الاقتصاد الموجه... ضرورة أممية في مواجهة الجوع المتوقع

منظمة دولية تعرب عن خشيتها من نفاذ الغذاء في اغلب دول العالم

 

شبكة النبأ: يعكف بعض خبراء النظام الغذائي لكوكب الأرض على إيجاد الحلول المناسبة للحد من مخاوف تفشي ظاهرة الجوع الذي لن يستثني اغلب دول العالم على المدى المتوسط والبعيد.

حيث تؤكد جملة من الدراسات إن مع الزيادة المضطردة في عدد سكان الأرض ستقع مجاعة عالمية في حال بقت الأمور على حالها دون وضع حلول ناجعة لدرأ الخطر المحدق. 

تحذيرات منظمة الفاو

اتفق كل الخبراء المنتدى المنعقد بروما على مدى يومين على أنهم يملكون فيما بينهم كل الإجابات حول كيفية إطعام العالم عام 2050 ولكنهم شككوا في إمكانية حصولهم على الدعم السياسي لذلك.

وقد تم تنظيم هذا المنتدى إثر تحذير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من أنه إذا ما لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة إنتاج الغذاء الآن فإن 370 مليون شخص قد يواجهون الجوع بحلول عام 2050، حيث من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9 مليار نسمة. بحسب شبكة أيرين الإنسانية.

وخلال التصويت الذي جرى في الجلسة الأخيرة للمنتدى، عبر الخبراء المشاركون عن عدم ثقتهم في القادة السياسيين عامة. وعلق كيفن كليفر، المدير المساعد لإدارة البرامج في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة ورئيس الجلسة الأخيرة في المنتدى، على هذا الموقف بقوله: "لقد كانت لحظة [التصويت] حزينة. ولكنني أشاطر كل المشاركين الشعور بأن القيادات السياسية غير ملتزمة بما يكفي للقضاء على الجوع".

من جهتهم، أعرب أعضاء اتحادات المزارعين والمجتمع المدني الغاضبون وحتى التكنوقراطيون عن إحباطهم من الطريقة التي يتم بها تنفيذ البرامج الزراعية في العديد من الدول النامية دون التفكير ملياً في الظروف المحلية أو خصوصية المستفيدين.

كما أشار المشاركون في مناقشة إلكترونية تمت على هامش المنتدى إلى أن الجوع لا يتعلق فقط بمسألة توفر الطعام ولكن بالقدرة على الوصول إليه كذلك وذلك بسبب "عدم كفاية الإرادة السياسية للتعامل مع المخاوف الأساسية للأمن الغذائي والمشاكل الهيكلية وضعف الحكم".

وقد شهد المنتدى إجماعاً كبيراً حول القضايا الرئيسية. وقال كويسي أطاكرا، نائب مدير عام مؤسسة بايودافرستي إنترناشونال، وهي مؤسسة بحوث غير ربحية مقرها روما: "لا يمكننا أن نتجاهل صغار المزارعين... فلا بد من استمرار البحوث والتنمية لدعم الإنتاج ولكن ليس على حساب البيئة. ولا بد أيضاً من ضمان قدرة النساء المزارعات على استعمال أية تقنيات جديدة في هذا الميدان".

أما روبيرتو ريدولفي، مدير مكتب المساعدات والتعاون الأوروبي بالاتحاد الأوروبي، فقد قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نعم نحن نعرف الحلول ولكن ما ينقصنا هو الطريقة".

وقد ركز المنتدى على إفريقيا حيث يتوقع حصول معظم النمو السكاني على مدى العقود الأربعة القادمة. وألقت منظمة الأغذية والزراعة الضوء على التحديات التي تواجه المنطقة والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

• يعتقد أن حوالي 218 مليون شخص في إفريقيا، أي حوالي 30 بالمائة من مجموع سكان القارة، يعانون من مجاعة وسوء تغذية مزمن

• لا يزال إنتاج الحبوب محصوراً في 1.2 طن للهكتار الواحد مقارنة بـثلاثة أطنان للهكتار الواحد في العالم النامي بصفة عامة

• لم يتعد استهلاك السماد خلال عام 2002 معدل 13 كلغ للهكتار الواحد في إفريقيا مقارنة 73 كلغ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا و190 كلغ في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي

• 3 بالمائة فقط من الأراضي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي أراضي مروية مقارنة بـ 20 بالمائة عالمياً

• يعيش حوالي 40 بالمائة من سكان المنطقة في بلدان غير ساحلية مقابل 7.5 بالمائة فقط في الدول النامية الأخرى

• يمكن لتكلفة المواصلات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أن تصل إلى 77 بالمائة من قيمة الواردات

هل يمكن للصين أن ترشدنا إلى الطريق الصحيح؟

وأشار ميشيل كيزر، من المركز العالمي لدراسات الغذاء بأمستردام، إلى أنه بإمكان إفريقيا التعلم من إنجازات الصين في مجال تحسين الأمن الغذائي إثر الإصلاحات التي أدخلتها على السوق والتي أفادت صغار المزارعين. وهو الرأي الذي ردده معظم الخبراء الذين قالوا "تعلموا من الأمثلة ولكن لا تنقلوا".

من جهته، قال جيكون هوانغ، مستشار زراعي بالحكومة الصينية أن الدولة الشيوعية بدأت تحرير قطاعها الزراعي في السبعينيات.

وأضاف قائلاً: "لم نتبع أي نهج للبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي. لدينا مقولة في الصين مفادها ‘اعبر النهر وأنت تتحسس الأحجار على الضفة’. لقد تعلمنا شيئاً فشيئاً من كل تجربة على حدة. ولدينا الرسالة ذاتها من إفريقيا".

لم نتبع أي نهج للبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي. لدينا مقولة في الصين مفادها ‘اعبر النهر وأنت تتحسس الأحجار على الضفة’. لقد تعلمنا شيئاً فشيئاً من كل تجربة على حدة

وقد أخرج إصلاح القطاع الزراعي الصين من صراعها مع واحدة من أكبر المجاعات في العالم في الستينيات إلى كونها المنتج الأكبر عالمياً للذرة والأرز واتخاذ برنامج الأغذية العالمي لها كمثال في سلسلته الجديدة عن الجوع في العالم.

وقبل بداية الإصلاحات، لم يكن يحق للصينيين زراعة الأراضي الخاصة إلا أن عام 1978 شهد إعطاء المزارع الأسرية الحق في استعمال الأراضي المملوكة جماعة للإيجار الطويل الأمد. وقد أشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن "هذا الإصلاح، المعروف باسم نظام المسؤولية الأسرية، أعطى المزارعين فرصة الوصول إلى الأسواق حيث يمكنهم بيع الفائض من إنتاجهم بعد وصولهم لنسب الإنتاج المطلوب من الجمعيات".

وعلق هوانغ بقوله: "لم يحصل المزارعون، حتى عام 1984، على أي دعم منا. ولكن ابتداءً من ذلك التاريخ حتى الآن بدؤوا يحصلون على الحبوب المهجنة وبدأنا نجهز لهم البنية التحتية ونستثمر في البحوث وفي التنمية ونقدمها لهم". كما تم خفض الكمية الإلزامية التي يتوجب على كل أسرة توفيرها للجمعيات.

وأشار تقرير برنامج الأغذية العالمي إلى أنه خلال الفترة من 1978 إلى 1998، انخفض عدد الفقراء في المناطق الريفية بالصين من 260 مليون شخص إلى 42 مليون فقط. "وقد حدث أكثر من نصف الانخفاض خلال السنوات الست الأولى". كما ارتفعت نسبة توفر الغذاء للفرد الواحد من 1,717 سعرة حرارية خلال الستينيات إلى 2,328 سعرة حرارية في عام 1981 و3,000 سعرة حرارية في أواخر التسعينيات، مع العلم أن معدل الاستهلاك اليومي للشخص الراشد هو 2,100 سعرة حرارية.

ونفى هوانغ المزاعم التي أثيرت خلال المنتدى حول تربص الصين بأراضي إفريقيا للاستجابة لحاجة سكانها المتزايدة من الطعام، مشيراً إلى أن "الطعام المزروع في إفريقيا سيكون قليلاً بالنسبة لنا. يمكننا أن نزرع طعامنا الخاص أو نشتريه... لقد لجأت إلينا الكثير من الحكومات الإفريقية للمساعدة في المجال التكنولوجي. إنهم يطلبون منا بذور الأرز المهجنة ولكننا نسألهم ما إذا كانوا يملكون البيئة المناسبة لزراعتها وإنتاجها. نقول لهم أنه لا يمكنهم المحاكاة فقط. ولذلك ما نحاول القيام به عند مجازفتنا بالذهاب إلى إفريقيا هو بناء نموذج لهم ووضع البنية التحتية وأنظمة الري وإطلاعهم على كيفية القيام بالأمور".

النموذج المحلي

وأقر مارك روزغرانت، من المعهد الدولي لأبحاث الأمن الغذائي أن مجرد محاكاة النموذج المطبق في الصين في زيمبابوي مثلاً لن يشكل نتيجة مجدية. كما أشار كليفر من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة إلى أن "تكييف" الطرق لملائمة الوضع في بلد معين قد يكون أمراً فعالاً.

في حين علق خبير آخر بقوله أنه "لا يمكن مقارنة التفاح بالإجاص"، مشيراً إلى الحجم الهائل للاقتصاد الصيني وغيره من العوامل الأخرى التي ساهمت في خفض الفقر في هذا البلد ذو الكثافة السكانية الأعلى في العالم. في حين أشار كيزر، من المركز العالمي لدراسات الغذاء بأمستردام، إلى أنه ربما يتحتم على دول إفريقيا أن تنظر إلى منطقة مناسبة للمقارنة في الصين أو الهند للتعرف على ما تم إنجازه هناك.

توفير الغذاء للعالم عام 2050

في ذات السياق قالت كيتي سميث، مسؤولة خدمات البحوث الاقتصادية في وزارة الزراعة الأمريكية خلال جلسة نقاش ساخنة عن التوقعات المستقبلية للأغذية والزراعة أن أزمة 2007/2008 "دليل على ما يمكن أن نتوقعه في المستقبل".

وكانت أسعار الحبوب العالمية قد وصلت إلى أكثر من الضعف بين عامي 2007 و 2008 مما دفع نحو 100 مليون شخص إلى خانة الجوع المزمن ورفع عدد الجياع في العالم إلى أكثر من مليار شخص.

من جهته قال هومي خراس، وهو خبير اقتصادي في معهد بروكينغز، ومقره الولايات المتحدة، أن الأسباب الكامنة وراء الأزمة الأخيرة ما تزال غير واضحة إلى الآن. وقد تنوعت الأسباب بين الصدمات المناخية والمضاربات في الأسواق وزيادة الطلب على الحبوب في البلدان المكتظة بالسكان والتقلبات التي شهدتها أسعار الوقود.

وخلال الجلسة الأولى للمنتدى الذي بدأ يوم 12 أكتوبر ويستمر ليومين، تم الربط بين أسعار الغذاء وأسعار الوقود حيث نُسب السبب في أزمة الغذاء 2007/2008 جزئياً إلى الارتفاع الحاد في أسعار الوقود الأحفوري الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على الحبوب لإنتاج الوقود الحيوي كبديل أرخص للطاقة.

وقال جاك ضيوف، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة أن إنتاج الغذاء سيواجه منافسة متزايدة من سوق إنتاج الوقود الحيوي "الذي يملك القدرة على تغيير المبادئ الأساسية لأنظمة السوق الزراعية". وأضاف أن إنتاج الوقود الحيوي سيزداد بنسبة 90 بالمائة خلال السنوات العشر المقبلة ليصل إلى 192 مليار لتر بحلول عام 2018.

بدوره، أوضح ميشيل كيزر من المركز العالمي لدراسات الغذاء في أمستردام بهولندا أن هناك حاجة ملحة لتنظيم إنتاج وبيع الوقود الحيوي في العالم.

ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 6.7 مليار إلى 9.1 مليار نسمة بحلول عام 2050 الأمر الذي سيتطلب زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 70 بالمائة.

وسيحاول الخبراء الـ 300 المجتمعين في روما وضع سياسات واقتراح سبل جديدة لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء تمهيداً للقمة العالمية لرؤساء الدول الذين سيلتقون في روما أيضاً في نوفمبر القادم لبحث هذه القضية.

وقال جيكينغ هوانغ، المستشار الزراعي للحكومة الصينية: "لقد دقت أزمة 2007/2008 ناقوس الخطر لتنبيه الدول للتركيز على الزراعة ولكنني اعتقد الآن أن بعض الدول بحاجة إلى إشارة تحذير أكبر".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/تشرين الثاني/2009 - 29/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م