من فتح "الثورة" إلى فتح "السلطة"

مرتضى بدر

انتهى المؤتمر السادس لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بتثبيت أربعة من الحرس القديم في مقاعدهم في انتخابات اللجنة المركزية، وفي مقدمتهم محمود عباس ومحمد دحلان.

 وقد اختار المؤتمر 14 وجهًا جديدًا من تيار ياسر عرفات، وبذلك انقلبت فتح على حرسها القديم، إلا أنّ المؤسف بقاء دحلان .. الشخصية المثيرة للجدل في هذه اللجنة القيادية.

 الأمل معقودٌ في الشخصيات الجديدة؛ لكي تصحّح مسار الحركة ونهجها السياسي. فتح تأسست عام 1965، وأطلقت الرصاصة الأولى معلنةً الكفاح المسلّح ضد العدو الغاصب، وكانت تعتبر دوماً العمود الفقري للمقاومة المسلحة في فلسطين.

وبالمقارنة بين الأمس واليوم، لم تعد حركة فتح بتلك القوة التي كانت عليها طيلة الخمسة عقود الماضية، ولا بذاك النفوذ السياسي والتنظيمي بين الشعب الفلسطيني. فبعد أن أسقطت خيار المقاومة، وتمسّكت بخيار المفاوضات، ووقّعت على اتفاقية “أوسلو” فقدت بريقها، وتقلّص دورها النضالي، وتراجع رصيدها.

 نستغرب جداً حينما نسمع أنّ عباس قد دعا في المؤتمر إلى التمسّك بخيار “المقاومة بكل أشكالها”. هذا المصطلح الأخير دخل جديداً في قاموس حركة فتح في ثوبها الجديد. ولهذه الدعوة تفسيران، فلم يعد خافياً على أحد بأنّ الجماعة التي تحكّمت بمفاصل حركة فتح كانت أبعد ما تكون عن روح المقاومة المسلحة، وما تقصدها من “المقاومة بكل أشكالها” ما هي إلا مناورة بائسة لقيادة فتح؛ بهدف كسب المزيد من التأييد من قبل الشعب الفلسطيني.

إننا على يقين بأنّ قيادة فتح سوف تقدّم من خلف الكواليس التطمينات إلى الأمريكان و”الإسرائيليين” بأنّ المقصود من مصطلح “المقاومة بكل أشكالها” هو المقاومة السياسية لا أكثر ولا أقل. نعلم أنّ فتح وبعد أن أسقطت خيار المقاومة حاولت إقناع ومن ثم إرغام جميع الفصائل الفلسطينية بإتباع نهجها التفاوضي مع العدو، إلا أنّها فشلت، فدخلت في صراع مسلح مع حماس بغية إسقاطها.

ولم يعد خافياً على أحد التنسيق الأمني بين بعض قيادات فتح والأجهزة الأمنية “الإسرائيلية”. منذ اندلاع الأزمة بين السلطة وحماس، دائماً ما كان يتردد اسم الرئيس السابق للأمن الوقائي محمد دحلان، فقد اتُهم بتعاونه مع الصهاينة، واغتيال أجهزته لبعض كوادر حماس، وقبل شهر كشف فاروق القدومي بضلوع عباس ودحلان في اغتيال ياسر عرفات بالتعاون والتنسيق مع المخابرات “الإسرائيلية”.

 في مؤتمر فتح الأخير اتُهم دحلان بالفساد وتلقيه الأموال من جهات “خارجية”. ونقلاً من شبكة (الجزيرة نت) فقد “أوضحت المصادر أن أحد قياديي فتح بالخارج اتهم دحلان بأنّه وسيط أمني مع إسرائيل، وأنّ ذلك يوجب المعاقبة حسب قوانين فتح الداخلية؛ مما دفع دحلان للتهجم على عباس، فقال حرفياً: “إذا كان رئيس الهرم كذلك، فحاسبوه على أخطائه وعلى مجيئه بحماس للسلطة”.

المتابع لمسلسل تاريخ حركة فتح وخاصة منذ عودة قياداتها إلى الضفة الغربية، وتأسيس السلطة، مروراً بحصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله من قبل العدو، ومن ثم دخولها في المفاوضات، وفشلها في تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، يلمس وجود خلافات داخلية، وجماعة ضغط داخل قيادة فتح سعت لتضعيف عرفات وتجريده من صلاحياته الرئاسية تمهيداً لعزله من قيادة فتح ومنظمة التحرير.

 لاشك أنّ عرفات واجه في أواخر حياته حركة انقلابٍ مخمليٍ من جهة، وضغوطات عربية وغربية من جهة أخرى. فقد رحل عرفات وأخذ معه سرّه إلى مثواه الأخير، وبقى الانقلابيون من بعده ينجزون فتوحاتهم النضالية والسياسية باسم حركة فتح والسلطة الفلسطينية !! إنّنا في الواقع لم نرَ منهم غير الشعارات الجوفاء، والمفاوضات الخاوية مع العدو، والمواجهات المسلحة مع المقاومة. الثوّار في خنادق الصمود إذا ما تحولوا إلى ثوار في فنادق الخزي في أوسلو ومدريد والقاهرة وواشنطن فإنّنا لا نتوقع منهم أكثر من ذلك!؟

اليوم وبعد دخول دماء جديدة في القيادة المركزية لحركة فتح وخروج البعض من الحرس القديم، فإنّ الجماهير الفلسطينية تأمل أن ترجع فتح إلى سابق عهدها، وتتمسك بثوابتها الوطنية، وتمد يدها لجميع الفصائل الفلسطينية، وتغلق كل أنواع التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 6/أيلول/2009 - 16/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م