العراق بين نقيضين: دولة المؤسسات والإعلام الحر أو هيمنة السلطة الفردية

ضرورة الارتقاء بعمل صحفي نزيه يسبقه استبعاد الطفيليين

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ربما لا نغالي إذا قلنا بأن الاعلام الحر يتبوأ مكانة متميزة في الدول ذات الرسوخ المؤسساتي المتأتي من تراكم الخبرات في التنظير السياسي والتطبيق على ارض الواقع، وذلك بسبب سيادة القانون أولا، وتلاشي السلطة الفردية التي تُعدّ من ألدّ أعداء الاعلام المتحرر من التسلط السياسي النابع من ضعف التجربة الديمقراطية او غيابها كليا.

ولعل التناقض الحاد الذي يطفو جليا فوق سطح الاحداث في الدول ذات البناء المؤسساتي الضعيف، ينبع من تلك المحاولات الفردية للهيمنة على شؤون الدولة سواء من لدن الافراد او الأحزاب او التكتلات السياسية ذات النزعة التسلطية، فمثل هذه الكيانات السياسية (الفردية) لا يروق لها الصوت الذي لا ينسجم مع صوتها، بل لاتستسيغ أي فعل لا يتطابق او ينسجم مع أفعالها، فهي غالبا ما تبحث عن الاصوات والافعال التي تجاري أهواءها واجنداتها وما عدا ذلك فسوف يقع في خانة الاعداء الذي يتربصون بها شرا.

وبهذا السلوك سيكون الاعلام الحر من ألدّ أعدائها، وسوف ترى فيه خطرا ماثلا على طموحتها بل على وجودها برمته، من هنا ستتضاعف دوافعها للقضاء على مثل هذا النوع من الاعلام وسوف تنمي وتراعي وتدعم المؤسسات الاعلامة التي تغرد (داخل السرب) وتضع نفسها في خدمة الاهواء المتسلطة لمثل هذه الشخصيات او الاحزاب او التكتلات السياسية.

وقد مرت غالبية الامم والشعوب بمثل هذه الحالات وقدمت مئات الآلاف من الضحايا على محراب الحرية، ولنا في التجارب القريبة في العراق او غيره خير دلائل على ذلك، فالصوت الاعلامي الذي يشكل حجر عثرة في طريق السياسيين وطموحاتهم لن يجد له مكانا في مثل هذه الاجواء التسلطية التي ليس بمقدورها الافادة ممن سبقها من التجارب التي كممت الافواه وراقبتها بحجة الصالح العام وما شابه، فسقطت سقوطا ذريعا في آخر المطاف.

واذا كانت التجارب الكثيرة تؤكد عدم اتعاض مثل هؤلاء السياسيين بأن الاعلام الحر يخدمهم أفضل من سواه وان تسليط الضوء الاعلامي على اخطاء السياسيين خير من السكوت والتغاضي عنه، فإن الاسلوب الامثل في التعامل معهم ليس الصمت او اللجوء الى هدنة مؤقتة او التراجع بسبب البطش وما شابه، بل الحل الأمثل يكمن في عدم التراجع التام تحت أقسى الظروف، كما ان اهمية تعاضد المؤسسات الاعلامية النزيهة وتعاضد الاعلاميين كأفراد او جماعات سيشكل قوة مضافة في هذا الصراع الذي لن يتوقف طالما كان هناك ساسة لا يعرفون سوى الفردية المقيتة في سلوكهم وقراراتهم ونظرتهم الى الاعلام عموما.

إن المشكلة التي يبدو انها ستبقى قائمة، تكمن في الطرفين الذين يمثلان الاعلام من جهة والسياسة من جهة اخرى، ففي الوقت الذي يوجد فيه سياسيون متنورون يميلون الى التحرر اكثر من غيره، هناك مقابلهم اعلاميون مهنيون نزيهون داعمون لهم ومتفاعلون معهم، لكن هذا لا يعني خلو الساحة لهذين الطرفين بل هناك السياسيون الفرديون المتسلطون وهناك الاعلاميون الذين يغردون (داخل السرب) دائما وابدا فيضعون اقلامهم وطاقاتهم في خدمة هؤلاء مقابل مكاسب مادية لاترقى الى الاجر الشريف الذي يتقاضاه الاعلامي النزيه أبدا.

ولعل حل هذه الاشكالية يكمن في أهمية أن تتوسع ساحة الاعلاميين النزيهين وتكثر اعدادهم عبر التعاضد الدائم والفاعل فيما بينهم ليشكل هذا انقراضا للاعلاميين الطفيليين الذين لا يجيدون العمل إلاّ تحت ظل التسلط والفردية البائسة، من جانب آخر ينبغي أن يحدث الشيء نفسه في ساحة السياسين وهو امر منوط بهم بطبيعة الحال، بمعنى ان الافضل للسياسيين هو طرد الفاسدين من ساحة عملهم مهما كانت الاعذار والتبريرات، فليس هناك سببا واحدا يجيز الابقاء على السياسي الفاسد يعمل في الساحة وان السياسيين هو اول الناس المعنيين بالقضاء على مثل هذا السياسي الفاسد كونه يشكل مصدر افساد لهم ناهيك عن السمعة السيئة والصورة الأسوأ التي تنعكس عليهم جميعا.

 ولذا فإن الاعلام المتحرر هو عضيد السياسة النقية وهذه بدورها هي السند الأمثل للاعلام النزيه، ولعل التجارب الديمقراطية الراسخة خير مثال على قولنا هذا، كما اننا ينبغي ان لا ننسى بأن العمل في هذا المجال غالبا ما يكون ذا تزعة تعاضدية تكافلية للوصول الى الهدف الاسمى وهو بناء الاعلام الحر في ظل دولة المؤسسات الراسخة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آب/2009 - 18/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م