العراقيون ومشاريع اوباما

مازن الياسري

يهلل العالم في كل مكان اينما حط ركب الرئيس الامريكي اوباما، ويرى الكثيرون ان امريكا الحرة التي قدمت المبادئ النبيلة قد تعود لمبادئها مع الرئيس الشاب، الذي اعلن حيثما ذهب انه مع الديمقراطية والتنمية والتطوير، وما الى ذلك من شعارات جميلة، بعيداً عن دلالات الحرب التي لفت رؤساء امريكان سابقين.. ويبدوا ان ايجابية مطالب اوباما وشعاراته وخططه  سرعان ما حولته لحديث الجميع حول العالم، رغم ذلك فأن اراء اوباما ومشاريعه العالمية لم تجد الاذن الصاغية داخل العراق.

الرئيس الاهم في العالم استهل اولى رحلاته الخارجية في ولايته الرئاسية  الحالية.. بأن زار العراق.. ليعطي عدة رسائل للعالم والمنطقة.. وكانت المحصلة تشكيكات وعدم ثقة بأطروحات الرجل والاهم من ذلك هجمة اعلامية عربية على الرئيس الضيف والحكومة العراقية المضيفة، وما هي الا مدة قصيرة حتى قصد اوباما السعودية ومصر.. والمفاجئة كانت في حفاوة الاستقبال الرسمي والشعبي.. وطموح الجميع بتغيرات ستراتيجية بين العلاقات الامريكية – العربية.. وهنا هل لي في سؤال، لماذا هوجم الرجل عندما زار العراق ولماذا هوجم من استقبله.. ومن نفس المهللين بأستقباله في بلدانهم ؟

لعل الجواب واضح فنحن ادرى بدول المنطقة حكاماً وشعوباً، ولكن مشكلتنا بأننا ننساق وراء ما نعلم انه تحريف اوتشويه اوضحك على الذقون.. اننا نعاني مما هوراسخ في الذهنية العراقية.. نعم انه احد ثوابت الفكر العراقي.. ويجتاز في ثبوته حتى الانتمائات العراقية الثانوية كالقوميات والاديان والمذاهب.. ذلك هوالايمان بشبح خيالي اسمه (نظرية المؤامرة).. فكل ما حولنا من عالم ودول وشعوب وقوى دولية متأمرة ضدنا.. وحتى في داخل بلدنا هنالك من يتأمر علينا.. وكم كان يتكرر في العهد الماضي تعبير (اعداء الشعب واعداء الثورة واعداء العراق) حتى بتنا لا نرى صديقاً واصبح الجميع اعداء.. وبلا شك ان ترسيخ نظرية المؤامرة في العقلية العراقية، يتحمل النظام السياسي العراقي السابق الكثير فيه، عندما حول البلاد الى شبكة بوليسية يخشى الاخ ان يكلم اخاه خوفاً من ان يكون اخاه يعمل في المخابرات !

بالمحصلة فعقدة المؤامرة حولنا، راسخة ومعشعشة في اذهاننا.. ولكن الا يجدر بنا المراجعة احياناً.. ثم لما نضيع الفرص دوماً ونحن بلد تعترف حكومته ان خزانته بحاجة للدولار الواحد.. ورغم كل ما يملكه من موارد فلا زال اقتصادنا متردي واداراتنا حبلى بأوبئة الفساد والمحسوبيات.. لماذا لا يجري استغلال ايجابي للعلاقات العراقية – الامريكية.. ولماذا لا يجري مطالبة الرئيس اوباما بأن يقدم المبادرات والدعم المالي كما يقدمه هذه الايام في قمة العشرين وفي جولته الافريقية.. في السابق علاقتنا مع الولايات المتحدة كانت وفق نظرية العداء والتشويه..

ومع دخول القوات الامريكية لبغداد وازالة النظام الدكتاتوري قلنا ان الولايات المتحدة احتلال.. الامريكان انسحبوا اليوم وفي غضون عامين سيخلي العراق منهم تماماً، ويعيشون عصراً سياسياً جديداً مع رئيس طموحه الوحيد ان يصنع ركيزة ثابتة لمجتمع دولي متعاون ومستقر.. فلما ندع الفرص تذهب عنا ونحن بحاجة للتنمية والتطوير وتوفير فرص العمل.. في حين ان دولاً من المنطقة ما انفكت تحمل الحطب لاستمرار سعير النار العراقية.. وعلى الجانب الاخر تصرح وبفخر ان علاقتها مع الولايات المتحدة كالزواج الكاثوليكي لا طلاق فيه !

اوباما يكرر في خطبه السياسية وخاصة الموجهة لشعوب الشرق الاوسط انه يسعى للتعاون في حقول (الديمقراطية، مكافحة الفقر والمرض، والتنمية الاقتصادية، وتنمية المرأة والتطور التقني)، وكل هذه الملفات نحن بحاجة ماسة لها.. فبلدنا يعاني من اضطراب في الفكر الديمقراطي الذي يعزز مشاركة الجميع ولا يهمش احداً، كما يعاني من كارثية الخدمات وما يتبعها من سوء الواقع العلمي والصحي.. بالتالي تفشي الفقر والمرض والجهل، واقتصادنا عاجز عن ايجاد الحلول وعقود النفط تغلف صفحات الجرائد ومواقع الانترنيت دون ان تكتمل.. ففي بلد النفط تستعر الازمات من اجل الحصول على غالون من النفط، والمرأة العراقية التي تمثل ما يزيد عن نصف السكان معطلة وغير فاعلة وليس هنالك ما يسير نحو تطويرها.، نعم ان مشكلات بلادنا كثيرة.. ولن تحل دون معاونة المجتمع الدولي والاقتصاديات الدولية والتقنيات الحديثة.. وها نحن امام فرصة سانحة ونحن نرى الرئيس الامريكي الجديد يطرح الافكار والمشاريع والدعم الدولي.. ويضع العراق في اولوياته كحليف وليس تابع.

يجب ان توضع نظريات المؤامرة والريبة جانباً.. ويجب ان يكون هنالك توجه عراقي كامل نحوالخروج من عنق الزجاجة.. وخاصة مع التوجه الدولي الجديد ضمن محور السلام والتطور.. ولنأخذ العبرة مما يجري اليوم في افريقيا.. ويجب ان ندرك ان الشراكة الامريكية مع العراق في ميادين التعاون والتي يسعى لها الرئيس اوباما ونحن نعطيها ضهرنا.. هي نقطة نظام يتوقف لديها كل دول المنطقة ليعبروا عن الحسد والحسرة لما تقدمه امريكا للعراق وليس لبلدانهم ونحن لا ندرك ذلك.

www.alyasery.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آب/2009 - 11/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م