قوانين الرقابة بين الضرورات الآنية والخشية من عودة القمع

هل يمكن أن تعود الدولة البوليسية؟

 

شبكة النبأ: أعلنت الحكومة العراقية مؤخراً عن خطط لفرض رقابة على الكتب المستوردة وكذلك على الإنترنت قائلة إنها تريد حظر منشورات الكراهية والمواد الإباحية، إلا أن مراقبي حقوق الإنسان يخشون أن تكون تلك خطوة تمهيدية نحو شبكة أوسع من الرقابة، قد تُحيي بالمحصّلة قوانين سابقة يصفها العراقيون بأنها مقيتة وتحدّ من الحريات العامة والفكر والرأي.

وجاء بمقال نشرته صحيفة الإيكونوميست العربية: كانت سوق الكتب الرئيسية في شارع المتنبي في بغداد الأسبوع الماضي أشبه بخلية من الأحاديث الغاضبة. واشتكى التجار من قوانين الرقابة الجديدة بالقول إن ''هذه ليست حرية التعبير'' وتحدثوا عن تنظيم مظاهرة مثل مظاهرة الشهر الماضي، حين احتج الصحافيون على القيود الجديدة.

ولكن هل سيجرؤ باعة الكتب على ذلك؟ فقد قالوا إنهم يشعرون فعلا بالقلق من أن يكون رجال الشرطة السرية يسجلون أسماءهم. وربما يجب عليهم بدلاً من ذلك الذهاب إلى المحكمة ومحاربة الرقابة بمساعدة المحامين.

يقول أحد تجار الكتب: ''هذا غير وارد. فهذا هو العراق الجديد''. وأضاف أن الحماية القانونية لا تهم كثيرا، لأن ''الرجال الذين يملكون الأسلحة هم الذين حصلوا على السلطة''. رغم ان السلطة وكما هو معروف جزء مهم من حكومة منتخَبة...

واضافت الصحيفة، بدأت العادات القديمة من عهد صدام تصبح أكثر شيوعا مرة أخرى. فالتعذيب أمر روتيني في مراكز الاعتقال الحكومية. ويقول سامر موسكاتي، الذي يعمل في منظمة Human Rights Watch في نيويورك: ''الأمور سيئة وتزداد سوءا، حتى حسب المعايير الإقليمية''.

وتفيد تقارير منظمته إلى أنه مع غياب الرقابة الأمريكية (وإن كان الأمريكيون قد ارتكبوا انتهاكات شائنة في أماكن مثل سجن أبو غريب)، عاد رجال الشرطة والأمن العراقيون إلى انتزاع أظافر المحتجزين وضربهم، حتى أولئك الذين اعترفوا.

وتابعت الصحيفة، يزدحم جهاز الأمن القومي بالنزلاء في أشد فتراته انهماكا منذ الإطاحة بصدام حسين قبل ست سنوات، خاصة في العاصمة. وفي تموز (يوليو)، أعادت شرطة بغداد فرض حظر التجول ليلا، مما سهل على الشرطة، التي تتلقى الأوامر من السياسيين، اعتقال الأشخاص المناوِئين للحكومة.

ويستهدف رجال الشرطة على وجه الخصوص قادة مجالس الصحوة، وهي جماعات من السنة كان العديد من أفرادها متمردين ومتعاطفين سابقين معهم، ساعدوا الحكومة على طرد أو اعتقال المتمردين السنّة الذين رفضوا التعاون وبقوا يعملون ضمن تنظيم القاعدة وبقايا مجموعات البعثيين المسلحة.

وتابعت الصحيفة مقالها المثير للجدل والذي لايخلو من ثغرات وتساؤلات، كان من المفترض أن يحمي القانون القضائي الذي ترعاه أمريكا الحقوق المدنية للعراقيين. ولكنه يتعرض لضغوط شديدة، حيث يتم جلب نحو 1.500 شخص إلى السجون شهريا بسبب قيام الأمريكيين بإفراغ سجونها في العراق. وانخفض عدد العراقيين في السجون التي يديرها الأمريكيون إلى أقل من 9.000 شخص بعد أن بلغ عددهم أكثر من 21.000 شخص قبل عام، في حين ارتفع العدد في سجون العراق من 35.000 في شباط (فبراير) إلى أكثر من 40.000 اليوم. علاوة على ذلك، أصبحت الأحكام أكثر قسوة، ويزيد عدد الأشخاص الذين يحكم عليهم بالإعدام. ففي يوم واحد في حزيران (يونيو) تم شنق 19 شخصا في بغداد. ويقول تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية في بريطانيا إن أكثر من 1.000 عراقي يواجهون الإعدام، غالبا على أساس اعترافات يقول التقرير إنه يتم الحصول عليها أحيانا تحت التعذيب.

وبيّنَت الصحيفة، ان الصحافيون يعتبرون  من أبرز ضحايا النظام القضائي العراقي. وفي تموز (يوليو)، تم اعتقال أحدهم لقيامه بتصوير ازدحام مروري في بغداد، بعد أن اعتُبرت صوره ''سلبية'' لأنها تسخر من تأكيدات المالكي بأن الحياة في العاصمة بدأت بالتحسن.

وقد أعلنت الحكومة أخيرا عن خطط لفرض رقابة على الكتب المستوردة وكذلك على الإنترنت، قائلة إنها تريد حظر منشورات الكراهية والمواد الإباحية. إلا أن مراقبي حقوق الإنسان يخشون أن تكون تلك خطوة تمهيدية نحو شبكة أوسع من الرقابة. وتواجه مقاهي الإنترنت قواعد جديدة تلزمها بالتسجيل. وقد يفقد العديد من كتّاب المدونات وغيرهم من متبادلي الرسائل الإلكترونية هويتهم المجهولة التي تحميهم.

ويقول الكثير من العراقيين إنهم يوافقون على هذه الحملة لإعادة تطبيق الضوابط الاجتماعية. فهم يعتقدون أنها طريقة جيدة لمحاربة العنف الطائفي. ولكن حتى لو كان الحد من الحرية سيؤدي إلى زيادة الأمن، فإن القوانين الجديدة جزء من صراع قوة وشيك قد يكون عنيفا. فالمؤسسة الجديدة لم ترسخ بعد نظاما سياسيا متينا، على الرغم من إقرار الدستور الجديد.

وتختتم الصحيفة، على أية حال يحاول المالكي وأصدقاؤه ضمان أكبر قدر ممكن من السيطرة على مقاليد السلطة في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة في كانون الثاني (يناير)، وبحماس أكبر من ذي قبل منذ أن أضرت سلسلة التفجيرات الكبيرة في بغداد خلال الشهرين الماضيين بسمعته بوصفه ضامن السلامة العامة.

وتقول ميسون الدملوجي، العضو الليبرالي في البرلمان: ''ليست تلك هي الطريقة التي يتم بها بناء الديمقراطية''. ولكن من السابق لأوانه القول إن العراق سيعود لتطبيق معايير الدكتاتور صدام البشعة. فالبرلمان متنوع وقوي. والصحافة لا تزال تبث مجموعة من الآراء العامة. ولم تصبح المحاكم بعد لينة ومطواعة. إلا أن الاتجاه يسير في الطريق الخاطئ.

يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي يملك خبرة طويلة في العراق ''ستكون تلك دولة بوليسية بلا شك، وسيستغرق الأمر عامين أو ثلاثة، إلا أن هذا سيحدث!...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/أيلول/2009 - 26/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م