إيران والغرب مواجهة حتمية قادمة

هل تستسلم أمريكا لإيران نووية كفرض واقع؟

 

شبكة النبأ: زادت كل من واشنطن وطهران المخاطر الراهنة حدّة بالتهديدات التي صدرت عنهما قبيل اللقاء المرتقب بينهما في جنيف، وذلك عندما حذرت واشنطن من احتمال وقوع صراع عالمي ما لم يتم التوصل لحل مناسب للأزمة المستحكمة بين ايران والغرب حول برنامجها النووي.

ومن جانب آخر، حينما سأل بعض الصحافيين نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوس في عام 2004 حول المدى الذي يمكن أن تذهب اليه اسرائيل لوقف برنامج إيران النووي قال: 2000 كيلومتر، وهي تحديدا المسافة الفاصلة بين البلدين.

والحقيقة أن الزعماء السياسيين والعسكريين في اسرائيل أوضحوا دائما من قبل أنهم لا يستبعدون القيام بعمل عسكري حاسم اذا ما استمرت ايران في تطوير برنامجها النووي، بل حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنجامين نتنياهو خلال إلقائه خطابا في الأمم المتحدة مؤخرا من ان التحدي الأكثر إلحاحا الذي تواجهه هذه المنظمة الدولية في الوقت الراهن هو العمل لمنع طغاة طهران من الاستحواذ على السلاح النووي.

وكتب الباحث أنثوني كوردسمان مقالا هاماً حول الموضوع جاء فيه: كانت التقارير التي صدرت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها من المصادر الأخرى قد أظهرت ان ايران كرست كل جهودها لامتلاك برنامج أسلحة نووية رسمي. فقد حصلت على كل العناصر الضرورية لصنع مثل هذه الأسلحة وامتلاك وسيلة إلقائها على أهدافها..

كما أكدت ايران نفسها أنها عكفت على تطوير منشأة ثانية لتخصيب اليورانيوم في قاعدة عسكرية قرب مدينة قُم، ولم تبذل جهدا يذكر لتبديد مشاعر القلق المستمرة منذ وقت طويل لدى بريطانيا، الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا والولايات المتحدة حول قيامها بتطوير أسلحة نووية.

ويضيف كوردسمان، يبدو أن ايران حصلت من كوريا الشمالية على المعلومات الخاصة بتصاميم الأسلحة النووية، كما حصلت على مثل هذه المعلومات من مصادر اخرى مثل شبكة المبيعات التي وقف وراءها مرة عبدالقدير خان رئيس البرنامج النووي في باكستان.

كما تمتلك ايران التكنولوجيا وكل قدرات التصنيع والإنتاج اللازمة لصنع الأسلحة النووية بل عملت في تصاميم اسلحة نووية لصنع رؤوس حربية يتم تركيبها على الصواريخ. وعمدت ايران الى نشر مثل هذه القدرات في العديد من المنشآت في مدن ايرانية كثيرة وفي أماكن نائية بل في بعض المباني مما يجعل مثل هذه المنشآت هدفا لضربة عسكرية اسرائيلية محتملة. لكن من غير المؤكد أن تحقق مثل هذه الضربة النجاح، فالقيام بمثل هذه العملية يشكل تحديا أكبر بكثير من الضربة التي دمرت بها اسرائيل مفاعل أوزايداك في العراق عام 1981.

ويستدرك كوردسمان بالقول، إذا كان من غير الممكن تنفيذ ضربة عسكرية نووية اسرائيلية ناجحة ضد ايران إلا أن سباق التسلح النووي الإقليمي يبقى لعبة بدأتها ايران ولن تستطيع كسبها على الأرجح. إن كل من يلتقي بانتظام ضباطا وخبراء ومسؤولين اسرائيليين كبارا ليدرك ان اسرائيل تدرس خياراتها العسكرية بدقة شديدة وبإدراك ان هذه الخيارات تثير أخطارا ومشكلات خطيرة. إذ من بين احدى اهم المشكلات التي تواجهها اسرائيل في هذا المجال هو المسافة، فالمواقع التي تستهدفها اسرائيل هي على بُعد ما بين 950 و1400 كيلو متر، اي هي على مدى أبعد مما تستطيع المقاتلات الاسرائيلية الوصول اليه. ومن المؤكد ان اسرائيل ستواجه صعوبة كبيرة في تدمير كل الأهداف الإيرانية المعروفة، فقد أمضت ايران سنوات طويلة وهي تبني هذه المواقع السرية وتوزعها في مناطق متفرقة من البلاد كي تتمكن من العودة الى عملية تطوير السلاح النووي بعد تعرضها للهجوم.

لذا لن يؤدي الهجوم الإسرائيلي على مثل هذه المواقع في أفضل الأحوال الى سوى تأخير عملية البناء النووي في ايران بل من المرجح ان تؤدي الى تسريع عملية التطوير هذه.

ويتابع كودسمان، مهما يكن الأمر على إسرائيل أن تتذكر الحقيقة التي تشير باستمرار الى «الضوء الأحمر» الذي صدر سابقا عن ادارة بوش ويصدر الآن عن ادارة أوباما، فكلتا الإدارتين عارضتا وتعارضان القيام بمثل هذه الضربة الإسرائيلية.

بيد أن معظم المحللين الذين يدرسون احتمال قيام اسرائيل بضربة عسكرية ضد ايران يقولون إنها ستستهدف في حال حدوثها ثلاث منشآت نووية ايرانية فقط هي: مباني الطرد المركزي في تطنز، مفاعل الطاقة النووية الذي يعمل بالماء الخفيف قرب بوشهر ومفاعل الماء الثقيل في آراك الذي يمكن استعماله لإنتاج البلوتونيوم، وتقع كل هذه الأهداف على بُعد حوالي 950 إلى 1000 ميل من اسرائيل ويختلف كل منها من ناحية الخطر الذي يثيره أمام اسرائيل على المدى القصير.

ومهما يكن الأمر يمكن القول إن اي هجوم اسرائيلي على هدف نووي ايراني سيكون عملية معقدة جدا يتعين ان يشارك فيها عدد كبير نسبيا من الطائرات الإسرائيلية مرة واحدة وفي هجوم مباغت.

ويبيّن كوردسمان، على أي حال يبدو أن البدائل الأخرى ليست مفيدة ايضا لإسرائيل والولايات المتحدة ولجيران ايران العرب، غير أن هذا لا يحول دون القول إن اسرائيل يمكن ان تلجأ للقيام بضربة مفاجئة على ايران ولو كمحاولة لكسب المزيد من الوقت. كما أن إصرار ايران على الاستمرار في تطوير أسلحة نووية يمكن ان يدفع الولايات المتحدة لشن ضربة عليها على الرغم من ان القيام بمثل هذه الضربة يمكن ان يكون لمصلحة المتشددين في ايران الذين يمكن ان يعتبروا مثل هذا الهجوم الأمريكي مبررا للمضي في سباق تسلح نووي شامل في المنطقة لكن على ايران ان تدرك ايضا ان دفع تركيا والدول العربية المجاورة لها لتطوير قدرات نووية او دفع الولايات المتحدة لتقديم مظلة نووية لهذه الدول ضد ايران يمكن أن يثير تهديدات اضافية ويجعل جيران ايران أكثر اعتمادا على امريكا أمنيا.

ويخلص كوردسمان الى القول، ان بحث ايران عن الصواريخ النووية يمكن ان يوحد هذه الدول ضدها ويثير تهديدا نوويا جديدا لبقائها.

هل أصبحت واشنطن وطهران على طريق المواجهة؟ 

وفي نفس السياق كتبَ جوليان بورغر مقالاً نشرته صحيفة الوطن جاء فيه: زادت كل من واشنطن وطهران المخاطر الراهنة حدة بالتهديدات التي صدرت عنهما قبيل اللقاء المرتقب بينهما في جنيف هذا الاسبوع، وذلك عندما حذرت واشنطن من احتمال وقوع صراع عالمي ما لم يتم التوصل لحل مناسب للأزمة المستحكمة بين ايران والغرب حول برنامجها النووي.

وتابع بورغر، جاءت هذه التهديدات الحادة التي تبادلها الطرفان بعدما تبين للعالم يوم الجمعة الماضي ان ايران كانت تبني خلال السنوات الماضية موقعاً سرياً تحت جبل قرب مدينة قم، كما تضمنت تلك التهديدات احتمال فرض سلسلة جديدة من العقوبات اشد تأثيراً من الاجراءات المالية السابقة التي جرى فرضها على ايران حتى الآن، فقد اعلن الرئيس باراك اوباما خلال تحدثه في قمة مجموعة العشرين في بيتسبيرغ قائلا: لقد ابلغنا لايرانيين ان عليهم ان يكونوا واضحين عند التقائنا بهم في الاول من اكتوبر، وان عليهم ان يحددوا خيارهم النهائي ايضا فأي بديل للالتزام بالقانون الدولي ستكون نتيجته المواجهة.

جدير بالذكر ان الولايات المتحدة سوف تطالب خلال اللقاء المذكور بحرية الدخول الى الموقع الايراني النووي الجديد خلال الايام القليلة المقبلة والدخول الى كل المواقع الاخرى خلال ثلاثة اشهر، طبقا لما جاء في صحيفة «نيويورك تايمز»اخيرا.

واضاف بورغر، كما ستطالب واشنطن طهران بفتح كل دفاترها وسجلاتها واجهزة الكمبيوتر لفحصها والرد على الاسئلة المتعلقة بجهودها السرية لبناء اسلحة نووية.

بيد ان الحكومة الايرانية لم تكشف حتى الآن عما يشير الى استعدادها للوصول الى تسوية، فقد بدا رئيس هيئة موظفي القائد الاعلى علي خامنئي ميالاً لفكرة المواجهة، اذ ذكرت وكالة الاخبار الايرانية شبه الرسمية ان محمد محمد غولباياني قال: سوف يبدأ العمل في هذا الموقع الجديد قريبا ان شاء الله،وسوف يثير بذلك الشعور بالرعب لدى الاعداء، ثم وصف هذا الموقع المخصص لتخصيب اليورانيوم بأنه مؤشر على ان ايران اصبحت في «ذروة القوة».

ومن الواضح ان هذه التعليقات تبين الدرجة التي ينظر من خلالها النظام الى البرنامج النووي باعتباره قضية وطنية تمس الكبرياء الوطني.

واستدرك بورغر بالقول، غير ان النظام يؤكد ان هذا البرنامج الذي تم الكشف عنه عام 2002 مخصص لتوليد الكهرباء والابحاث الطبية وانه من حق ايران في اطار السيادة.

لكن على الرغم من اعلان رئيس البرنامج النووي الايراني انه سيتم السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشأة التخصيب الجديدة في قم الا انه لم يحدد متى يمكن ان يقوم مفتشو الوكالة بزيارة للموقع الجديد، كما تجنب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الرد على سؤال في الأمم المتحدة حول ما اذا كانت ايران قد نجحت في تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية، واكتفى بالقول ان الاسلحة النووية «غير انسانية» وان كل من يسعى اليها هو شخص «متخلف سياسيا».

بيد ان ما اثار المزيد من التوتر كان قول الصحافة الايرانية قبل ايام قليلة ان الحرس الثوري سوف يقوم بمناورات صاروخية دفاعية، ومن الملاحظ هنا - كما يقول المسؤولون في الغرب - ان موقع قم هو موقع قاعدة صاروخية تابعة للحرس الثوري.

وتابع بورغر، على اي حال من المقرر ان يطير كبير المفاوضين الايرانيين النوويين سعيد جليلي الى جنيف الخميس المقبل للاجتماع من دبلوماسيين كبار من ستة بلدان غربية مكلفين ببحث برنامج ايران النووي، وسوف تقوم الولايات المتحدة بدور رئيسي لأول مرة في هذه المحادثات لتعاكس بذلك السياسة الأمريكيةالسابقة التي انتهجتها ادارة الرئيس بوش.

وسوف تتركز المحادثات حول التوصل لصفقة او اتفاق تقوم ايران بموجبه بتعليق عملية تخصيب اليورانيوم مقابل سلة من المساعدات الاقتصادية منها مساعدة ايران في مجال صناعة الطاقة المدنية.

غير ان الآمال بحدوث تقدم كبير في جنيف تبقى محدودة، وهذا ما دعا الرئيس اوباما للقول: عندما نكتشف ان الدبلوماسية لم تفلح سنكون عندئذ في موقع اقوى لفرض عقوبات اشد، وهذا مسار لا أفضله بالطبع لاني لا احب شيئاً اكثر من رؤية ايران تختار الطريق المسؤول.

الا ان الرئيس لم يستبعد في الوقت نفسه الخيار العسكري، لكنه اضاف: اريد التأكيد من جديد ان حل هذه المشكلة من خلال الدبلوماسية هو الطريق الذي افضله.

وخلص بورغر بالقول، وزير الخارجية البريطانية ديفيد ميلباند وافق على هذا قائلا: ليس هناك انسان عاقل يمكن ان يدرس الدخول بعمل عسكري ضد ايران دون الشعور بقلق حقيقي، ولهذا نقول دائماً اننا ملتزمون بالمسار الدبلوماسي بنسبة %100.

واستشهدَ ايضاً بقول وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس الذي ذهبَ لأبعد من ذلك عندما قال: الحقيقة ان اي عمل عسكري لن يحقق شيئاً يذكر باستثناء كسب المزيد من الوقت، اي تأخير عملية حصول ايران على القنبلة.. واضاف: الا ان طهران سوف تتمكن من امتلاك مثل هذه الاسلحة في النهاية.. ربما خلال سنة، او ثلاث سنوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 30/أيلول/2009 - 10/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م