اطفال العراق وانتشار ثقافة العنف في العابهم

عصابات الأطفال تجتاح مدن العراق والمستشفيات تستقبل العديد من الجرحى

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يجزم علماء النفس والاجتماع إن ظاهرة العنف باتت من أكثر ثقافات الأطفال انتشارا في العراق مما قد يشكل خطورة جسيمة على نشأة تلك الشريحة من المجتمع قد تنعكس بشكل لافت في المستقبل القريب.

حيث تشكل ظاهرة انتشار العاب القتال الكاذبة كالمسدسات والبنادق البلاستيكية من أكثر أنواع المرح لدى الأطفال، وتجارة رائجة في الوقت نفسه للتجار.

فيما ينتقد العديد من الخبراء والمتابعين للشؤون الاجتماعية صمت الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني واكتفائها بدور المراقب دون أن تحرك ساكنا في الحد من تلك الظاهرة الخطرة.

عصابات “كاذبة” تجتاح الازقة في عيد الفطر

“لقد أسرّنا ثلاثة منهم، وهرب الباقون، لكننا سنطاردهم ونصل إليهم، لم يكونوا يمتلكون أسلحة كأسلحتنا.

نحن نمتلك أسلحة جيدة، وهي بنادق قناصة، وسوف نتمكن من الوصول إلى تلك المجموعة، ونطارد مجموعات أخرى”.

هذا ما قاله، احمد وهو يشرح لأبيه ما قام به وأصدقائه في صبيحة يوم العيد.

لقد اشترى احمد، البالغ من العمر 8 سنوات، بندقية بلاستيكية “قناصة” بما حصل عليه من مبالغ يوم العيد، وهو يقول بأنه “سعيد جدا” وأصدقائه بتلك البنادق وقد صار بإمكانهم ان يقلدوا الكبار ومن يرونهم في الافلام والمسلسلات التلفزيونية.

وبدأت تنتشر في احياء البصرة مجاميع كبيرة من الأطفال وهم يحملون المسدسات والبنادق البلاستيكية بمختلف الأحجام والأنواع ويشتبكون بمعارك وهمية مع مجاميع اخرى في منظر يبدو قريبا من حرب العصابات، وهي جزء من ممارسات الأطفال الاحتفالية بمناسبة عيد الفطر المبارك. بحسب وكالة اصوات العراق.

بعض المعنيين بالشأن التربوي رأوا بذلك مؤشر طبيعي لثقافة المجتمع الذي عاشوا فيه، ليطلق باحث على تلك الظاهرة بـ”العصابات الوهمية”، فيما طالب صحفي بأن تضطلع الحكومة بقرار منع يقضي بموجبه تغريم من يستورد تلك الألعاب أو يعمد الى تصنيعها، لكن آخرين قالوا بأن انتشارها أمر واقع في ظل غياب المرافق الترفيهية ومدن الألعاب في المحافظة.

والد الطفل احمد، اكتفى بتوصية ولده ان لا يؤذي الآخرين بإطلاق عيارها البلاستيكي عن قرب كي لا يصيبهم بضرر، وهو يقول “لا استطع ان امنع الطفل من شراء تلك اللعبة فهو يرى اقرانه الآخرين، ومع بكاءه لأجلها اضطررت الرضوخ لإرادته”.

ويضيف “اعلم بأن تلك اللعبة سيئة ومن الممكن ان تؤذي الآخرين وتخلق مشكلة فيما لو سدد بعيارها البلاستيكي عن قرب باتجاه أماكن حساسة في الوجه، وقد حدثت مشاكل كثيرة في هذا الاتجاه، ولكن ما العمل”، منوها “نحن نفتقد الى وسائل ترفيه الأطفال ومدن الألعاب ويجب على الدولة ان تمنع بدورها استيراد تلك الألعاب وتوفر للأطفال ما يعوضهم عنها”.

اختصاصي الطب النفسي الدكتور عقيل الصباغ، يقول بأن الأطفال الذكور “يمتازون بالميل الى استخدام السلاح والألعاب التي فيها قوة وعنف، اما الإناث فهن ميالات إلى الهدوء واستخدام الدمى والألعاب الأخرى”، مشددا إن “العنف بصورة عامة عند الأطفال هو جزء من مفهوم العنف العام عند البشر والكائن البشري والحيواني، وهو جزء من هذا السلوك الذي يمتاز بالقوة والتهور وإبراز الشجاعة وإبراز الغلبة على الغير”.

ويشير الى ان “هذا السلوك لا يوجد في كل المجتمعات بل يختلف، وهو ثقافة وحضارة وعادات وتقاليد اكتساب خبرة من خلال المجتمع الذي يعيشون فيه”.

ويبين بأن المجتمع العراقي “مر في ظروف قاسية وحروب وعنف شديدة خلال الثلاثين سنة الأخيرة بداخل هذه الظروف تعلم الطفل على السلاح والعنف وإيذاء الآخرين على امتلاك الغير واستخدام اللعب كالأسلحة، كما نشاهد هذا من خلال رسوماتهم فهو يرسم الدبابة والمسدس وغيره”.

ويضيف “في ظاهرة رايتها الآن خاصة في هذه الفترة فترة الأعياد نرى مجاميع وكأنها عصابات، يمكن ان نطلق عليها العصابات الكاذبة، لأنهم مجموعة من الأفراد يحملون مسدسات وهي غير مؤذية، مجرد مسدسات مائية أو مسدسات لعب”.

ويواصل “نتمنى ان لا يكتسب أطفالنا هذه الصفات، نحن نريد ان يكتسبوا صفات الهدوء والتساهل والتسامح والمحبة”، لكنه يستدرك “هذه الظاهرة ليس سهلة الإزالة بل هي ظاهرة مجتمعية مرتبطة بتغيير فكرة الناس عن العنف والقوة، فالعنف ليس فقط عند الأطفال بل هو موجود لدى الكبار، ربما نشاهد على مسالة بسيطة لا يتحاورون لحلها بل يستخدمون القوة والعنف”.

وهو يرى بأن تلك الظاهرة قد “اكتسبت عبر سنين وبالتالي تحتاج الى وقت لحلها، كما تحتاج الى جهات كثيرة للمساهمة في ذلك في مقدمتها الإعلام بالإضافة الى دور الأسرة الرئيسي”.

وكان مجلس النواب ناقش في أيار/ مايو من العام الماضي، مسودة قانون يهدف لمنع استيراد الألعاب التي تشجع على العنف والمفرقعات النارية بهدف الحد من ظاهرة العنف لدى الأطفال.

الى ذلك، تقول خالدة محمد، وهي تعمل مدرسة، بأن مشهد لعب الأطفال في الأسلحة أصبح مألوفا، كما هي مشاهد المعارك في الشوارع في الأحياء والشوارع”.

وتشير بأنه “رغم تصاعد الدعوات لوقف استيراد الألعاب المحرضة على العنف، إلا أن الأطفال يحبون امتلاكها بشكل كبير، وان المحال والأسواق التجارية تمتلئ بأنواع مختلفة من هذه اللعب كالمسدسات والبنادق والمفرقعات، وبعضها يشبه إلى حد كبيرة البنادق الحقيقية”.

وتبين محمد بأن المسألة “تحتاج الى دراسات خاصة وطاقات من اجل توجيه هؤلاء الأطفال الى أشياء مفيدة، وبذلك تعلب المدارس دورا كبيرا في توجيه التلاميذ لتفريغ طاقاتهم من خلال الرسم والرياضة والسفرات التعليمية والترفيه وغيرها”.

صحفي بصري يرى بأن “غياب المراكز الترفيهية وعدم توجيه طاقات الحكومة المحلية نحو ذلك، اضافة الى انعدام رؤيتها الإستراتيجية لبناء مستقبل الطفل هو ما يسهم بشكل رئيسي في تنامي الظاهرة”.

ويضيف احمد عبد الرحيم بأن “مشاريع التنمية لا تأخذ على عاتقها حاجة الفرد ومستقبل الجيل القادم وامكانية بناء ما يسد شواغر تلك الطاقات الهائلة والتي قد تنعكس في صور هنا وهناك تكون في المستقبل عائق وتحد اكثر مما تكون حلا”.

ويشير الى ان محافظة البصرة “تفتقر الى مدن العاب او ساحات خضراء يمكن ان تستوعب -حال وجودها- الاطفال، في خطوة لنزع روح العدوانية التي يمكن ان تصبهم من تراكم الثقافة وانعدام الرقابة والتخطيط”.

كما يرى رافع البصري وهو أحد المراقبين التربويين في البصرة، بأن “ذائقة الأب المتمرس على استخدام السلاح طيلة سنين الحروب باتت غريزته وقد تعاطاها طيلة حياته، وأصبحت بالتالي ضمن توجهات الآباء إلى أبناءهم”، مشيرا الى ان “شراء أسلحة الأطفال ما هي الا إيمائه لدى رغبات الآباء إلى ماض يذكرهم بانهيار مرحلة شبابهم بين تراب السواتر وطموحات ميتة، فأصبحت عارية من كل أحاسيس السلام”.

ويتابع ان “غياب وسائل الترفيه مثلا اثر في زيادة  هذه الظاهرة، وهو جزء من المشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية تبدأ من البيت والتربية تبدأ من أخلاقيات العائلة كما انه لابد من منع استيراد تلك الألعاب”، لافتا إلى إن “طموحات التجار المادية في استيراد مثل هكذا العاب لمجرد الربح فكيف بتجارة تحول براءة الأطفال إلى قطط وحشية”.

وهو يرى بأن “الحكومة لها دور في تغيير الوضع من خلال سن القوانين الخاصة باستيراد هذه الألعاب ونشر الوعي ببث برامج خاصة وضع الخطط لعلاج الأطفال المتسربين من المدارس، بالتوازي مع العائلة  التي لها الدور الأكبر”.

ويخلص إلى إن “الطفل حين تنغرس فيه تلك العادات وذلك السلوك العدواني فمن السهولة بالتالي صناعة جيل يتقبل العنف ويصبح جزء من طبيعته وسلوكه، ويبتعد عن سلوك متحضر لحل أي مشكلة بطريقة الحوار وتقبل الآخر”.

فيما يقول مواطنون في حديثهم بأن على الحكومة ان تولي الأطفال والمرافق الخدمية والترفيهية اهتماما كبيرا، للحد من ظاهرة عنف الأطفال، مشيرين الى ان العائلة وحدها لا يمكن ان تعمل في ظل غياب دور الدولة.

مريم ناصر، ربة بيت، تقول “نحن نشكو ايضا ظاهرة عنف الاطفال فهم مع ثقافة الشارع التي يكسبونها يصبحون غير مطيعين ولا يستجيبون لتوجيهاتنا”.

وتضيف “لا نستطيع ان نقف بوجوههم ونحن لا نمتلك البدائل، فأين يمكن ان أذهب بأطفالي فيما لو منعتهم بأن يلعبوا في الشارع؟”

كما يرى عباس زباري، سائق، بأن “الاطفال حين يريدون ان يشتروا بنادق بلاستيكية لا اتمكن من منعهم مطلقا، لانها ثقافة الشارع وكل الاطفال قد اقتنوا تلك الالعاب”.

وهو ذات الامر الذي برره والد الطفل احمد، بأنه لا يستطيع الوقوف بوجه رغبة الطفل، فالشارع كما يعتقد هو من يفرض تلك الثقافة و”نحن لاحول ولا قوة لنا”، يقول ابو احمد ذلك قبل ان يفلت طفله باتجاه طفل اخر وقد وجه فوهة بندقيته باتجاهه وتوعده بالقضاء عليه.

ثلاثون طفلاً يصابون بعيونهم

قال مسؤول في صحة كربلاء، إنه تم خلال الأيام الماضية من عيد الفطر المبارك استقبال نحو ثلاثين طفلا مصابا نتيجة لاستخدام الألعاب التي تستخدم الأعيرة البلاستكية.

وأوضح المصدر ان ” مستشفى الحسين العام استقبل خلال الأيام الثلاثة الماضية واليوم الخميس نحو ثلاثين طفلاً مصابا في مناطق مختلفة من الوجه وخاصة العين بسبب اسستخدام أسلحة ألعاب الأطفال التي تستخدم الأعيرة البلاستكية”. بحسب اصوات العراق.

واضاف ان “أطباء كربلاء سبق حذروا من مغبة استيراد مثل هذه الألعاب لأنها تؤدي إلى إصابة الكثير من الأطفال أما بنزيف أو العمى الدائمي”، مبينا انه “قبل عامين حدث ذات الشيء في عيد الفطر المبارك وأدت الحوادث إلى إصابة ثمانية أطفال بعمى كلي نتيجة تعرضهم للأشعة التي تبعثها الألعاب الليزرية”.

من جانبه قال أخصائي بأمراض وجراحة العيون عماد صالح الزبيدي إن “المستشفى استقبل 13 إصابة لأطفال لا يتجاوزون العاشرة من العمر وبعضهم الخامسة من العمر”، وذلك بسبب “تعرضهم لكرات بلاستكية تطلقها الألعاب الحربية التي تباع لهم في الأسواق”.

واضاف الزبيدي ان “الإصابات أدت إلى إحداث نزيف شديد أو جرح في القرنية نتيجة لصغر حجم الكرة البلاستكية وهذا سيؤدي أما إلى ضعف البصر أو فقدانه”.

فيما طالب احمد عبد الستار والد أحد الأطفال المصابين “الدولة إلى إصدار قرار يمنع بموجبه توريد مثل هذه الألعاب التي لها حدين اولهما تعويد الأطفال على الحرب والقتال والثانية إحداث إصابات يزداد بهد معوقو العراق”.

ودعا عبد الستار “التجار الامتناع عن استيراد مثل هذه الألعاب وان يحكموا ضمائرهم قبل أرباحهم لان بعض الأطفال تستهويه هذه اللعبة وهو يشتريها في غفلة عن أهله خلال أيام العيد”.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/أيلول/2009 - 8/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م