معضلة غوانتنامو بين تعهدات اوباما وانقسام الرأي العام الامريكي

 

شبكةالنبأ: بعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في العشرين من يناير العام الحالي 2009، أصدر الرئيس باراك أوباما أمرًا تنفيذيًّا بإغلاق معتقل جوانتانامو منهيًا بذلك إحدى السياسات سيئة السمعة التي انتهجها الرئيس بوش الابن، والمتمثلة في اعتقال وتعذيب السجناء في خليج جوانتانامو بكوبا. وحمل القرار رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها "أن الولايات المتحدة، التي أُسست على مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية، لن تهين الحقوق التي تدعي الدفاع عنها".

ومع أن قرار أوباما يُشير إلى التقدم الهام في الجهود الأمريكية للإصلاح، فإنه على إدارة أوباما أن تفي الآن بوعودها، ما يعني معالجة المسائل الرئيسة المرتبطة بمعتقل جوانتانامو والمتعلقة بالاحتجاز والترحيل القسري وتعذيب المعتقلين. وهي القضايا التي كانت موضوع ندوة عقدت في واشنطن العاصمة في الخامس عشر من يونيو الماضي تحت عنوان (استعادة المصداقية في حقوق الإنسان والديمقراطية)، بمشاركة كل من إيساندر العمراني Issander El Amrani ، المحلل والكاتب المقيم بالعاصمة المصرية القاهرة، والذي كان معنيًا بتقديم وجهة نظر العالم العربي تجاه القضية. بينما تناولت كل من كلوديا هيليبراند Claudia Hillebrand، وهيثر هيرلبرت Heather Hurlburt، الأمر من منظور أوروبي وأمريكي.

وتمثلت النتيجة الأساسية التي توصل إليها الخبراء الثلاثة، في أن استعادة المصداقية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية لن تكون عملية سريعة أو سهلة، ليس فقط بسبب صعوبة القضايا التي تواجهها، بل أيضًا بسبب المعوقات السياسية واللوجستية. بحسب موقع تقرير واشنطن.

بوش ومعتقل جوانتانامو

دشنت إدارة بوش الابن، في الثماني سنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما أطلق عليه حينها روبرتو جونزاليس "منظور جديد" يتعلق بالحرب ضد الإرهاب. اعتمادًا على فلسفة هذا المنظور الجديد فإن الاحتياجات الأمنية المزعومة للحرب ضد الإرهاب قد حلت محل القوانين المحلية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان. بعبارة أخرى أصبحت الاعتبارات الأمنية تحظى بالأولوية المطلقة حتى على حساب احترام القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان. ومن ثم تآكلت الإجراءات الخاصة بضمان المحاكمة والمعاملة العادلة للمحتجزين بشكل كبير خلال هذه الفترة، استنادًا على أيديولوجية تبرر استخدام أي وسيلة للحرب على الإرهاب. وكانت النتيجة تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة بشكل كبير.

وكما ذكر الرئيس أوباما الأمريكيين مرارًا، فإن انتهاكات حقوق الإنسان والتي أعقبت العام 2001 قد أدت إلى الإضرار بالأمن القومي الأمريكي. وتحول خليج جوانتانامو إلى أداة تجنيد قوية للشبكات الإرهابية، ناهيك عن الضرر الذي أحدثه بصداقات واشنطن في جميع أنحاء العالم. وكان العالم العربي أكثر مناطق العالم شعورًا بـ"نفاق" الولايات المتحدة (تبنيها لخطاب مدافع عن حقوق الإنسان في الوقت الذي تقوم فيه بانتهاك هذه الحقوق)، وتتضح خطورة هذا الأمر من أن الولايات المتحدة لا تحتاج لكسب احترام منطقة أكثر من حاجتها لكسب احترام العالم العربي.

ورغم أن إدارة أوباما قد أعلنت عزمها على بدء فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، فإنه من المستحيل، كما يشير العمراني، التقليل من حجم الدمار الذي تسببت به إدارة بوش الابن، فدعوة أوباما لبدء صفحة جديدة قد قوبلت في منطقة الشرق الأوسط بـ"التفاؤل الحذر"، حيث الخبرة السيئة جدًّا لدى شعوب هذه المنطقة من تدخل الولايات المتحدة في المنطقة تتطلب معالجتها أكثر من مجرد "خطابات جوفاء" أو "حلول سطحية"؛ فعلى الولايات المتحدة أن تثبت مصداقية وعودها عبر السياسات الفعلية إذا كانت تأمل في الحصول على الدعم.

وقد يساعد إغلاق معتقل جوانتانامو في غضون عام، في إثبات جدية سعي الولايات المتحدة ومصداقياتها. لكن إغلاق معتقل جوانتانامو، حسبما تشير "هيثر هيرلبرت" المدير التنفيذي لشبكة الأمن الوطني، وإحدى الكتاب السابقين لخطابات الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، قد يكون أكثر صعوبة مما كان متوقعًا. فبرغم أن مهلة سنة تبدو فترة زمنية مناسبة، فإن التركة التي ورثتها إدارة أوباما ثقيلة.

المعضلة اللوجستية لغلق المجتمع

وأشارت هيرلبرت إلى المدى التعقيد اللوجستي الذي يعتري قرار إغلاق معتقل جوانتانامو، فعلى سبيل المثال لم يكن هناك ملفات شاملة عن سجناء جوانتانامو قبل عام 2009. وكانت المعلومات الخاصة بكل سجين، والتي تم جمعها من خلال الاستجواب أو التحريات، مبعثرة في مواقع وإدارات مختلفة. وبناء على ذلك سيكون من الصعوبة تحديد مَن مِن السجناء يشكل تهديدًا خطيرًا للولايات المتحدة ومن لا يشكل، وربما يستغرق هذا وقتًا طويلاً أيضًا.

وإضافة إلى هذه العقبات اللوجستية، فإن هناك انقسامًا حادًّا بين أفرع الحكومة المعنية بحقوق الإنسان والأمن الوطني. ففي حين يرى البعض ضرورة التركيز على اعتبارات الدفاع، يرى البعض الآخر أهمية التركيز على المبادئ والقيم الأمريكية. ولأن أحدًا لا يملك معلومات إحصائية مثل نسبة المحتجزين المفرج عنهم والذين عادوا إلى ممارسة الإرهاب مرة أخرى، يصبح النقاش عالقًا بين مجموعة من الآراء والمصالح الفئوية. ومن ثم قد تستغرق إدارة أوباما بعض الوقت في سبيل الوصول إلى توافق.

وكغيرها من القضايا موضع الاهتمام داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تعرضت قضية إغلاق معتقل جوانتانامو إلى قدر لا بأس به من التلاعب السياسي، فقد عملت قوى المعارضة على المبالغة في خطر السجناء، ما جعل من قبول السياسيين استضافة السجناء على أراضي ولاياتهم نوعًا من الانتحار السياسي. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يحتاج تعاونًا دوليًّا، لأنه لا يمكن استضافة كل السجناء في المنشآت الأمريكية، وهو ما سيتطلب بدوره موافقة حلفاء الولايات المتحدة على إجراءات النقل والاعتقال، وسيستغرق ذلك وقتًا أطول قد يؤدي إلى مد الوقت المحدد لإغلاق المعتقل.

المعضلة الأخلاقية

وعلى الرغم من العقبات اللوجستية والسياسية التي تعقد من عملية إغلاق جوانتانامو، فإن الأمر الأكثر إثارة للجدل هو "المعضلات الأخلاقية" التي ينطوي عليها. فإيجاد توازن بين الأمن وحقوق الإنسان أمر ضروري لأية دولة، بل ويعتبر مسألة أساسية بالنسبة للهوية الوطنية، وعامل هام في تحديد السياسات. وعلى الرغم من أن المصالح الاستراتيجية والأخلاق لا يُستبعد بعضها بعضًا، فإن الاعتبارات الخاصة بالدفاع قد تأتي على حساب حقوق الإنسان، والعكس بالعكس.

وفي السنوات الثماني التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، طغى الخوف على سياسة الولايات المتحدة، وتم إضعاف نظام الرقابة والتوازن، وتضررت سلامة النظام القضائي وتآكلت المصداقية الأمريكية سواء كقائد أخلاقي أو كدولة ديمقراطية. وأصبح خليج جوانتانامو مرادفًا لاستخدام التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.

الترحيل القسري

وبرغم أن الترحيل القسري للمشتبه بهم هو "وسيلة خرقاء"، كما يشير الدكتور دانيال بايمان Daniel Byman أحد كبار الباحثين في مؤسسة بروكينجز في جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فإنها تعتبر "أداة حيوية لمكافحة الإرهاب". ونتيجة لذلك لابد أن يتم ترحيل المشتبه بهم بصورة أكثر شفافية وأكثر انسجامًا مع حكم القانون من أجل تقليل التكاليف البشرية والدبلوماسية.

وفي حين أن الترحيل القسري ليس بالأمر الجديد (وقعت أولى عملية للاعتقال والترحيل القسري في عام 1987. ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 2001، لم تحدث سوى 70 عملية ترحيل قسري)، فإنها تحولت في الآونة الأخيرة إلى قضية سياسية. فالخوف المتزايد من الإرهاب في أعقاب هجمات العام 2001 قد أدى إلى مزيد من عمليات الاعتقال والترحيل القسري، ما أدى إلى تآكل الرقابة واحترام سيادة القانون. وعقب أحداث سبتمبر 2001، تزايدت عمليات تسليم المشتبه بهم حيث تُشير التقديرات إلى تسليم أكثر من 100 من المشتبه بهم.

ومن السابق لأوانه معرفة أي نوع من الترحيل القسري ستتبناه إدارة أوباما. وتتجاهل الإدارة الجديدة احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في الخارج في سياستها الخاصة بالترحيل، لن يؤدي ذلك فقط إلى وصم الولايات المتحدة بالنفاق، بل إنه يتعارض بشكل تام مع مصالحها الأمنية على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن تسليم المعتقلين قد يكون أداة حاسمة لضمان الأمن، ومن غير المرجح أن يتم إلغاؤه كليةً، فإنه لابد من وضعه في إطار نظام من الرقابة والشافية والتنظيم.

وعلى المنوال ذاته، لابد من إعادة النظر في ممارسات من قبيل الاحتجاز الوقائي (حبس المتهمين الذين يشكلون تهديدًا للأمن القومي من دون محاكمة) واحتجاز السجناء في الخارج. وهناك دلائل تُشير إلى أن إدارة أوباما تتفهم الحاجة إلى الإصلاح، وأهمية وجود إطار قانوني لضمان اتخاذ الإجراءات الملائمة.

ومع ذلك، لا يمكن لأي بلد أن تحفظ أمنها الوطني على نحو فعال من دون تكلفة، لكن تحقيق التوازن هو أمر ممكن بشكل يضمن السلامة العامة ويحمي حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه. ويشير النقاش والجدل الذي شهدته الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة إلى أنه لن تكون هناك حلول سهلة أو سريعة. ولا يرجع ذلك إلى غياب القناعة لدى الأمريكيين لكن لأن الأمور شديدة الأهمية مثل الأخلاق الوطنية والاعتبارات الأمنية تتطلب نقاشات مفتوحة وعادلة. وكما يشير العمراني، فإن هذه المسائل المعقدة لم تشرح بشكل كافٍ للعالم الخارجي، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. ومن ثم فإنه "من خلال إعادة النقاش إلى المجال العام، سيكون بوسع الإدارة الجديدة إيجاد حلول ترضي الرأي العام على الصعيدين المحلي والدولي.

أوباما ومعضلة غلق جوانتنامو

في الثاني والعشرين من يناير الماضي (2009) أمر الرئيس "أوباما" بإغلاق معتقل "جوانتنامو" مع بداية العام القادم (2009). فبدلا من أن يكون معتقل جوانتنامو أحد آليات مكافحة الإرهاب أضحى لسياسات الإدارة السابقة وأساليب استجوابها للمحتجزين رمزِا على الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان وأحد أدوات "القاعدة" لتجنيد إرهابيين لصالحها. فيرى أوباما أن المعتقل أضعف الأمن الأمريكي وعمل على إضعاف رغبة حلفاء واشنطن في التعاون معها في مقاتلة الإرهاب.

وفي حقيقة الأمر، إن التوجه الأمريكي للإفراج عن عدد من معتقلي جوانتنامو لا يعد ميزة ستتفرد بها إدارة الرئيس "أوباما"، فقبل توليه سلطة حكم الولايات المتحدة أُفرج عن مائة وخمسة وعشرين معتقلا من جوانتنامو في عهد إدارة بوش، ولهذا أكد في خطابه عن الأمن القومي الذي ألقاه في الحادي والعشرين من مايو الماضي من متحف الأرشيف القومي بالعاصمة الأمريكية على أن ثلثي المعتقلين أطلق سراحهم قبل أن يسلم رئاسة الولايات المتحدة ويأمر بغلق المعتقل.

وبموازاة قراره بغلق معتقل جوانتنامو أمر "أوباما" بمنع استعمال أساليب الاستجواب القاسية مثل الإيهام بالغرق، والتي رأى فيها أنها تقوض حكم القانون، وتتنافى مع القيم والمبادئ والوثائق الأمريكية الموجودة بالقاعة التي تحدث منها وهي: إعلان الاستقلال، والدستور، ووثيقة الحقوق. ناهيك عن أنها تؤدي إلى تزايد كراهية العالم للولايات المتحدة والى تجنيد مزيدٍ من الإرهابيين، وتزايد رغبتهم في مهاجمة الولايات المتحدة، وتراجع الإرادة الدولية التي التعاون مع الولايات المتحدة.

في ظل الجدل الأمريكي حول مصير معتقلي جوانتنامو الذين يبلغ عددهم 240 معتقلا، وكيف ستتعامل الإدارة معهم، قسم أوباما في خطابه عن الأمن القومي الأمريكي هؤلاء المعتقلين إلى خمس فئات أسياسية، هي:

الفئة الأولى: المعتقلون المخالفون للقوانين الأمريكية الجنائية والذي سيحاكمون أمام المحاكم الفيدرالية. وهي المحاكم التي نص عليها دستور الولايات المتحدة. وفي رد على المقللين من قدرة المحاكم الفيدرالية على محاكمة الإرهابيين أشار أوباما إلى عدد من حالات محاكمة إرهابيين أمام المحاكم.

الفئة الثانية: المعتقلون الذين يخالفون قوانين الحرب. وأفضل طريقة لمحاكمتهم ـ حسب أوباما ـ هي اللجان العسكرية. ويرجع تاريخ اللجان العسكرية إلى "جورج واشنطن" وحرب الثروة. مثل تلك اللجان تمكن من حماية المصادر الحساسة وأساليب جمع المعلومات الاستخباراتية، والتي لا تكون فاعلة في حال تقديمها أمام المحاكم الفدرالية.

الفئة الثالثة: المعتقلون الذين أمرت المحاكم الأمريكية بالإفراج عنهم. وفي هذا الصدد يقول "أوباما": إن هذا ليس له علاقة بقراره إغلاق المعتقل ولكنه يعود إلى حكم القانون. فيشير إلى أن المحاكم وجدت أنه ليس هناك مبرر قانوني لحجز 21 محتجز حاليًا في جوانتنامو. عشرين من تلك القرارات تمت قبل أن يصل أوباما إلى البيت الأبيض. وبما أن الولايات المتحدة بلد القانون، فإنه لزامًا عليها الالتزام بما يصدر عن محاكمها.

الفئة الرابعة: المعتقلون الذين سينقلون إلى بلدان أخرى. فيشير أوباما إلى أن فريقه المختص بمراجعة القضايا وافق على نقل خمسين معتقلا، والى أن إدارته تجري اتصالات مستمرة مع البلدان الأخرى لنقل المعتقلين إليها لاستمرار اعتقالهم أو إعادة تأهيلهم.

الفئة الخامسة: المعتقلون الذين يشكلون خطورة كبيرة على الولايات المتحدة والذين لم يحاكموا بعد. وهم الذين تلقوا تدريبات مكثفة على المتفجرات في معسكرات القاعدة والذين قادوا مجندي طالبان في معارك ضد الولايات المتحدة والذين يدينون بالولاء إلى زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لان" والذين أعلنوا صراحة عن رغبتهم في قتل الأمريكيين، فهؤلاء مازالوا في حرب مع الولايات المتحدة ـ حسب خطاب أوباما ـ وكثير من الأمريكيين من الحزبين الكبيرين. وهؤلاء لا يريد "أوباما" الإفراج عنهم.

جدل حول غلق جوانتنامو

تثير سياسات أوباما وقراره بغلق المعتقل جدلا بين الحزبين الكبريين، الديمقراطي والجمهوري، والتي كانت جلية في رفض الكونجرس تمويل قرار أوباما لغلق مفاعل جوانتنامو. فقد طلب الديمقراطيون المسيطرون على مجلس الشيوخ تفاصيل أكثر حول خطة أوباما غلق إرث إدارة بوش التعذيبي بأوائل العام القادم. ولذا رفض 90 من أصل مائة سيناتور مقابل موافقة ستة سيناتور على الموافقة على 80 بليون دولار للرئيس لغلق المعتقل.

وقال عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي أنهم سيعدلون من مواقفهم الرافضة لخطة أوباما لغلق المفاعل إلى حين تقديم الإدارة خطة أكثر تفصيلا.

فكثير من أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري عبروا عن رفضهم للإفراج عن إرهابيين داخل الولايات المتحدة. ولكن هذا لا يشير إلى عدم تأييد الديمقراطيين لالتزام أوباما بغلق المفاعل إلا أنهم يرون أن من شأن الموافقة على خطة غير معدة بشكل جيد لإغلاق المعتقل سيصب في مصلحة المعسكر الجمهوري.

هذا الجدل بين الحزبين الكبريين حول سياسات أوباما تجاه قضية الإرهاب، انعكس في الشارع الأمريكي. فعدد من المواطنين الديمقراطيين يؤيدون سياسات أوباما وغلق المعتقل في حيث يرفض الجمهوريون تلك السياسات وغلق المعتقل.

ففي هذا الإطار تقول "ديانا جونز Diana Jones" (68 عامًا) ديمقراطية من تيمونيوم: "من أجل حماية دستورنا من أجلنا وأجل العالم، فإن من المهم غلق سجون جوانتنامو". وتضيف "جونز" المؤمنة بقدرات "أوباما" على مكافحة الإرهاب: "نحتاج إلى أن نعامل الدول الأخرى كما نريد لأن يعاملوننا" وتردف أن استمرار سجون جوانتنامو يعرض الجنود الأمريكيين في الخارج إلى الخطر.

وفي المقابل يرى مواطن جمهوري في سن الخمسين لا يؤمن بقدرات أوباما على مكافحة الإرهاب "أفضل أن أراهم هناك (أي في المعتقل) بدلا من رؤيتهم على أراضينا (في الولايات المتحدة)، إنهم من وجه نظري لا يستحقون المعاملة كأي مواطن عادي، نحتاج إلى جعلهم منعزلين"

ويضاف إلى الجدل الديمقراطي والجمهوري داخل الكونجرس حول قرار أوباما، الحملة التي يقوها نائب الرئيس الأسبق "ديك دشيني" في عدد من قنوات الإخبارية الأمريكية وخطبه والتي كان آخرها بمعهد أمريكان إنتربرايز الأمريكي، والتي تؤكد على أن قرارات وسياسات أوباما خلال أشهره القليلة في البيت الأبيض حيال قضية الإرهاب تضر بالأمن القومي الأمريكي.

تأييد أمريكي لغلق جوانتنامو

أظهرت نتائج استطلاع AP-GfK، أجريت في الفترة من 28 مايو الماضي إلى الأول من يونيو الجاري على ألف مستطلع من جميع أنحاء الولايات المتحدة مع نسبة خطأ 3.1، أن معظم الأمريكيين يؤمنون بقدرات "أوباما" حيث قال 70% إنهم واثقون في قدراته على مواجهة الإرهاب. وبالنظر إلى انتماءاتهم الحزبية أظهر الاستطلاع أن ما يقرب من كل الديمقراطيين وثلثي المستقلين وثلث الجمهوريين واثقون في قدرات أوباما على التعامل مع القضية الإرهابية. وفي استطلاع لشبكة الأخبار (CBS) وصحيفة نيويورك تايمز في الفترة من 22 إلى 26 من إبريل الماضي، وافق ما يزيد عن نصف المستطلعين (55%) على أداء أوباما حيال التهديدات الإرهابية في حين لا يرضى عنها 28%.

وبعد ما يقرب من ثماني سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر مازال هاجس تعرض الولايات المتحدة أو حلفائها لهجوم إرهابي جديد يسطر على المواطن الأمريكي فقد أظهر الاستطلاع أن أكثر من ثلث الأمريكيين مازال يسيطر عليهم هذا الهاجس وهي تلك النسبة التي لم تتغير من خمس سنوات مضت والتي كانت تقف عند 25%.

ويظهر الاستطلاع أن هناك انقسامًا أمريكيًا حول إغلاق مفاعل جوانتنامو حيث تتساوى نسبتا التأييد والرفض لغلق المعتقل واللتين وصلتا إلى 47%. وهذا الانقسام كان جليًا أيضًا بين الحزبين حيث كانت الأغلبية العظمى من الجمهوريين رافضين لغلقه في مقابل موافقة أغلبية الديمقراطيين على غلق المعتقل.

وعن رؤية المواطن الأمريكي حسب الاستطلاع الأخير لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق "ديك تشيني" الذي يقود حملة إعلامية ضد سياسات أوباما التي يرى أنها تهدد الأمن القومي الأمريكي، أظهر الاستطلاع تأييد ربع المستطلعين "تشيني" وهي نسبة مرتفعة عن 13% حصل عليها تشيني في استطلاع سابق عام 2007.

وفي استٌطلاع لصحيفة USA Today بالتعاون مع مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي في الفترة من 29 إلى 31 مايو الماضي وافق 32% على ضرورة غلق المعتقل في مقابل رفض 65% لغلق المفاعل. وفي الاستطلاع ذاته عن سؤال المستطلعين عن رؤيتهم لغلق المعتقل على الأمن القومي الأمريكي رأى 40% أن غلق معتقل جوانتنامو سيعزز الأمن القومي الأمريكي في مقابل 18% يرون أنه سيضعفه في حين يرى 37% أنه لن يكون هناك تأثير لغلق المعتقل على الأمن الأمريكي.

وهذا ما أكد عليه استطلاع شبكة الأخبار (CBS) وصحيفة نيويورك تايمز حيث رأى 23% أن سياساته في تلك القضية ستعزز الأمن القومي الأمريكي أما 19% يرون أنها ضعيفة التأثير في مقابل 49% يقولون إنه لن تكون لها تأثير على الأمن القومي الأمريكي. ويظهر استطلاع لصحيفة USA Todayبالتعاون مع مؤسسة جالوب رفض الأغلبية العظمى (74%) رفضهم لنقل المعتقلين إلى الأراضي الأمريكية في مقابل 23% يؤيدون نقل معتقلي جوانتنامو إلى الولايات المتحدة.

تبرير أمريكي للتعذيب

أظهر استطلاع AP-GfK ارتفاع نسبة تأييد الأمريكيين (52%) الذين يبررون استخدام التعذيب ضد المشتبه فيهم للحصول على معلومات بشأن هجمات إرهابية، وتلك النسبة مرتفعة عن 38% في استطلاع لوكالة الأسوشيتد برس (AP) الأمريكية في عام 2005. وعند النظر إلى الأمريكيين حسب انتماءاتهم الحزبية وتبرير عمليات التعذيب، نجد أنه حسبما أظهرت نتائج الاستطلاع ارتفاعها بين الجمهوريين حيث برر ثلثا الجمهوريين استخدام التعذيب ضد المشتبه فيهم في مقابل ثلث الديمقراطيين.

ويرفض 49% تبرير أساليب استجواب التي انتهجتها إدارتا بوش للحصول على معلومات من المحتجزين في استطلاع شبكة الأخبار (CBS) وصحيفة نيويورك تايمز، في حين برر 37% استخدام أساليب الاستجواب البوشية لحماية الولايات من هجمات إرهابية جديدة.

وعن رؤية الأمريكيين لتشكيل لجنة حزبية للتحقيق في استجوابات الإدارة السابقة مع معتقلي خلال الحرب على الإرهاب أظهر استطلاع Ipsos/McClatchy Poll خلال الفترة من 30 إبريل إلى 3 من مايو الماضيين تقارب نسبتي التأييد الرفض والتي وصلت إلى 19% و18% على الترتيب في مقابل 23% يؤيدون بعض الشيء تشكيل مثل تلك اللجنة.

ويظهر الاستطلاع رفض 84% تقديم مسئولي إدارة "بوش" الذين أمروا باستخدام التعذيب وأساليب الاستجواب ضد معتقلي جوانتنامو مقابل 43% يؤيدون تقديم هؤلاء إلى محاكمات جراء سياساتهم. كما رفض 62% تقديم مرتكبي التعذيب وأساليب الاستجواب التي وافقت عليها الإدارة الأمريكية مقابل 30% يوافقون على تقديمهم إلى القضاء الأمريكي لارتكابهم سياسات تتعارض مع الدستور والمواثيق الأمريكية الرئيسة.

تحدي التنفيذ ومشكلات ما بعد الإغلاق

لم ينه قرار الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو، الجدل داخل الولايات المتحدة حول هذه القضية، بل إن كثيرًا من المحللين الأمريكيين يرون أن القرار الذي اتخذه أوباما لم يكن سوى الجانب الأسهل من المشكلة، إذ تبقى التساؤلات مطروحة حول كيفية تنفيذ الرئيس الأمريكي للقرار الذي اتخذه، ومصير الـ 250 معتقل الباقين في جوانتانامو.

ويمكن القول: إن هناك عديدًا من العقبات تعترض طريق أوباما بشأن إغلاق جوانتانامو، منها ما يتعلق بصعوبة تنفيذ قراره بإغلاق المعتقل، ومنها ما يتعلق بمعضلة ما بعد جوانتانامو، فضلاً عن انقسام الرأي العام الأمريكي بشأن القضية.

انقسام الرأي العام الأمريكي

على الرغم من التأييد العالمي للخطوة التي اتخذها أوباما لإغلاق معتقل جوانتانامو إلا أن هذا القرار لا يحظى إلا بأغلبية ضئيلة لدى الأمريكيين، والذي يُعد أحد التحديات التي سيواجهها أوباما لإغلاق المعتقل. تُظهر استطلاعات الرأي مدى انقسام الأمريكيين بشدة حول أسلوب التعامل الأمثل مع المعتقلين. وتزيد هذه المشكلة وضوحًا عند معرفة أن غالبية الأمريكيين، على اختلاف توجهاتهم، يعتبرون الأمن مقدمًا على أي محاكمة عادلة للمعتقلين، ويعتقدون أيضًا أنه لا يجب منح معتقلي جوانتانامو الصفة القانونية ذاتها التي يتمتع بها السجناء الآخرون داخل الولايات المتحدة.

توضح نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "راسميوسن" Rasmussen هذه الحقائق، حيث أبدى 44% فقط من الأمريكيين تأييدهم لقرار أوباما بإغلاق جوانتانامو خلال عام، مقابل 42% أبدوا اعتراضهم، والباقون (14%) لم يحسموا أمرهم بعد. وفي نهاية نوفمبر العام الماضي (2007) كان 32% فقط من الأمريكيين هم من يؤيدون إغلاق جوانتانامو، مقابل 49% عارضوا الأمر.

كان الديمقراطيون هم الأسرع في تغيير وجهة نظرهم مقارنة بالجمهوريين أو غير المنتمين لأي من الحزبين. ففي نوفمبر من العام الماضي كان 47% فقط من الديمقراطيين يؤيدون إغلاق جوانتانامو، مقابل 79% من الجمهوريين يعارضون. أما في الوقت الحالي فإن 71% من الديمقراطيين يؤيدون إغلاق المعتقل، بينما يعارضه 68% من الجمهوريين.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن الأمنَ ذو أولوية تتقدم على العدالة ومعاييرها ومدى توافرها للمعتقلين، فقد اعتبر 68% من الناخبين أن الأمن مقدم على العدالة، و19% فقط يعتبرون أن للعدالة الأولوية، أما الباقون (13%) لم يحسموا أمرهم بعد. وفي الإطار ذاته يرى 80% من الديمقراطيين أن الأمن مقدم على العدالة، و55% من الجمهوريين، وحوالي 73% من الناخبين غير المنتمين لأي من الحزبين لهم الرأي ذاته. وفي المقابل فإن 27% فقط من الديمقراطيين، 16% من غير المنتمين، و11% فقط من الجمهوريين، يعتقدون أن العدالة مقدمة على الأمن.

وبالنسبة لحقوق المعتقلين، يرى غالبية الأمريكيين أنه لا يجب منح معتقلي جوانتانامو الصفة القانونية ذاتها التي يتمتع بها السجناء الآخرون داخل الولايات المتحدة، فحوالي 69% من الأمريكيين، حسب استطلاعات للمعهد ذاته، يعتقدون أن "الإرهابيين المشتبه بهم" لا يجب أن يتم إعطاؤهم كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الأمريكيون، مقابل 16% فقط يعترضون على ذلك، و15% غير متأكدين.

وتظهر الاستطلاعات أن الديمقراطيين أقل معارضة لمعاملة المعتقلين مثل المواطنين الأمريكيين من الجمهوريين وغير المنتمين لأي من الحزبين، فـ 59% منهم يوافقون على ذلك، بينما 84% من الجمهوريين و64% من غير المنتمين لأي من الحزبين يعارضون مثل هذا الأمر.

وفي السياق ذاته، فإن 26% فقط من الأمريكيين يرون أن المعتقلين يجب محاكمتهم في محاكم أمريكية مقابل 59% يؤيدون نهج إدارة بوش الابن في محاكمة المعتقلين في محاكم عسكرية، و16% غير متأكدين. فـ 67% من الجمهوريين و66% من غير المنتمين يرون أن المعتقلين يجب محاكمتهم في ظل محاكم عسكرية، أما الديمقراطيون فمنقسمون بشدة بخصوص هذا الأمر، فبينما يعتقد 64% منهم أن المحاكمة العسكرية شيء جيد، فإن 35% يرون أنه يجب محاكمة المعتقلين في المحاكم الأمريكية.

صعوبة التنفيذ

بجانب انقسام الرأي العام الأمريكي حيال قرار أوباما لإغلاق معتقل جوانتانامو، يرى ماثيو واكسمان Matthew Waxman، الأستاذ بكلية كولومبيا للقانون والذي شغل مناصب رفيعة في وزارتي الخارجية والدفاع، أن أولى التحديات التي سيواجهها أوباما في هذا الصدد تتمثل في كيفية تنفيذ أوباما لقراره بشأن إغلاق جوانتانامو.

ففي مقال له بعنوان "إغلاق جوانتانامو أصعب مما تتخيل" Closing Guantanamo is way harder than you think نُشر على موقع مجلة السياسة الخارجية foreign policy بتاريخ 21 من يناير 2009، أشار واكسمان إلى أن إعلان أوباما نيته إغلاق معتقل جوانتانامو هو فقط الجزء الأسهل من المشكلة، إذ يبقى التنفيذ، وهو أمر مختلف كليةً عن إبداء النية فقط.

وتتجلى أحد صعوبات التنفيذ هذه في فئة من المعتقلين تعتبرهم الإدارة خطيرين للغاية، ولكن في الوقت ذاته ليس بوسعها اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم؛ نظرًا لعدم توافر الأدلة أو لعدم اعتراف المحاكم الأمريكية بها في حال توافرها. خاصة مع الدفع باحتمال أن تكون هذه الأدلة انتزعت بممارسات غير قانونية.

وتشكل هذه الفئة، حسبما يشير واكسمان، معضلة حقيقية أمام الرئيس أوباما، إذ أن محاكمتهم أمام المحاكم الأمريكية قد يؤدي إلى الإفراج عنهم بدعوى عدم كفاية الأدلة أو أنها تمَّ انتزاعها بطرق غير مشروعة. ويضرب مثالاً على ذلك بإسقاط المحاكم الأمريكية الاتهامات ضد "محمد القحطاني"، المتهم رقم عشرين في قائمة المختطفين، بدعوى المعاملة السيئة من قبل المحققين، ويعتبر واكسمان هذه القضية نموذجًا للصعوبات التي ستواجه أوباما في هذا الإطار.

وتأكيدًا لرأيه، يُوضح واكسمان أنه رغم الخبرة التي اكتسبتها المحاكم الأمريكية في التعامل مع قضايا الإرهاب، كنتيجة مباشرة للعمل بـ"القانون الجنائي ضد الإرهاب" criminal statutes for terrorism منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإن المعلومات التي تقدمها الإدارة، والتي تؤكد ارتباط بعض المعتقلين الخطرين بتنظيم القاعدة، قد لا تكون مقبولة أو مفيدة في المحكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/آب/2009 - 12/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م