
شبكة النبأ: تساعد أمطار خفيفة على
ترطيب الرمال مؤقتا والتخفيف من وطأة حرارة شهر آب في صنعاء ولكن لا
يمكنها أن تحسِّن من المستقبل المظلِم للمياه في العاصمة اليمنية التي
يقطنها مليونا نسمة. فبعض السكان يحصلون على امدادات المياه من
الصنابير مرة واحدة كل تسعة أيام في حين أن البعض لا يحصل على أي منها
على الاطلاق.
من جهة اخرى يتفشَّ الفساد في اليمن سواء جرى تعريفه كإساءة استغلال
لمنصب حكومي لتحقيق مكاسب شخصية او في صورة محسوبية وتحويل موارد
الدولة سعياً للهدوء السياسي، وتمتد مخالبه من قمة الحكومة الى قاعها
وتعتبر القبائل القوية والمؤسسة العسكرية الامنية من بين المستفيدين
الرئيسيين وفقا لتقييم يقع في 94 صفحة أجرته الوكالة الامريكية للتنمية
الدولية.
وقال ناجي أبو حاتم وهو خبير بشؤون اليمن في البنك الدولي ان تراجع
امدادات المياه يعني أن صنعاء يمكنها أن تشغل الان 80 فقط من 180 بئرا
بها.
وأضاف "الناس لا يصدقون حجم المشكلة. انهم يرون سحابة صغيرة ويقولون
الله موجود وسيرزقنا بالماء... ولكن الماء مشكلة اليمن رقم واحد."
وربما يبدو هذا زعما مذهلا نظرا لان البلاد تواجه أيضا صراعا في
الشمال واضطرابات في الجنوب وتمردا من تنظيم القاعدة وفقرا مدقعا.
ولكن نقص المياه في مدينة عدن بالجنوب يزيد من العنف بالفعل. فقد
قتل شخص بالرصاص وأصيب ثلاثة منهم اثنان من الشرطة خلال احتجاجات بسبب
المياه يوم 24 أغسطس اب.
كما أن نضوب الطبقات الصخرية المائية سريعا يجعل محنة اليمن الابرز
في منطقة تعاني من نقص شديد في المياه. وربما تتحول النزاعات المحلية
على حقوق استغلال المياه الى العنف خاصة في المناطق القبلية. كما أن
المنافسة على الامدادات بين المدن والريف ربما تزيد حدة. بحسب رويترز.
قال حسني خردجي رئيس البرنامج الاقليمي لإدارة المياه التابع
لبرنامج الامم المتحدة الانمائي وهو مقيم في القاهرة "يقل نصيب الفرد
في اليمن من المياه عن مئة متر مكعب سنويا مقارنة بخط فقر المياه الذي
يبلغ ألف متر مكعب."
وتقع كل الدول العربية باستثناء مصر والعراق ولبنان تحت خط فقر
المياه والاتجاه السائد في المنطقة يسير نحو انخفاض كمية الامطار ويلقى
باللوم في ذلك على التغير المناخي.
وعلى عكس دول الخليج التي تملك ثروات كبيرة فان وضع اليمن أفقر
الدول العربية لا يسمح له بسد الفجوة بين العرض والطلب من خلال التحلية.
وأضاف خردجي "انهم يفكرون في الامر ولكن من الناحية الاقتصادية أشك جدا
أن يتمكنوا من ذلك."
تحلية المياه وضخها لارتفاع يصل الى 2000 متر الى العاصمة سيكون
مكلفا للغاية. ويمكن نقل المياه الى صنعاء من حوض اخر ولكن هذا ربما
يشعل صراعا مع محافظات مجاورة تعاني أيضا من نقص شديد في المياه.
وتابع خردجي "هناك فكرة غير مقبولة سياسيا وهي نقل العاصمة لمكان
اخر. أنا لا أتصور حدوث ذلك."
وصنعاء التي كانت قبل 50 عاما بلدة مسورة يسكنها نحو 50 ألف نسمة
واحدة من أكثر المدن نموا في العالم اذ يبلغ معدل النمو السكاني الذي
يصل لحد الانفجار نحو ثمانية في المئة سنويا طبقا لبيانات البنك الدولي
منها خمسة في المئة نتيجة الهجرة من الريف.
وتجبر ندرة المياه الكثير من سكان القرى الفقراء على الانتقال الى
مدن اليمن حيث لا يتمكن سوى القليل من تحسين أحوال معيشتهم حتى على
الرغم من أن من المتوقع منهم أن يرسلوا أموالا الى ذويهم.
ومنذ السبعينات تحول اليمنيون سريعا من الاعتماد على الامطار في
الزراعة الى الري باستخدام المياه التي يجرى ضخها من ابار جديدة وشجعت
ذلك الحكومة والجهات المانحة الاجنبية التي ترغب في توسيع الانتاج.
وتستهلك الزراعة أكثر من 90 في المئة من المياه المستخدمة ويخصص ثلث
هذه الكمية لري حقول القات الذي أصبح جزءا من الحياة اليومية لاغلب
اليمنيين.
ويرى جاك فان دير جون مدير المركز الدولي لتقييم موارد المياه
الجوفية في هولندا ان سوء ادارة موارد المياه يمثل أحد الاسباب التي
تجعل محنة اليمن أسوأ من دول مجاورة مثل سلطنة عمان.
وتتناقص موارد النفط في البلدين ولكن ثروة النفط العمانية يتقاسمها
ثلاثة ملايين نسمة فقط مقارنة مع 23 مليون نسمة في اليمن وهو العدد
الذي من المقرر أن يتضاعف خلال 20 عاما.
وقال فان دير جون "عمان مثال ايجابي للاستقرار والقيادة الكاريزمية
لذا يسهل عليهم كثيرا السيطرة على مشكلات المياه لديهم. اليمن ليس
فوضويا ولكنه يقترب من ذلك."
واستند فان دير جون في قوله الى محافظة صعدة في الشمال معقل
الحوثيين الذين تحول صراعهم المتقطع مع الحكومة الى معارك ضارية هذا
الشهر.
ومضى يقول "لدى صعدة مشكلة مياه هائلة ولكن لا يمكنها التفكير في
المستقبل لانها تفكر في اليوم."
وعلى الرغم من سقوط أمطار عصرا في صنعاء فان المناطق الشمالية
المرتفعة في اليمن تعاني من الجفاف منذ عامين.
قال رامون سكوبل وهو خبير في شؤون المياه في وكالة (جي.تي.زد)
الالمانية للتنمية ويعمل في محافظة عمران الى الشمال من العاصمة
اليمنية "كانت الامطار هذا العام ضعيفة ومتأخرة."
وأردف قائلا "القطاعات الريفية من شمال اليمن ربما تواجه المجاعة"
مكررا التحذير الذي أطلقه عبد الكريم الارياني المستشار السياسي للرئيس
علي عبد الله صالح في يونيو حزيران.
وقال سكوبل "لن ينتجوا موادهم الغذائية لعام اخر ولن يكونوا قادرين
على حصد ما يكفي من البذور لزرعها مرة أخرى العام المقبل."
وبدأت الحكومة بدعم من جهات مانحة أجنبية تطبيق استراتيجية شاملة
لموارد المياه والري وامدادات المياه والبيئة وبناء القدرات عام 2005.
ولكن خبراء يصفون التنفيذ بأنه غير منتظم. وقال أبو حاتم من البنك
الدولي ان هذا البرنامج كان اجراء مسكنا. وتابع "لن يحل المشكلات بل
سيخفف من وطأتها لكسب الوقت. الكارثة مقبلة ولكننا لا نعلم متى."
الفساد.. من قمة الحكومة الى قاعها
يقال ان الذخيرة نفدت من وحدة دبابات يمنية كانت تقاتل المتمردين
بعد أن سرق قائدها رواتب رجاله وقال لهم ان بإمكانهم كسب المال من بيع
فوارغ الطلقات فأخذوا يطلقون النار على أي شيء يتحرك. وسواء حدث ذلك أم
لم يحدث فإن اليمنيين يصدقون القصة دون تردد.
فالفساد متفشِّ في اليمن سواء جرى تعريفه كاساءة استغلال لمنصب
حكومي لتحقيق مكاسب شخصية او في صورة محسوبية وتحويل موارد الدولة سعيا
للهدوء السياسي.
وتمتد مخالبه من قمة الحكومة الى قاعها وتعتبر القبائل القوية
والمؤسسة العسكرية الامنية من بين المستفيدين الرئيسيين وفقا لتقييم
يقع في 94 صفحة أجرته الوكالة الامريكية للتنمية الدولية.
ويقول خبراء يمنيون وأجانب ان الجهود الرامية الى مكافحة هذه
الكارثة وأبرزها انشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عام 2007
لم تحرز تقدما يذكر.
والى جانب التسبب في اضطرابات اقتصادية يغذي الفساد الغضب والاحباط
في أنحاء اليمن حيث يستعر تمرد قبلي في الشمال وينادي زعماء جنوبيون
بالانفصال بينما يرسخ متشددو القاعدة أقدامهم في البلاد.
وقال دبلوماسي غربي عن اليمن وهو من صغار منتجي النفط ويملك صناعة
غاز ناشئة وله حدود مع السعودية "باطن وظاهر كل هذا هو الفساد. انه
أكبر وجع للجميع."
وأضاف "هذا الشعور الحقيقي بالغضب والظلم وعدم المساواة يزداد قوة
فبعض الناس يعيشون حياة جيدة جدا بسبب الثروة النفطية من خلال التهريب
والغش.
ويقول عبد الغني الارياني وهو يمني شارك في كتابة تقييم وكالة
التنمية الدولية الامريكية لعام 2006 ان الفساد "لا يزال من أسوأ ما
يمكن."
وأضاف أنه لو كان حجم الفساد الحقيقي معلوما لكان المركز الذي يحتله
اليمن على مؤشر الفساد الخاص بمنظمة الشفافية الدولية لعام 2008 وهو
المركز 141 من جملة 181 دولة اكثر تأخرا بكثير.
وقال الارياني لرويترز "تهريب الديزل يكلف الميزانية العامة ما
يوازي اجمالي ميزانيتي الصحة والتعليم مجتمعتين وهو اكثر من مليار
دولار."
وتابع قائلا "اقول ان 60 في المئة من ميزانيتنا العامة تغذي شبكة
المحسوبية عن طريق الفساد بطريقة او أخرى. هذا يسبب استياء يضطر
الحكومة الى توسيع نطاق شبكة المحسوبية الخاصة بها وهو ما يتطلب مزيدا
من الفساد."وبالتالي يدفع هذا البلاد الى دوامة ستؤدي الى دمار شامل.
للاسف لا يبدو أن هناك مخرجا."
ووقع اليمن الذي يرزح تحت ضغط من المانحين الخارجيين لاجراء اصلاحات
معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2005 وتلزمه بانشاء هيئة
مستقلة لمكافحة الفساد.
وقالت بلقيس ابو اصبع نائبة رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة
الفساد ان الهيئة بدأت العمل العام الماضي ولا زالت تتحسس خطاها وتصارع
عقبات في اطار العمل القانوني.
وذكرت الغاء عقد مشبوه لانتاج الطاقة النووية وحملات ضد البنزين
الملوث وواردات القار المضرة من بين نجاحات الهيئة.
وقال ارون ايرا الخبير في البنك الدولي الذي يقدم الدعم الفني
والمشورة "لا يتعين الحكم على الهيئة الان." وأضاف "انها مؤسسة جديدة
ما زالت تحاول تثبيت أقدامها."
وأشاد ببعض الاجراءات الاصلاحية لكنه قال انه لا تزال هناك فجوة
كبيرة بين اطار العمل القانوني والتنفيذ الفعلي.
وأضاف "الفساد متأصل على جميع المستويات" وأرجع الرشوة الصغيرة
جزئيا الى الرواتب الهزيلة لصغار الموظفين الذين يحصلون على مبالغ
لتسريع وتيرة الخدمات الروتينية.وقال "هناك ايضا فساد منهجي في
المشتروات. الرشا تذهب الى المسؤولين الارفع منصبا."
وفي حين يتسم بعض الموظفين الحكوميين بالامانة وتتفاوت فرص الفساد
من وزارة الى أخرى فانه من حقائق الحياة سواء كانوا يسعون لاستخراج
تراخيص او الحصول على وظائف حكومية او عقود او تخليص الجمارك.
ويقول اريا ان دراسة مسحية أظهرت أن 425 مسؤولا اتهموا بالفساد منذ
عام 2005 الى عام 2007 منهم 44 تمت تبرئتهم وصدرت ضد 73 منهم أحكام مع
ايقاف التنفيذ. وصدرت أحكام تتجاوز السجن لسنتين ضد تسعة فقط.
وتمكن العديد من المشتبه فيهم -عن طريق رشوة مسؤولين بالشرطة او
القضاء- من تجنب توجيه اتهامات ضدهم. حتى المدانين نادرا ما يفصلون.
وقال اريا "الموظفون الحكوميون الذين ينخرطون في أعمال فساد لا يواجهون
مجازفة."
وذكر تقرير وكالة التنمية الدولية أن وزارة الخدمة المدنية أجرت
اصلاحات بعد أن اكتشفت أن ما يصل الى 30 ألفا من موظفيها البالغ عددهم
437 ألفا "موظفين اشباح" لم يذهبوا الى العمل قط او اسماؤهم مدرجة على
اكثر من جدول رواتب.
وعلى المستوى الاعلى أنشيء المجلس الاعلى للمناقصات والمزايدات
لمحاولة الحد من الرشا في عقود الشراء الكبرى. لكن قانونا من الصعب
محاسبة المسؤولين.
فالموظفون الحكوميون بين مستوى المدير ونائب الوزير فقط هم
المطالبون باعلان الاصول التي يمتلكونها وهي طريقة جيدة لفحص وتدقيق ما
اذا كانت ثرواتهم غير متناسبة مع رواتبهم.
ولا يمكن توجيه اتهام لاي احد عند مستوى نائب وزير فما فوق ما لم
تصوت اغلبية الثلثين بالبرلمان لتشكيل لجنة تحقيق وهو ما لم يحدث قط.
والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد معينة من قبل البرلمان الذي
يهيمن عليه الحزب الحاكم وسلطات التحقيق التي تتمتع بها محدودة.
وينادي اريا بنهج ينفذ على مراحل لمكافحة الفساد يتركز على تطهير
المجالات التي يتأثر بها اكبر عدد من الناس وتحسين توصيل الخدمات اثناء
ذلك. وقال "الفساد نتيجة الافتقار للحكم الرشيد."
غير أن الارياني شكك في التزام الحكومة وقال "الفساد مركزي جدا وجزء
لا يتجزأ من هيكل النظام لا يستطيعون العيش بدونه." |