
شبكة النبأ: منذ وصول إدارة الرئيس
أوباما إلى البيت الأبيض تغيّرَت مقاربة واشنطن تجاه سوريا ودخلت مرحلة
جديدة من الانفتاح والحوار مع النظام السوري، والتركيز على المصالح
المتبادَلة في علاقتها مع دمشق.
وترجع رغبة إدارة أوباما في الحوار مع دمشق إلى قناعة واشنطن بفشل
سياسات الإدارة السابقة، إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، التي اعتمدت
سياساتها على القوة والعقوبات والعزل، وغابت عنها الآليات الدبلوماسية
والحوار. ويرجع هذا الانفتاح أيضًا إلى الإدراك الأمريكي للدور الذي
يمكن أن تلعبه سوريا في قضايا الشرق الأوسط لما تمتلكه من أوراق في
العراق ولبنان والساحة الفلسطينية ولعلاقاتها بحماس وحزب الله وإيران.
لكن إعادة العلاقات بين واشنطن ودمشق ليست أمرًا سهلاً، فقد تسببت
السنوات الماضية من تزايد انعدام الثقة بين الطرفين. كما أن التنسيق
بين واشنطن ودمشق في القضايا ذات المصالح المشتركة كالعراق وعملية
السلام سوف يمر بقضايا تتناقض فيها مصالحهما وتعيق فرص تحسين العلاقات
بينهما كعلاقة سوريا بإيران وحزب الله، وهو ما قد يحتاج إعادة نظر
سوريا في تحالفاتها الاستراتيجية بطهران ودعمها للمقاومة. بحسب موقع
تقرير واشنطن.
ساءت العلاقات بين واشنطن ودمشق خلال إدارة جورج بوش الابن الذي لم
يتغاضَ عن علاقة سوريا بالجماعات الإسلامية المسلحة التي تضعها
الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية، وازدادت الأمور
تعقيدًا عقب مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 وتوجيه
أصابع الاتهام صوب دمشق. وسعت الولايات المتحدة ومعها فرنسا إلى إخراج
سوريا من الأراضي اللبنانية. واعتمدت واشنطن مع دمشق آلية العقوبات
الاقتصادية وممارسة الضغوط ممثلة في قرارات مجلس الأمن والمحكمة
الدولية التي شُكلت للتحقيق في اغتيال الحريري من ناحية، والإقصاء
والعزلة من ناحية أخرى بغية الضغط على سوريا لتغيير سلوكها في المنطقة.
وعملت واشنطن على دعم تحالف 14 آذار (مارس) المعارض لسوريا والذي تشكل
عقب مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بهدف إضعاف النفوذ
السوري في لبنان. بيد أن دمشق تمكنت من إفشال استراتيجية العزل
الأمريكية بعلاقاتها بحزب الله في لبنان وحماس في الأراضي الفلسطينية
وتحالفها الاستراتيجي مع إيران وفتح حدودها مع العراق ودعمها للمقاومة
العراقية ضد الاحتلال الأمريكي وكذلك بدخولها في مفاوضات مع إسرائيل
رغم معارضة واشنطن برعاية تركية.
القضايا السورية ـ الأمريكية المشتركة
أدركت الإدارة الأمريكية الحالية فشل السياسات السابقة التي
انتهجتها إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تجاه سوريا. وتغيرت المقاربة
الأمريكية من محاولة فرض الضغوط بالعقوبات والعزلة إلى محاولة التقارب
واستخدام الآليات الدبلوماسية والبحث عن فرص للتنسيق والتعاون في
القضايا ذات المصالح المتبادلة في المنطقة من ناحية، وإضعاف العلاقات
السورية وتحالفاتها بإيران وجماعات المقاومة المسلحة خاصة حزب الله من
ناحية ثانية.
فتكررت زيارات المسئولين الأمريكيين الرسميين إلى دمشق، وعلى رأسهم
جورج ميتشل المبعوث الخاص للشرق الأوسط الذي قام بزيارتين لدمشق في
الشهريين الماضيين، وجيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق
الأدنى والذي صرح بأن هناك فرصًا للتعاون بين واشنطن ودمشق في الملفات
ذات المصالح المشتركة. تأتى في مقدمة هذه القضايا عملية السلام في
الشرق الأوسط والتي أضحت، بعد حرب غزة، على سلم أوليات الإدارة
الأمريكية، وما يرتبط بها من ضرورة إنجاز المصالحة بين فتح وحماس.
فالولايات المتحدة تحتاج إلى الدور السوري للضغط على حماس وتحقيق
المصالحة حتى تتمكن واشنطن من البدء في مفاوضات السلام بين الجانبين
الفلسطيني والإسرائيلي.
وتأتي مسألة التنسيق الأمني في العراق على أجندة المباحثات بين
واشنطن ودمشق، والعمل على تحقيق الاستقرار في العراق، وضبط الحدود
السورية - العراقية والاستفادة من الخبرات السورية في التعامل مع
الجماعات المسلحة. فقد أوصى تقرير بيكر- هاملتون بالتنسيق مع دول
الجوار – سوريا وإيران - للحفاظ على أمن واستقرار العراق. وهي توصية من
توصيات التقرير التي لم تأخذ بها الإدارة السابقة، بعكس الإدارة
الحالية التي التزمت بإنجاز انسحاب مسئول وآمن من العراق، وعزمت على
التنسيق مع كافة القوى الإقليمية لضمان استقرار العراق. وفي هذا السياق
قام وفد عسكري أمريكي بزيارتين لدمشق خلال العام الجاري تركزت بالأساس
حول الوضع الأمني في العراق وكيفية السيطرة على الحدود السورية ـ
العراقية. فالدولتان لهما مصلحة في عراق موحد ومستقر، وفي دعم العملية
السياسية في العراق خاصة مع انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية
ومن كافة الأراضي العراقية فيما بعد. فدمشق تدرك مخاطر تفاقم أعمال
العنف أو قيام حرب أهلية في العراق وتداعيات ذلك على الداخل السوري.
وعلى الصعيد اللبناني، تسعى الولايات المتحدة إلى إبقاء سوريا خارج
الساحة اللبنانية، والحفاظ على سيادة واستقلال الدولة اللبنانية بعد أن
تمكنت – و معها فرنسا - من إخراج القوات السورية من لبنان بموجب قرار
مجلس الأمن 1559 بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005، وهو ما التزمت به
سوريا في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة.
يتمثل الشق الثاني للمقاربة الأمريكية في الانفتاح على دمشق
والتنسيق معها في قضايا الشرق الأوسط وإدماجها في عملية السلام في
محاولة كسر التحالف بين دمشق وطهران وإضعاف موقف طهران في أي مفاوضات
قد تتم في المستقبل حول ملفها النووي ودورها في المنطقة. وثانيًا: حملُِ
سوريا على التخلي عن حزب الله ووقف دعمها للأخير الذي تضعه الولايات
المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية ولما يشكله من تهديد لأمن
إسرائيل. فقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا عن الإرهاب في
أبريل من العام الجاري تضمن فصله الثالث الخاص بالدول الداعمة للإرهاب
اتهامًا لسوريا لتقديمها دعمًا سياسيًّا وماديًّا لما تعتبره الولايات
المتحدة منظمات إرهابية على رأسها حزب الله والسماح لطهران باستخدام
الأراضي السورية لتهريب مساعداتها إلى حزب الله، بالإضافة إلى السماح
لقيادات الجماعات الإسلامية وعلى رأسهم حماس ومنظمة الجهاد الإسلامية
وغيرها من الجماعات والفصائل الفلسطينية بالتواجد في سوريا وإنشاء
مقرات ومكاتب إعلامية على الأراضي السورية.
هي إذن مقاربة أمريكية أكثر برجماتية استبدلت استراتيجية التلويح
بالعصا بمبدأ المصالح المتبادلة والبحث عن فرص للتعاون في القضايا
المتفق عليها وما يمكن أن يرتبه ذلك من تغير في السياسات السورية في
المنطقة وتفكيك تحالفاتها الإقليمية وإضعاف علاقتها بإيران وحزب الله.
سوريا والاحتفاظ بدور إقليمي
على الجانب السوري بدأت دمشق مراجعة لسياستها الخارجية والإقليمية
طالت علاقتها بواشنطن وبدول عربية أصاب الجمود علاقاتها بسوريا في
السنوات الماضية إثر أزمات المنطقة وحربي لبنان وغزة، فقد وجدت دمشق في
رحيل إدارة بوش التي تعاملت معها بمنطق فرض العقوبات والإقصاء فرصة
لتحسين علاقتها بواشنطن خاصة مع قدوم إدارة أوباما والذي أعلن منذ
توليه منصب الرئاسة عن رغبته في الانفتاح على كافة الأطراف السياسية في
منطقة الشرق الأوسط بما يمثل تراجعًا عن سياسات سلفه وممارساته التي
أفرزت ثنائية المعتدلين والممانعة.
تسعى دمشق من خلال حوارها مع واشنطن إلى تقليل الضغوط عليها وإلغاء
العقوبات الاقتصادية وكسر العزلة الإقليمية. وقد تمكنت سوريا في الشهور
القليلة الماضية ولو جزئيًا من خلال هذا التغيير في سياستها الإقليمية
وتقاربها من واشنطن من إنهاء عزلتها والاحتفاظ بدورها الإقليمي كفاعل
رئيس في مجمل قضايا المنطقة، وإنهاء حالة العداء والمواجهة المستمرة مع
واشنطن في ساحات الصراع في الشرق الأوسط وخاصة العراق ولبنان. |