أحداث ايران: سيناريو بني صدر حلٌ لأزمة طهران وبدء محاكمة المحتَجّين

صراع في القمة ونجاد بين مطرقة الاصلاحيين وسندان المحافظين

 

شبكة النبأ: فيما كشفت مصادر إيرانية مطلعة عن ان احد الخيارات المطروحة لمواجهة تداعيات الازمة المحتدمة منذ اعلان فوز الرئيس نجاد بولاية ثانية وايجاد حل نهائي يقنع الاصلاحيين بتخفيف ضغوطهم على المرشد علي خامنئي هو عزل الرئيس نجاد في سيناريو شبيه بعزل اول رئيس للجمهورية بعد الثورة ابوالحسن بني صدر. انطلقت من جهة ثانية أمام محكمة ثورية في العاصمة الايرانية طهران، محاكمة عدد من الذين شاركوا في التظاهرات المعارِضة لإعادة انتخاب نجاد رئيسا للبلاد، واوردت ذلك وكالة (ايرنا) الايرانية الرسمية إلا ان الوكالة لم تذكر عدد المتهمين الذين مثلوا أمام المحكمة.

واشارت المصادر الى ان قرار عزل بني صدر في بداية الثورة الايرانية كان قد عزّز موقع مرشد الثورة وأعاد تماسك قيادة الثورة. واضافت المصادر ان هذا الخيار سيتم بالتوافق مع زعيم الاصلاحيين مير حسين موسوي الذي يسعى مع حلفائه الى اجراء انتخابات رئاسية جديدة.

ويشار الى شعبية نجاد كما ان علاقته مع المرشد خامنئي تزعزعت اثر تلكئه في تنفيذ رسالة المرشد باقصاء رحيم مشائي عن منصب نائب الرئيس. وقد اكد نجاد في تصريحات على علاقة الثقة التي تربطه بالمرشد قائلا ان علاقة محبة وثقة كتلك القائمة بين «أب وابنه» تربطه بخامنئي بعد مطالبة المحافظين له بالامتثال لاوامر هذا الاخير. بحسب تقرير نشرته جريدة الوطن.

من ناحية ثانية اتهم وزير خارجية إيران منوشهر متكي مجددا بريطانيا ودول الغرب «بالتواطؤ في الجرائم» التي ارتكبت اثناء أعمال العنف عقب الانتخابات الرئاسية.

وصرح متكي في حديث نقله تلفزيون الدولة ان «الدول الغربية والاوروبية تدخلت عبر وسائلها السرية او العلنية في الانتخابات الإيرانية والابرز من بينها بريطانيا».

وقال ان «الدول التي تدخلت في الانتخابات عبر تلفزيوناتها، وعبر شرح كيفية اثارة اعمال الشغب، وكيفية صنع المتفجرات والتحريض على اعمال اخرى عبر اثارة التوتر، كلها متواطئة في كل الجرائم وعمليات القتل المرتكبة، وهي مسؤولة عنها».

صراع في القمة وأحمدي نجاد مُحاصر

وكتبت مجلة "الايكونومست" البريطانية تعليقا على الأزمة الايرانية تناول الصراعات في قمة السلطة وتداعياتها المحتملة على مستقبل الرئيس محمود احمدي نجاد. وجاء في التعليق: كان الاسبوعان الماضيان فترة عصيبة على الرئيس الايراني المحاصر محمود احمدي نجاد. فان مير حسين موسوي أثبت كونه خصما عنيدا على غير المتوقع متهما حكومة احمدي نجاد بطائفة من الجرائم ضد الشعب الايراني.

وفي خطبة الجمعة التي القاها اكبر هاشمي رفسنجاني في جامعة طهران وصف الرئيس السابق وأحد غرماء احمدي نجاد الرئيسيين ما يجري في البلاد بأنه "ازمة". ودعا محمد خاتمي ، وهو ايضا رئيس سابق ، الى استفتاء على نتائج الانتخابات الرئاسية المطعون بها. والآن ، قبل ايام على تنصيبه لولاية ثانية ، أثار احمدي نجاد على نفسه غضب جمع من المحافظين الأقوياء الذين كان يعتمد عليهم في السابق بوصفهم حلفاء.

واضافت الصحيفة، يدور النزاع الأحدث في هذه التطورات حول قرار احمدي نجاد الذي لم يعمر طويلا بتعيين نائب رئيس. فان اسفنديار رحيم مشائي يكاد يكون من افراد العائلة (ابنته متزوجة من نجل الرئيس) ولكنه العام الماضي أغضب المحافظين بإشارته الى ان الشعب الاسرائيلي يمكن ان يكون صديق ايران. وعندما اختاره احمدي نجاد لمنصب نائب رئيس الجمهورية لم يتوان مرشد ايران الاعلى آية الله علي خامنئي عن ابلاغ الرئيس أن يقيل صديقه. فانصاع احمدي نجاد على مضض لكنه اقدم في خطوة تتسم بالتحدي على تعيينه مديرا لمكتبه.

وتابعت الصحيفة، لعل الرئيس كان يحاول ان يبين ان له تفكيره المستقل وقاعدته الجماهيرية. ولعله كان يسعى الى تخدير خصومه الاصلاحيين بأن يُري العالم انه ليس متعصبا تجاه اسرائيل كما كان يوحي في احيان كثيرة بتصريحاته. وإذا كانت هذه خطته فانها باءت بالفشل. وبعد ان أخفق في ضمان تعيين صاحبه نائبا للرئيس خسر وزير الثقافة والارشاد الاسلامي الذي سرعان ما قدم استقالته. ثم قام احمدي نجاد بعزل وزير الاستخبارات الذي انتقد تعيين مشائي.

واضافت الصحيفة، في خطبة الجمعة بعد اسبوع على مداخلة رفسنجاني العدائية تلقى الرئيس صفعة من احد انصاره المحافظين آية الله احمد جنتي الذي يرأس مجلس صيانة الدستور ذا الصلاحيات الواسعة. فان رئيس المجلس حذر احمدي نجاد من إغضاب خامنئي. وكان البعض قد جادل بأن المرشد الأعلى بدا ضعيفا في الاسابيع القليلة الماضية ولكن هذه الواقعة تأتي تذكيرا بأنه ما زال صاحب سطوة. وبعد تصريحات جنتي وقع ثلثا اعضاء البرلمان الايراني الذي له سابقة في اجهاض مشاريع الرئيس ، على رسالة تطالب احمدي نجاد بترتيب اموره والامتثال لمشيئة خامنئي.

هذه ليست بأي حال المرة الأولى التي يواجه فيها احمدي نجاد معارضة من داخل معسكر المحافظين. فان شعبويته النارية الحدية كانت منذ زمن طويل مصدر ازعاج لحلفائه المحافظين الأكثر برغماتية. كما ان المتشددين ليسوا دائما متحمسين له. وان جناحا واحدا على الأقل له ارتباطات بميليشيا الباسيج اعلن انه يريد انتزاع السلطة من احمدي نجاد مقترحا ترشيحاته المفضلة للمناصب الحكومية.

في الماضي كان الرئيس يراهن على دعم خامنئي الثابت في حمايته من الانتقادات. ويُقال ان مجتبى خامنئي نجل المرشد الأعلى الصاعد الذي يبدو ان لديه مطامح في وراثة والده ، يدعم احمدي نجاد بصفة عامة. لذا ما زال لدى الرئيس حلفاء اقوياء. مع ذلك فان هذه الصراعات داخل المؤسسة في هذا الوقت بالذات قد تكون أشد تأثيرا على مستقبل ايران من الاحتجاجات في الشارع.

ايران تتهم حكومات اجنبية بالوقوف وراء التظاهرات والاحتجاجات

وكانت ايران قد كررت انتقادها حكومات اجنبية واتهامها بالتواطؤ والتسبب في سقوط القتلى خلال اعمال العنف التي اندلعت اثر الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في 12 حزيران/يونيو في ايران.

وتاتي الاتهامات التي اطلقها وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي بعد يوم من اشتباكات دامية بين الاف المحتجين وشرطة مكافحة الشغب في وسط طهران وفي الوقت الذي تستعد الجمهورية الاسلامية لمحاكمة نحو 30 متظاهرا بتهمة اثارة الشغب والتخريب.

وصرح متكي في حديث نقله تلفزيون الدولة ان "الدول الغربية والاوروبية تدخلت عبر وسائلها السرية او العلنية في الانتخابات الايرانية (...) والاسوأ من بين هذه الدول كانت بريطانيا".

وقال ان "الدول التي تدخلت (في الانتخابات) عبر تلفزيوناتها، وعبر شرح كيفية اثارة اعمال الشغب، وكيفية صنع المتفجرات والتحريض على اعمال اخرى عبر اثارة التوتر، متواطئة في كل ما ارتكب من جرائم واعمال قتل وهي تتحمل مسؤوليتها".

ودأبت ايران على اتهام الدول الاجنبية، خاصة الدول الغربية والاوروبية، باشعال نار العنف في طهران حيث قتل نحو 30 شخصا، حسب مسؤولين، كما اصيب المئات.

واستهدفت طهران لندن على وجه الخصوص واعتقلت تسعة موظفين محليين في السفارة البريطانية بعد اتهامهم بلعب دول في اعمال العنف التي اندلعت في اعقاب اعادة انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للبلاد.

وتم فيما بعد الافراج عن الموظفين المعتقلين.

من ناحية اخرى ذكرت وكالة الانباء الطلابية (اسنا) ان نحو "30 شخصا" سيحاكمون امام محكمة ثورية السبت لاتهامهم ب"المشاركة في اعمال الشغب" وب"التصرف بشكل مناهض للامن القومي والاخلال بالامن العام والقيام باعمال تخريب".واضافت ان العديد منهم متهمون ايضا باقامة علاقات مع "اعداء الله"، دون اضافة تفاصيل.

واعتقل ما يصل الى الفي شخص خلال تظاهرات احتجاج على اعادة انتخاب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في 12 حزيران/يونيو، في اكبر حركة احتجاج شعبية في البلاد منذ الثورة الاسلامية في 1979.

وتم الافراج عن غالبيتهم منذ ذلك الحين فيما لا يزال حوالى 250 شخصا قيد الحجز بينهم 50 شخصية سياسية، كما اعلنت السلطات.واصبحت قضية هؤلاء المعتقلين نقطة تركيز التظاهرات المناهضة لاحمدي نجاد.

وتشهد الجمهورية الاسلامية اسوأ ازمة سياسية لها منذ 30 عاما حيث ترفض الجماعات المناهضة لاحمدي نجاد بقيادة زعيم المعارضة رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي الاقرار بفوزه في الانتخابات التي جرت في 12 حزيران/يونيو وتقوم بحركات احتجاج منتظمة.

والخميس استخدمت الشرطة الايرانية القوة لتفريق الالاف من مناصري المعارضة تجمعوا الخميس في عدة اماكن في طهران لاحياء ذكرى ضحايا الاضطرابات التي تلت اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد والتي اثارت جدلا في البلاد، حسب شهود عيان.

وقال شهود عيان ان شرطة مكافحة الشغب استخدمت الهراوات ضد المحتجين الذين تجمعوا لاحياء ذكرى اربعين نداء اغا سلطان التي اصبحت ترمز الى الاحتجاج الشعبي ضد فوز احمدي نجاد.

وكان حوالى الفي شخص تجمعوا في مقبرة بهشت الزهراء جنوب العاصمة حيث دفن غالبية المتظاهرين الذين قتلوا اثر الاضطرابات وعددهم 30 بحسب الارقام الرسمية.

ايران تعتقل ثلاثة سياح اميركيين قرب الحدود العراقية

من جهة اخرى ذكرت شبكة التلفزيون الاخبارية الاميركية سي ان ان، أن السلطات الايرانية اعتقلت ثلاثة سياح اميركيين بعد اجتيازهم الحدود بين العراق وايران من كردستان العراقية.

وقال مسؤول كبير في الادارة الاميركية ان سفارة الولايات المتحدة في بغداد على علم بهذه المعلومات وتجري تحقيقا.

من جهته، اكد مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) انه ليس بين الموقوفين اي عسكري اميركي.

وقالت الشبكة الاخبارية ان الاميركيين الثلاثة كانوا يزورون احمد آوه المنطقة السياحية الشعبية في اقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي ولم ترسم حدوده مع ايران بشكل واضح في المنطقة التي احتجزوا فيها.

واضافت ان اميركيا رابعا في المجموعة اصيب بوعكة صحية واضطر للبقاء في فندق، اتصل مع رفاقه الثلاثة هاتفيا وقالوا له انهم مطوقون من قبل عسكريين ايرانيين.

وكان مسؤول في حرس الحدود العراقيين ذكر لوكالة فرانس برس، ان ثلاثة غربيين لم تتأكد جنسياتهم اعتقلوا الجمعة من قبل قوات الامن الايرانية بعد اجتيازهم الحدود. وقال هذا المسؤول طالبا عدم الكشف عن هويته ان "ثلاثة غربيين يحملون حقائب ظهر اجتازوا الحدود مع ايران في احمد آوه" قبل اعتقالهم. وتبعد منطقة احمد آوه حوالى تسعين كيلومترا شمال شرق السليمانية ثاني كبرى مدن كردستان العراق.

وذكرت الـ"سي ان ان" ان الشرطة السياحية في المنطقة اوضحت انها التقت الاميركيين الثلاثة وحذرتهم من الاقتراب من الحدود الايرانية. وقال لهم عناصر الشرطة "انتم لستم عراقيين انتم اميركيون وهذه الفترة تشهد توترا بالغا". ولا تقيم الولايات المتحدة وايران علاقات دبلوماسية. وتشهد العلاقات بين البلدين توترا منذ سنوات عدة.

بدء محاكمة المحتجّين الايرانيين

وانطلقت أمام محكمة ثورية في العاصمة الايرانية طهران، محاكمة عدد من الذين شاركوا في التظاهرات المعارضة لإعادة انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للبلاد. اوردت ذلك وكالة (ايرنا) الايرانية الرسمية للانباء. إلا ان الوكالة لم تذكر عدد المتهمين الذين مثلوا امام المحكمة الثورية السبت.

ولكن وسائل الاعلام الايرانية كانت قد ذكرت في وقت سابق ان حوالي 30 شخصا من المتهمين بارتكاب اعمال شغب سيخضعون للمحاكمة ابتداء من يوم السبت.

وقالت إن المتهمين سيحاكمون لقيامهم بـ "المشاركة في اعمال شغب والعمل على تقويض الامن الوطني والاخلال بالنظام العام واتلاف الممتلكات العامة واقامة علاقات بجماعات معادية للثورة".

ويقول المسؤولون الايرانيون إن حوالي 30 شخصا قتلوا واصيب المئات بجراح في التظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت في العاصمة الايرانية عقب الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من شهر يونيو/حزيران الماضي.

وقالت وكالة ايرانا نقلا عن مسؤولين في الادعاء العام إن من بين المتهمين الذين تجري محاكمتهم اليوم اشخاص التقطت لهم صور وهم "يرتكبون جرائم."

وقال هؤلاء المسؤولون في تصريح رسمي: "ما زال بعض شركاء هؤلاء هاربون، ولكن لابد لشعبنا العزيز ان يتعرف عليهم ويسلمهم للسلطات."

يذكر ان السلطات الايرانية القت القبض على حوالي 2000 من المحتجين والناشطين السياسيين والاصلاحيين والصحفيين ابان التظاهرات التي شارك فيها مئات الآلاف من الايرانيين للاحتجاج على اعادة انتخاب احمدي نجاد.

وبينما اطلقت السلطات لاحقا سراح معظم المعتقلين، ما زال 250 منهم يقبعون خلف القضبان. وقد اصبح موضوع اعتقالهم المستمر محور نشاط الحركة المعارضة لاحمدي نجاد.

وقد اتهمت السلطات الايرانية "دوائر غربية على رأسها بريطانيا" بالتحريض على الاحتجاج والتظاهر.

مؤشرات على تحرك إيران نحو نظام الحزبين 

ويبدو ان فترة الرئيس نجاد الثانية ستتسم بالاعتدال سياسيا اكثر مما شهدناه خلال السنوات الاربع الماضية، ولا شك في ان هذا سيؤثر بشكل كبير في حسابات الولايات المتحدة والحكومات الغربية واسرائيل مع سعي كل هؤلاء لزيادة الضغط على طهران بشأن برنامجها النووي.

لقد اثارت انتخابات الرئاسة المثيرة للجدل الشهر الماضي ما يمكن وصفه بأخطر الصدوع السياسية في تاريخ الجمهورية الاسلامية الذي بدأ قبل 30 سنة. بحسب موقع آسيا تايمز.

ووصف الرئيس الاسبق آية الله علي اكبر هاشمي رفسنجاني في خطابه القوي الذي ألقاه مؤخرا ما حدث بـ «الازمة». غير ان طريقة معالجة الرئيس لهذه الازمة وتصريحاته وتعييناته بعد ذلك، تبين ان الاعتدال سوف يكون عنوان فترته الرئاسية الثانية. اذ هناك احاديث كثيرة في العاصمة الآن تشير الى اعتزام احمدي نجاد تعيين وزرائه الجدد استنادا الى الخبرة والمؤهلات، كما كشف الرئيس عن «خطة عمل وطنية» للتعاون مع الفنيين المتخصصين (تكنوقراط) من شأنها ان ترضي دعاة الاصلاح في حال تنفيذها.

وكان تعيين رئيس جديد لهيئة الطاقة الذرية في ايران هو علي اكبر صالحي، مندوب ايران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من 2003 الى 2004، عندما قدمت ايران بعض التنازلات للوكالة من اجل بناء الثقة، قد رأى فيه الغرب على نطاق واسع استعدادا جديدا لدى احمدي نجاد للسير في مسار تصالحي اكثر في المفاوضات النووية. وفي هذا الاطار، قال صالحي: سوف ندخل المرحلة المقبلة بمنظور جديد.

ثمة تطور آخر له دلالة، فقد كشف اجتماع وزير خارجية ايران منوشهر متقي مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات في القاهرة مؤخرا عن وجود اتجاه جديد في ادارة احمدي نجاد لدخول طريق الاعتدال في سياسة الشرق الاوسط.

أحمدي نجاد والحيرة وسط الأطراف المتصارعة 

وتناول الباحث روبرت ويرث قضية الصراع بين قوى الاعتدال والمحافظين في ايران وتاثير ذلك على سياسات الرئيس نجاد الداخلية والخارجية، جاء فيه: في احدث مؤشر على الانقسام الحاد القائم الآن في صفوف المحافظين بإيران، تخلى النائب الجديد للرئيس محمود احمدي نجاد عن منصبه استجابة للرسالة التي قد وجهها المرشد الاعلى علي خامنئي للرئيس وطالبه فيها بإقالة نائبه.

وبذا تكون هذه الاستقالة قد وضعت حدا لمشاحنة استمرت اسبوعا حول ايفانديار رحيم مشائي، الذي كان واجه انتقادا حادا من جانب انصار الخط المتشدد بسبب تعليقاته التي كان قد ادلى بها في العام الماضي وبدت ودية تجاه اسرائيل.

كما اكدت هذه الاستقالة ان السلطة داخل النظام السياسي في ايران الآن هي بيد خامنئي الذي لم تعبأ رسالته التي كتبها بشأن استقالة مشائي برفض احمدي نجاد التخلي عن نائبه الموثوق. بل ويرى المراقبون في هذا النزاع مؤشرا آخر على ضعف نجاد امام منافسيه المحافظين.

الحقيقة ان العالم كان قد عرف برسالة خامنئي هذه قبل بضعة ايام، لكن احمدي نجاد رفض الانصياع لها على الرغم من حملة المحافظين عليه. الا ان حدة الانتقاد بلغت ذروتها يوم الجمعة الماضي عندما احتشد المئات من الطلاب المتشددين في طهران وطالبوا بابعاد مشائي فورا، وعندما اعلن رجل دين بارز ضرورة معاقبة احمدي نجاد لعدم استجابته لرغبات القائد الاعلى.

جدير بالذكر ان خامنئي كتب في رسالته الموجهة لنجاد قائلا: ان ترقية مشائي لهذا المنصب ليس من مصلحتك ومصلحة حكومتك وسوف تكون سببا للانقسام والغضب لدى مؤيديك.

الواقع ان احمدي نجاد واجه خلال الاسبوع الماضي سيلا من الانتقادات على جبهتين: غضب المحافظين من ترقية مشائي لمنصب النائب الاول للرئيس واستمرار حركة المعارضة المكبوتة والغاضبة بتنظيم احتجاجات الشوارع ورفضها اعادة انتخابه نتيجة للتلاعب الذي حدث خلال احصاء عدد الاصوات.

كما كان اعلن مير حسين موسوي زعيم المعارضة، الذي يعتقد كثيرون من الايرانيين انه الفائز الحقيقي في انتخابات الثاني عشر من يونيو الماضي، عن تشكيل جبهة سياسية جديدة. ويبدو ان المعارضة حصلت على دعم آخر يوم الجمعة الماضي عندما تحدثت الاخبار عن موت محتج آخر له علاقة بالنخبة السياسية في ايران هو محسن روح الاميني الذي يعمل والده مستشارا لمرشح رئاسي آخر هو محسن رضائي. اذ يقول موقع الكتروني للمعارضة ان محسن روح الاميني مات في سجن ايفين بعد اعتقاله خلال تظاهرات 9 يوليو لكن من غير الواضح حتى الآن كيف حدثت وفاته. لكن من المتوقع ان يؤجج خبر موت الاميني مشاعر الغضب في صفوف المعارضة التي يقول زعماؤها ان عدد الذين قتلوا خلال الاحتجاجات هو اكبر بكثير من الرقم الذي تقدمه الحكومة وهو 20 شخصا.

وعلى أي حال، على الرغم من ان انسحاب مشائي ينهي الآن فصلا اثار دهشة وحيرة الكثيرين من الايرانيين إلا ان ترقيته لمنصب نائب الرئيس انطوت على خطر كامن لا سيما اذا ما تذكرنا المؤشرات الاخرى التي صدرت عنه واغضبت المحافظين آنذاك ومنها حضوره حفلا في تركيا عام 2007 ادت فيه النساء رقصة تقليدية.

الحرس الثوري يعزز سلطته داخل المؤسسة المحافظة

وكتبَ الباحث باباك رحيمي مقالا يرتبط بتحركات الحرس الثوري الايراني الداعية لتعزيز سلطته، وجاء في المقال: يتهم كثيرون من الايرانيين الحرس الثوري، الذي تم انشاؤه عقب الثورة الاسلامية عام 1979 للدفاع عن الجمهورية امام التهديدات الداخلية والخارجية، يتهمونه بلعب دور حاسم في اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد.

فبالتعاون مع متطوعي ميليشيا الباسيج المكلفة بالمحافظة على الامن الداخلي والتصدي للتظاهرات المناهضة للحكومة، تركز دور الحرس الثوري في انتخابات الرئاسة وما اعقبها على تنظيم نشاطات الحملة الانتخابية والحشود الجماهيرية المؤيدة للرئيس ومراقبة الانتخابات ثم قمع المتظاهرين المعارضين للحكومة بعدها.

لكن على الرغم من ان السلطة العليا في البلاد لا تزال بيد المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي، شكلت انتخابات الثاني عشر من يونيو الماضي مرحلة جديدة في بروز المجموعات المسلحة كقوة سياسية رئيسة داخل نظام ايران الديني مما يشير الى تحول مؤشر توازن القوة نحو الجناح اليميني المسلح داخل المؤسسة المحافظة. بحسب موقع آسيا تايمز.

الحقيقة ان الحرس الثوري لم يبدأ ولوج معترك السياسة الا خلال اعادة انتخاب الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي عام 2001. وجاء هذا التطور في اعقاب تزايد التوتر والمنافسة بين دعاة الاصلاح والمحافظين في اواخر التسعينيات. ومن الواضح ان اعادة انتخاب خاتمي وبروز الاصلاحيين شكلا تهديدا رئيسا للقوى المؤسساتية المسلحة كالحرس الثوري والباسيج. الا ان هيمنة الحرس الثوري السياسية ما لبثت ان اصبحت واضحة بانتصار المتشدد احمدي نجاد في انتخابات الرئاسة عام 2005، وذلك عندما جرى تعيين عدد من الضباط السابقين المرتبطين على نحو وثيق بالحرس في الحكومة الجديدة ثم اصبح نفوذ هذا الحرس اقوى سياسيا مع تولي شخصيات رئيسة منه مناصب مهمة في وزارة الداخلية التي تشرف رسميا على الانتخابات. كما ازدادت قوة الحرس اكثر عندما حصل على تأييد كامل من المرشد الاعلى الذي اصبح يعتمد بشكل ملحوظ على القوة شبه العسكرية للسيطرة على ضغوط الاصلاحيين.

بدأت المرحلة الثانية من دخول الحرس عالم السياسة خلال انتخابات عام 2008 البرلمانية عندما عيّن المرشد الاعلى علي رضا افشر، الذي كان يعمل سابقا في الحرس الثوري، مشرفا على هذه الانتخابات. ومثّل هذا التعيين تطورا غير مسبوق بتاريخ الجمهورية الاسلامية، وذلك لأن الانتخابات اصبحت لاول مرة تحت اشراف مباشر لضابط عسكري سابق مسؤول فقط امام المرشد الاعلى.

وعلى الرغم من معارضة دعاة الاصلاح والبراغماتيين مثل رفسنجاني دخول الحراس الثوريين ورجال الباسيج معترك السياسة، استمر المرشد الاعلى في تأهيل المزيد من الضباط السابقين فيهما لخوض انتخابات البرلمان. ولم يحل ربيع عام 2008 الا وكان ضباط الحرس الثوري والباسيج السابقون قد سيطروا ليس فقط على البرلمان بل وايضا على الادارة الجديدة.

لكن من الملاحظ ان وحدات الباسيج، التي هي على درجة عالية من التدريب والتسليح وتخضع لقيادة الحرس الثوري وللمرشد الاعلى، لعبت دورا مهما في الانتخابات الاخيرة. فقبل الثاني عشر من يونيو الماضي انخرطت وحدات الباسيج بشكل مباشر في حملة احمدي نجاد السياسية بمختلف انحاء البلاد، وعملت على تخويف الناخبين الشباب المؤيدين لمير حسين موسوي لابعادهم عن التصويت خلال الانتخابات. كما واصل الحرس الثوري حملته ضد مؤيدي موسوي قبل بضعة اسابيع من الانتخابات.

ووصم رجال الحرس الثوري مؤيدي موسوي بـ «الخضر» المناهضين للثورة ثم وصفوهم بعد الانتخابات بـ «الخونة» لتحديهم شرعيتها.

بيد ان اكثر الاوجه المثيرة للجدل في تورط الحرس الثوري بالعملية الانتخابية يظهر من خلال احصاء الاصوات. اذ يعتقد بعض نشطاء المعارضة بان هناك صناديق اقتراع كثيرة لم يتم احصاء الاصوات فيها، كما ساهم برنامج كمبيوتر اعدته وحدات الاستخبارات في الحرس الثوري بعدد من الاصوات لصالح احمدي نجاد.

المعارضة متمثلةً بحركة الجماهير تتحدى سلطة القائد الأعلى 

وجاء في مقال بصحيفة لوس انجليس للكاتب بورزو دراغاي، تطرق فيه الى اشتداد الازمة وتحولها مباشرة ضد سلطة القائد الاعلى: اشتدت حدة الازمة السياسية في ايران من جديد مع اعلان زعيم المعارضة الرئيسي مير حسين موسوي عن عزمه انشاء منظمة سياسية تضع اطار عمل لحركة اجتماعية كبرى تنطلق في تحركها من خسارته المثيرة للجدل امام الرئيس محمود احمدي نجاد في الانتخابات الاخيرة.

واضاف كاتب المقال، بيد ان الخوف راود الكثيرين من انصار موسوي من ان يكون هذا التوجه بداية للتخلي عن حملة العصيان المدني التي اندلعت منذ انتخابات يونيو الماضي بعد اتهام الحكومة بالتلاعب بنتائج هذه الانتخابات، الا ان موسوي سارع لامتداح حركة الاحتجاج علنا بوصفها حجر الزاوية في عملية التغيير بإيران.

ففي واحدة من تعليقاته العديدة الاسبوع الماضي قال موسوي: بما ان السلطة تميل دوما لان تُصبح مطلقة، لايمكن التصدي لهذا الاتجاه الا من خلال حركات الشعب.

كما اعلن عدد آخر من شخصيات المعارضة، التي لم تعبأ بقمع السلطة، عن تحديهم لسلطة المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي وحليفه احمدي نجاد، بل واصدر احد كبار رجال الدين فتوى شجع بها المسؤولين الايرانيين على تجنب حضور حفل تنصيب الرئيس نجاد رسميا في اوائل اغسطس.

وبدوره، حذر الرئيس السابق محمد خاتمي بان كل القنوات القانونية الاخرى سوف تصبح مغلقة امام الشعب، وسوف يؤدي هذا الى عواقب خطيرة لا يمكن التنبؤ اذا جرى رفض اقتراحه الداعي لإجراء استفتاء حول الانتخابات المتنازع حولها.

وتابع الكاتب بالقول، في خطوة رأى فيها الكثيرون صفعة لخامنئي الذي يمثل اعلى سلطة دينية وسياسية في ايران، اسقطت صحيفة «افتاب» المقربة من آية الله المعتدل علي اكبر هاشمي رفسنجاني، كلمة «الاعلى» من لقبه الرسمي واشارت اليه فقط باستخدام «زعيم ايران».

ويبدو ان دعاة الاصلاح بدأوا يعملون على نحو متزايد بشكل جماعي وينسقون اعلاناتهم وتصريحاتهم وينتهجون استراتيجية محددة، فقد بدأت تظهر بالانترنت صور شخصيات المعارضة وهم يعقدون اجتماعات مع مؤيديهم وذكر موسوي ان منظمته السياسية الجديدة سوف تبدأ على نطاق صغير بالتعاون مع زعامات لها وزنها ثم تتوسع تدريجيا لتصبح حركة كبرى.

وردّ احد نواب البرلمان المؤيدين لاحمدي نجاد على ذلك بالطلب من وزير الامن والاستخبارات البدء بإذاعة اعترافات شخصيات المعارضة المعتقلين في سجن ايفين بالتلفزيون ومنهم: نائب الرئيس السابق محمد علي ابطحي، نائب وزير الداخلية السابق مصطفى تاج زاده ونائب رئيس البرلمان سابقا بهزاد نبوي.

إذ يزعم متشددو الحرس الثوري ان هذه الشخصيات التي تنتمي لتيار الاصلاح هي التي دبرت اعمال الشغب الاخيرة بالنيابة عن اعداء ايران في الخارج.

واستدرك كاتب المقال، غير ان الكثيرين من المراقبين يقولون ان اذاعة مثل هذه الاعترافات على الهواء مباشرة من شأنها ان تؤدي لنتائج معاكسة تؤجج لهيب حركة المعارضة من جديد.

واختتم الكاتب بنقل تعليق للباحث سعيد مدني، المتخصص في علم الاجتماع بجامعة طهران الذي كان مرة سجينا في زنزانة منفردة بسجن ايفين: ان الاحساس بعدم الثقة بأجهزة الاعلام الحكومية وبقوات الامن وصل لدرجة كبيرة لدى الشعب ولابد ان يدفعه ذلك الى التعاطف مع هؤلاء الذين ارغمهم المحققون على الادلاء بتلك الاعترافات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 2/آب/2009 - 10/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م