الأربعاء الدامي ببغداد يحاكي اعتداءات 11 سبتمبر بأمريكا

انعطافة حاسمة في التعامل مع الارهاب والدول الداعمة له

 

شبكة النبأ: اتفقَ كتّاب وسياسيون عراقيون ان تفجيرات 19 آب الماضي في بغداد تحاكي في تداعياتها السياسية والأمنية تفجيرات 11 ايلول سبتمبر في أمريكا والتي تمرّ ذكراها الثامنة هذه الأيام.

ففيما اعتبر كاتب وسياسي كردي التفجيرات بأنها شكلت انعطافة في تعامل الحكومتين (العراقية والامريكية) مع دول متهمة بايواء من وصفهم بالارهابيين، اعتبر كاتب آخر الحدثين محوريين لجهة التنبيه لاتخاذ موقف حازم من الارهاب القادم من الخارج، في وقت عدهما سياسي مستقل حاسمَين في مراجعة طريقة ادارة الملف الأمني داخليا.

وشهدت بغداد يوم الاربعاء 19 آب اغسطس الماضي انفجار شاحنتين مفخختين اسفرتا عن مقتل أكثر من 95 شخصا وجرح نحو 1200 آخرين مثيرة غضب الحكومة العراقية، فيما شهدت الولايات المتحدة في 11 أيلول سبتمبر 2001 هجمات غير مسبوقة ادت الى مقتل قرابة ثلاثة آلاف شخص وشكلت انعطافة في طريقة التعامل الامريكي مع موضوع الارهاب والدول التي تحتضن منظمات تعتبرها ارهابية.

ووصف الكاتب فوزي الأتروشي طريقة تعاطي الحكومة العراقية مع تفجيرات الأربعاء الدامي في بغداد بأنها تشكل “انعطافة في طريقة تعامل الحكومة العراقية مع دول الجوار المتهمة بايواء مجموعات مسلحة تنفذ عمليات ارهابية في العراق، تتوافق مع التغيير الكبير في السياسة الامريكية تجاه الدول التي تأوي مجموعات متهمة بالارهاب بعد احداث ايلول 2001″.

وقال الأتروشي “بعيدا عن المقارنة بين الحدثين من جهة الحجم والتوقيت والأهداف فإنهما شكلا نقطة تحول في طريقة تعامل حكومتي البلدين مع المجموعات الارهابية ومع الدول التي تأويها او تنطلق منها”، مشيرا الى ان “احداث الأربعاء الدامي أكدت وجود أجندة أجنبية واخرى محلية تريد تعطيل تطور العملية السياسية في العراق بعد الاستقرار الذي شهدته البلاد ومع سحب القوات الامريكية من المدن ومن اجل اعادة الفوضى والقول بأن الحكومة ضعيفة وغير قادرة على حفظ الأمن بما يحمله ذلك من تأثيرات على العملية الانتخابية المقبلة وبالتالي المسيرة الديمقراطية في العراق. بحسب تقرير اصوات العراق.

وكانت هجمات بغداد قد استهدفت عددا من الوزارات والمؤسسات العامة واوقعت اضرارا كبيرة، واتهمت الحكومة العراقية البعثيين المقيمين في سوريا بالوقوف وراءها مطالبة سوريا بتسليم المتهمين او تدويل المشكلة عبر التوجه الى مجلس الأمن لتشكيل محكمة جنائية دولية للتحقيق في التفجيرات ومحاكمة من تعتبرهم متورطين فيها.

وأضاف الأتروشي، وهو كاتب سياسي ومثقف كردي يشغل منصب وكيل وزير الثقافة العراقي، ان “تفجيرات الأربعاء نبهت الحكومة العراقية الى ان بعض التدخلات الخارجية لن تتوقف بالمناشدات ولن يجدي مع حكوماتها طلبات وقف النشاطات المسلحة المعادية للعراق للمجموعات التي تقيم فيها، وكشفت ضرورة أن تأخذ القضية سياقاتها القانونية الدولية عبر التوجه لتشكيل محكمة دولية تقرر حجم التورط الخارجي”، لافتا الى ان على الحكومة ان “لا تنجر الى اي تحركات استفزازية وان تعمل وفق القانون وبما متوفر من ادلة ووثائق تكشف ما حدث يوم الاربعاء الدامي.

ومضى قائلا ” يبدو ان التعاطي مع الملف الأمني داخليا أيضا سيختلف بعد احداث 19 آب، واعتقد ان ما تقوم به الحكومة من تحركات واجراءات شيء صحيح، فهناك ضرورة لتنشيط الاجهزة الأمنية وابعاد العناصر التي اثبت تقصيرها”، منوها “هناك تأييد شعبي للجوء الى القانون الدولي بعد فشل سبل الاقناع والحوار السابقة في تغيير توجهات حكومات دول الجوار ومواقفها.

وتطالب الحكومة العراقية الحكومة السورية بتسليم قياديين بعثيين تعتبرهم متورطين في الكثير من التفجيرات الانتحارية والهجمات المنفذة في العديد من المدن العراقية، وكان المالكي قد زار سوريا في 18 آب وطلب منها التعامل بجدية مع القوائم التي قدمتها الحكومة العراقية حول من وصفهم بمتورطين في اعمال عنف بالعراق يتخذون من سوريا قاعدة لهم، لكن طلبه قوبل بالرفض.

وشدد الأتروشي قائلا “أنا أرى ان هناك اجماعا على ان هذه الجريمة يجب ان لا تمر ويجب ان تتم معاقبة الفاعلين ومن يقف وراءهم والرد على كل اجندات الدول الخارجية والاطراف المحلية بكل الوسائل القانونية المتاحة.

وأوضح الأتروشي “من المعلوم على الأرض ان هناك تناغما بين بقايا نظام حزب البعث وما تسمي نفسها بالمقاومة، فتلك الأطراف ليس لديها برنامج او عنوان سياسي ولا قوة تتركز على ماض وطني، مشروعها الوحيد تخريب البلد واقتصاده ومؤسساته، وهو ما يجب التصدي له ولرموزه، وان كانت هناك دول لا تفهم بلغة المصالح فيمكن عبر القانون الدولي ان تعي خطورة ما تقوم به.

ودعا الأتروشي الحكومة العراقية الى “تحديد علاقاتها مع دول الجوار على اساس شكل تعاطيها مع التجربة الديمقراطية، ورفض اختزال العراق في حزب او تيار، والتعامل وفق مبدأ عدم التدخل في شؤونه.

وكان العراق قد قرر التوجه الى مجلس الأمن لتشكيل محكمة دولية وهو ما أثار انزعاج سوريا التي وصفته على لسان رئيسها بشار الاسد، بأنه “غير اخلاقي” ووصفت الاتهامات بأنها لا تستند الى أدلة، وهو ما أثار مجددا ردة فعل عراقية استنكرت هذه التوصيفات، وقد حاولت تركيا عبر وزير خارجيتها احمد داود اوغلو التوسط لتخفيف الاحتقان لكنها لم تنجح في اقناع الحكومة العراقية بوقف التحرك باتجاه تشكيل محكمة دولية كما لم تنجح في اقناع سوريا بتسليم المطلوبين، وتوج الجهد الدبلوماسي التركي العربي بلقاء ضم وزراء خارجية العراق وسوريا وتركيا بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في مقر الجامعة العربية بالقاهرة يوم الأربعاء الماضي تم الاتفاق فيه على وقف الحملات الإعلامية بين الطرفين واللجوء للحوار السياسي عبر وزارتي خارجية البلدين برعاية عربية تركية.

من جهته قال رئيس تحرير صحيفة (كل العراق) البغدادية عادل المانع ان “19 آب نقطة تحول محورية في السياسة العراقية فالتفجيرات كانت تهدف لإعادة الفوضى وتعطيل العملية السياسية والتجربة الديمقراطية في العراق الجديد، وحملت رسالة مقلقة من الارهابيين تطلبت ردا حازما من الحكومة”.

وأضاف المانع “اعتقد ان المقارنة واردة بين حدثي الاربعاء الدامي في العراق و11 ايلول في امريكا، من جهة تنبيه الحكومتين وحسم موقفها من الأرهاب القادم من الخارج رغم اختلاف الساحة العراقية عن الامريكية، فالحكومة العراقية قررت وضع حد للتدخلات الخارجية ولكن عبر اللجوء الى القانون الدولي”.

وأوضح قائلا “العراق يدار اليوم بعقلية مختلف عن عقليات الانظمة الدكتاتورية السابقة وعن عقلية الأنظمة الشمولية في المنطقة التي تتوارث الحكم، هناك ادارة في العراق تأخذ بنظر الاعتبار التشاور واللجوء الى القانون ولغة الحوار لا الرد بالمثل، ونحن نعرف ان الهجمات التي تعرضت لها مناطق عراقية منذ 2005 من قبل تركيا وايران كانت كافية لتشعل حربا جديدة لو ردت عليها الحكومة العراقية بالمثل ووفق العقلية السابقة، لكنها فضلت الحوار وضبط النفس ومحاولة اقناع الآخر وعدم التورط في قرارات فردية ذات نتائج وخيمة”.

وتابع “لكن الهجمة الشرسة في 19 آب الماضي والتي كانت الحلقة الاخيرة في هجمات خططت لها جماعات تتخذ من دول الجوار مستقرا لها وبقصد تدمير التجربة الديمقراطية في العراق باعتبارها تجربة مقلقة لحكومات تلك الدول، شكلت نقطة تحول في طريقة تعاطي العراق، الذي يعيش مرحلة تحول ديمقراطي مهمة، مع تلك الدول الماضية في ايذاء العراق الذي من حقه اتخاذ اجراءات ضد الدول التي تحتضن جماعات تهدد أمنه.

واعتبر المانع ان “الموقف العراقي تجاه سوريا صحيح ويحظى بدعم من الشارع العراقي ومعظم الاحزاب السياسية لأنه مبني على اساس الدفاع عن العراق وتجربته ومواطنيه، ودفع للاعتداءات وعدم السكوت عنها في اطار العمل القانوني والحق الطبيعي.

وأشار المانع إلى ان “19 آب (أغسطس) شكل نقطة تحول محورية في طريقة التعامل مع دول الجوار، فهناك رأي عام عربي يكيل العداء للعراق وحكومته رغم كونها حكومة شرعية ومنتخبة وهناك جماعات تنشط وتنفذ عمليات انطلاقا من دول مجاورة، ومعها اصبحت الحكومة العراقية مضطرة للرد من موقف القوة والوقوف في وجه من يحاول ايذاء العراق، والتوجه الى المحكمة الدولية اشارة واضحة إلى ان العراق لن يسكت عن السياسات العدائية ضده خاصة بعد خروج القوات الأمريكية من المدن واستعادة العراق لسيادته.

وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد صعد لهجته اتجاه سوريا وقال ان “90 بالمائة من المسلحين العرب يدخلون إلى العراق عبر سوريا”، مشترطا تسليم المطلوبين الرئيسيين من البعثيين المتهمين بالوقوف وراء التفجيرات قبل إعادة العلاقات مع دمشق، فيما وصف وزير الخارجية هوشيار زيباري تشكيل محكمة دولية بأنه حماية للعراق عبر الذهاب للقانون الدولي.

فيما رأى السياسي المستقل هادي جلو مرعي أن احداث 19 اب في بغداد مشابهة في تداعياتها السياسية وما حملته من افرازات مع احداث 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة، لأنها حملت “تغييرا جذريا في سياسة الحكومة العراقية اتجاه موجات الارهاب القادمة من دول الجوار الى جانب مراجعة طريقة ادارة الملف الأمني داخليا”.

وقال مرعي “احداث الاربعاء الدامي فرضت على الحكومة العراقية تغيير سياستها المتساهلة مع تدخلات بعض دول الجوار، ودفعتها الى اعادة النظر في طريقة تعاطيها مع ملف الامن الداخلي وكشف الخروقات ونقاط الضعف فيه، مشيرا الى “وجود توافق داخل الحكومة العراقية وبين حكومتي بغداد واربيل (حكومة إقليم كردستان) حول سبل التعاطي مع التفجيرات الأخيرة وضرورة تغيير طريقة التعامل مع سوريا بوجود دعم من معظم العراقيين لذلك.

وأضاف مرعي “توجه العراق لطلب تشكيل محكمة دولية لمواجهة الارهاب القادم من خارج الحدود وضع دول الجوار في موقف حرج، فذلك قد يكشف طبيعة تدخلات تلك الدول في الشأن العراقي امام العالم ولتصبح معه محكومة بقوانين دولية وبتعاطي مجلس الامن، خاصة ان الولايات المتحدة الامريكية التي تترأس مجلس الأمن حاليا متحسسة من السياسات السورية والايرانية وقد تجعل من المحكمة سبيلا لفرض اجراءات صارمة ضد سوريا وربما ايران لاحقا”.

واوضح مرعي ان سوريا واجهت “بكثير من القلق والانزعاج المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بما فرضته من قيود عليها، وسيكون توجه العراق للمحكمة الدولية بمثابة ضربة جديدة لسياسات سوريا.

وأيد مرعي ذهاب الحكومة العراقية الى مجلس الامن لتشكيل المحكمة الدولية قائلا “لا بد من موقف حازم، العراق لا يريد الرد بذات الطريقة، وتلك الدول تعتبر المناشدات والطلبات العراقية ضعفا، فالحل لوقف التدخلات المباشرة وغير المباشرة في الشأن العراقي وعبر اطراف ومجموعات تملك معسكرات وتنظيمات مسلحة داخل تلك الدول هو التوجه للقانون الدولي ليحدد طبيعة التورط، ولتتحمل تلك الدول نتائج مواقفها العدائية.

واعتبر مرعي ان المحكمة الدولية “ضرورة للضغط على دول الجوار ككل بما فيها سوريا وايران لوقف نشاط مجموعات مثل القاعدة والمنظمات التي تستخدم اراضيها للتخطيط لشن هجمات تستهدف تدمير التجربة العراقية.

وأبدى مرعي قناعته بأن “الأربعاء الدامي” سيكون نقطة تحول في ادارة الملف الأمني داخليا، وقال “يبدو أن الحكومة جادة في اتخاذ اجراءات حازمة ضد بعض قادة الأجهزة الامنية التي ثبت تقصيرها، وستكون هناك عمليات إبعاد وتغيير مواقع واحالة على التقاعد لعشرات القيادات الامنية التي ظهر عدم نجاحها، وهو مطلب شعبي في اطار سياسة محاسبة المقصّر مهما كانت الجهة التي تدعمه، لافتا الى ان “امريكا بعد احداث 11 ايلول راجعت طريقة ادارتها الأمنية بشكل جذري.

وخلص الى القول “الأربعاء الدامي حمل رسالة خطيرة والحكومة تلقتها بجدية واعتبرتها نقطة تحول في تعاطيها مع ملف الارهاب القادم من دول الجوار وملف تنظيم الأمن الداخلي، فالهجمات السابقة التي كانت تنتهي ببيانات تنديد وطلبات طرد الجماعات المسلحة من دول الجوار مع اجراءات أمنية بسيطة، سيكون الرد عليها مختلفا تماما في المستقبل.

وكانت تفجيرات 11 ايلول سبتمبر 2001 قد دفعت الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الى شن الحرب على افغانستان في نهاية العام نفسه بعد اتهامها باحتضان منظمة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن المتهمة الرئيسية في الهجمات.

وأعربت الحكومة العراقية عن أملها بعد لقاء القاهرة خصوصا بأن تقوم سوريا بوقف دعمها للجماعات المسلحة التي تستقر على اراضيها وان تقوم بتسليم المتورطين في الهجمات كشرط لعدم التوجه الى المحكمة الدولية، ويقول مسؤولون عراقيون ان المحكمة ليست موجهة ضد سوريا بل انها ستشكل لمواجهة أي دولة وطرف تتورط في هجمات ارهابية في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/أيلول/2009 - 27/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م