الاصوليون الجدد في ايران وتكتيك التخويف والتصعيد

شبكة النبأ: حتى الآن يركِّز معظم التحليل الذي تناول الصراع على السلطة في ايران على الصِدام بين محافظي البلاد ودعاة الاصلاح فيها، حيث نجد الرئيس محمود أحمدي نجاد والمرشد الاعلى خامنئي يقفان ضد مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذَين خسرا انتخابات الرئاسة، ومعهما ايضا الرئيس السابق محمد خاتمي. اما الرئيس الاسبق علي أكبر هاشمي رافسنجاني فقد اقترب من معسكر الاصلاحيين بعد الانتخابات.

بيد ان الصراع الحقيقي يدور في الواقع بين انصار الخط المتشدد الذين يعملون من وراء الستار في الزوايا الخفية بالدولة، فعلى الرغم من ان حركة المعارضة حصلت على تأييد شعبي لا مثيل له من قبل، بات النظام يتميز بعد الانتخابات وما اعقبها باتجاه راديكالي لم تشهده ايران منذ الايام الاولى للثورة الاسلامية.

وكتبَ الباحث جيري غو مقالاً حول صعود المد الراديكالي بعد الانتخابات في ايران، جاء فيه:

يقع مقر فيالق الحرس الثوري الاسلامي بقصر كبير مبنيّ على الطراز الاوروبي في الضواحي الشرقية لطهران. من هنا نظم الحرس حملة القمع والاعتقالات التي تعرض خلالها متظاهرو الشوارع للضرب والركل، وعانى فيها المعتقلون من التعذيب وراء القضبان بعد انتخابات الرئاسة التي اثارت نتائجها جدلا كبيرا في يونيو الماضي.

غير ان الامر الاكثر سوءا والمنذر بالخطر تمثل في قيام رجال الحرس وغيرهم من المتطرفين في تحييد رفاقهم المحافظين في الحكومة الايرانية وتجريدهم من قاعدة سلطتهم في النظام الذي اصبح على نحو متزايد منعزلا، رجعيا وعنيفا.

ويضيف جيري غو، حتى الآن يركز معظم التحليل الذي تناول الصراع على السلطة في ايران على الصدام بين محافظي البلاد ودعاة الاصلاح فيها، حيث نجد الرئيس محمود أحمدي نجاد وسيده المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي يقفان ضد مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين خسرا انتخابات الرئاسة، ومعهما ايضا الرئيس السابق محمد خاتمي. اما الرئيس الاسبق علي أكبر هاشمي رافسنجاني فقد اقترب من معسكر الاصلاحيين بعد الانتخابات.

بيد ان الصراع الحقيقي يدور في الواقع بين انصار الخط المتشدد الذين يعملون من وراء الستار في الزوايا الخفية بالدولة، فعلى الرغم من ان حركة المعارضة حصلت على تأييد شعبي لا مثيل له من قبل، بات النظام يتميز بعد الانتخابات وما اعقبها باتجاه راديكالي لم تشهده ايران منذ الايام الاولى للثورة الاسلامية.

ويبيّن جيري غو، ففي العهد الاصلاحي لخاتمي وخلال الفترة الاولى - الى حد ما - لأحمدي نجاد كان التكنوقراطيون والمحافظون المؤيدون للحكم الاسلامي في البلاد مثل علي لاريجاني رئيس البرلمان، وغلام حسين محسني ايجيه وزير الاستخبارات الذي تم عزله لانتقاده عمليات انتزاع الاعترافات بالقوة، يمتلكون سلطة كبيرة في اجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية، وكان هؤلاء الذين يمكن وصفهم بـ «البراغماتيين» يؤمنون بطبيعة الجمهورية الاسلامية كدولة دينية باطار سياسي شرعي وقانوني.

غير ان مثل هذه الشخصيات بدأت تخسر نفوذها وتأثيرها امام فئة جديدة من ثوريي الجيل الثاني القادمين من جهاز الامن المعروف بـ «اليمين الجديد» في ايران. ولقد انضم اليهم رجال دين محافظون جدا ومنظمات مثل: «تحالف بناة ايران الاسلامية». وعلى الرغم من ان هؤلاء الاصوليين الجدد يدعون لاعادة اسلمة الدولة الا ن اجندتهم الحقيقية تستهدف منع اجراء المزيد من الاصلاح للنظام السياسي من ناحيتي المصالحة مع المعارضين في الداخل ومع الغرب في الخارج.

ويستذكر الكاتب بالقول، جدير بالذكر ان هذا التآلف يضم كلا من: حسن طيب رئيس الـ «باسيج»، سعيد جليلي سكرتير مجلس الامن القومي في ايران وكبير مفاوضيها النوويين ومجتبى خامنئي الابن الثاني للمرشد الاعلى. ومن الملاحظ ان شخصيات الخط المتشدد هذه مثل مجتبى وقياديي الحرس الثوري يستمدون شرعيتهم الدينية من خلال التأييد الذي يحصلون عليه من معظم الملالي المتطرفين في المؤسسة الدينية الحاكمة ومن هؤلاء المتطرفين يمكن ان نذكر: آية الله احمد جنتي رئيس مجلس الاوصياء، آية الله محمد مصباح يازدي رئيس الهيئة القضائية سابقا ومستشار احمدي نجاد الروحي، ومعروف ان يازدي مرتبط بطائفة سرية تدعى: «جمعية حجتية» تأمل بحدوث الخلاص الالهي سريعا. ويرى كل هؤلاء في الاصلاحات الديموقراطية والبرلمان والانتخابات مجرد اشياء مزعجة لا ضرورة لها طبقا لرؤيتهم الاسلامية الراديكالية للعالم.

ويرى الكاتب، لذا لم يكن مفاجئا ان اصدر يازدي فتوى قبل الانتخابات بوقت قصير منح فيها السلطات موافقة ضمنية للتلاعب بالتصويت. فقد اصدر عدد من الموظفين العاملين في وزارة الداخلية رسالة مفتوحة بعد الانتخابات اعلنوا فيها ان المشرفين على تلك الانتخابات سعدوا بتلك الفتوى التي سمحت لهم باستخدام اية وسيلة لتغيير نتائج عملية التصويت فانطلقوا بنشاط لوضع الخطط اللازمة لذلك.

ويؤكد الكاتب جيري غو، الحقيقة ان تأثير يازدي على احمدي نجاد بدا واضحا منذ الايام الاولى لفترة نجاد الرئاسية الاولى، وذلك عندما اعلن نجاد ان عودة الامام الثاني عشر سوف تحدث خلال عامين. ومن المتوقع ان تتسم فترة رئاسة نجاد الثانية الآن باتجاهات راديكالية اكثر. ففي اجتماعه مع يازدي في يونيو الماضي لمناقشة جدول اعماله الداخلي، تعهد احمدي نجاد بأسلمة النظامين التعليمي والثقافي في البلاد معلنا ان الايرانيين لم يعرفوا «الاسلام الحقيقي» بعد. وما ان حل شهر اغسطس حتى بدأت لجنة رئاسية وسط نداءات تدعو لتطهير النظام التعليمي من الاساتذة الاصلاحيين بفحص المناهج الدراسية في الجامعات ومؤهلات المحاضرين لمعرفة ما اذا كانت اسلامية أم لا.

الأفكار الدينية وسيلة لا هدف

ويبيّن الكاتب جيري غو بالقول، غير ان الجانب الايديولوجي يأتي في المرتبة الثانية في الصراع الدائر لترسيخ النفوذ داخل النظام، فمن الواضح على نحو متزايد ان احمدي نجاد والفصيل المرتبط به من الاصوليين الجدد لم يعودوا يهتمون بأفكار ومُثل آية الله روح الله الخميني الثورية.

ولقد عبر عن هذا ممثل خامنئي في الحرس الثوري بالقول: هناك من لا يزال بعد ملتزما بأفكار الامام الخميني لكن الوضع تغير الآن، فالدين والعقيدة الثورية اصبحا وسيلتين ملائمتين لتحقيق الهدف ولم يعد أي منهما هدفا بحد ذاته، وبذا باتت الغاية من عمليات التطهير التي تستهدف ما يعتبر طلابا غير ملتزمين اسلاميا هي للقضاء على الاحتجاجات الجماهيرية، كما ان الاعتقالات وما تلاها من محاكمات كانت بهدف حماية مصالح مؤسسات الحرس الثوري المالية وشركاء انصار الخط المتشدد.

وفي هذا السياق، عمد الرئيس احمدي نجاد في فترة ولايته الثانية لتعيين بعض المتطرفين من عناصر الحرس في بعض اكثر المناصب الحكومية تأثيرا وجعل منهم وزراء للدفاع والاستخبارات والنفط. ومعروف ان هذه الوزارات لا تسيطر فقط على صناعة الطاقة في البلاد بل وعلى الامن الداخلي ايضا.

ويتابع جيري غو مبيّناً، حتى وقت قريب كان الحرس الثوري منقسم بين البراغماتيين والمتشددين، وفي عام 2001 صوت ثلاثة ارباع جنوده البالغ عددهم 130.000 لصالح اعادة انتخاب خاتمي. وكانت عملية استطلاع رسمية للآراء قد اظهرت قبل انتخابات هذا الصيف ان نسبة كبيرة من المنتسبين لهذا الحرس تعتزم التصويت لموسوي. الا ان صحيفة «الصبح الصادق» الاسبوعية التي يصدرها الحرس ما لبثت ان حذرت من قبل الانتخابات بأربعة ايام مما اطلقت عليه: «ثورة خضراء مخملية» واعلنت ان الحرس لن يسمح بانتصار المعارضة. بعد هذا التحذير وعملية الاستطلاع تلك انطلق قادة الحرس للقيام بعمليات تطهير شملت الزعماء المتعاطفين مع دعاة الاصلاح لتبرز عندئذ كتلة متحدة من انصار الخط المتشدد تستمد افكارها من قلب اليمين المتطرف.

ويبيّن الكاتب، بالطبع لم يضيع اللاعبون الجدد وقتهم سدى في محاولتهم لتعزيز سلطتهم. وفي مطلع اغسطس الماضي دعا رئيس المكتب السياسي في الحرس يد الله جافاني لالقاء القبض على زعماء المعارضة وتساءل قائلا: ما هي ادوار خاتمي، موسوي وكروبي في هذه العملية؟ واضاف: فإذا كانوا هم العملاء الرئيسيون، وهو ما يبدو عليه الامر، يتعين على السلطة القضائية ومسؤولي الامن ملاحقتهم والقبض عليهم ومحاكمتهم ثم معاقبتهم، ولم تتأخر مثل هذه الخطوة فقد اغارت قوات الامن على مكاتب موسوي وكروبي واعتقلت ثلاثة من كبار مساعديهما. ثم ما لبث خامنئي ان اصدر تحذيرا في نفس الاسبوع اعلن فيه خلال خطبة صلاة الجمعة ان انتقادات دعاة الاصلاح سوف تواجه «ردا قاسيا».

ويستنتج كاتب المقال مبيناً، الآن اذا تمكن تكتل الاصوليين الجدد من تعزيز مواقعه في السلطة اكثر مما هو قائم الآن لن يكون هذا نذيرا سيئا للمعارضة الداخلية فحسب بل وسوف ينسف ايضا أي امل بالتوصل لحل دولي لبرنامج ايران النووي. ولعل من المفيد ان نتذكر هنا ما كان قد اعلنه احمدي نجاد قبل وقت قصير عندما قال: المسألة النووية انتهت، فنحن لن نتفاوض حول حقوق ايران التي لا يمكن انكارها.

ويختم الكاتب جيري غو مقاله بنتيجة مفادها، من الواضح ان الاصوليين الجدد يعتمدون الآن على تكتيك التخويف والتصعيد، ففي الشهر الماضي قدم النظام بعض الدبلوماسيين الفرنسيين والبريطانيين للمحاكمة في طهران. واعلن احمدي نجاد بنبرة متحدية قائلا: اننا نرحب بالعقوبات، وهذه اشارة للعناصر التي تسعى للمصالحة داخل معسكر المحافظين بأن انصار الخط المتشدد لن ينصاعوا للمعارضة. لذا، يقول كثيرون في طهران انهم يستعدون الآن لشتاء من المواجهات بين النظام والمعارضة التي اصبحت الآن اقوى بفضل التأييد الجماهيري لها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/تشرين الثاني/2009 - 23/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م