في يومه العالمي: حاجة ماسة لبرامج عملية للقضاء على الفقر

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: حين يخيّم شبح الفقر على امة او مجتمع او شعب او فرد ما، فإنه سيحيل حياته بلا أدنى شك الى عبء وهمّ وآلام متواصلة، وبهذا يتم تعطيل الدور الانساني لذلك الفرد او تلك الامة وهو هدف لا يتحقق جزافا بل هناك من يعمل على تحقيقه من أجل أن يتسيّد العالم ثقافة ونموذجا ونهجا حياتيا متنوعا.

ولعلنا قرأنا في أوائل اعمارنا او استمعنا من المدارس او المجالس او غيرها، الى ثالوث (الفقر/ الجهل/ المرض) ودوره في تخلف الامة او الشعب او الفرد كذلك، وحين يتصدر الفقر هذا الثالوث فإنه حتما سيكون السبب الاساس الذي يقف وراء جميع البلايا التي تُلحق بالانسان أفدح الاضرار وأقساها.

وطالما أن الانسان او الامة حينما تروم التغيير نحو الافضل والقفز الى خانة الامم المتقدمة والراسخة، ينبغي عليها أن تستثمر طاقاتها وأفكارها قبل غيرها في هذا الصدد، بمعنى أن جهد التغيير يجب أن ينطلق من الامة ذاتها اولا، لذا فإننا بحاجة الى برامج إجرائية لها القدرة على تقليص الفقر بل ووأده تماما في امتنا الاسلامية والانسانية جمعاء، وطالما أننا نعيش في هذه الايام مناسبة (يوم الفقر العالمي) فلعل هذه المناسبة تحفزنا على البحث عن سبل الخلاص من الفقر، كونه المعوق الأكثر صلابة لصنع الحياة الانسانية التي تليق بالبشر.

ومع بوادر الغنى التي تظهر على المسلمين ومن بينهم العرب، إلا أننا نجد العكس تماما حيث الفقر يمتد الى معظم الشرائح الاجتماعية باستثناء طبقتين هما (الحكام والأثرياء) وهما لا تشكلان سوى نسبة ضئيلة بين الشرائح الاخرى، أما الاسباب فهي ذاتية (داخلية) وأخرى خارجية، حيث الاستعمار الذي تسلط على مصائر الامم والشعوب ومن بينهم المسلمين، فقام بسلب ثرواتهم بأساليب لاتمت للانسانية بصلة، وتركهم يعومون في مستنقعات الفقر والجهل والمرض والضعف حتى الآن، وفي هذا الصدد يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين (إنفقوا لكي تتقدموا):

(إن البلاد الإسلامية تعاني أزمة حادة، فقد كان في الماضي القريب، يستعمرهم الغرب فقط، واليوم يستعمرهم الشرق والغرب على حد سواء، وكان في السابق يضغط عليهم أقوى الأمم واليوم يضغط عليهم حتى أذل الأمم:-اليهود- وهذه الأزمة الحادة أوجبت سقوط الأغنياء واحدا بعد واحد، ومجموعة تلو أخرى، فكل بلد تقلص فيها الإسلام تساقط فيه الأغنياء تساقط الورق في الخريف).

وهكذا نلاحظ ان الخطر لا ينطوي على إشاعة الفقر فحسب وإنما ثمة محاولات مدروسة ومخطط لها لاسقاط الاغنياء من المسلمين وهو ما يؤدي بالنتيجة الى ضعف وتخبط اقتصادي عام يتعرض له الفقير والغني على حد سواء، فكلما ضعف الاسلام ضعف أغنياؤه وتساقطوا واحدا تلو الآخر، وفي حالة كهذه ما هو المطلوب من أجل التصدي لذلك او الحد من أخطاره على الأقل، هنا نحتاج الى برمجة التصدي للفقر ولعل (الانفاق) من بين أهم السبل والطرائق التي يمكنها تحقيق الاهداف المضادة لمحاولات الإفقار المتعمَد للمسلمين، ومن ثم تحقيق الاضعاف الشامل لجميع مكونات المجتمع الاسلامي، فنقرأ بهذا الخصوص في كتاب الامام الشيرازي (انفقوا لكي تتقدمو):

( إن في الغرب اليوم أغنياء قد تعد ثروة أحدهم بالمليارات، فهل في بلاد الإسلام اليوم من تبلغ ثروته عشر هذه الثروة؟ كلا! ولماذا؟ لأن الإسلام إذا تأخر فالمسلمون كلهم متأخرون، ثريّهم متأخر عن ثريّ الغرب، وحاكمهم متأخر عن حاكم الغرب، وعالمهم متأخر عن عالم الغرب، وهلم جرا، فإذا بذل أغنياؤنا المال، لم يكونوا بذلك إلا مساهمين في تصعيد مستواهم، قبل كل شيء).

من هنا تبدوا أهمية الانفاق كبيرة بل وأساسية في تفعيل مقومات التطور والإنماء المطلوبين في المجتمع الاسلامي، ولعل مسؤولية الاثرياء هنا تشكل حجر الزاوية في تحويل البرمجة المضادة للفقر الى خطوات فعلية تعود بنتائجها الايجابية على تحويل المسلمين من خانة الفقر الى الغنى الايجابي الذي يضع الاموال في خدمة الانسان وتطوره واستقراره، بيد أن المشكلة التي ستطفو على السطح هي تكاسل الاثرياء عن القيام بدورهم كما يجب، فكما هو متفق عليه أن زيادة الوعي لدى الناس تمثل عاملا مساعدا على مقارعة الفقر كما هو دور الاموال في تقوية الاقتصاد وما شابه، وهذا ما يحتّم على الاثرياء القيام بدورهم في الانفاق وبعكسه ستكون النتائج ذات طابع شمولي، بمعن أن الثري نفسه سيتأثر بالجوانب السلبية التي تحدث نتيجة لعدم الانفاق، وهنا يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين نفسه:

(وذات يوم أرسلت إلى ثري أن يبني مشروعاً في كربلاء ــ أي مشروع أحب من مدرسة أو مكتبة أو دار أيتام أو حسينية أو مسجد أو... فقال الثري لصديقه الرسول، بلغ سلامي إلى السيد، وقل له: الآن ظروفنا حرجة، وأنا لاأقدر على تنفيذ المشروع. وكم كان يكلفه المشروع؟ خمسة آلاف أو عشرة آلاف في أبعد تقدير، ولم تمض مدة ستة أشهر إلا ومات الثري وأخذت الحكومة من إرثه ضريبة تصاعدية بمبلغ (مليون وثمانمائة ألف دينار).

إن هذا المثال ربما ينطبق على كثير من أغنياء المسلمين، لهذا نبّه الامام الشيرازي على أهمية (الانفاق) كبرنامج مضاد للفقر وتوابعه المتمثلة بالجهل والمرض وما شابه.

لذلك علينا في مثل هذه المناسبة العالمية أن نعي بدقة خطورة الفقر على حاضرنا ومستقبلنا وأن نحث أنفسنا جميعا (أثريا وفقراء، قادة ومقودين) على ايجاد السبل المناهضة للفقر وأن نحوّل البرامج النظرية الى ميادين عمل تحد من حالات الفقر بين ظهرانينا بل وتقضي عليه لا سيما ان المسلمين يتحصلون على شروط ومستلزمات النهوض المتمثلة بوفرة الموارد والثروات في أراضيهم، ثم وفرة العقول النيرة التي وفّرت لهم برامج نظرية يمكنها (في حالة التطبيق) أن تقضي على الفقر بين المسلمين وغيرهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/تشرين الثاني/2009 - 30/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م