إيران: الاصلاحيون يتشدقون بعباءة الخميني في تهديد مباشر للمرشد الأعلى

انقسامات حادة في جبهة المحافظين والمحاكم الثورية تفتتح أبوابها مجددا

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يشير معظم المحليين السياسيين استعار حدة الصراع السياسي في أروقة السلطة بشكل لم يعهده العالم منذ وفاة آية الله روح الله الخميني عام 1989 ، مما قد يفضي الى انسلال خيوط الأزمة الإيرانية من أيدي الإطراف المتنازعة، خصوصا بعد المنحنى الخطير الذي تمثل بإجراءات السلطات الإيرانية غير المحسوبة كما يراها البعض تجاه الأقطاب الرئيسية في النظام الإسلامي والثورة.

فحسب الإحداث المتتالية في طهران يحاول التيار المتشدد في النظام الإيراني إقصاء كل من يخالفهم في الرأي تحت عناوين الخيانة والثورة المخملية مهما كانت مكانته أو مقامه، دون الاكتراث الى تاريخه السابق في ترسيخ النظام، زاجة بعض الشخصيات ذات المعيار الثقيل في محاكمها الثورية ذائعة الصيت.

فيما تطل على المتابعين حجم الانقسامات الحادة بين أوساط المتشددين المهيمنين على مفاصل السلطة، مخلفة تلك الانقسامات في بعض الأحيان دلائل واضحة في اتساع حجم الهوة بعد عدد من الاستقالات والإقالات الذي لحق بحكومة الرئيس نجاد.

 كما السلطات الإيرانية لم تتورع في إطلاق الاتهامات المباشرة لبعض الدول الغربية والإقليمية بتورط أجهزتها المخابراتية في الأحداث، سعيا منها حسب الاتهامات الى قلب النظام الجمهوري الإسلامي.

هل بدأت عجلات عربة النظام تفلت؟

بالطبع انه لأمر سيئ ان يناهض خامنئي الرجل الذي دعمه للرئاسة الا ان ما يؤرق المرشد الاعلى في الحقيقة هو شبح الخميني.

صحيح ان الكثيرين في الغرب استسلموا للافتراض السهل بأن المتظاهرين الذين احتجوا على انتخابات الثاني عشر من يونيو كانوا يعبرون عن رغبتهم في الاصلاح الديموقراطي الليبرالي الا ان زعماء المعارضة الذين خسروا الانتخابات يناضلون الآن من اجل شيء آخر: عباءة ثورة 1979، فهم يعتقدون انهم الورثة الحقيقيون لارث الخميني اذ يطلقون على انفسهم: «اتباع بيت الخميني». انهم الثوريون غير الملوثين الذين يرون في خامنئي مجرد مغتصب للسلطة.

واذا كان مير حسين موسوي، الذي كان رئيسا للحكومة مرة، هو الوجه الشعبي الوطني للمعارضة الا ان هناك كثيرين آخرين على جانب كبير من الاهمية ايضا بدءا من الرئيسين السابقين محمد خاتمي وعلي اكبر هاشمي رفسنجاني الى الكثيرين ايضا من رجال الدين الكبار في مدينة قم. بحسب التايم.

مؤهلات ثورية

لقد تم اختيار موسوي متحدثا باسم المعارضة بسبب مؤهلاته الثورية التي لا يرقى اليها الشك، فقد وقف بجانب الخميني ولم يعترض ابدا على قراراته عندما كانت الثورة في اوج مراحلها عنفا وراديكالية.

بل كان هناك مكتب خاضع لموسوي عمل على تنسيق سلسلة من الهجمات على مصالح الولايات المتحدة في لبنان، ومنها السفارة الامريكية في بيروت. لكن عندما مات الخميني آثر موسوي الابتعاد عن السياسة والعيش كرجل عادي في ايران.

لذا عندما حاول خامنئي التشكيك في مؤهلات موسوي الثورية بعد تظاهرات الشوارع الاخيرة بالقول انه (موسوي) كان يعمل لمصالح قوى اجنبية، لم يلتفت الايرانيون لذلك الاتهام.

ولا بد ان يكون خامنئي قد تمعن اخطار محاولة القاء القبض على موسوي من اجل وضع حد للاحتجاجات، فهو يمتلك السلطة والقوة لكن اعتقال موسوي سليل مدرسة الخميني السياسية سيرقى الى مستوى اعتقال كاتب نص اعلان الاستقلال الامريكي توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة الامريكية.

على أي حال، يمكن القول ان المواجهة بين خامنئي ومرشح المعارضة موسوي لها سمات شخصية. فقد تصادف تقاعد موسوي عن العمل في الحكومة عام 1989 مع تعيين خامنئي مرشدا اعلى.

ويقال ان موسوي كان يكره خامنئي ويعتبره مغتصبا للسلطة، لا سيما ان خامنئي لم تكن لديه صفة «آية الله» عندما خلف الخميني بل ثمة شكوك حتى اليوم في مؤهلاته الدينية.

كما يفتقر ايضا للمكانة الروحية في عالم الشيعة. بل لم يقبل سوى عدد قليل من قادة ثورة 1979 خامنئي كزعيم لهم على الرغم من ان مجلس الخبراء هو من اختاره.

ويبدو ان عدم الثقة فيه شيء مبرر في رأي المعارضة لأن خامنئي فشل في المحافظة على ارث الخميني وجعل البلاد معسكرا عسكريا يقوده رجال الحرس الثوري.

من هنا كان النزاع حول الانتخابات الاخيرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لموسوي ولاولئك الذين يرون انفسهم ورثة الخميني. ومن الملاحظ ان غضبهم انصب على مسألة حساسة في العقيدة الاسلامية فهم يصرون على ان شرعية الحاكم الاسلامي تنبع من الشعب بينما يعتقد خامنئي ان هذه الشرعية مستمدة من ارادة الله وبهذا برهن خامنئي في رأيهم على انه مغتصب للسلطة.

ويبدو ان رفض خامنئي قبول اقتراح خاتمي بإجراء استفتاء حول هل الشعب يقبل نتيجة الانتخابات؟ زاد الطين بلة.

صراع كلاسيكي

من الواضح اذا ان ايران تشهد اليوم صراعا كلاسيكيا على السلطة يقف فيه بيت الخميني ضد بيت خامنئي.

فبعد ان رفض خامنئي اجراء انتخابات جديدة، تحولت المعارضة من تحدي نتائج الانتخابات الى مهاجمة شرعية خامنئي نفسه. وهم يعولون الآن على استمرار خامنئي في قمع المتظاهرين واعتقال عدد اكبر من مؤيدي المعارضة ثم الزج بزعمائها في السجون.

عندئذ سوف يثير خامنئي في رأيهم غضب كبار رجال الدين في قم بحيث يصدرون فتوى تدين خامنئي وانتخابات 12 يونيو. ومن شأن مثل هذه الفتوى ان تجرد خامنئي من شرعيته كمرشد اعلى لايران، وتقلص التأييد الذي يتمتع به في الحرس الثوري، لا سيما ان عددا كبيرا من افراده كانوا مستائين من قمع التظاهرات، بل يقال ان هناك حملة اعتقالات في صفوف الجيش واذا كانت التقارير التي تحدثت عن هذا صحيحة يكون خامنئي قد بدأ فصلا جديدا مظلما يحمل معه احتمالات قوية بحدوث انقلاب في ايران.

لقد صعد مؤيدو موسوي الى اسطح المنازل في طهران واخذوا بإطلاق صيحات «الله اكبر» مستلهمين في ذلك روح ثورة 1979 عندما تدافع الايرانيون بتلقائية الى الشوارع مما دفع الجيش لالقاء سلاحه، ولم يكن امام الشاه من مفر سوى الهروب.

بالطبع، من المستحيل القول الآن ان ايران وصلت اليوم الى مثل تلك المرحلة ثانية. لكن مع ذلك، سوف تغير الحرب المفتوحة بين بيت الخميني وبيت خامنئي ايران الى الابد.

موسوي أمام اختبار صعب 

 من جانب اخر بعد القمع الذي مارسته السلطة عقب الانتخابات في ايران، اعلن المرشح مير حسين موسوي في واحد من بياناته العلنية القليلة انه سيؤسس منظمة سياسية جديدة تمثل مطالب مرشحي المعارضة ومؤيديهم الذين ينضوون الآن تحت راية ما يوصف بـ «الحركة الخضراء». وثمة صفحة الكترونية - نظمها مؤيدو موسوي على موقع «فيس بوك» - تتضمن «نداء مفتوحا» لتحديد اشكال جديدة من الاحتجاجات والعصيان المدني. بحسب التايم.

لكن ماذا يمكن ان يكون نوع هذه المنظمة؟

فمن المعروف ان ايران تفتقر في الوقت الراهن لاحزاب سياسية وطنية حقيقية بمشاركة جماهيرية واسعة، وليس هناك سوى فصائل سياسية وتجمعات فضفاضة لبعض السياسيين. كما ان تاريخ العمل الحزبي خلال السنوات الثلاثين الماضية ليس مشجعا. فقد عمل آية الله الخميني، الذي كان قد اسس الحزب الجمهوري الاسلامي خلال ثورة 1979 التي انهت حكم الشاه، على تجميع مؤيديه المتنوعين في منظمة واحدة من اجل تعزيز حكومة الثورة. غير ان الحزب الجمهوري الاسلامي الذي كان الحزب الرسمي الوحيد في ايران خلال الثمانينيات سرعان ما اصبح بعد ذلك وسيلة للخلافات الفئوية حول السياسات الاقتصادية والسياسية فما كان من الخميني الا ان حله عام 1987. (حاول مرشح الرئاسة والرئيس السابق للبرلمان مهدي كروبي تأسيس حزب بعد هزيمته في انتخابات 2005 لكن احدا لم ينظر اليه بجدية).

من جهته، يقارن حبيب الله بيرمان وهو سياسي ايراني مخضرم له محاولات عدة في النشاط الديموقراطي قبل وبعد ثورة عام 1979، يقارن «حركة الخضر» مع الانتفاضات الاجتماعية الشهيرة في تاريخ ايران خلال القرن العشرين ومنها: الثورة الدستورية عام 1906 وفترة حكم رئيس الحكومة محمد مصدق بين عامي 1951 و1953 وثورة عام 1979، ويقول ان «الحركة الخضراء» هي الاكثر تماثلا بالحركات الاجتماعية التي شهدتها فترة مصدق عندما حاول بصفته رئيسا للحكومة تأميم قطاع النفط في ايران وفشل في ذلك نتيجة لانقلاب عسكري ساندته الولايات المتحدة اطاح به واعاد الشاه الى السلطة.

جدير بالذكر ان الهدف الرئيسي للحركة الوطنية في عهد مصدق كان تحقيق الوعود للاستقلال بشكل حقيقي عن القوى الاستعمارية ومن ثم العمل لتمثيل الشعب ديموقراطيا. وبهذا تختلف الحركة الوطنية التي وقفت وراء مصدق عن ثورة 1906 التي ارادت انشاء ملكية دستورية وعن ثورة 1979 التي سعت لقيام نظام جمهوري، فلقد كان شعار الحركة الوطنية آنذاك: يمكن للشاه ان يبقى في منصبه لكن دون ان يمارس شؤون الحكم.

والآن، ما هي فرص «الحركة الخضراء»؟ يبدو ان القلائل فقط على استعداد للرد على هذا السؤال.

صحيح ان رفض موسوي التراجع وموقفه الموحد نسبيا مع الرئيس السابق محمد خاتمي وكروبي قد أمن له درجة كبيرة من الشرعية لدى الايرانيين الذين احسوا انهم كانوا ضحية لعملية خداع في الانتخابات، وصحيح ان هناك الآن خلافات في صفوف المحافظين حول قيام احمدي نجاد بتعيين شخصيات غير مرغوب فيها بمناصب حكومية مهمة، وصحيح ايضا ان المعارضة تبدو الآن موحدة اكثر من الحكومة، وهو امر لم يكن قائما قبل حوالي شهر الا ان مظلة المعارضة تغطي ايضا مجموعة واسعة من الاصوات والآراء التي تندرج بين السياسيين المحافظين الذين يريدون العودة لكبح السلطة التنفيذية وبين الليبراليين الاجتماعيين الذين يريدون تخفيف القيود بل وحتى ازالتها بالكامل عن وسائل الاعلام وحرية اللباس والتجمعات العامة.

من الواضح ان ذكرى مرور 40 يوما على وفاة ندى يوم الثلاثين من يوليو، ومناسبة تنصيب نجاد رسميا في الثاني من اغسطس ستضعان تصميم موسوي وقيادته امام اختبار صعب.

هل يتحول الرئيس الإيراني إلى بطة عرجاء؟ 

لم يعد لدى الرئيس محمود احمدي نجاد الكثير من المعجبين على ما يبدو، فبعد ايام قليلة من موعد تنصيبه رسميا في الخامس من اغسطس لفترة رئاسية ثانية مثيرة للجدل، يجد الرئيس الايراني نفسه في موقع نضالي حرج بالنسبة لمستقبله السياسي.

فهذا الرجل المتواضع، الذي عمل ابوه حدادا، اصبح بعد ان دخل في تحد غير مسبوق مع المرشد الاعلى وبعد ان تورط بمشادات كلامية مع وزراء مؤثرين في الحكومة، الشخصية الاكثر اثارة للانقسام في تاريخ جمهورية ايران الاسلامية الذي بدأ قبل 30 سنة. هل يعني هذا ان نهايته باتت وشيكة؟ بحسب التايم.

الحقيقة ان نجاد يواجه الآن تهديدات بعزله من جانب - وهنا المفارقة - حتى اقرب الناس اليه: حلفاؤه انصار الخط المتشدد. فقد تلقى رسالة مفتوحة من مجموعة محافظة مرتبطة برئيس البرلمان علي لاريجاني تقول: «يبدو انك تريد ان تنفرد بنفسك في اتخاذ القرار دون الاستماع للاصوات الاخرى، لذا من واجبنا ان ننقل اليك صوت الشعب». وحملت هذه الرسالة التي وردت من جمعية المهندسين الاسلاميين تلميحا بالانقلاب عليه بمقارنته برئيس حكومة ايران محمد مصدق الذي اطاح به انقلاب عام 1953 وبأول رئيس لإيران أبو الحسن بني صدر الذي غادر البلاد الى المنفى بعد تحديه سلطة آية الله الخميني.

بل ويمكن القول ان مستقبل نجاد كان قد اصبح محاطا بالشكوك بعد الهجمات التي لا سابق لها التي تلقاها من معسكر الاصلاح الذي يقوده الرئيسان السابقان علي اكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وذلك في اعقاب انتخابات الرئاسة المثيرة للجدل في الثاني عشر من يونيو. اثار نجاد غضب قاعدته المحافظة بتعيينه اسفنديار رحيم مشائي نائبا اول له على الرغم من عدم رضى المتشددين على هذا الاخير بسبب تعليقاته غير المناهضة لاسرائيل التي ادلى بها سابقا.

من الواضح ان هذه المواجهة باتت تهدد الآن باحداث انقسام في فصيل المحافظين فأعداء احمدي يشمون رائحة الدم، وثمة اعتقاد بأنهم ربما يعملون لتحويله الى بطة عرجاء أو حتى الى عنزة اضحية حتى قبل ان تبدأ ولايته الثانية.

لكن، ولكي يظهر انه مالك لقراره، عمد نجاد الى طرد وزير الاستخبارات الذي كان قد خرج من اجتماع سابق احتجاجا على تعيين اسفنديار نائبا للرئيس، وكان وزير الثقافة قد قدم استقالته هو الآخر بسبب خلاف على بعض القضايا. ويقول المحللون السياسيون ان كلا الرجلين هما من المقربين للمرشد الاعلى.

ويبدو ان نجاد كان يريد اقالة اربعة وزراء، لكنه تراجع عن ذلك بعد ان قيل له ان اقالة اكثر من وزير ستعرض الحكومة كلها لاجراء طرح الثقة بها في البرلمان. ثم تلقى نجاد فيما بعد تحذيرا من حوالي 200 عضو برلماني لتصحيح سلوكه من خلال الالتزام بآراء المرشد الاعلى جديا.

ويلاحظ المراقبون ان نجاد يكاد يكون معزولا داخل حزبه ومن غير المرجح ان تنتهي لعبته السياسية مع الشخصيات القوية في النظام لصالحه، وذلك لأن انصار الخط المتشدد الذين عززوا سلطتهم بعد ازمة الانتخابات اصبحوا يعتبرون احمدي نجاد معتدلا جدا. على أي حال، ثمة تكهن غريب وسط الاوضاع الراهنة على الساحة الايرانية الآن. اذ يقول بعض المطلعين على بواطن الامور ان الشجار العلني الذي يجد نجاد نفسه فيه اليوم ما هو الا جزء من محاولة يقوم بها خامنئي واتباعه لتعزيز موقف ابن خامنئي الثاني مجتبى خامنئي، الذي يتمتع بنفوذ قوي بين رجال الدين الحاكمين، والذي يرى الكثيرون ان هناك محاولات لتأهيله لخلافة والده المرشد الاعلى. ومن المعروف ان مجتبى من المؤيدين الاقوياء للرئيس، ويبدو انه بحاجة اليه لتأمين الشرعية لنفسه أي ان ما يجري على الساحة ما هو الا مجرد لعبة سياسية.

ومهما يكن الامر، يمكن القول ان تحييد احمدي نجاد لا بد ان يؤدي الى زيادة تطرف السلطة التنفيذية في النظام. فقد اظهر خامنئي بعد الثاني عشر من يونيو الماضي انه غير مبال للتوصل لاتفاق وسط مع دعاة الاصلاح على الرغم من انه امر قبل بضعة ايام وبضغط من المعارضة باغلاق سجن يضم المعتقلين السياسيين في جنوب طهران.

لذا، ليس هناك امل يذكر بحل قريب للازمة كما ان حدوث انقلاب لن يؤدي على الارجح الا الى تفاقم حدة المعارضة ودخول البلاد في حالة فوضى عارمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آب/2009 - 18/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م