قراءة في كتاب: السرد الـمرئي في قصص زوجة كـوكـول

 

الكتاب: زوجة كـوكـول

المؤلف: قصص عالمية- ترجمة حسين حسن

الناشر: دار الشؤون الثقافية- بغداد 2004

عرض: علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كثيرا ما كانت الأعمال الأدبية المترجمة محط نقاشات طويلة ومتضاربة وأغلبها كان ولا يزال يتعلق بطبيعة العلاقة القائمة بين المترجم والمؤلف الأصلي من جهة وبين المترجم والمتلقي من جهة ثانية ولأن العمل الأدبي المترجَم يخضع بالدرجة الأولى لاختيارات المترجم وذوقه ومزاجه ومؤهلاته الأُخر فأن كفة الميزان (في العلاقة بين المترجم والمتلقي) ستميل لصالح الأول من حيث ان الثاني مجرد من عنصر الأختيار الذي سيبقى في الأغلب الأعم حكرأ على المترجم ومن هنا ستكون مسؤوليته مضاعفة إذ انه مطالب بترجمة قريبة اشد القرب من روح النص الأدبي الأصلي (وفي هذا الجانب يقع المترجم تحت ثقل المسؤولية الأدبية) مضافاً الى ذلك حسن الأختيار الذي يندرج تحت يافطة المسؤولية الأخلاقية.

 وفي توليفة سردية متفردة ومكتنـزة، يقدم لنا الشاعر والمترجم المبدع حسين حسن باقة من القصص العالمية في كتاب سردي حمل عنوان (زوجة كوكول) وقد ضم بين دفتيه عشر قصص لكتاب عالميين لهم قيمتهم المعروفة في عالم السرد كما سيكتشف القارئ ذلك بنفسه، والتفرد الذي يكمن في هذه التوليفة السردية صنعه المترجم حسين حسن حين نأى بنفسه وبالقارئ معاً عن الوقوع في فخ الأعمال السردية المكرورة او المتقاربة في اشكالها او مضامينها، فقدم للقارئ ما يشبع رغبته في الأطلاع على المضامين والأساليب السردية التي يتعامل فيها الكتاب العالميون مع نصوصهم ، فثمة السرد الواقعي وثمة السريالي وكذلك الأيهامي والأيحائي الى غير ذلك من الأساليب والموضوعات السردية المتنوعة حتى يتعذر على القارئ العثور على نمط واحد للكتابة في أي من قصص هذا الكتاب.

 ولعل براعة المترجم تكمن في حالة التماهي شبه التام (إن لم نفل تماهياً كاملا) مع منتج النص القصصي لدرجة اننا في رحلتنا مع هذا الكتاب كنا نقرأ نصوصاً كما لو ان المترجم هو الذي ابدعها (وقد أشارت الى ذلك كلمة التنويه) وهذا دليل على درجة الصدق الكبيرة التي تعامل فيها مع هذه القصص ولعلني لا أغالي اذا قلت انني لم اقرأ جملاً سردية مركبة من كلمات بل تعاملت كقارئ مع نسيج سردي مرئي يضع ملامح الشخصيات والأحداث القصصية في – شاشة سرد – تحل محل الكلمات الواصفة ودليلي على ما اقول ، تلك القصة المذهلة التي حملت عنوان (المجموعة اللاّمرئية) للروائي النمساوي /ستيفان زفايج/ وهو يصور حادثة من زمن التضخم النقدي في ألمانيا، لقد كانت الكامرة السردية هي الأكثر سطوة في رسم الأحداث وشخصياتها حتى تلك المشاعر الخفية التي لاتتجسد امام العين تمكنت كامرة السرد من التقاطها وتحويلها الى فعل مرئي متحرك من خلال الشخصيات الأربع التي توزعت عليها مشاهد الحدث القصصي عندما يبدأ تاجر اللوحات الفنية برحلته الى قرية مغمورة منـزوية في مكان ما من ألمانيا ليلتقي هناك بهاوي الفن التشكيلي وهو شيخ طاعن في السن وبزوجته وابنته لتستمر كامرة السرد برصد الحدث بأدق تفاصيله المتحركة والشعورية في وقت واحد.

 ولعل حسنة المترجم تكمن في تطويره لعملية السرد التصوري – اذا جـاز القول – وليس العكس كما يحدث في بعض الترجمات التي توغل في ثنايا السرد الوصفي الممل متحاشية بذلك إستغوار العمق الغائر لدى الشخصيات واستنطاق الحدث القصصي في آن.

وفي قصة (عينا كلب أزرق) لغابريل كارسيا ماركيز ثمة ايضاً كامرة السرد التي تصور تنقلات المرأة بشكل متناوب خلف القنديل وامام الرجل الذي نترصد نحن بدورنا حركاته الخارجية ومشاعره الداخلية ازاء المرأة التي يتوالى حضورها للرجل بين الحلم والحقيقة أما القارئ فهو يرى المرأة في الحقيقة والأحلام على حد سواء وبرغم ان هذه القصة تنتمي الى الأسلوب الأيهامي في صياغتها إلاّ ان المترجم قدمها لنا قصة مرئية بأحداثها وشخصياتها اكثر منها مسرودة، أي ان واقع القراءة الذي سيختلف حتماً عن الواقع الفعلي للقارئ كما تؤكد ذلك سوزان لوهافر في كتابها (الأعتراف بالقصة القصيرة) سيبدو متقاطعا مع السرد الوصفي وأقرب منه الى رؤية الأحداث مجسدة بالكلمات.

وسوف يتعمق ذلك في قصص اخرى منها قصة (المنـزل المحتل) لخوليو كورتاثار وقصة (فنان الجوع) لفرانز كافكا وقصة (زيارة المتحف) لفلادمير نابوكوف وغيرها من القصص التي تسهم في تشكيلة هذا الكتاب.

ولعلنا نعزوا ذلك الى الصدق الفني الذي ارتكن إليه المترجم وهو يتعامل مع هذه القصص وقدرته على تقمص الشخصيات ومعالجتها بإسلوب متأنٍ – لاسطحي - وتفعيل المخيلة التي تستعيد حركة الاحداث القصصية في بيتها ومن ثم صبها في قالب تصويري اكثر مما هو سردي، وفي أغلب قصص الكتاب نتلمس هذا الرصد الذي يشي بدربة وخبرة واسعة للمترجم حسين حسن الذي نجح في مسعاه الجميل وهو يهدي القارئ هذه التوليفة السردية العالمية المتميزة.  

*زوجة كوكول/قصص عالمية/ترجمة حسين حسن/دار الشؤون الثقافية- بغداد

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/تشرين الثاني/2009 - 16/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م