التاريخ يعيد نفسه: العراق وسوريا على طريق الفراق

بغداد تطالب بمحكمة دولية ودمشق ترفض تسليم البعثيين

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مما لا شك فيه إن ما مر على العراقيين في يوم الأربعاء الأسود سيبقى عالقا في أذهانهم لأمد طويل، كفاجعة مؤلمة ومؤرقة في الوقت ذاته، كونها تعدت في اعتباراتها المادية والمعنوية مجرد عمل إرهابي اعتاد العراقيون على حدوثه بشكل شبه يومي.

فالاستهداف الإجرامي الأخير حرص بعناية فائقة على النيل من جميع مقومات الدولة العراقية مجتمعا وحكومة ووطنا، دون أن يستثني أي طرف من هذه الأطراف، عندما أقدم منفذوه ومن ورائهم على استهداف قلب العاصمة الحساس ومؤسسات الدولة السيادية وأبنائها دون اكتراث لأي قيمة إنسانية أو سماوية، ليسرقوا من عيون بغداد الحزينة كحلها، وليخطفوا مجددا الابتسامة من الأفواه التي شقت باستعادتها.

فحسب من يقف وراء سقوط الأبرياء مضجرين بدماء صباحهم المذبوح بغيا وعدوانا، لا ذنب لهم سوى كونهم ارتضوا لأنفسهم العيش بكرامة بعيدا عن براثن الديكتاتورية العمياء، إن الغاية تبرر الوسيلة في إرضاء آلهتهم الجدد من شياطين البشر التي ترعاهم بعد أن ارتهنوا أنفسهم وطاقاتهم لأجندة الشر.

العراق يستدعي سفيره في سوريا

دخلت العلاقات العراقية السورية في ازمة جديدة اثر استدعاء بغداد سفيرها في دمشق ومطالبتها بتسليمها اثنين من كبار قادة حزب البعث العراقي متهمين بالتخطيط لتفجيرات الاربعاء الدامية التي تبناها تنظيم القاعدة.

وردا على هذه الخطوة، اعلن مصدر رسمي سوري ان سوريا قررت استدعاء سفيرها في بغداد.

وكان بيان نقل عن المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ ان "مجلس الوزراء قرر مطالبة الحكومة السورية بتسليم محمد يونس الاحمد وسطام فرحان لدورهما المباشر في تنفيذ العملية الارهابية" التي وقعت الاربعاء والتي اسفرت عن مقتل نحو مئة شخص واصابة مئات اخرين بجروح. بحسب فرانس برس.

وتبنت "دولة العراق الاسلامية" الفرع العراقي للقاعدة في بيان نشر على موقع اسلامي على الانترنت هذه الاعتداءات التي اوقعت اكثر من مئة قتيل. وقال الدباغ ان الحكومة العراقية طالبت الحكومة سوريا ب"تسليم جميع المطلوبين قضائيا ممن ارتكبوا جرائم قتل وتدمير بحق العراقيين، وطرد المنظمات الارهابية التي تتخذ من سوريا مقرا ومنطلقا للتخطيط للعمليات الارهابية ضد الشعب العراقي".

واكد الدباغ ان مجلس الوزراء "قرر استدعاء السفير العراقي في سوريا للتشاور معه بشأن الموضوع".

وعرضت السلطات العراقية الاحد شريط فيديو يتضمن تسجيلا لاعترافات قيادي رفيع في حزب البعث المنحل جناح محمد يونس الاحمد، اكد خلالها مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف وزارة المالية الاربعاء بطلب من مسؤوله الحزبي سطام فرحان المقيم في سوريا.

وفي وقت لاحق قال مصدر رسمي سوري في بيان لوزارة الخارجية السورية ان "سوريا قررت استدعاء سفيرها في بغداد للتشاور ردا على استدعاء العراق سفيره بدمشق".

واضاف ان "حكومة الجمهورية العربية السورية ترفض رفضا قاطعا ما ورد على لسان الناطق باسم الحكومة العراقية على الدباغ على خلفية تفجيرات بغداد الدامية يوم الاربعاء الماضي".

وكان رئيس الوزراء العراقي زار دمشق الشهر الجاري التقى خلالها الرئيس السوري بشار الاسد.

وأفضى اجتماع بين رئيسي وزراء البلدين الى "اعلان سياسي مشترك لتأسيس مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى برئاسة رئيسي الوزراء" يضم وزراء الخارجية والدفاع والطاقة والكهرباء والصناعة والمالية والاقتصاد والنقل في البلدين.

وتقرر ان يجتمع المجلس كل عام مرتين بالتناوب في بغداد ودمشق لمناقشة التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتعاون العسكري وشؤون الطاقة والمال والثقافة والتعليم والعلوم.

وكان البلدان قررا خلال زيارة قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم لبغداد في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 اعادة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء.

وارسلت سوريا سفيرها نواف الفارس الى بغداد في تشرين الاول/اكتوبر الماضي من العام الماضي.

وتسلم الرئيس السوري بشار الاسد في 16 شباط/فبراير الماضي، اوراق اعتماد السفير علاء حسين الجوادي.

موسى يحض البلدين على الحوار 

في سياق متصل حث الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى كلا من بغداد ودمشق على عدم التصعيد بعد الاتهامات التي وجهتها بغداد إلى دمشق بإيواء عناصر تتهمها بالإرهاب ونفي دمشق لذلك.

من جانبه أكد السفير العراقي في سوريا علاء الجوادي خلال مؤتمر صحافي عقد في مقر السفارة العراقية بدمشق أنه أبلغ رسمياً من الخارجية العراقية بقرار استدعائه للتشاور، وأنه سيغادر دمشق “في الوقت المناسب”.

فيما أكدت مصادر واسعة الاطلاع في العاصمة السورية أنه ليس وارداً في القاموس السياسي السوري تسليم أي من قادة حزب البعث العراقي اللاجئين في دمشق، وذلك لأن الحكومة العراقية لم تقدم أي دليل حسي على تورط أي منهم في تفجيرات الأربعاء الدامي في بغداد.

 وحول النشاط السياسي الذي يمارسه البعثيون العراقيون قالت المصادر: “هناك أكثر من مليون ونصف المليون عراقي على الأراضي السورية، والكثيرون منهم ينتمون إلى أحزاب سياسية عراقية من مشارب وإيديولوجيات مختلفة، وليس هناك ما يمنع أن يعبروا عن قناعاتهم السياسية بما لا يتعارض مع القوانين السورية، وبما لا يسيء للعلاقات السورية  العراقية”.

وحسب تقدير المصادر” إن تنامي دور البعثيين العراقيين مجدداً في المعادلة الداخلية العراقية يثير مخاوف بعض القوى العراقية التي بنت نفوذها على وجود الاحتلال، وعلى أسس طائفية وإثنية، وهذا ما يفسر الهجمة الشرسة على البعثيين العراقيين ومحاولة إلصاق التهمة بهم عن تفجيرات الأربعاء الدامي”.

في الغضون، يتابع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن كثب التطورات والاتصالات العراقية  السورية اثر الاتهامات التي وجهت إلى بعض زعامات حزب البعث العراقي بشأن الانفجارات الأخيرة في بغداد.

وأجرى موسى اتصالات مع دمشق وبغداد في محاولة للإحاطة بالموضوع والعمل على معالجته، حيث طالب بتكثيف الحوار والاتصالات الهادئة بين “العاصمتين الشقيقتين توخياً لحسن إدارة الأمور وتحقيقاً للتعاون ومنعا للتصعيد وحماية العلاقة بين البلدين ومصالحهما”.وأوضح أن الجامعة العربية تظل مستعدة للمساهمة في عملية تفاهم وتواصل تصب في مصلحة العلاقات بين العراق وسوريا، بصفة خاصة، والعلاقات العربية بشكل عام.

واشنطن تعتبره شأنا داخليا

من جهتها وصفت الولايات المتحدة الأربعاء الخلاف الذي نجم مؤخرا بين العراق وسوريا على خلفية التفجيرات الدامية التي هزت بغداد الأسبوع الماضي، بأنه شأن داخلي، داعية الحكومتين العراقية والسورية إلى حل الخلاف عبر الحوار.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إيان كيلي "نعتقد كمبدأ عام، أن الحوار الدبلوماسي هو أفضل وسيلة للتعامل مع القلق لدى الجانبين."، مشيرا في الوقت نفسه إلى ان واشنطن تعمل مع الجانب العراقي على كشف ملابسات التفجيرات التي أسفرت عن مقتل نحو 100 شخص وإصابة أكثر من 600 آخرين بجروح.

مواقف متباينة

يأتي ذلك فيما تباينت مواقف القوى السياسية في العراق إزاء قرار استدعاء سفير بلادهم في سوريا.

ففي مقابلة مع "راديو سوا"، وصف عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عن كتلة التوافق عبد الكريم السامرائي القرار بالمتسرع، مشيرا إلى أن القضية لا تزال مرتبكة، وكان من المفروض انتظار نتائج التحقيقات قبل اتخاذ مثل هذا القرار، على حد رأيه.

بالمقابل، أعرب عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عن كتلة الفضيلة عمار طعمة عن تفهمه لقرار الحكومة استدعاء سفيرها لدى سوريا، مضيفا أن الجانب السوري لم يظهر جدية كافية في التعامل مع الهواجس الأمنية التي أبداها الجانب العراقي، حسب قوله.

بدوره، شدد المحلل السياسي حازم الشمري على ضرورة اعتماد الحوار بين دمشق وبغداد لحل المسائل العالقة بين الجانبين، موضحا أن الأزمة لا تخدم الطرفين في المرحلة الحالية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/آب/2009 - 8/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م