الاعلام يعالج ظاهرة الطائفية بنفس طائفي!

جمال الخرسان

قبل ست سنوات لم يكن للعراق الا قناة فضائية واحدة ومجموعة قليلة جدا لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة من الاذاعات الرسمية للنظام السابق او اذاعات المعارضة خارج العراق، الى جنب كم قليل من الصحف الورقية، اما اليوم فان وسائل الاعلام العراقية اكثر من ان تحصى، حيث هناك اكثر من 50 قناة فضائية ومئات الصحف والمجلات الورقة والالكترونية الى جنب كم غير مسبوق من الاذاعات.

وسائل الاعلام العراقية الرسمية وغير الرسمية متنوعة حد التباين في طبيعة تعاطيها مع الاحداث والمتغيرات السياسية .. الا ان الطيف الاكبر من بين وسائل الاعلام العراقية يلتقي من حيث يشعر او لا يشعر في نقطة واحدة الا وهي تقديمه للنقد السياسي على طبق من المحاصصة الطائفية! حتى اذا كان ذلك الخطاب الناقد يستهدف معالجة ظاهرة المحاصصة الطائفية او الحزبية، فيما لا يخفى على الجميع ان النقد السياسي يرتكز في طبيعته على  مجموعة من الاسس والضوابط ..  من بينها التوازن والحيادية في الطرح، واذا ما كانت وسائل الاعلام الحزبية والجهوية ترتكز في ابعاد نقدها على هفوات الخصوم وتعمل لصالح اطراف بعينها فتلجأ في مقابل ذلك الى تلميع صورة الطرف الذي تدعو اليه فان وسائل الاعلام المستقلة لاتمتلك ايّ مبرر اذا ما حاولت ان تكون منحازة لطرف على حساب الاطراف الاخرى، فهذا ما يلقيها في احضان جهة بعينها وتصبح بعيدة كل البعد عن الاستقلالية التي اصبحت شعارا دعائيا للعديد من وسائل الاعلام.

هذه المشكلة ليست مقتصرة على المادة المقدمة في البرامج السياسية الحوارية بل ايضا تشمل المنتج الاعلامي الترفيهي كذلك المسلسلات الدرامية او الكوميدية او ماشابه ذلك.

فهناك وسائل اعلام تعلن عن نفسها بانها (مستقلة) لكنها في ذات الوقت تنتقد وزارات بعينها  فيما تلمع او على الاقل تسكت عن الوزارات الاخرى التي تعاني العديد من الظواهر السلبية الخطيرة جدا. وهناك اعلام يسلط الضوء على بلدان معينة يتهمها بالتدخل السلبي في الساحة العراقية فيما يصمت صمتا مطبقا عن البلدان الاخرى التي تعبث في العراق بشكل لا يقبل الشك!

من وجهة نظر بعض الفضائيات فان العديد من الجهات السياسية عملية لانها مرتبطة بالدولة الفلانية، فيما جهات اخرى  وطنية جدا لانها مرتبطة بالدولة الاخرى ! جهات اعلامية تصرخ عاليا متظلمة من تدخلات دول الجوار ولكنها في نفس الوقت تطالب البلدان العربية بضرورة التدخل بالشأن العراقي تحت ذرائع لا تعد ولا تحصى!

الامثلة من هذا النوع كثيرة جدا وهي واضحة امام جميع كل من يحاول رصد المنتج الاعلامي العراقي خلال الفترة الاخيرة رغم ان الاستثنائات لن تكون غائبة في كل الاحوال.

لكن ما يعول عليه هو ان يفرز هذا الطيف الاعلامي الذي تتخلله في كثير من الاحيان ملامح من الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة ان يفرز في الفترة القادمة مزيدا من وسائل الاعلام المتوازنة التي تشكل حاليا نسبة ضئيلة من اجمال الفضاء الاعلامي العراقي المتزايد.

* كاتب عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/آب/2009 - 12/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م