اقتصادي أميركي يحذر الشرق من جشع الغرب

مرتضى بدر

في مؤتمر اقتصادي كبير عُقِد في بانكوك تحت عنوان (آسيا: الطريق إلى الاقتصاد الجديد) ألقى الخبير الاقتصادي الأميركي (جوزيف ستيغليتز) الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001 كلمة حثّ فيها دول آسيا على النظر إلى الداخل من أجل تحقيق نمو بدلاً من الاعتماد على التصدير.

وقال إنه “تمّ تجاوز فترة الطفولة، وأصبح هناك اقتصاد مزدهر وقوي هنا في آسيا. وأصبحت هناك قاعدة لتطوير اقتصاد إقليمي ضخم يستطيع أن يستمر بنفسه”. وحسب ما أوردت صحيفة (الشرق الأوسط) بتاريخ 22 أغسطس “فقد دعا ستيغليتز حكومات الدول الآسيوية إلى حماية بلادها من تدفّقات السيولة النقدية الضخمة من الغرب بحثاً عن الاستثمار في آسيا، حيث تتعافى الاقتصادات بشكل أسرع من الغرب. وطالب بفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية ووضع قيود على الائتمانات المصرفية ووسائل أخرى لكبح المضاربات والنمو المفرط”.

نصيحة هذا الخبير الأميركي ذكّرتني بالأزمة المالية التي عصفت بالدول في جنوب وشرق آسيا في أواخر التسعينات، التي كان للمضاربين الغربيين الجشعين الدور الأساس في بروزها، كما يذكّرنا بالدور الشجاع الذي لعبه رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد في التصدي للغربيين ووصفهم بالمتآمرين.

نصيحة هذا الخبير دعتني للبحث مجدداً عن السر الكامن في النمو الاقتصادي السريع لبلدان جنوب شرق آسيا، وكثيراً ما يراودني هذا السؤال: لماذا تقدّمت الصين والهند وماليزيا بينما تراجعت مصر في الكثير من المجالات رغم ما بينها وبين الدول الآسيوية من الكثير من المشتركات؟ باعتقادي انّ المتتبع لازدهار شرق آسيا قد يصل إلى نتيجةٍ مفادها أنّ الحرية والشفافية ومحاربة الفساد هي العوامل الأساس التي أسهمت في تعزيز حركة النمو الاقتصادي في جنوب شرق آسيا.

في كتابه الذي صدر عام 2002 بعنوان (الإسلام والأمة الإسلامية) يشير مهاتير محمد إلى الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالمنطقة عام 1997، ونقلاً عن (شبكة الجزيرة نت) التي قدمت شرحاً موجزاً عن الكتاب، أنصح القرّاء بقراءة هذا الكتاب القيّم. يقول مهاتير: “بدأت الأزمة في تايلند عندما انهارت العملة المحلية، ووجدت هذه الدولة نفسها في أزمة مالية واقتصادية تقترب أو وصلت بالفعل إلى الانهيار، وقد استهدف المضاربون العملة الوطنية الماليزية، وحاولوا التلاعب بأسعارها ببيع كميات كبيرة منها وسحب رؤوس الأموال الأجنبية؛ مما خفض قيمة القواعد الرأسمالية والأصول السوقية إلى ثلث قيمتها الأصلية؛ فأصبحت الشركات مهدّدة بالإفلاس ومعرّضة للبيع بأسعار زهيدة”.

وعن آلية إنقاذ الاقتصاد في فترة الأزمة يقول مهاتير محمد: “قررت الحكومة الماليزية تطبيق صيغة للتحكم والسيطرة بالتبادل الانتقائي، فأوقفت سوق تداول العملة الوطنية في الخارج، ومنع المضاربون بالعملات من النفاذ إلى الصناديق التي يتوافر فيها الريجنت”. لم تكن الأزمة المالية التي ضربت منطقة شرق وجنوب شرق آسيا حتمية، وكان يمكن تجنّبها لو أنّ النظام المالي الدولي كان يهدف بالفعل إلى تسهيل انسياب التجارة والتفاعل الاقتصادي بين الأمم، ولكنّ القوة الرأسمالية المهيمنة كانت ومازالت ترغب في الاستئثار بكلّ شيء وفرض أجندتها السياسية.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إعادة توازن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين التي تعتبر أكبر دائن للخزينة الأميركية (وصلت قيمة الأرصدة الصينية من الأوراق المالية الأميركية إلى 802 مليار دولار). هذا التوازن في العلاقة يسير بحذر شديد من قبل الطرفين من جهة، ومخاوف من قبل بعض القوى الصاعدة اقتصادياً من جهة أخرى. فإذا كان التنافس هو واجهة الاقتصاد الحر حتى عهد قريب، فإنّ التنافس الاقتصادي أصبح اليوم مشروطًا بشروط ومقيدًا بقيود، وهذا ما نجده في العلاقة المالية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين. أميركا بقدر ما تنزعج من الصادرات الصينية الضخمة، فإنّها ترتاح جداً للأرصدة المالية الصينية في الولايات المتحدة. والصين بدورها بقدر ما تستفيد من استثماراتها المالية في الولايات المتحدة، فإنّها منزعجة ومتخوّفة من الخسائر المتكررة لأرصدتها الضخمة نتيجة تذبذب سعر الدولار.

 وبالعودة إلى الخبير الاقتصادي (جوزيف ستيغيلتز) الذي نصح الدول في جنوب شرق آسيا بأن تنظر إلى الداخل من أجل تحقيق نمو بدلاً من الاعتماد على التصدير، فإنّه بات جلياً أنّ نصيحة الخبير جاءت في توقيت دقيق، خصوصًا مع استمرار دوران الاقتصاد العالمي في مرحلة الإنعاش. فإذا التزمت الدول المذكورة بالنصيحة؛ فإنها ستشهد قفزة وارتفاعًا في نسبة النمو في بلدانها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/أيلول/2009 - 29/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م