شبكة النبأ: نشرة المرصد السياسي رقم
1585 هي الأولى في سلسلة من جزأين تناقش الاتجاهات داخل جماعة الإخوان
المسلمين، يُركز هذا الجزء على انقسامات المنظمة في الأردن، بينما
يتناول الجزء الثاني احتمالات عودة الجماعة إلى العنف في مصر.
وكتبَ الباحث حسن براري، زميل ليفر في معهد واشنطن وأستاذ مساعد
للعلوم السياسة في جامعة نبراسكا في أوماها، الجزء الاول من السلسلة
وجاء فيه: في أوائل أيلول (سبتمبر) استقال ثلاثة من كبار قادة جماعة
الإخوان المسلمين في الأردن من المكتب التنفيذي للمنظمة بعد التصويت
على حل القسم السياسي في الجماعة -- وهو أحد المكونات القليلة المتبقية
للمنظمة التي يسيطر عليها المعتدلون. وقد جاءت الاستقالات ليس فقط
احتجاجاً على قرار المكتب التنفيذي، وإنما أيضاً على الارتباط الوثيق
والمتزايد للإخوان المسلمين بحركة «حماس».
واضاف براري، اليوم تواجه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أزمة
داخلية لم يسبق لها مثيل، تقوم فيها قيادة الضفة الشرقية التقليدية
المعتدلة – الأردنيون الذين ليسوا من أصل فلسطيني – بالتأليب ضد العنصر
القوي المؤيد لحركة «حماس» الذي يتزعمه فلسطينيون. وقد تفاقمت هذه
الانقسامات مؤخراً بسبب الجهود الواضحة التي يبذلها رئيس المكتب
السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل والرامية إلى استغلال ميزان القوى
المتغير داخل جماعة الإخوان المسلمين من أجل تدعيم أجندة حركته في عمان.
ومن المفارقات، أن السلطات الأردنية – التي طالما فخرت بإدارة القضية
الإسلامية – لم تفعل سوى القليل لوقف هذا المد.
مدرستان فكريتان متنافستان
ويبيّن براري، كانت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن دائماً منقسمة
أيديولوجياً بين الصقور والحمائم، وهو انقسام أفاد الجماعة وعزز من
موقفها من الناحية التاريخية. فالحمائم – ومعظمهم من الضفة الشرقية --
عملوا كقادة للحركة ووسادة عزلت النظام عن القاعدة الأكثر راديكالية في
المنظمة. فحتى وقت قريب، لم يشغل الأردنيون من أصل فلسطيني أي منصب
قيادي. ومع ذلك، ففي 30 نيسان (أبريل) 2008، تم انتخاب همام سعيد، وهو
عالم دين راديكالي من أصول فلسطينية ومتعاطف مع القضية الفلسطينية،
مرشداً أعلى، وهو أعلى منصب في جماعة الإخوان المسلمين.
وقد كان صعود همام سعيد إلى السلطة مثيراً للجدل، حيث خلق ديناميكية
تضع الإسلاميين في المملكة في مواجهة مباشرة مع الدولة. للمفارقة، أن
هذا التطور في حد ذاته قد يؤدي إلى قيام اعتماد متزايد على الحمائم
لتخفيف التوتر المتوقع مع الدولة في الأشهر المقبلة.
وفي حين أن الاحتكاك بين الصقور والحمائم هو أمر تاريخي، هناك
اتجاهان آخران في جماعة الإخوان المسلمين غيّرا مؤخراً بشكل كبير من
السياسيات الداخلية لجماعة الإخوان. ويرتبط هذان التغييران إلى حد كبير
بوصول جماعات معارضة جديدة على الساحة السياسية الأردنية المصممة [على
تنفيذ برنامجها الأيديولوجي].
وأشار براري الى، ان الجماعة الأولى التي يشار إليها في أدبيات
الإخوان المسلمين باسم "التيار الرابع"، تضم الناشطين الذين يربطون
أنفسهم بحركة «حماس». ومن الناحية العملية، إن هذه الجماعة متحالفة مع
الصقور، لكن عندما يتعلق الأمر بتقرير البرنامج السياسي لجماعة الإخوان
المسلمين، فإن أعضاءها يضعون الأجندة. أما الجماعة الثانية فتضم
الإصلاحيين، الذين هم إلى حد كبير ليسوا من أعضاء الإخوان المسلمين في
الضفة الشرقية الذين يسعون لإصلاح النظام السياسي في الأردن وإبعاد
الإخوان المسلمين عن «حماس» لصالح أجندة أردنية أكثر وطنية. ومن
الأعضاء البارزين في هذه الحركة رحيل غرايبة، الذي اقترح في آذار (مارس)
2009 بأن تنتقل الأردن إلى ملكية دستورية، على غرار النظام الإنجليزي،
في محاولة للحد من سلطة الملك. وأعضاء هذه الجماعة هم إصلاحيون حقيقيون،
ورغم أنهم متدينون، إلا أنهم ليسوا متعصبين أيديولوجياً. فهم يؤيدون،
على سبيل المثال، تطبيق نظام قانوني مدني بدلاً من تطبيق الشريعة
الإسلامية.
ووفقاً للمفكر والناشط الأردني البارز، جمال الطاهات، لا تخشى
الدولة من أتباع «حماس» في المملكة، بل من أهالي الضفة الشرقية الذين
يتحدون النظام على أساس الإصلاح الديمقراطي. ووفقاً للطاهات، فإن أكثر
ما يقلق النظام هو الاتجاه المؤيد للديمقراطية الذي يدعو أليه إسلاميو
الضفة الشرقية التقليديون. ولهذا السبب، يعتقد العديد من المحللين
والسياسيين بأن الدولة تقوم باستهداف الإصلاحيين في جماعة الإخوان
المسلمين؛ وعلى الرغم من أنهم يشكلون جناح المعتدلين في المنظمة، هناك
تصور بأن هذه الجماعة تشكل تهديداً طويل الأجل على النظام، أكثر أهمية
من ذلك الذي يشكله المتشددون المؤيدون لحركة «حماس».
عامل «حماس»
ويبيّن براري، منذ طرده من الأردن عام 1999 يبحث خالد مشعل عن فرص
لاستغلال الانقسامات الداخلية داخل حركة الإخوان المسلمين لتعزيز موقفه
تجاه الدولة الأردنية. وقد ظل مشعل لسنوات يبذل جهوداً لتفادي الظهور
بمظهر التدخل في شؤون الحركة. ومع ذلك، فقبل أسابيع قليلة، توفي والد
خالد مشعل في الأردن وسمح له الملك بحضور جنازته. وأثناء الجنازة، تجمع
آلاف المعجبين حول مشعل. وعلى الرغم من ترتيب زيارته لغرض سريع وهو
حضور جنازة أبيه وكان قد تعهد بعدم استغلال وقته في عمان لإيصال رسائل
سياسية، إلا أنه ألقى كلمة تصالحية خلال إقامته أشاد فيها بالملك عبد
الله. كما أكد مجدداً على أنه لن يتدخل في الشؤون الداخلية الأردنية.
ورغم تصريحاته، فمن الواضح أن مشعل يركز على الأردن وينخرط بقوة في
الشؤون الداخلية للمملكة وجماعة الإخوان المسلمين. وفي الواقع، عرض
مشعل نفسه وسيطاً في الصراع بين «حماس» والإصلاحيين. ونظراً لأن مشعل
هو في الأساس طرفاً في النزاع، فمن الصعب رؤية الكيفية التي يمكن أن
يصبح من خلالها وسيطاً حيادياً. ومع ذلك، إذا قام مشعل بالتوسط في
النهاية، فسوف يزيد من نفوذه السياسي، مما سيمكنه من الهيمنة على جماعة
الإخوان المسلمين في الأردن واستغلالها لتدعيم أجندة «حماس».
ويشير براري الى ان محاولة مشعل للتوسط لم تلق ترحيباً من جانب
المعتدلين، حتى إن البعض في الفريق المؤيد لحركة «حماس» يشعر بالحرج من
رغبة مشعل في لعب ذلك الدور. وقد انتقد همام سعيد، وهو من الصقور
المؤيدين لحركة «حماس»، هذا الأمر بوضوح: ففي مقابلة له مع صحيفة "الشيهان
الأسبوعية" في 13 أيلول (سبتمبر)، ذكر سعيد أنه "عندما سمعت في وسائل
الإعلام بأن «حماس» تسعى للتوسط، اتصلت بـ [مشعل] وأخبرته بأن هذه
المسائل تتعلق بالأردن ولا يحق لأي شخص التدخل فيها". غير أن هناك
القليلين الذين يصدقون احتجاجات سعيد، حيث كما هو معروف على نطاق واسع
بأن خالد مشعل يتمتع بنفوذ كبير على سعيد وزملائه. ولهذا السبب، يسعى
أعضاء في الضفة الشرقية، مثل رحيل غرايبة وعبد اللطيف عربيات، إلى قيام
انفصال تنظيمي كامل بين جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وحركة «حماس».
وتجري حالياً مفاوضات حول العلاقة بين «حماس» وجماعة الإخوان
المسلمين في المكاتب الإدارية للجماعة في منطقة الخليج. ويسعى جناح
«حماس» داخل جماعة الإخوان المسلمين، بالتنسيق مع الصقور، إلى زيادة
تمثيله في المكتب التنفيذي للمنظمة من أربعة مقاعد إلى اثني عشر
مقعداً. ولم تحدد بعد المعركة الداخلية بين الجناحين، لكن إذا استغلت
«حماس» أغلبيتها واتخذت قرارات حول قضايا معينة – مثل نسبة الفلسطينيين
في المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في منطقة الخليج – فسوف
تصبح الحركة "فلسطينية" بالكامل، وهو تطور قد يثير انقسامات إضافية في
المنظمة وانفصالات من قبل بعض الشخصيات الإسلامية الهامة.
الخاتمة
ويخلص الباحث براري الى القول، بالرغم أنه لم تتضح بعد معالم الجدل
الداخلي، إلى أن الغياب شبه الكامل للتدخل الأردني الرسمي حتى الآن يعد
أمراً لافتاً للنظر. وفي الواقع، يبدو أن جماعة الإصلاحيين المعتدلين
التي قادت جماعة الإخوان المسلمين من عام 2006 حتى عام 2008، قد ضعفت
أكثر من غيرها بسبب سلبية الدولة في مواجهة سيطرة حركة «حماس» على
جماعة الإخوان المسلمين. وربما كان هذا أمراً متعمداً، فقد أسفرت
المخالفات في الانتخابات البلدية والبرلمانية التي جرت برعاية الحكومة
في عام 2007 إلى مقاطعة جناح «حماس» لعملية التصويت. وبسبب عدم مشاركة
هذا الجناح من جماعة الإخوان المسلمين بصورة فعالة، خسر الإصلاحيون تلك
الانتخابات. ولو كان الإصلاحيون قد حققوا الفوز، لكانوا اليوم في
البرلمان والجماعة المهيمنة في جماعة الإخوان.
ويختم براري بالقول، لا يزال بوسع الدولة الأردنية التدخل ومنع مشعل
من تعزيز قبضته على جماعة الإخوان المسلمين الأردنية. ونظراً للمخاطر
المحدقة، ينبغي على عمان أن تبدأ بالنظر إلى التطورات داخل جماعة
الإخوان على أنها قضية أمن دولة. وبالنسبة للمملكة الأردنية، فقد حان
الوقت لإعادة التفكير الجذري في استراتيجيتها تجاه جماعة الإخوان
المسلمين. |