أوباما ومعضلة الرعاية الصحية: تأميم أم إصلاح

 

شبكة النبأ: في مشاهد أعادت للأذهان فعاليات حملته الانتخابية، طاف الرئيس "باراك أوباما" عددًا من الولايات الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية، في محاولة أخيرة – قبل عودة الكونجرس إلى الانعقاد بعد انتهاء عطلته الصيفية – من جانبه لإقناع الرأي العام الأمريكي بخطته لإصلاح الرعاية الصحية، حيث اشتعلت معركة حامية بين الرئيس ومؤيديه من جانب، ومعارضيه من أعضاء الحزب الجمهوري وشركات التأمين الخاصة من جانب آخر، والتي ترى في هذه الخطة تهديدًا لها ولمصالحها. وقد انعكست هذه المواجهة الساخنة في تغطيات مكثفة من جانب وسائل الإعلام الأمريكية لهذا الجدل المحتدم بين الجانبين. ويعرض هذا التقرير لجزء منها. بحسب موقع تقرير واشنطن.

تأميم أم إصلاح.؟

من جانبه أعد برنامج FOX News Sunday الذي يُذاع على شبكة فوكس نيوز FOX News، ويقدمه الإعلامي كريس والاس حلقة خاصة، تناول فيها هذا الجدل الذي يشهده المجتمع الأمريكي في الوقت الحالي حول خطة إصلاح الرعاية الصحية، التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تمريرها في أقرب وقت ممكن. وفي معرض حديثه أكد والاس أن جانبًا كبيرًا من الجدل الدائر حول هذه الخطة يرتكز حول الفلسفة التي تقوم عليها. بمعنى الدور الذي ستلعبه الحكومة الفيدرالية في تنفيذها. ولكنه في الوقت ذاته أشار إلى أنه ما يزال هناك سؤال غائب عن ذهن كثيرٍ من الأمريكيين في وسط هذا الصخب المحيط بالخطة، مفاده: ما الحقيقي والصحيح في محتويات هذه الخطة وبنودها؟، وما ليس كذلك؟

وفي هذا السياق استضاف والاس أربع شخصيات بارزة، تلعب دورًا ما في هذا الجدل الدائر حول خطة أوباما للرعاية الصحية. الشخصية الأولى: السيناتور الديمقراطي كينت كونراد Kent Conrad عن ولاية نورث داكوتا North Dakota، والذي يُعتبر أحد أعضاء اللجنة السداسية التي كونها الكونجرس من أجل الوصول إلى نقاط اتفاق وحلول وسط حول الخطة بين الديمقراطيين والجمهوريين. أما الثانية: السيناتور الجمهوري ريتشارد شيلبي Richard Shelby أحد الرافضين لخطة أوباما للرعاية الصحية، ويقود حملة انتقادات قوية لما تتضمنه هذه الخطة. أما الشخصية الثالثة: الدكتور جي جيمس روهاك J. James Rohack رئيس الجمعية الطبية الأمريكيةAmerican Medical Association (AMA) والذي يُعتبر أحد المؤيدين بقوة لهذه الخطة. والشخصية الرابعة والأخيرة التي استضافها والاس فهو جون روثر John Rother الذي يشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة AARP وهى منظمة خيرية غير هادفة للربح، تعمل على امتداد الولايات الأمريكية من أجل تحسين جودة الحياة في البلاد، والذي ليس له موقف صريح من الخطة سواء قبولها أو رفضها.

استهل والاس الحلقة بسؤال عن جوهر هذه الخطة والهدف النهائي منها، وهل ستؤدي هذه الخطة بالفعل إلى أن تستحوذ الحكومة الفيدرالية على مجال إدارة الرعاية الصحية في المجتمع في نهاية الأمر؟. وحول هذه النقطة لفت والاس الانتباه إلى أن كاثلين سيبليس Kathleen Sebelius وزيرة الصحة في الإدارة الأمريكية أكدت أن مثل هذا الأمر ليس مطروحًا على الإطلاق؛ لأن الخطة - كما تقول سيبليس Sebelius ـ لا تعني أن تتولى الحكومة الفيدرالية إدارة شئون الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. فهي في نهاية الأمر نوع من أنواع المشاركة بين القطاعين العام والخاص، والتي لا تهدف في الوقت ذاته إلى تحقيق أرباح. ولكن والاس رد متسائلاً حول هذا الأمر: ماذا يحدث لو أن الإدارة الأمريكية صارت في هذا الطريق؟ هل سيكون سلوكها مقنعًا بأنها لا تسعى إلى الاستحواذ على إدارة الرعاية الصحية بعيدًا عن أي دور للقطاع الخاص؟

وتعليقًا على تصريحات وزيرة الصحة أكد السيناتور شيلبي Shelby لو أن هذا بالفعل ما تريده الإدارة الأمريكية من هذه الخطة، فإن الرئيس باراك أوباما بهذه الخطة يسير في الاتجاه الصحيح، لأنه لا يمكن للحكومة الفيدرالية أن تستحوذ على هذا القطاع الحيوي في البلاد، حيث شدد السيناتور الجمهوري على أن الرئيس وإدارته يعرفون جيدًا أن كثيرًا من الأمريكيين راضون إلى حد كبير عن نظام التأمين الصحي المطبق في الوقت الحالي. كما أن البرامج المطبقة في هذا الشأن مرضية إلى حد كبير بالنسبة لهم. وإن كان المواطن الأمريكي يريد أن يتم تحسين مثل هذا النظام ليكون أكثر كفاءة، فإنه في الوقت ذاته لا يريد أن تقوم الحكومة الفيدرالية بإدارة برامجه للرعاية الصحية والتأمين الصحي.

الكونجرس يبحث عن مشاركة القطاعين العام والخاص

وانتقل والاس بعد ذلك إلى السيناتور الديمقراطي كونراد Conrad، حيث أشار إلى أنه أحد الديمقراطيين البارزين المعارضين لأي تدخل من جانب الحكومة في إدارة شئون المجتمع، وهو أيضًا أحد الذين يدفعون بقوة نحو فكرة المشاركة بين القطاعين العام والخاص، ومن ثم كيف يرى هذه الخطة؟ وكيف أنها لن تكون نوعًا من الاستحواذ الفيدرالي على مجال الرعاية الصحية؟.

في هذا السياق أشار السيناتور كونراد إلى أنه أخذ على عاتقه محاولة إذابة الاختلافات التي نشبت بين الديمقراطيين والجمهوريين من أعضاء الكونجرس حول هذه الخطة، خاصة ما يتعلق منها بإدارة الحكومة الفيدرالية لبرامج الرعاية الصحية من عدمه. لذلك اقترح نوعًا من التعاون بين الحكومة الفيدرالية والقطاع الخاص في هذا الأمر. مؤكدًا أن هذا النوع من المشاركة منتشر في المجتمع الأمريكي بكثرة، وفي عدد كبير من المجالات التي تمس حياة الأمريكيين اليومية. وقد أثبتت التجارب أن هذا النوع من التعاون والمشاركة يمثل نموذجًا مهمًّا للنجاح. فهناك كثير من المشاريع المقامة بهذا النظام في كثير من الولايات الأمريكية، ويؤكد النجاح الذي حققته هذه المشاريع في تحقيق أهدافها على أنها نموذج للعمل وللتنفيذ يمكن الاقتضاء به في مجالات أخرى، وليس مجرد إدارة من جانب الحكومة الفيدرالية لمثل هذه المشاريع؛ لأن هذا النوع من التعاون يخلق منافسًا غير هادف للربح - هو الحكومة الفيدرالية – ينافس شركات التأمين الخاصة التي تهدف هي بدورها لتحقيق أرباح من عملها في هذا المجال، ومن ثم تحسين مستوى الخدمة المقدمة في نهاية الأمر.

ومن ناحية أخرى لفت والاس الانتباه إلى مخاطر الدعم الذي تقدمه الجمعية الطبية الأمريكية AMA لهذه الخطة خاصة ما يتعلق منها بأن يكون مجال الرعاية الصحية عامًّا تديره الحكومة الفيدرالية. فقد أشار والاس Wallace إلى دراسة أعدها مكتب الميزانية التابع للكونجرس الأمريكي تُشير إلى أن حوالي تسعة ملايين أمريكي سوف يعانون من آثار هذه الخطة بحلول عام 2016، لأن الشركات التي يعمل لديها هؤلاء سوف تدفعهم للاعتماد على برامج الرعاية الصحية التي توفرها هذه الخطة الجديدة. ولأن مثل هذا الأمر سيكون أكثر فائدة بالنسبة لها، نظرًا لتكلفته المنخفضة. كما أن الغرامة المالية التي من المفترض أن تدفعها هذه الشركات نتيجة لهذا السلوك ستكون أقل من أن تظل ملتزمة تجاه هؤلاء العاملين في شئون الرعاية الصحية الخاصة بهم.

ومن جانبه أثار والاس مشكلة أخرى متعلقة بالنظام المطبق في الوقت الحالي للرعاية الصحية، وهى مشاكل ناتجة عن مجموعة من القيود التي يفرضها هذا النظام، حيث إنه طبقًا لهذا النظام المعمول به حاليًّا فإن الشخص ملزم بأن يتعاقد مع شركة تأمين في المنطقة أو الولاية التي يقطن بها، ولا يسمح بالتعاقد مع شركات ليست عاملة في هذه الولاية، رغم أن هناك شركات تأمين في بعض الولايات الأمريكية تقدم التغطية والرعاية الصحية بأسعار أقل من مثيلاتها في ولايات أخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 30/آب/2009 - 9/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م