فعالية العقوبات على إيران ومدى جدّية التعامل معها

 

شبكة النبأ: في أعقاب كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن وجود منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم في إيران، سوف تظل العقوبات خاضعة للمناقشة على نطاق واسع إلا إذا أُحرز تقدم غير متوقع في الاجتماع الذي جرى في جنيف بين إيران ومجموعة 'P5+1'. وقد تركزت المباحثات حتى الآن على اتخاذ تدابير معينة، مثل فرض عقوبات على الغاز المكرر والتأمين وإعادة التأمين إلى جانب فرض عقوبات على مصارف إيرانية إضافية.

ومع ذلك، ففي مثل هذا الحوار غالباً ما تغيب عن البال أهم الموضوعات الأساسية – مثل الغرض والهدف من العقوبات والأولويات بالنسبة للقيادة الإيرانية. وبالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، يتمثل مفتاح تحقيق النجاح في تناول هذه القضايا الأساسية والحديث عنها بوضوح، ومن ثم العمل على استخدام المبادئ التوجيهية لتحديد الإجراءات اللاحقة.

وكتبَ كل مِن پاتريك كلاوسون، نائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ومهدي خلجي، زميل أقدم في معهد واشنطن، مقالاً حول الموضوع جاء فيه:

إن الهدف الأساسي من العقوبات محل النظر، هو إجبار إيران على التوصل إلى حل للأزمة النووية، بالرغم من أنه قد تكون لها تأثيرات أخرى، مثل دعم الدبلوماسية الخلاقة وإبطاء البرنامج النووي الإيراني ووقف الدعم الإيراني للإرهاب. وينبغي ألا تقاس خطورة وفعالية أي عقوبة يتم فرضها على إيران بمدى الضرر التي تلحقه بها، وبدلاً من ذلك، ينبغي قياسها بنوعية الفرص التي تتيحها تلك العقوبة لحمل القادة الإيرانيين على تغيير نهجهم حيال البرنامج النووي أو لتحقيق أهداف موازية. ففي حين أن شل الاقتصاد الإيراني ليس هدفاً في حد ذاته، إلا أنه قد يصبح الوسيلة الممكنة الوحيدة لتغيير التوجّه النووي الإيراني.

واستدرك الكاتبان بالقول، لقد أظهرت الأشهر الثلاثة الأخيرة بأن للمتشددين في إيران أولوية عليا – ألا وهي البقاء في السلطة – بحيث تأتي قبل تحقيق الرفاهية للشعب الإيراني، وقد لا يتأثرون على الإطلاق من العقوبات التي تفرض تكاليف كبيرة على المواطن الإيراني العادي. لذلك، فإن العقوبات التي تهدد إحكام قبضة القيادة على السلطة هي التي من المرجح أن تؤدي فقط إلى تغيير جوهري في موقف الزعماء الإيرانيين المتصلب تجاه برنامجهم النووي. فقد تتيح مثل تلك العقوبات آفاقاً للتأثير على الأسلوب الذي يحسبون من خلاله استراتيجياتهم بحيث يكون أفضل مما قد تتيحه بعض التدابير الاقتصادية البسيطة التي توفر لأولئك الممسكين بزمام السلطة، مثل الحرس الثوري، الفرصة للاستفادة من خرق العقوبات. ومن المؤكد أن يكون هناك نقاش حول بعض الأهداف الأخرى، مثل إبطاء برنامج إيران النووي، من أجل تنويع الخطوات التي يتم اتخاذها في الوقت ذاته.

إثبات عدم نجاح السياسات المتشددة

ويقول الكاتبان، برَّر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد سياسته الخارجية بقوله إن استراتيجيته كانت ناجحة، في حين أن الفشل كان من نصيب السياسات الإيرانية السابقة التي كانت ترمي إلى التوافق مع الغرب. وفي مناقشة تليفزيونية له مع مير حسين موسوي في 4 حزيران/يونيو، قال أحمدي نجاد إن سياسة الوئام التي كان ينتهجها محمد خاتمي "قد أدت إلى إغلاق منشآتنا النووية وفرض اثنين من البروتوكولات [قرارات مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات] على الأمة الإيرانية...وتم اعتماد سبعة قرارات في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وتابع قائلاً: "وفي غضون سبعة وعشرين عاماً حينها كنتَ أنت، ورفسنجاني، وخاتمي، تتولون خلالها إدارة البلاد، استخدمت الولايات المتحدة سياسة تغيير نظام الحكم، ولكن الآن أعلنت أمريكا رسمياً أنها لا تملك سياسة لتغيير النظام في إيران". لقد كانت وجهة نظره بأن سياسته الخارجية كانت ذات تكلفة أقل وجلبت منفعة أكثر من سياسات إيران السابقة.

وخلال المناقشة ذاتها، قال موسوي إن السياسات الحالية "تضر بكرامة إيران، وتشوه سمعتها، وتسبب الكثير من التوترات مع دول أخرى". وجادل أيضاً بان النتائج المترتبة على السياسات الخارجية التي ينتهجها أحمدي نجاد والتي يغلب عليها طابع التحدي سوف تكون خطيرة ومدمرة بالنسبة لإيران.

ويضيف كاتبا المقال، لدى الولايات المتحدة مصلحة في إعطاء الدليل بأن موسوي كان على صواب –– وأن أحمدي نجاد على خطأ –– عن طريق الإثبات بأن هناك ثمناً لسياسات التحدي لا بد من دفعه وأن سياسات التوافق تعود بالنفع الكبير. وقد اكتسبت هذه الفكرة أهمية خاصة في أعقاب انتخابات 12 حزيران/يونيو. فالولايات المتحدة ترغب في التعاطي مع إيران، لكنها في الوقت نفسه تتجنب إضفاء الشرعية على أحمدي نجاد. ويعتبر الجمع بين التعاطي [الدبلوماسي] وفرض العقوبات إحدى الطرق التي يمكن من خلالها عمل ذلك، طالما أن إيران ترفض الإيفاء بمتطلبات قرارات مجلس الأمن الدولي. وينبغي عرض أي عقوبات جديدة على أنها نتيجة منطقية لسياسات التحدي التي ينتهجها أحمدي نجاد.

اتساع الهوة بين الشعب والنظام الحاكم

ويتابع الكاتبان، على مدار عشرين عاماً، ظل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله على خامنئي، يقول إن التهديد الأكبر للجمهورية الإسلامية يتمثل في الغزو الثقافي الغربي، الذي قد يؤدي بالنساء والشباب والمثقفين إلى إشعال ثورة مخملية (ناعمة). ومنذ انتخابات حزيران/يونيو، يعرض خامنئي والجهاز الخاص به تلك الأحداث كبرهان على هذه الأخطار.

ويعتبر فرض عقوبات على انتهاكات حقوق الإنسان وسيلة فعالة لتوسيع الهوة بين الشعب والنظام الإيراني الحاكم. فقد يكون العقوبات تأثير مزدوج، حيث إن الذين يتحملون الجانب الأكبر من المسؤولية عن استمرار البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ – الذي أمر مجلس الأمن بتعليقه – هم الذين يتحملون الجانب الأكبر أيضاً من المسؤولية عن القمع في إيران. وفي حال حصول مثل تلك العقوبات على موافقة مجلس الأمن، قد يكون من الضروري أن يركز النقاش على مكافحة انتشار الأسلحة النووية من أجل ضمان الحصول على الدعم الروسي والصيني. ويمكن للولايات المتحدة وغيرها أن تسلط الضوء على الجانب المتعلق بحقوق الإنسان فور تمرير القرار.

وعلاوة على ذلك، فإنه، في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عدة مرات عقوبات تتعلق بحقوق الإنسان بدون دعم من الأمم المتحدة، كما في حالتي بورما وزيمبابوي. وعادة ما تكون هذه الأنواع من العقوبات أكثر فعالية إذا ما تم التصديق عليها من قِبَل العديد من الدول الصناعية، وهو الأمر الذي يعدّ احتمالاً في هذه الحالة. فعلى سبيل المثال، تتعالى الأصوات من كندا فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران. ولكي يتم تنفيذ عقوبات على إيران لا تكون مدعومة من قِبَل الأمم المتحدة، يكاد يكون من المؤكد بأن ذلك سيتطلب حصول الولايات المتحدة على أوامر تنفيذية جديدة من شأنها التأكيد على الخطورة التي ينظر بها أوباما إلى المشكلة الإيرانية.

ويبيّن كاتبا المقال، لقد كان الإصلاحيون الإيرانيون يخشون من أن يتبنى المجتمع الدولي فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي – وليس بسبب حقوق الإنسان. ويمكن اعتبار هؤلاء الإصلاحيين محقِّين تماماً، من بعض النواحي؛ فالعقوبات التي ستضمن على الأرجح الحصول على الدعم الصيني والروسي في مجلس الأمن سوف تركز على البرنامج النووي. علاوة على ذلك، تهتم أوروبا والولايات المتحدة بالأزمة النووية أكثر من اهتمامهما بالديمقراطية الإيرانية.

لكن هاتين القضيتين لا تنفصلان عن بعضهما تماماً. فقد يقرر المجتمع الدولي – أو الغربي فقط – بأن تلك العقوبات سوف تؤثر على التفكير الاستراتيجي لدى القادة الإيرانيين من خلال توسيع الانقسام بين الحكام المتشددين والشعب.

فرص النجاح

ويستنتج كاتبا المقال، إن إحدى الصعوبات الكبيرة لحمل إيران على تغيير سياساتها النووية هو أن خامنئي ومساعدوه، يعتقدون على ما يبدو، بأن الغرب سيواصل العمل على الإطاحة بالجمهورية الإسلامية بغض النظر عما يحدث. ومن ناحية أخرى، يبدو أحمدي نجاد أكثر تفاؤلاً، فهو يعتقد أن المجتمع الدولي سوف يسمح لإيران بمواصلة سياساتها الحالية، ولذلك فهو يرحب بسياسة التعاطي لأنه يتوقع من الغرب الاستسلام. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الاحتمال يبدو غير مرجح.

فإذا كان النظام الإيراني على استعداد للموافقة على صفقة نووية مقبولة لدى الغرب، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما يكونون مستعدين حينها للتخلي عن الحركة الديمقراطية الإيرانية.

ويستدرك الكاتبان بالقول، مع ذلك فقد لا تكون هذه النتيجة بمثابة إشكالية كبيرة بالنسبة للقضية الديمقراطية الإيرانية. فقد يكون القادة الإيرانيون بصدد قراءة الموقف بشكل صحيح: إنهم يشعرون بالقلق من أن الحوافز المقترحة من قبل الغرب، مثل تعزيز التفاعل الاقتصادي وإتاحة الفرص للإيرانيين للتعاون مع زملائهم من الغرب، هي في الواقع بمثابة حصان طروادة. وبالفعل، فإنه إذا أدى التوصل إلى حل للأزمة النووية إلى انفتاح أكبر من جانب إيران على العالم الخارجي، فقد تتمثل النتائج في تعزيز جميع العناصر في المجتمع الإيراني التي تعمل على تقويض قبضة النظام المتشدد على السلطة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 11/تشرين الثاني/2009 - 21/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م