أحداث ايران: التصعيد الحكومي يرسّخ العجز عن احتواء الاستياء واستعادة الثقة

رفسنجاني ومعسكر المعارضة نحو نظام ايراني جديد

 

شبكة النبأ: يهزّ صراع على السلطة في ايران تفجّرَ عقب الانتخابات الجمهورية الاسلامية حتى النخاع، حيث لا توجد اي بوادر على أن زعيمها الاعلى يستطيع امتصاص الغضب الشعبي او حتى استعادة ثقة الساسة ورجال الدين في اي وقت قريب.

الاضطرابات التي ثارت منذ انتخاب الرئيس نجاد لفترة ولاية ثانية في الانتخابات التي جرت في 12 يونيو حزيران وقال خصومه انه تمّ التلاعب في نتائجها وضعت عرض الرئيس الامريكي باراك اوباما بالانخراط مع ايران محل شك، حيث يستمر اشتباه الغرب في ان طهران تسعى الى امتلاك اسلحة نووية.

ومن الصعوبة بمكان رؤية كيف تستطيع ايران صياغة توافق في المفاوضات النووية او الحوار مع الولايات المتحدة بينما يواجه الزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي تحديات لم يسبق لها مثيل لسلطته وشقاقات عميقة داخل النخبة الحاكمة.

طهران التي تقول ان برنامجها النووي مخصص لاغراض سلمية بحتة امامها مهلة تنقضي في سبتمبر ايلول للموافقة على اجراء مفاوضات حقيقية مع الغرب وإلا تجازف بمواجهة عقوبات دولية اشد قسوة. بحسب رويترز.

ويقول رسول نفيسي وهو خبير في الشؤون الايرانية يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له "سواء تستطيع العثور على محاور في ايران في هذه اللحظة ام لا محل شك لان النظام بأكمله في أزمة... اي خطوة يتخذها ستعتبر اما عجرفة او ضعفا."

وربما يجب أن تنتظر المسألة النووية نتيجة اخطر اضطراب داخلي تشهده إيران منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979.

وكان علي اكبر هاشمي رفسنجاني الذي هو ثقل كبير في النظام لكنه يشعر بالسخط ألقى خطبة الجمعة التي اتسمت بلهجتها الحادة وقد نشطت هذه الخطبة المعارضة بعد أن أخمدت قوات الامن الشهر الماضي احتجاجات ضخمة بالشوارع وأودعت مئات الاصلاحيين والمثقفين البارزين السجون.

وقال كريم ساجد بور المحلل بمعهد كارنيجي للسلام الدولي ومقره واشنطن "المشكلة الرئيسية التي تواجهها المعارضة هي أن مستشاريها الموثوقين اما في السجن او قيد الاقامة الجبرية او غير قادرين على التواصل بحرية." 

وأضاف "لا يزال هناك غضب شعبي هائل لكن في الوقت الحالي ليست هناك قيادة لتوجيه هذا الغضب سياسيا."

ولا يرى ساجد بور اي مؤشر على التوصل الى تسوية مبكرة لان المتشددين يخشون من أن يشجع اي تنازل من قبلهم اعداءهم وهم في الوقت الحالي ما زالوا مسيطرين على اركان السلطة.

ومضى ساجد بور يقول "في حين توجد شقاقات واضحة بين النخبة الايرانية من رجال الدين فان قاعدة قوة خامنئي لا تتمثل في رجال الدين لكن في الحرس الثوري. متى بدأنا نرى شقاقات بين الحرس يمكن أن يقضي هذا على خامنئي واحمدي نجاد."

خامنئي - الذي تأذى فيما يبدو بسبب خطبة رفسنجاني التي قال فيها ان ايران في أزمة بسبب الشكوك المحيطة بنتائج الانتخابات وطالب بوقف الاعتقالات ورفع القيود المفروضة على الصحافة - حذر شخصيات بارزة بعدم مساعدة أعداء طهران.

وقال "يجب أن تعلم النخبة أن اي حديث او تصرف او تحليل يساعد ( العدو) خطوة ضد الامة."لكن رفسنجاني يبدو راسخ الاقدام بقوة بحيث لا يمكن تجاهله.

مغزى خطبة رفسنجاني في جامعة طهران

الصحف البريطانية ركزت على تداعيات خطبة هاشمي رفسنجاني في طهران التي انتقد فيها السلطات الإيرانية،

صحيفة الجارديان نشرت مقالا بقلم إيان بلاك، تحت عنوان خطبة رفسنجاني تقدم لحظة أخرى كاشفة في التاريخ الإيراني.

رفسنجاني كان رئيسا سابقا للجمهورية الاسلامية في ايران، وهو الآن رئيس ما يسمى بـ مجلس تشخيص مصلحة النظام .

وقد ألقى خطبة الجمعة في مسجد جامعة طهران فحوّلَ المسجد، حسب تعبير بلاك، إلى بوتقة للمعارضة.

ويعتبر الكاتب أن رفسنجاني، الذي تكلم علانية للمرة الأولى منذ الأحداث الصاخبة التي وقعت الشهر الماضي بعد إعلان فوز أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة، أضاف لحظة أخرى كاشفة في التاريخ الايراني. فقد ذكر للمرة الأولى أن هناك أزمة في النظام الاسلامي الايراني.

وأهمية تصريحات رفسنجاني حسب الكاتب، أنها تأتي من جانب شخصية مؤثرة بدرجة كبيرة وكونه أيضا المنافس العنيد للمرشد الروحي آية الله خامنئي.

ويقول الكاتب إن كاميرات التليفزيون لم تنقل الخطبة كما تفعل عادة في مثل هذه المناسبات.

ويضيف أن أهمية الحدث تتمثل أيضا في حضور مير حسين موسوي الذي اعتبر الانتخابات التي فاز فيها نجاد انتخابات غير شرعية ، كما كان حاضرا أيضا زميله الاصلاحي مهدي خروبي.

وينقل الكاتب عن أحد المحللين المتخصصين في الشؤون الايرانية أن خطبة رفسنجاني تعكس رغبته في القيام بدور الوساطة بين الطرفين: الطرف الحكومي الرسمي أو طرف النظام، وطرف المعارضة. ويضيف ما يفيد أنه انتزع لنفسه الدور الذي كان يتعين ان يقوم به خامنئي نفسه.

وأشار في خطبته إلى ضرورة توحيد الأمة والدخول في حوار مطالبا بالافراج عن المعتقلين والسماح بحرية التعبير، وهي حسب ما يرى الكاتب تتفق مع رأي المعارضة . إلا أنه لم يذهب إلى حد التشكيك في شرعية أحمدي نجاد.

ويختتم المقال بالقول إن خطبة الجمعة في مسجد الجامعة عادة ما تحظى باهتمام النظام، حيث يحشد أنصاره الذين يأخذون في ترديد شعارات العداء لأمريكا واسرائيل، الأمر الذي لم يحدث هذه المرة، بل على العكس جاءت الهتافات ضد الدكتاتور، وضد الخصوم. ويضيف أن الكل يدرك من المقصود من هذه الكلمات .

هزيمة لنجاد من داخل معسكره

ومُني الرئيس نجاد بهزيمة من داخل معسكره المحافظ، بإعلان قريبه اسفنديار رحيم مشائي استقالته من منصب النائب الأول للرئيس الذي عيّنه فيه نجاد الأسبوع الماضي، إثر انتقادات حادة وجهها التيار المحافظ الذي اعتبر قرار تعيين مشائي «تحدياً» ودعا المرشد علي خامنئي إلى إقالته.

في الوقت ذاته، وصل رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني الى مدينة مشهد.

في غضون ذلك، أفادت قناة برس تي في الإيرانية أن مشائي «لم يعد يريد المنصب»، موضحة انه «استقال بعد ثلاثة ايام على تعيينه» نائباً أول للرئيس بسبب الجدل الذي أثاره تعيينه.

وكان مشائي قال في تموز (يوليو) 2008 ان ايران «صديقة لكل شعوب العالم بما فيها الشعب الإسرائيلي. ما من امة في العالم هي عدوتنا، وهذا فخر لنا»، ما اثار غضب رجال دين ونواب محافظين طالبوا بإقالته.

واضطر خامنئي للتدخل، معتبراً كلام مشائي «غير صحيح وغير منطقي، لكن النزاع يجب أن ينتهي». بحسب رويترز. 

وبعد ساعات على تصريح خامنئي، اصدر مشائي بياناً اعلن فيه انه يؤيد تماماً هذا الرأي. لكن نجاد رفض ابعاد مشائي عن منصبه آنذاك، معتبراً أن تصريحاته «حُرّفت».

وتعرض مشائي لانتقادات، عندما استضاف حفلة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ارتدت فيه نساء ملابس تقليدية وحملن مصاحف أثناء عزف الموسيقى.

واعتبر رجل الدين المحافظ احمد خاتمي تعيين مشائي «تحدياً لأعضاء مجلس الخبراء والبرلمان» الذي كان انتقد تصريحات مشائي العام 2008. وقال خاتمي، وهو أحد ائمة صلاة الجمعة وعضو في مجلس صيانة الدستور وحليف لنجاد، إن الرئيس الإيراني أظهر بتعيين مشائي «وجهاً ملتوياً لرجال الدين والنخبة. وأضاف: يجب ألا يتحدى نجاد المحافظين بمثل هذه القرارات. وأطلب من الرئيس ان يبدله قبل أن يوجه إليه مزيد من الانتقاد.

ورأى رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المحافظة حسين شريعتمداري، ان تعيين مشائي نائباً أول لنجاد، أحدث صدمة وأسفاً وقلقاً لدى الذين صوتوا له. من الضروري إلغاء تعيين مشائي.

اعتقال عشرات الإصلاحيين

وفي نفس السياق اتهم قائد الشرطة الايرانية قادة المعارضة بزرع التوتر في البلاد عبر التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو، كما ذكرت وكالة الانباء الايرانية الرسمية.

وقال الجنرال اسماعيل احمدي مقدم في خطاب في مشهد (شمال شرق) ان "بعض الاشخاص الذين لم يحققوا اهدافهم في الانتخابات ينشرون الشك ويحولونه الى مؤامرة».

واضاف «في حال لم تدافع قوات الامن عن القانون، فان نيران المؤامرة ستحرق الجميع»، واصفا الذين يشككون حول نتائج الانتخابات بانهم «منافقون».

وتابع ان "الحقيقة حول الانتخابات واضحة جدا اليوم للجميع. ينبغي الا يطلب الخاسرون الغاء الانتخابات ويؤكدون ان الانتخابات لم تجر في ظروف جيدة". بحسب فرانس برس.

وقال شاهد عيان ان شرطة مكافحة الشغب الايرانية اشتبكت مع مئات من المحتجين من مؤيدي الاصلاح في وسط طهران أمس واضاف ان عشرات قد اعتقلوا.

وقال الشاهد كان هناك المئات من شرطة مكافحة الشغب ورجال الشرطة السرية يوسعون الناس ضربا ممن تجمعوا لتأييد زعيم المعارضة مير حسين موسوي. واضاف كان هناك مئات المحتجين في ميدان هفت تير.

مراسلون بلا حدود تتهم ايران باعتقال مصورين

من جهة اخرى قالت منظمة مراسلون بلا حدود المعنية بالدفاع عن الصحفيين إن ايران اعتقلت ما لا يقل عن سبعة مصورين منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها مشيرة الى ان احدث اعتقالات جرت منذ اقل من اسبوع.

وخطفت صور محتجين ملطخين بالدماء الضوء في الاضطرابات التي اثارتها نتائج الانتخابات التي اجريت الشهر الماضي واصبحت لقطات مقتل امرأة ايرانية شابة تدعى نداء اغا سلطان رمزا لاحتجاجات المعارضة.

وقالت المنظمة ومقرها باريس في بيان "يخشى نظام طهران الصور. اطلقت السلطات حملة تعقب حقيقية لصحفيي الوسائل المرئية كي لا تخرج من البلاد اي صورة او شريط مصور التقط بطريقة احترافية عن مواضيع حساسة."

وسحقت ايران الاحتجاجات وقالت في اوائل شهر يوليو تموز الجاري ان اغلب المعتقلين اثناء الاحداث اطلق سراحهم منذ ذلك الوقت.

وقالت مراسلون بلا حدود وهي منظمة معنية بالدفاع عن حرية الصحافة ان خمسة مصورين اعتقلوا قبل اقل من اسبوع.

واضافت ان المصور مهدي زعبولي اعتقل يوم 20 يونيو حزيران وزميله الايراني-الفرنسي سعيد مهدي يوم التاسع من يوليو تموز.

وتابعت ان المصورين توحيد بيجهي وماجد سعيدي وساتيار امامي ومرجان عبد الله وكوروش جاوان اعتقلوا يوم 11 يوليو تموز وان ما لا يقل عن خمسة اخرين اصيبوا على يد الشرطة او ميليشيات.

وبعد اربعة ايام من الانتخابات منعت ايران صحفيي وسائل الاعلام الاجنبية من تصوير او التقاط صور للاحتجاجات او حتى مغادرة مكاتبهم لتغطية الاحداث.

صحيفة كيهان تندّد بمشروع خاتمي.. الاستفتاء مؤامرة أجنبية 

ونددت صحيفة "كيهان"، كبرى الصحف المحافظة في ايران، بشدة بمشروع الاستفتاء الذي تقدم به الرئيس الايراني الاصلاحي الاسبق محمد خاتمي للخروج من الازمة الحالية، ووصفت الفكرة بانها مؤامرة اجنبية.

وجاء في افتتاحية لمدير الصحيفة حسين شريعت مداري الذي عينه المرشد الاعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي "من خلال اقتراح تنظيم استفتاء، يواصلون جزءا اخر من السيناريو الذي اعد سلفا من قبل الغرب للتآمر" على النظام الايراني. واضاف "ان دور مثل هذا السيناريو هو تأجيج التوتر. وهو امل لن يتحقق لاصدقاء خاتمي".

وتابع ان هذه التحركات ستكون نتيجتها "عاصفة كبيرة ستجرف هؤلاء المنافقين الجدد"، في اشارة الى التعبير المستخدم لوصف مجاهدي الشعب، ابرز التنظيمات المسلحة للمعارضة الايرانية التي تتخذ من العراق مقرا، في بداية الثورة.

وكان خاتمي اقترح "تنظيم استفتاء" باعتباره "الحل الوحيد للخروج من الازمة الحالية" التي نجمت عن اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد والتي تلتها احتجاجات المعارضة.

وقال خاتمي ان "مثل هذا الاستفتاء يجب ان ينظمه جهاز مستقل مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذي يرأسه الرئيس الايراني الاسبق المحافظ المعتدل اكبر هاشمي رفسنجاني.

واضاف خاتمي "علينا ان نسأل الناس ان كانوا راضين عما حدث؟ واذا قبلت غالبية الناس الوضع الحالي، فاننا سنقبله ايضا".

وكان المرشحان الرئيسيان للمعارضة في الانتخابات الرئاسية مير حسين موسوي ومهدي كروبي رفضا نتائج الانتخابات وطالبا بلا جدوى باعادة الانتخابات.

وكانت جمعية رجال الدين المجاهدين، "روحانيو مبارز"، برئاسة خاتمي والتي تضم رجال دين اصلاحيين، نشرت الاثنين بيانا طالبت فيه بتنظيم استفتاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 26/تموز/2009 - 3/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م