ايران بين الصراع على السلطة وصراع الملف النووي

نجاد يمنى بهزيمة قاسية مع تفاقم التوترات الداخلية

اعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يجمع العديد من المراقبين للوضع الايراني ان الصراع الذي اعقب الانتخابات الايرانية اتخذ منحى جديد لا يقل حدة عما سبقه بعد ان تحول الصراع من الشارع الى اوساط مؤسسة السلطة الحاكمة، بعد ان تجلت للعيان الهوة الآخذه بالاتساع بين اطراف النزاع، فضلا عن محاولات المعتدلين اشراك وزج بعض الاطراف الجديدة  لتقوية جانبهم بعد انعدام اي رؤية او حلول توافقية لترميم الاحداث.

في الوقت ذاته بدت الانقسامات تتزايد في معسكر المحافظين خصوصا بعد اعلان نجاد تعيين صهره المثير للجدل اسفنديار مشائي كنائب اول للرئيس، في خطوة غير مدروسة العواقب كما عدها الكثير من المحليين، الامر الذي اثار حفيظة العديد من الشخصيات المحافظة وتصاعد بعض الاصوات المطالبة باقالة نجاد قبل ان يأمر خامنئي باقالة مشائي، مع استمرار تأييده المطلق لاحمدي نجاد.   

على الصعيد الخارجي حذرت وزيرة الخارجية الامريكية كلنتون في آخر تصريح لها ايران بانها لن تكون افضل امننا في حال امتلاكها لسلاح نووي.

منوهة الى استعاد الولايات المتحدة تسليح دول الاقليم بترسانة عسكرية قادرة على مواجهة اي تحدي او تهديدات ايرانية، في اعلان صريح عن نية الولايات المتحدة الامريكية التعامل بالامر الواقع وتطويق ايران عبر منظومة دفاعية مشتركة مع حلفائها بالخليج العربي لدرء خطر القنبلة النووية الايرانية.

الدعوة الى استفتاء

حيث صرح زعيم المعارضة الايرانية مير حسين موسوي ان مشكلات ايران على الصعيدين المحلي والدولي ستتفاقم بسبب افتقار الحكومة المقبلة للرئيس محمود احمدي نجاد "الى الشرعية".

وقال موسوي كما نقلت عنه وكالة الانباء ايلنا خلال لقاء مع جامعيين وصحافيين "لديكم حكومة ترفض النخب العمل معها، ومن جهة اخرى حكومة ليست مهتمة بتجربة هذه النخب".

واضاف المرشح الخاسر في انتخابات 12 حزيران/يونيو والذي يرفض نتيجتها ان "هذا الامر سيؤدي الى انعدام الفاعلية والشرعية، ما قد يزيد المشكلات الداخلية وفي الخارج".

واكد موسوي ان "الطريقة الوحيدة للخروج من الازمة هي الاهتمام بمصالح الشعب، وهذا الامر يمكن ان يكون اساسا لسياسة مزدهرة". بحسب فرانس برس.

وكرر رئيس الوزراء الاسبق ابان الحرب بين ايران والعراق (1980-88) ان الانتخابات الرئاسية كانت "تزويرا معيبا".

من جهته دعا الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الى اجراء استفتاء عام حول الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلاد، المتنازع على نتائجها.

وقال خاتمي ان هذا الاستفتاء هو السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الشعب الايراني في نظام الحكم في البلاد، وانهاء الازمة التي اعقبت الإعلان عن نتائج تلك الانتخابات.

واوضح تصريح نقله موقع على الانترنت مقرب من خاتمي عنه قوله ان "الشعب يجب ان يستفتى حول ما اذا كان راضيا عن الاوضاع الحالية، وفي حال قالت الاغلبية انها راضية، فنحن سنقبل بهذا ايضا".

واشار خاتمي الى ان " استمرارية النظام وتواصل التقدم في البلاد رهن باستعادة ثقة الشعب، وقد قلنا من البداية ان هناك طريقا قانونيا لاستعادة تلك الثقة، وانا اقولها علنا الآن وهو ان الحل للخروج من الازمة الحالية يتمثل باجراء استفتاء".

وقال الموقع المقرب من خاتمي ان الاخير اتهم المتشددين بتهديد وتعريض الديمقراطية في البلاد للخطر، وبتحديهم للاسس التي قامت عليها الجمهورية الاسلامية في ايران، عندما اختاروا الوقوف الى جانب نتائج تلك الانتخابات.

ويرى محللون انه من المبكر القول ان السلطات الايرانية ستتبنى مقترحات خاتمي، لكنهم يعتقدون انها آخر حلقة في سلسلة التحديات الموجهة ضد سلطة ونفوذ المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي، الذي اعلن ان نتائج الانتخابات الرئاسية كانت صحيحة.

وبموجب القوانين الايرانية يقع قرار اجراء الاستفتاء ضمن صلاحيات خامنئي، كما ان الاشراف على الشؤون الانتخابية في ايران يقع تحت مسؤولية مجلس الخبراء، الا ان خاتمي يدعو الى ان تتولى الاشراف على الاستفتاء جهة محايدة، مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام. ويتهم الاصلاحيون مجلس الخبراء بالدعم العلني لاحمدي نجاد في تلك الانتخابات.

ويعتبر مجلس تشخيص مصلحة النظام احد الجهات النافذة في نظام الحكم في ايران، وهو يفصل في النزاعات بين الجناح التشريعي (البرلمان) والجناح التنفيذي (الحكومة)، كما انه يقدم النصح والمشورة لخامنئي.

وتأتي مقترحات خاتمي بعد ايام قليلة من انتقادات وجهها الرئيس الاسبق والشخصية السياسية القوية في ايران علي اكبر هاشمي رفسنجاني لرد فعل الحكومة على نتائج الانتخابات، في اول تعليق عام يدلي به منذ اجراء الانتخابات.

واستنكر رفسنجاني القمع الشديد الذي مارسته الحكومة ضد المحتجين، وطالب بالافراج عن المحتجزين، ودعا الحكومة، بدل القمع، ان تعمل على مواجهة وحل مشكلة شرعية تلك الانتخابات التي يرى انها اقلقت الشعب الايراني.

اتهام رفسنجاني

فيما اتهمت صحيفة إيرانية محافظة، الرئيس الإيراني السابق، هاشمي رفسنجاني، بدعم من وصفتهم بـ "منتهكي القانون" في إشارة للاحتجاجات التي تلت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل وذلك بانتقاده للطريقة التي عالجت بها الحكومة الإيرانية الاحتجاجات.

وهاجمت افتتاحية كتبها أحد المحررين المقربين من السلطة في صحيفة كيهان اليومية رفسنجاني بسبب تكراره ماوصفته مزاعم لا أساس لها من الصحة تفيد بوقوع تزوير نتائج الانتخابات الرسمية والتي أسفرت عن إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية.

ورفضت الصحيفة المذكورة وصف رفسنجاني للوضع بأنه يمثل أزمة قائلة إن كلمة "مؤامرة" تصف ما حدث.

وكان رفسنجاني دعا خلال خطبة الجمعة التي ألقاها في جامعة طهران إلى الإفراج عن الأشخاص الذين اعتقلوا على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها إيران بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل.

وأضاف رفسنجاني في تحد واضح لمرشد الثورة آية الله علي خامنئي أن من واجب المسؤولين في السلطة معالجة الشكوك التي أثارها أشخاص عديدون بشأن نتائج الانتخابات الرسمية.

وتابع رفسنجاني في خطبة الجمعة التي أمها منذ الانتخابات الرئاسية أن إيران تشهد أزمة علما بأن زعيم المعارضة مير حسين موسوي قال إن الاننخابات زورت لصالح أحمدي نجاد.

ورفض آية الله محمد يزدي وهو من حلفاء محمود أحمدي نجاد وعضو في مجلس صيانة الدستور، ملاحظات رفسنجاني.

وقال يزدي خلال مؤتمر صحفي " من زرع بذور الشكوك في الانتخابات في أذهان الناس؟ أليس هذا يؤدي إلى زرع بذور الفتنة؟"، وفقا لما نقلته عنه وكالة إرنا الرسمية للأنباء.

وأضاف قائلا إن "من زرع بذور الشك في المجتمع ومن نماها وخرج للشوارع بهدف انتهاك حياة الناس وممتلكاتهم، ينبغي أن يُتعامل معه وفقا للقانون".

وكان 20 شخصا على الأقل قتلوا عقب ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية إذ تبادلت الحكومة وزعيم المعارضة، موسوي الاتهامات بشأن المسؤولية عن سفك الدماء.

ولجأت ميليشيا الباسيج التابعة لقوات الحرس الثوري وشرطة مكافحة الشغب إلى قمع الاحتجاجات في الشوارع لكن موسوي واصل تحديه للسلطات.

وأدت الاحتجاجات إلى توتير علاقات إيران مع الدول الغربية أكثر فأكثر على خلفية برنامجها النووي علما بأن البلدان الغربية انتقدت لجوء السلطات إلى قمع المعارضة في حين اعتبرت الحكومة موقف الدول الغربية تدخلا في شؤونها الداخلية.

هزيمة نجاد

مُني الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد بهزيمة من داخل معسكره المحافظ، بإعلان قريبه اسفنديار رحيم مشائي استقالته من منصب النائب الأول للرئيس الذي عيّنه فيه نجاد الأسبوع الماضي، إثر انتقادات حادة وجهها التيار المحافظ الذي اعتبر قرار تعيين مشائي «تحدياً» ودعا المرشد علي خامنئي إلى إقالته.

في الوقت ذاته، وصل رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني الى مدينة مشهد.

في غضون ذلك، أفادت قناة «برس تي في» الإيرانية أن مشائي «لم يعد يريد المنصب»، موضحة انه «استقال بعد ثلاثة ايام على تعيينه» نائباً أول للرئيس بسبب الجدل الذي أثاره تعيينه.

وكان مشائي قال في تموز (يوليو) 2008 ان ايران «صديقة لكل شعوب العالم بما فيها الشعب الإسرائيلي. ما من امة في العالم هي عدوتنا، وهذا فخر لنا»، ما اثار غضب رجال دين ونواب محافظين طالبوا بإقالته.

واضطر خامنئي للتدخل، معتبراً كلام مشائي «غير صحيح وغير منطقي، لكن النزاع يجب أن ينتهي». بحسب رويترز.

وبعد ساعات على تصريح خامنئي، اصدر مشائي بياناً اعلن فيه انه يؤيد تماماً هذا الرأي. لكن نجاد رفض ابعاد مشائي عن منصبه آنذاك، معتبراً أن تصريحاته «حُرّفت».

وتعرض مشائي لانتقادات، عندما استضاف حفلة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ارتدت فيه نساء ملابس تقليدية وحملن مصاحف أثناء عزف الموسيقى.

واعتبر رجل الدين المحافظ احمد خاتمي تعيين مشائي «تحدياً لأعضاء مجلس الخبراء والبرلمان» الذي كان انتقد تصريحات مشائي العام 2008. وقال خاتمي، وهو أحد ائمة صلاة الجمعة وعضو في مجلس صيانة الدستور وحليف لنجاد، إن الرئيس الإيراني أظهر بتعيين مشائي «وجهاً ملتوياً لرجال الدين والنخبة».

وأضاف: «يجب ألا يتحدى نجاد المحافظين بمثل هذه القرارات. وأطلب من الرئيس ان يبدله قبل أن يوجه إليه مزيد من الانتقاد».

ورأى رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المحافظة حسين شريعتمداري ان «تعيين مشائي نائباً أول لنجاد، أحدث صدمة وأسفاً وقلقاً لدى الذين صوتوا له. من الضروري إلغاء تعيين مشائي».

وأشار النائب حامد راساي، وهو حليف لنجاد، الى حساسية لدى المجتمع الإيراني حيال مشائي.

ونقلت صحيفة «اعتماد ملي» عنه قوله: «أعتقد أنه كان من الأفضل ألا يُعيّن». ولفتت الصحيفة الى ان رئيس كتلة نواب رجال الدين محمد تقي رهبر، طلب تدخل خامنئي لإقالة مشائي.

واعتبر النائب الإصلاحي درويش جهانبري ان بإمكان البرلمان «مساءلة نجاد بل وعزله بسبب هذا التعيين».

ولا يحتاج تعيين نواب الرئيس، لموافقة البرلمان، خلافاً لتعيين الوزراء.

استقالة غلام رضا اغازاده

في سياق متصلا اعلنت وكالة الانباء الطلابية الايرانية (ايسنا) استقالة رئيس الوكالة الايرانية للطاقة الذرية غلام رضا اغازاده.

وقالت الوكالة شبه الرسمية ان اغازاده اكد لها نبأ استقالته في اتصال هاتفي، وانه كان قد قدم استقالته قبل عشرين يوما لرئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد الذي قبلها.

ولا توجد اية اسباب مباشرة واضحة وراء استقالة المسؤول، الا انه يعتبر من المقربين من زعيم المعارضة حسين مير موسوي الذي خسر في الانتخابات الرئاسية الاخيرة.

وقال اغازاده للوكالة الطلابية انه استقال ايضا من منصبه كأحد نواب الرئيس احمدي نجاد.

يذكر ان غلام رضا اغازاده عمل خلال السنوات الـ12 التي قضاها في منصبه على رأس الوكالة الذرية الايرانية على الدفع قدما ببرنامج البلاد النووي، والذي يثير توترا شديدا مع الغرب وجلب على ايران عقوبات دولية.

واشنطن وإيران النووية

من جهتها أوضحت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون كيف يمكن للولايات المتحدة ان تتعامل مع إيران نووية وذلك من خلال تسليح حلفائها في الخليج وتوسيع نطاق "مظلة الدفاع" الامريكية فوق المنطقة.

وأثارت تصريحاتها انتقادات فورية من مسؤول اسرائيلي رفيع قال انه ينبغي للولايات المتحدة أن تركز على منع ايران من امتلاك قدرات نووية بدلا من التحدث عنه كما لو كان أمر واقع.

وقالت كلينتون في وقت لاحق انها لم تكن تلمح الى سياسة أمريكية جديدة وأعادت التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تقبل بامتلاك ايران لاسلحة نووية. بحسب رويترز.

كانت كلينتون صرحت خلال زيارة للعاصمة التايلاندية بانكوك بأن امتلاك ايران لقدرات نووية لن يجعلها أكثر أمنا.

وتعتقد واشنطن أن طهران تسعى لامتلاك اسلحة نووية في حين تؤكد ايران أن برنامجها النووي يهدف لتوليد الكهرباء لكي تستطيع تصدير المزيد من النفط والغاز.

وقالت كلينتون في برنامج سجل للتلفزيون التايلاندي "مازلنا نترك الباب مفتوحا (امام المحادثات مع ايران) لكننا اوضحنا ايضا اننا سنتخذ اجراءات وكما قلت مرارا وتكرارا اجراءات تصيب بالاعاقة والعمل على تطوير دفاعات شركائنا في المنطقة."

وأضافت "نريد من ايران ان تحسب ما أعتقد انه تقييم منصف... لو مدت الولايات المتحدة مظلتها الدفاعية فوق المنطقة واذا فعلنا المزيد لدعم القدرات الدفاعية لمن في الخليج فمن غير المرجح ان تصبح ايران أقوى او أكثر أمنا لانها لن تكون قادرة على الترويع والهيمنة كما تعتقد فيما يبدو في حالة امتلاكها لاسلحة نووية."

وقال مسؤول امريكي رفيع انه يجب أخذ تصريحات كلينتون على انها نقاش عام تنخرط فيه الولايات المتحدة لاقناع ايران بالتخلي عن السعي لامتلاك أسلحة وعدم تفسيرها على انها علامة على ان الولايات المتحدة كيفت نفسها مع احتمال ان تصبح ايران نووية.

وفي مؤتمر صحفي بمنتجع بوكيت التايلاندي حيث ستحضر كلينتون أكبر مؤتمر أمني سنوي في آسيا قالت وزيرة الخارجية عندما طلب منها توضيح ما كانت تقصده بمظلة الدفاع "كنت أشير ببساطة الى أنه على ايران أن تفهم أن سعيها لامتلاك أسلحة نووية لن يخدم أمنها أو يحقق أهدافها لتعزيز قوتها اقليميا وعالميا.

"ما يجب أن ينصب عليه تركيز ايران هو أنها تواجه اذا سعت لامتلاك أسلحة نووية احتمال اشعال فتيل سباق تسلح في المنطقة. ينبغي أن يؤثر هذا في حساب ما تنوي ايران القيام به وما تعتقد أنه في مصلحتها القومية حيث قد يجعل ايران أقل أمنا لا أكثر أمنا."

وقال دان ميريدور نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي ردا على التصريحات الاولى لكلينتون ان من الافضل بكثير منع ايران من اكتساب قدرات نووية بدلا من محاولة مواجهتها بمظلة دفاع.

وأبلغ اذاعة الجيش الاسرائيلي "لم يسرني سماع التصريحات الامريكية ... بأنهم سيحمون حلفاءهم بمظلة نووية كما لو أنهم تأقلموا بالفعل مع ايران نووية.

"أعتقد أن هذا خطأ. أعتقد أن من الانسب عدم قبول فرضية أن ايران أصبحت نووية بل أن نحاول منع هذا."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تموز/2009 - 2/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م