مكّة قبل الاسلام.. رؤية تاريخية عامة

تحقيق: حسين كاظم العرادي

 

شبكة النبأ: تقع مكة في واد ضيق يمتد بين جبال عالية ومناخها جاف حار جداً في الصيف وأمطارها قليلة جداً، لذلك كانت مياهها شحيحة وكان سكانها يعتمدون على الابار للحصول على الماء للشرب وقد قام بعض رجال مكة بحفر الابار واهتموا بتوفير الماء للحجيج.

 ومكة واد غير ذرع أذ إن المياه فيها لا تكفي لغير الاعشاب التي تنبت على أثر الامطار لمدة قصيرة كما وتنبت في جبال مكة بعض النباتات والشجيرات الصحراوية التي يستفاد منها للوقود والبناء غير أن هذه النباتات لا تغير في تزويد أهل مكة بالمواد الغذائية ولذلك كانوا يستوردون ما يحتاجون اليه من المواد من البلاد الاخرى وبخاصة من الطائف واليمامة وقد أشار القرآن الكريم الى ذلك (رب أجعل هذا البلد امناً وأرزق أهله من الثمرات).

أهمية مكة

كانت في شبه جزيرة العرب عند ظهور الاسلام عدد من المدن المستقلة التي كانت في كل منها تنظيمات خاصة ومن أشهر هذه المدن مكة ومكة لها اهمية كبيرة في تاريخ العرب والاسلام إذ أنها كانت من اكبر المراكز الدينية في الجزيرة يؤمها عدد كبير من العرب من مختلف ارجاء الجزيرة للحج وزيارة الكعبة كما كانت مركزاً تجارياً كبيراً وقد أسهم أهلها في التجارة وهذا مما ساعد أهلها على الاطلاع على أحوال البلاد الاخرى ووسع أفق نظرهم كما أدى الى ظهور مؤسسات أدارية فيها.

 وفي مكة ولد رسول الله (ص) وعاش وبلغ رسالته لمدة ثلاث عشرة سنة وكانت لأوضاعها الدينية والاجتماعية أثر كبير في تاريخ الاسلام الاول وقد عارض معظم أهل مكة الدعوة الاسلامية وأشغلوا الرسول (ص) فترة من الزمن فلما أتم فتح مكة انضمّ اهل مكة الى الاسلام وشارك عدد من رجالهم في قيادة الجيوش الاسلامية وفي الفتوح وادارة الدولة الاسلامية.

الكعبة بيت الله

كانت لمكة اهمية كبيرة وخاصة بفضل وجود الكعبة فيها وهي بيت الله الحرام الذي ورد ذكره في عدة ايات قرانية فقال تعالى (أن اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين * فيه ايات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان امناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً). (آل عمران الآية 96_97).

 وتبين من آيات القرآن ان ابراهيم الخليل هو اول من اتخذ مقامه في مكة وهو الذي رفع قواعد البيت فصار ما حوله بلداً امناً ومركز يحج أليه الناس والواقع إن أعداد من العرب كانت سنوياً ترحل الى مكة للحج وزيارة بيت الله الحرام وبالنظر لمكانة الكعبة وأهميتها فقد عنى بها اهل مكة وأعاد بناءها قبيل البعثة النبوية وكانوا يشرفون على عمارة البيت كما عنى اهل مكة بأمر الحج فأعتبروا الاشهر التي يتم فيها الحج مقدسة ولا يجوز القتال فيها وذلك لكي يؤمّنوا مجيء الحجاج كما إنهم كانوا يوفرون الماء والطعام للحجاج ويشترطون على الحجاج ان يرتدوا ألبسة خاصة عند الحج وكان الحجاج يطوفون الكعبة ويقفون عند عرفة ويضحون عند منى ثم يحتفلون بعد إتمام الحج بحلق رؤوسهم وأخذ زينتهم.

ابراهيم الخليل (ع)

كان ابراهيم الخليل من مدينة أرام نهر أيم (مدينة النهرين) والتي تقع بين نهري فيشون وجيحون التوراني وجغرافياً يقع هذا الموقع في النصف الشمالي الغربي من مدينة كربلاء الحالية، وهو موطن عشيرته الأدامية، ارسله أبوه الى جنوب شرقي كربلاء (مدينة برس) مركز العبادات للعراقيين لتعليم الدين وأصوله وهي عبادات وثنية.

وقد نبغ وطالبَ معلّمه النمرود أن يوحد هذه الآلهة بأله واحد، ما حدا بالنمرود أن يعتبره كافراً بحق الاله فقرر سجنه وحرقه لكن سيدنا ابراهيم الخليل قد نجا من الحرق...

تجارة مكة

اهتم المكيّون بالتجارة وساهموا فيها وشجعهم على ذلك قدسية مكة وأقبال الناس عليها للحج وكذلك التداخل بين اليمن وبلاد الشام وفلسطين وكانت منذ أقدم الازمنة من المحطات الكبرى للقوافل وقد أزدادت اهمية مكة منذ القرن الخامس الميلادي عندما نشبت حروب حامية بين الساسانين والروم فتعرقل نقل سلع بلاد الصين والهند عن طريق العراق وأخذ الروم يجلبون تلك السلع عن طريق اليمن حيث كانت تنقل منها بداً الى الشمال وتمر بمكة ومنها الى فلسطين والشام ولم يكتف اهل مكة بأن تكون مدينتهم محطة للقوافل بل كانوا يقومون بأنفسهم بالتجارة وقد ساهم معظم أهل مكة بالتجارة وشارك الرسول (ص) في قوافلها بتجارة أم المؤمنين (خديجة) ولم تكن تجارتهم محصورة بمنطقة واحدة بل امتدت الى عدة اقطار وبخاصة العراق والحبشة واليمن وبلاد الشام فالعراق كانت تجارتهم بصورة خاصة مع الحيرة التي ذهب اليها عدد غير قليل من اهل مكة للتجارة كما كان المناذرة وهم ملوك الحيرة يرسلون قوافلهم التجارية لتحمل لهم المسك والمنسوجات الى الاسواق الرئيسية التي كانت في مكة وفي عكاظ وذي المجاز وهم سوقان قريبان من مكة كما مارسوا القوافل التجارية سكان ضاحية كربلاء الساكنين في قصر الاخيضر والقصور المحيطة به.

قبيلة قريش

تروي المصادر العربية ان السيادة في مكة كانت قديماً لقبيلة جدهم ثم انتزعها منهم خزاعة ثم انتزع قصي السيادة في مكة من خزاعة وجعلها لقريش وقد قسم قصي قريش الى عشائر و أوطنَ هذه العشائر في اطراف مكة وهي تسمى (قريش الظواهر) وأوطن بعضها الاخر في داخل مكة وهي التي تسمى (قريش البطاح) وأهمُّ بطون قريش البطاح هم:

1- بنو عبد مناف

2- بنو عبد الدار

3- بنو زهرة

4- بنو تميم

5- بنو سهم

6- بنو مخزوم

وكانت هذه البطون تتولى ادارة مكة وتساهم في النشاط التجاري والاقتصادي وقد استوطن في مكة ايضاً بعض العرب من غير قريش لأغراض تجارية أو دينية وأصبح بعضهم حلفاء لأهل مكة كما كان فيها عدد من العبيد.

تنظيمات مكة

لقد ادى اجتماع الناس في مكة واستقرارهم فيها الى ايجاد تنظيمات سياسية لتنسيق ادارتها وتأمين مصالح أهلها فمثل اهل مكة يشتركون جميعاً في مناقشة القضاية الرئيسية التي تهم البلد كما كان لمكة سيد يشرف على سيد الامور العامة ولكل عشيرة ينظر في امورها شيخاً وهناك نادي أو مجلس تجري فيه المناقشات والمسامرات.

دار الندوة: كان في مكة دار الندوة يجتمع فيها الملأ وهم اولاً قصي وممثلون عن كل عشيرة ويجتمعون لبحث ومناقشة الامور المهمة كعقد المعاهدات وتجهيز القوافل والاعداد للحروب والاشتراك فيها غير إنه لم تكن في مكة سلطة عليها لتنفيذ القرارات وكان يترك لكل فرد حرية تطبيقها.

تنظيم الحج: مكة مركز دينياً يحج اليه عدد كبير من الناس فقد طلب ذلك تنظيم الحج وشأن فيها عدة وظائف لتنظيم امور الحج وادارة مكة وأهم هذه الوظائف هي:

1- الاجازة والافاضة القائم فيها مسؤول عن اجازة الحجيج في عرفة وأفاضتهم في منى أي تعيين مواعيدها.

2- النسيء وهو تقرير أشهر الحرم وتنظيم مواعيد الحج.

الوظائف التي حددها قصي:

1- الحجابة والقائم بها يمتلك مفاتيح الكعبة ويأذن للناس في دخولها.

2- عمارة المسجد الحرام

3- السقاية وهي توفير الماء للحجاج

4- الرفادة وهي توفير الطعام للحجاج.

التنظيم القبلي في الجاهلية

كان النظام القبلي يسود في انحاء جزيرة العرب وإن اغلبية سكانها من القبائل تسيطر كل قبيلة منها على منطقة محددة.

نظام القبيلة: تتكون القبيلة من عدد من الافراد ويجمعهم نسب واحد ويعيشون سوية في موطنهم وترحا لهم ويشتركون في واجب القتال وفي دفع الدية وتختلف القبائل في عدد افرادها.

التكوين الاجتماعي للقبيلة: تتكون القبيلة من العرب الصلبية والحلفاء والعبيد فأما الصلبية فهم الافراد العرب الذين ينحدرون من الجد الاعلى للقبيلة مثل بني اسد ومطير وطي وشمر وكلب وبكر وتغلب وشيبان وغزة وعتيبة وحرب وربيعة وغيرها وكل فرد منهم يعتبر بشخصية وفرديته ومكانته في القبيلة وأما الحلفاء فهم افراد من القبائل اخرى يلجأون الى القبيلة ويصنعون انفسهم تحت تصرفها أما العبيد فهم مصدر للشراء أو أولاد أب عبد أو الدني أو القمار ولكن اغلبهم من أسرى الحروب.

.....................................................................

المصادر:

1- الاصفهاني: حمزة بن الحسن الاصفهاني- تاريخ سني ملوك الارض والانبياء

2- الموسوعة العربية التاريخية- الجزء الرابع الجزء الرابع الشيخ مهنا رباط المطيري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 6/أيلول/2009 - 16/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م