النظم البيئية ودورها في تطوير الحياة البشرية

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: منذ أن وطأ الانسان الارض، دخل في حالة صراع متواصلة مع الطبيعة وحاول أن يحجّم من ثوراتها واخطارها وتقلباتها، وأن يجعل من كوكب الارض بما يتميز به من عناصر طبيعية متنوعة ومتداخلة ملائما لما يبحث عنه الانسان من أنماط جيدة للعيش والتكاثر والانتاج والتطور في سلسلة متواصلة من النمو.

ولكي يصل الى نسبة جيدة في تحقيق هذا الهدف عمد الانسان الى استخدام الفكر والتخطيط في وضع نظم محددة للبيئة وذلك بمساعدة الافكار والخبرات معا، بمعنى أن صنع حالة من التوازن بين انفلات الطبيعة وحاجة الانسان الى النظام والهدوء النسبي، باتت من الملحات التي ينبغي أن يحققها وذلك عبر أفكار العارفين في البيئة وعبر رؤاهم التي تصب باتجاه تحقيق هذا الهدف مضافا الى ذلك الافادة من تراكم الخبرات البشرية في هذا المجال.

وهكذا تمكن الانسان من ترويض الطبيعة والحد من مخاطرها عبر التخطيط المتواصل لكيفية التعامل مع عناصر الطبيعة ومنها الاعاصير مثلا والعواصف الرملية او الجليدية وانفجار الحمم والبراكين والفيضانات والزلازل وسواها من فورات الطبيعة التي حاول الانسان ولا يزال التوافق معها كي تشيع حالة من الوئام بين الطبيعة والانسان.

وفي كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: البيئة) يرى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله أهمية أن يوظف الانسان طاقاته في المجال التنظيمي لكي يكون أكثر سيطرة على البيئة، فيقول في هذا الصدد: (لابد مـن إيجاد نظم بيئية طبيعية، وتوفير الحماية الكافية لها، وبذلك يتمكن الإنسان أن يترك للأجيـال القادمة صـوراً حيّة للنظم البيئية المتنوعة.

وتشكل هـذه النظم البيئية منـاطق محميّة تعتبر أساساً لدراسة البيئة ومكافحة التلوث. وتطوَّر هـذه النظم، ودراسة تركيبهـا وطرق عملها، وكذلك بمقارنتها مع بقية النظم غير المحمية أو التي تخضع للاستثمار من قِبَل الإنسان مثل الغابات المستثمرة والأراضي الزراعية والمناطق العمرانية والصناعية وغيرها) .

هذا يعني ان الانسان المعاصر ينبغي أن يفكر بالقادم من الازمان وبكيفية مواجهة الاجيال القادمة لمفاجآت الطبيعة، بمعنى اننا يجب أن نترك لهم متراكما تنظيميا خبرويا في هذا المجال، وهو الامر الذي يؤدي الى تطوير النظم البيئية ويجعلها اكثر قدرة على اداء الدور المطلوب منها حيال الانسان.

ولعل الانسان لا يهدف الى حماية نفسه فحسب، فثمة كائنات اخرى تتشارك معه الاقامة فوق كوكب الارض، وبذلك وطالما ان ينفرد بالامتياز العقلي والتفكيري في آن واحد، فإنه المسؤول الاول عن حماية النبات والحيوان وفق النظم الاجرائية التي تتيح له القيام بمهمته هذه، ويرى الامام الشيرازي في هذا المجال كما جاء في كتابه نفسه:

(إن المناطق المحميّة متنوعة من حيث الهدف ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأول: الحدائق العامة، فهي مناطق طبيعية ومتنوعة تحتوي على عدة أنواع مـن النظم البيئية وتكون فيهـا الحيوانات والنباتات في مأمن من كل التعديات، كما وتعتبر المنتزهات العامة من النظم البيئية التي يجد فيها الأفراد فرصة العيش في الطبيعة مع الحفاظ على الحيوانات والنباتات التي فيها.

ويوضع لهذه الأماكن برنامجٌ خاصٌ لحمايتها مـن الحرائق والآفات أو الاعتداء الذي يواجه النباتات أو الحيوانات.

الثاني: المدّخرات، وأهم أهدافها حماية تنـوع المجتمعات الحية النباتية والحيوانية ضمن نظم بيئية طبيعية وتهيئـة مساحات مخصصة للأبحاث البيئية لدراسة كل ما يتعلق بالوسط المحيط، وخاصة فيما يتعلق بإجراء مقارنات بين المساحات المحمية ومساحـات أخرى مجاورة غير محميّة، والاستفادة منها في التدريس، فإنها مساحات محميّة تنتمي إلـى بيئات مختلفة أرضيّة وشاطئيّة، ويجب أن تحتوي على أمثلة معبّرة عن النظم البيئية المكوّنة) .

ويشير الامام الشيرازي (رحمه الله) الى حالة التوازن التي تعيشها كائنات الارض مع بعضها، فالمعمورة ليست حكرا على الانسان وحده بل ثمة كائنات اخرة ربما يثصعب احصاؤها تتعاون مع بعضها ربما بصورة لا ارادية لجعل الطبيعة اكثر توازنا وتوافقا مع التنوع الاحيائي الراكز على الارض منذ ملايين الاعوام، وينبّه الامام الى اهمية هذا التوازن الطبيعي وعدم كسره او هدمه او التجاوز على نمطيته التي تصب في صالح الكائنات كافة، وقد جاء في كتاب (الفقه: البيئة) في هذا الصدد:

(تعيش الحشرات مع سائر الحيوانات والنباتات في توازن طبيعي تتحكم فيه وتسيطر عليه عدّة عوامل بيئيـة، مثـل الحرارة والرطوبـة وتوفر الغذاء وعوامل حيوية أخرى مثل افتـراس بعض الحشرات للبعض الآخر، وتطفّل بعضها على بعض، ولذلك يرى فـي البيئة الطبيعية أن الحشرات والحيوانات تعيش في حالة توازن طبيعي يحقق معيشـة متوازنة لهما معاً، فإذا اختلفت الظروف البيئية لسبب طارئ أو دائم وحلّت في المنطقة حشرات جديدة فإنّ التوازن القائم لابدّ أن يختل لصالح نوع أو عـدة أنواع منها).

ويضيف الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه نفسه: (ومن أمثلة ذلك انتشار العنكبوت الأحمـر ودودة اللوز فـي مصر في أعقاب استخدام بعض المبيدات الحشرية بإسراف شديد وبطريقة غير محسوبة. ولم تكن مثل هذه الآفات مصدر خطر للنباتات فيمـا مضى).

لذلك فإن عملية التوازن قائمة ومتواصلة لأنها العنصر الاساس الذي يديم التوافق بين الطبيعة والكائنات، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال:

(إن قاعدة التوازن تحكم الكون بدقة متناهية مؤكدة على حكمة الخالق المتعالي حتى فـي كبر الحيوانات وصغرها، فالعصفور لا يصل في حجمه إلى الحمام، والحمام لا يصل في حجمه إلى العصفور صغراً).

وهكذا يكون لزاما على الانسان بوصفه العنصر المتفوق على الكائنات الاخرى أن يصب جهده الفكري والخبروي في الحفاظ على البيئة وتطوير أنظمتها باستمرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/أيلول/2009 - 9/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م