
شبكة النبأ: على الرغم من كون قضايا
التحول الديمقراطي مكونًا رئيسًا في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية
بعد انتهاء الحرب الباردة، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ما
تنفك تعارض أي عملية ديمقراطية قد تؤدي إلى وصول الإسلاميين للحكم في
البلاد العربية والإسلامية. ومع أن هناك انتخابات عززت صعود القوى
الإسلامية جماعة الإخوان المسلمين (2005) وحماس (2006)، شهد منتصف هذا
العام تراجع قوة الإسلاميين في الانتخابات اللبنانية والإيرانية، وهو
ما يثير التساؤل حول كون تعزيز الديمقراطية هو أفضل ترياق يواجه القوى
المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية والإرهاب. بحسب موقع تقرير
واشنطن.
وفي هذا الإطار يعرض هذا العدد دراسة صادرة عن مجلة المصلحة القومية
The National Interest بعنوان "الإسلاميون وناقوس الخطر Islamists and
the Grave Bell"، كتبها إف. جريجوري جوس الثالث F. Gregory Gause III،
وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرمونت وأستاذ زائر في الشئون
الدولية بجامعة هارفارد.
أشارت الدراسة إلى أن الانتخابات التي أجريت مؤخرًا سواء في - لبنان
أو إيران- في يونيو 2009، كانت نتائجها محلاً للجدل.
ففي لبنان، كان من المتوقع فوز حزب الله وحليفه المسيحي: التيار
الوطني الحر لميشيل عون، وعدم تحقق ذلك في الانتخابات البرلمانية
اللبنانية، كان بمثابة نداء لفجر جديد. وفي إيران كشفت الانتخابات عن
تلاشي القوة الانتخابية للإسلاميين المناهضين للولايات المتحدة وتزايد
تأييد الشارع الإيراني للمعتدلين والعلمانيين.
وفي هذا الصدد، أشارت الدراسة إلى عدد من الآراء في هذا السياق،
فعرضت ما شهده الكاتب الشهير توماس فريدمان Thomas Friedman في عموده
بجريدة نيويورك تايمز New York Times بأهمية التقنيات الحديثة التي
استخدمتها القوى المعتدلة في إيران مثل الفيسبوك، وفليكر، وتويتر،
والمدونات، والرسائل النصية، كقوة دافعة وراء الأحداث التي وقعت في
إيران. ففي الماضي القريب، كان الإسلاميون فقط هم من يمكنهم مقاومة
الدولة الاستبدادية في الشرق الأوسط، لأنهم كانوا يستخدمون المساجد
كأداة يتم من خلالها جمع وتعبئة الشعب، علاوة على دفع مؤيديهم خارج
قبضة الدولة.
وأشارت الدراسة أيضًا إلى ما أفاد به ديفيد اجناتيوس David Ignatius
في صحيفة واشنطن بوست، من اتجاهٍ مشابهٍ: وهو أن الأحزاب الإسلامية
وحلفاءها قد تعرضوا لنكسات في الانتخابات على مدى السنوات القليلة
الماضية في الجزائر، والعراق والأردن، والكويت، ولبنان، والمغرب،
وباكستان. وتختلف الأسباب وراء هذه الانتكاسات السياسية من مكان إلى
آخر. لكن هناك أمرًا مشتركًا بينهم وهو: أن الأحزاب الإسلامية فشلت في
إقناع الشعب بأن لديها أي إجابات أكثر من أي شخص آخر.
كذلك جوشوا مورافتشيك Joshua Muravchik الباحث في معهد أمريكان
إنتربرايز American Enterprise والذي أكد في صحيفة واشنطن بوست على "موت
الإسلام المتطرف"، ورأى أن فشل تنظيم القاعدة في العراق جزء لا يتجزأ
من هذا التحول.
وفي هذا المشهد السياسي المحتدم، والذي يراه البعض مؤشرًا على تراجع
الإسلاميين لصالح المعتدلين والعلمانيين، سارع المحافظون الجدد
البارزون إلى رفع لافتة الترويج للديمقراطية في ساحة المعارك الفكرية.
وهنا رصدت الدراسة ما أثاره أحد قادة المحافظين الجدد إليوت
أبرامزElliott Abrams - والذي عنى بالشرق الأوسط، والترويج للديمقراطية
من جدل في صحيفة نيويورك تايمز حول أن الانتخابات الحرة، مثل التي حدثت
في لبنان، تؤدي إلى نتائج إيجابية للولايات المتحدة الأمريكية بينما
انتخابات فاسدة وزائفة مثل التي حدثت في إيران لا تحقق ذلك.
ومن هنا خلص ابرامز إلى أن "الولايات المتحدة ينبغي عليها تعزيز
الانتخابات الحرة". على الجانب الآخر، جيمس تراوب James Traub رأى أن
شعبية أوباما العالمية قد فتحت أفاقًا جديدة للولايات المتحدة للتشجيع
نحو مزيدٍ من العلمانية والحركات السياسية المؤيدة للولايات المتحدة.
معضلة السياسة الأمريكية
وأشارت الدراسة إلى المشكلات التي يثيرها وجود الإسلاميين في السلطة
بالنسبة للسياسة الأمريكية. فهم لم يقبلوا إسرائيل جزءًا دائمًا في
خريطة الشرق الوسط، وبالتالي لا يدعمون عملية السلام العربي الإسرائيلي،
بالإضافة إلى رفضهم لمد النفوذ الأمريكي في المنطقة ككل وعدم تعاونهم
مع أي خطط دفاع أمريكية، أو الحرب على الإرهاب، وبالتأكيد لن تكون
لديهم رغبة لاستضافة منشآت عسكرية أمريكية.
فالتجربة الأمريكية مع الثوار الإسلاميين الذين استولوا على السلطة
في إيران عام 1979 لم تكن مشجعة. كذلك نتائج فوز الإسلاميين في
الانتخابات العراقية والفلسطينية. ومن ثم إحياء سياسات الترويج
للديمقراطية تقتضي الافتراض بأن الإسلاميين لن يفوزوا بالانتخابات في
الشرق الأوسط. وكلٌّ من إيران ولبنان ليس مؤشرًا على التحول إلى
الديمقراطية على المستوى الإقليمي.
ورغم ما قد توفره الأحزاب الإسلامية من إدارة أفضل لشعوبها من
شاغليها الحاليين- أكثر تمثيلاً، وأقل فسادًا- إلا أنه لا يوجد ضمان
لذلك. وما لا جدال فيه أن الحكومات الإسلامية ستعارض الولايات المتحدة
في جميع القضايا الحيوية لأمنها القومي.
وأكدت الدراسة أن كلاًّ من لبنان وإيران لا يوفر دفاعًا عن هذه
الرؤية، فالمنافسة الحقيقية التي شهدتها الانتخابات اللبنانية في يونيو
من هذا العام كانت بين المسيحيين، حيث تحالفت حركة (14 آذار) مع
الحريري وجنبلاط، في مواجهة التيار الوطني الحر لميشيل عون الذي انحاز
لحزب الله، مبررًا ذلك بأن زعماء الطوائف من منافسيه في حركة 14 آذار،
مثلوا النظام اللبناني القديم، الذي أنتج على ما يقرب من عقدين الحرب
الأهلية والتدخل الأجنبي. ورغم ما كان يحظى به عون من دعم من جانب
الكنيسة المارونية، التي رأت فيه مدافعًا قويًّا عن الهوية اللبنانية
وحقوق المسيحيين، كان تحالفه مع حزب الله خلخلة لمصداقيته بين
المسيحيين. فقد كان من الصعب حفاظه على موقعه كمدافع عن القومية
اللبنانية وشركائه متحالفين بشكل وثيق مع سوريا وإيران. وخاصة بعد
الاستعراض الذي قام به حزب الله في صيف عام 2008 في وسط بيروت. |