التقنية وهدر الطاقات

مرتضى بدر

كم عدد الساعات التي يقضيها الشباب العربي في تصفّح المواقع الإلكترونية؟ وكم هي المدة الزمنية التي يمضيها هؤلاء الشباب في قراءة الرسائل الإلكترونية، والرد عليها، أو نشر تلك الرسائل إلى أكبر عدد من الأهل والأصدقاء؟ وما هي نسبة الفوائد التي يجنيها المتصفّح العربي في الشبكة العنكبوتية، والسباحة في قنواتها الفرعية، وأنهارها، ومصباتها، ومصائبها؟

 ليتني أجد دراسة علمية تكشف بالأرقام نسبة العرب الذين  أدمنوا الجلوس لساعات طويلة خلف جهاز الحاسوب، وكم هي النسبة التي استفادت حقاً من المعلومات، وتعاملت معها بحرفية، وسخّرتها لتنمية قدراتها العلمية والفكرية والعملية؟ حينما تتحوّل تقنية المعلومات في العالم العربي هدراً للطاقات فتلك لا تعتبر فقط مضيعة للوقت، بل استنزافًا للطاقات الشبابية التي تعتمد عليها الأوطان.

 في كتاب رائع بعنوان (الإنسان المهدور) الذي نُشِر عام 2005 عن (المركز الثقافي العربي) بالمغرب، يقول المؤلف مصطفى حجازي: “وتتولى العولمة عملية هدر الوعي من خلال ترويج ثقافة التسلية التي ملأت الثقافة المرئية وقنواتها الكونية، وملأت على الناس المهمّشين والمهدورين مجالهم الحيوي بالمباريات الرياضية والفيديو كليب”. اليوم وبعد مرور أربعة أعوام من صدور الكتاب، نستطيع إضافة وسيلة أخرى من وسائل هدر الطاقات، ألا وهي شبكة الانترنت التي دخلت كخيوط العنكبوت في كل مفاصل الحياة اليومية، وأصبحت أداة تسلية مهمة، ومضيعة للوقت والجهد أكثر من أن يكون عاملاًُ من عوامل التنمية المعرفية، وارتقاء في مجال العلوم والتكنولوجيا.

 تقنية الاتصالات قد قلّصت المسافة وقلّلت الزمن، وكثّفت من الأخبار والمعلومات في عقل الإنسان، إلا أنّها في المقابل جمّدت من حركة الإنسان، وجعلته سجين المنزل أو المكتب، بل أكثر من ذلك أصبح الشباب العربي اليوم أسيرًا ورهينةً لجهاز الحاسوب. العقول أصبحت فقط مخزناً للمعلومات التي تأتي عن طريق البريد الالكتروني للأفراد، ومعظمها معلومات دينية، ومشاحنات طائفية، وقيل وقال، وأخبار عامة، ونكت سياسية، وتسليات أخرى.

معظم تلك الرسائل لا تزيد من وعي المتلقّي، ولا تنّمي فيه المعرفة العلمية، كما لا تساعده في خلق تحليلٍ إيجابيٍ للأحداث، بالعكس نجد معظم تلك الرسائل تشوّش الفكر، وتخبّط في الفهم، وتحرّف الأذهان. العقل الإنساني حينما يتحوّل إلى مجرد سلة للمعلومات، ومُكبّ للمهملات من دون قدرةٍ على فرز ما يتلّقى من تلكم المعلومات، يصبح بمرور الزمن أشبه بملفات الأرشيف، أو أجهزة الحاسوب التي تخزّن المعلومات.

 إنّ تقنية المعلومات إنّما اختُرِعت بهدف التوفير في الوقت والجهد، ولكن حينما تتحوّل هذه التقنية إلى وسيلة للتسلية، وتضييع للوقت، وتجميد للعقل، وهدر للطاقات، حينئذ تصبح مصيبة. الإنسان قادر على تحويل تقنية المعلومات من نعمة إلى نقمة، بمجرد استخدامها للتسلية لا غير. المطر نعمة إلهية، ولكن حينما يتحوّل إلى سيل جارف يزيل الأخضر واليابس، ويقتل الإنسان، ويدمّر البيوت والمزروعات، يتحوّل حينئذ إلى نقمة.

الدول المتحضرة استطاعت من خلال بناء السدود ومخازن المياه وشقّ القنوات إنقاذ أرواح مواطنيها من جهة، والحفاظ على اقتصادياتها من جهة أخرى. يا ترى متى يستطيع شبابنا بناء السدود النفسية والفكرية لمنع تلك السيول المعلوماتية الجارفة على الانترنت والتعامل معها بحرفية وبأسلوب علمي وأخلاقي من جهة، والحفاظ على أوقاته الثمينة من جهة أخرى؟ يقول الإمام علي (عليه السلام): “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”، وجاء في حديث مأثور: “الفرصة تمرّ مرّ السحاب، فانتهزوا فرصة الخير”.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/آب/2009 - 23/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م