الموصل.. تدهوُر على خُطى كركوك

اجراءات أمنية مكثّفة ودعم أمريكي على خلفية دعوات سعودية تكفيرية

 

شبكة النبأ: بدت البلدات والقرى في المناطق المتنازع عليها بمحافظة نينوى والتي تسكنها أقليات قومية ودينية في ورشة عمل كبير لإقامة عشرات السواتر الترابية في إجراء يأمل السكان أن يبعد عنهم خطر السيارات المفخخة بعد تصاعد الهجمات في أرجاء المحافظة التي باتت من أكثر مناطق البلاد عنفاً، وهو ما دفع الأمريكيين لاقتراح نشر وحدات مشتركة من الجيش العراقي والمقاتلين الكرد والقوات الأمريكية لحماية مناطق النزاع، فيما كثف وفد وزاري عراقي من جهوده لتجاوز الخلافات بين اكبر قائمتين متنافستين في مجلس المحافظة.

وظهرت قرية خزنة الصغيرة التي تعرضت لهجوم بسيارتين مفخختين في 10 آب أغسطس اوقع عشرات القتلى والجرحى، محاطة بسلسلة من السواتر الترابية التي يعلو بعضها قرابة المترين عن الأرض، فيما أغلق بعض سكان القرية ومعظمهم من مكون الشبك الطرق الفرعية المؤدية الى منازلهم المحاذية للشارع الرئيسي الذي يربط مدينتي أربيل ودهوك، في وقت انشغل آخرون بإعادة ترميم منازلهم التي تضررت بفعل الانفجار.

وفي برطلة المجاورة حيث يعيش المسيحيون تكرر مشهد السواتر الترابية ذاته الى جانب فرض إجراءات أمنية مشددة وقطع بعض الطرق الفرعية المؤدية للبلدة، فيما شكل أهالي بعض مناطق قضاء تلعفر (60 كم غربي نينوى) الذي يعيش فيها التركمان لجان شعبية تطوعية زود منتسبوها بأسلحة خفيفة لمساندة القوات العراقية في واجبات حفظ الأمن في مناطقهم. بحسب تقرير وكالة اصوات العراق.

وتشهد عموم مناطق محافظة نينوى تعزيزاً في الاجراءات الأمنية وسط تهديدات تطلقها جماعات مسلحة بشن هجمات انتحارية جديدة في شهر رمضان، وفرضت الأجهزة الامنية في مدينة الموصل يوم أمس الجمعة اجراءات مشددة حول دور العبادة ومناطق التجمعات بالمدينة، وتم منع سير ووقوف المركبات بالقرب من الجوامع أثناء صلاة الجمعة، فيما رجحت مصادر من شرطة نينوى استمرار التشديدات الأمنية حول الجوامع والكنائس طوال شهر رمضان بوجود معلومات استخبارية حول احتمال تعرضها لهجمات.

وكان مواطنون في بعض القرى بمناطق شمال غربي نينوى تلقوا نهاية الاسبوع الماضي رسائل قصيرة عبر هواتفهم النقالة تشير الى نية جماعات مسلحة “تنفيذ أعمال انتحارية خلال شهر رمضان”، وأبلغ عدد من المواطنين في قرية الشرايع التابعة لقضاء سنجار، (110 كم شمال غرب الموصل)، وكالة أصوات العراق باستلامهم عبر هواتفهم النقالة “رسائل من جهات مجهولة تتوعد بعمليات انتحارية” إستجابة لـ”نداء من رجل دين سعودي بارز”.

وتأتي التطورات هذه بعد أيام من وقوع سلسلة هجمات استهدفت قرى وبلدات تسكنها أقليات في المحافظة وخلفت اكثر من 150 قتيلا ومئات الجرحى، فيما سجل مرصد الحقوق والحريات الدستورية (MRFC) في 9 آب اغسطس الجاري تصاعداً كبيرا في معدلات العنف، وذكر المرصد في بيان له أن “محافظة نينوى كانت الأكثر عنفا في النصف الأول من الشهر الحالي، من حيث ازدياد اعداد الضحايا و نشاط المسلحين وحوادث التفجير”، مضيفا أن “نينوى كانت أعنف محافظات البلاد وفقا لاحصائية الرصد خلال الفترة من  1/8– 15/8 والتي سجلت وقوع (626) ضحية بين قتيل ومصاب”. واوضح المرصد، الذي يعمل كمنظمة غير ربحية على رصد الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون، ان نينوى شهدت تصاعدا في “استهداف (الموظفين، العمال، بعض المسؤولين، النساء، المهجرين العائدين) فيما رصد انتشار واسع لنشاط المسلحين من حيث اقتحام الدور والمحال وتقييد حركة العامة وحرياتهم”.

وجاء تقرير المنظمة بعد خمس هجمات كبيرة استهدفت مناطق انتشار الاقليات بالمحافظة اوقعت أكثر من 150 قتيلا ومئات الجرحى، اضافة الى عمليات التفجير بالعبوات الناسفة واستهداف شخصيات سياسية واجتماعية ومواطنين خلال الأسابيع الست الماضية.

وتعكس الهجمات تنامياً في قوة الجماعات المسلحة ونجاحها في استغلال الخلل الأمني في المناطق المتنازع عليها التي تشكل محورا للصراع السياسي بين العرب والاكراد. ودفعت المخاوف من الانعكاسات السياسية والأمنية الخطيرة للوضع في نينوى على عموم العراق الى عودة جهود الوساطة للتقريب بين قائمتي الحدباء (19 مقعد) ونينوى المتآخية (12 مقعد) في مجلس محافظة نينوى (37 مقعد) والتي كانت قد توقفت بعد فشل وساطات قام بها التيار الصدري والحزب الاسلامي العراقي مع رفض القائمتين لتقديم تنازلات حول مطالبهما.

وزار وفد وزاري نهاية الاسبوع الماضي (13-14/8) برئاسة نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي وعضوية وزراء الدفاع والامن الوطني والاتصالات وعدد من المستشارين السياسيين والأمنيين مدينتي الموصل واربيل لبحث واقع نينوى السياسي والأمني والخدمي ومعالجة الخلافات بن القائمتين المتنافستين. وقال العيساوي خلال الزيارة انهم “جاؤوا في مبادرة جديدة بتكليف من مجلس الأمن الوطني ورئيس الوزراء اللذين أمرا بتشكيل لجنة عليا لمتابعة ملف محافظة نينوى ولجان فرعية تهتم بالملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية”.

وسيرفع الوفد، الذي استمع الى وجهتي نظر الحكومة المحلية في نينوى والقيادة الكردية في اقليم كردستان حول طبيعة المشاكل وسبل حلها، تقريرا الى مجلس الأمن الوطني ومجلس الوزراء لوضع رؤى وافكار لحل الاشكالات في المحافظة.

رئيس قائمة نينوى المتآخية خسرو كوران أعرب عن أمله في نجاح مبادرة الوفد الوزاري في التخفيف من التوتر وانهاء مشكلة انقسام مجلس نينوى، لافتاً الى ان “العديد من مناطق المحافظة تواجه تهديدات ارهابية وتعيش في وضع أمني صعب بعد أشهر من السياسات الخاطئة التي انتهجتها الحكومة المحلية في نينوى”.

وقال كوران “الوفد الوزاري الذي زار اقليم كردستان استمع الى وجهة النظر الكردية ورؤيته للحل وهو يعمل على تقريب وجهات النظر ويأمل تحقيق لقاء مباشر بين الطرفين”، مضيفا “نحن لدينا رؤية خاصة والوفد الزائر استمع اليها لكنه لم يقدم حلولا”.

ولفت كوران الى ان “المحافظة تعاني من تدهور أمني يتركز في مناطق انتشار الأقليات وعبر هجمات تستهدف فئات معينة” متهما “البعثيين السابقين بالتخطيط لها”، مبينا أن “الهجمات الأخيرة استهدفت مناطق محددة وتم التخطيط لها بشكل جيد في محاولة من التكفيريين والبعثيين لاثارة الفتن بين مكونات نينوى ولخلق الفوضى عبر تهديد سكان تلك المناطق وترهيبهم بالمصير الذي يمكن ان ينتظرهم في حال اختاروا الطريق الذي يرفضونه”.

من جهته رأى نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، دلدار زيباري، أن ازدواجية الادارة في المناطق المتنازع عليها تربك الخطط الأمنية والخدمية، مشيراً الى ان التصعيد الأمني “يأتي مع اقتراب الانتخابات البرلمانية بما تحمله من صراعات وعنف سياسي”.

وقال زيباري وهو عضو كردي في قائمة الحدباء، ان “ادارة تلك المناطق من جهات حزبية -في إشارة الى الأحزاب الكردية- شيء مرفوض بالنسبة لنا لأنه يعطل خطط الحكومة المحلية التي تملك شرعية العمل في مجمل مناطق المحافظة”، موضحا “نحن نريد ادارة استراتيجية للخطة الأمنية بشكل يجعلها قادرة على تحقيق أهدافها، لا ان يكون هناك تقاطع في العمل مع جهات اخرى”، مشددا “يجب ان تعمل القوات المنتشرة في حدود المحافظة لصالح أهالي نينوى وليس لجهات حزبية، وان تكون مرجعيتها الاخيرة هي مركز محافظة نينوى لتكون تلك القوات مصدر ثقة المواطن”.

ولفت زيباري الى ان “هناك ارتفاعاً في معدلات العنف لكن الأمور لم تخرج من السيطرة خاصة ان مبررات ودوافع الهجمات الاخيرة واضحة وتستهدف اثارة الفتن بين مكونان نينوى”، كاشفا عن “خطط واجراءات جديدة ستنفذها الحكومة المحلية في نينوى لمواجهة الخروقات الأمنية”.

ووصف زيباري زيارة الوفد الوزاري العراقي الى نينوى بأنها كانت “مهمة لدعم المحافظة وتجاوز واقعها الحالي”، وتابع “بحثنا مع الوفد الزائر حاجات المحافظة الخدمية والعراقيل التي تواجه عمل الحكومة المحلية التي تتطلع لتنفيذ مشاريع استراتيجية، اضافة الى الملفين السياسي والامني”.

وعلق زيباري على المقترح الامريكي بتشكيل قوات مشتركة لادارة المنطقة امنيا قائلا “نحن نريد ان تكون مرجعية القوات المنتشرة في المناطق التابعة لمحافظة نينوى في مركز المحافظة، لا ان تكون مرجعيتها خارج محافظة نينوى، ونرفض ربط واقع المنطقة بقضية غير محسومة ولسنا مسؤولين عنها تتعلق بمفاوضات واجراءات لتحديد مصير المناطق المتنازع عليها، هذا شيء غير مقبول بالنسبة لنا”.

وكان قائد القوات الأمريكية الجنرال راي اوديرنو قد اقترح على الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان “نشر تشكيلات مختلطة من القوات العراقية وحرس اقليم كردستان الى جانب قوات أمريكية على طول خط المواجهة في محافظة نينوى ومناطق أخرى شمالي العراق بين العرب والأكراد” لمواجهة التدهور الأمني الذي شهدته المناطق المتنازع عليها وسد الثغرات في مناطق التماس بين قوات الحكومة الاتحادية وحرس الاقليم والتي استغلتها مجاميع مسلحة في شن عمليات اوقعت مئات القتلى والجرحى خلال الشهرين الماضيين.

وتمتد التوترات بين اكبر قائمتين في مجلس محافظة نينوى الى مطلع نيسان ابريل الماضي حين استحوذت قائمة الحدباء على المناصب الإدارية المهمة في المحافظة الأمر الذي دعا قائمة نينوى المتآخية الى مقاطعة جلسات المجلس فيما قاطعت 16 وحدة ادارية ذات غالبية كردية الحكومة المحلية في نينوى احتجاجا على تهميش ممثليها الاكراد في مجلس المحافظة.

وكانت الأزمة السياسية قد تصاعدت بعد التفجيرات الأخيرة في نينوى والتي اعقبها تبادل للاتهامات بين مسؤولين في الحكومة المحلية بنينوى واعضاء في قائمة نينوى المتآخية، حيث اتهمت الأخيرة حكومة نينوى بالفشل في ادارة المحافظة امنيا وخدميا وحملتها مسؤولية ارتفاع معدلات العنف، فيما حملت قائمة الحدباء اقليم كردستان مسؤولية الهجمات التي استهدفت بعض المناطق المحاذية للاقليم مشيرة الى ان عمليات تفخيخ العجلات المستخدمة في تفجير قرية خزنة جرت في مناطق لا تخضع لسلطة الحكومة المحلية، وهو ما أثار غضب حكومة اقليم كردستان التي حملت في بيان لها في 14/8 قائمة الحدباء وسياساتها مسؤولية قتل وتهجير عوائل كردية ومسيحية من المحافظة لتفريغها من مكوناتها، داعية “الحكومة الاتحادية الى تشكيل لجان مختصة لمعاينة حجم الخطر الذي يهدم كل ما بناه العراقيون بتضحياتهم”.

وكانت مجمل التفجيرات الكبيرة في نينوى استهدفت مناطق انتشار الاقليات حيث شن انتحاريان هجوما في مقهى في مدينة سنجار 110 كلم غربي الموصل، التي تسكنها غالبية ايزيدية في 13 آب اغسطس، اوقع 23 قتيلا و30 جريحا.

واستهدف هجوم بشاحنتين مفخختين قرية خزنة شرقي الموصل، حيث يعيش مكون الشبك، في 10 آب اغسطس، موقعا 29 قتيلا و150 جريحا بالإضافة إلى تدمير نحو 30 منزلا.

واستهدفت شاحنة مفخخة نوع كيا في 7  آب اغسطس حسينية في منطقة شريخان، 7 كلم شمالي الموصل، ذات الغالبية التركمانية وخلفت 39 قتيلا و279 جريحا اضافة الى تدمير 12 منزلا.

وفي 9 تموز يوليو الماضي شن انتحاريان هجوما في مدينة تلعفر، غربي الموصل، التي تسكنها غالبية من التركمان الشيعة، أسفر عن 39 قتيلاً وأكثر من 80 جريحاً.

وأوقع انفجار سيارة مفخخة في 8 تموز يوليو في قرية سادة وبعويزة، 3 كم شمالي الموصل، عن 20 قتيلاً ونحو 30 جريحاً.

ويأمل سكان المحافظة التي يقطنها قرابة ثلاثة ملايين شخص يمثلون مختلف مكونات المجتمع العراقي بما فيهم العرب والكرد والمسيحيون والايزيديون والتركمان والشبك، أن تنجح جهود الحكومة العراقية لوضع حد للخلافات السياسية في المحافظة وحسم مصير المناطق المتنازع عليها، فيما ينتظرون نتائج الخطة العسكرية الامريكية والاجراءات الأمنية العراقية لحماية مناطقهم وافشال تحركات الجماعات المسلحة التي حافظت على وجودها طوال السنوات التي اعقبت الاحتلال الامريكي للعراق والتي اخضعت اجزاء من المحافظة بين 2005-2007 لسلطتها. وتقع مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى على بعد 405 كم شمال العاصمة بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/آب/2009 - 6/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م