاملة على امتداد الخط الزماني والمكاني, فلا تحضر هنا وتغيب هناك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/تشرين الثاني/2009 - 30/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م