لحقن الدماء وليس للابتزاز

نزار حيدر

لقد دخل مشروع (المصالحة الوطنية) بعد الثلاثين من حزيران المنصرم، مرحلة جديدة، فبانسحاب القوات الاجنبية من المدن، لم يعد للجماعات التي ترفع السلاح اي مبرر لـ (المقاومة) او (الجهاد) او ما اشبه من هذه المفاهيم المقدسة التي سخرتها مجموعات العنف والارهاب لقتل الابرياء وتدمير العراق وتخريب العملية السياسية الجديدة الجارية في العراق منذ سقوط الصنم، اذ لم يعد المشروع حوارا بين الحكومة (الشرعية) وبين مثل هذه الجماعات، وانما يجب ان يدخل، لمن يريد ان يلقي السلاح ويلتحق بصفوف الشعب، في اطار مفهوم (اذهبوا فانتم الطلقاء) بعد ان سقطت مبررات الحوار.

ينبغي ان تنتبه الحكومة العراقية جيدا حتى لا يتحول المشروع الى وسيلة لابتزازها، وتاليا لابتزاز الشعب العراقي وما حقق لحد الان من انجازات مهمة على صعيد بناء العملية السياسية والنظام الديمقراطي.

ان المصالحة تجري عادة بين فرقاء يتفقون على الاصول ويختلفون في الفروع، او التفاصيل، ولذلك لا يمكن ان نسمي من يرفض العملية السياسية ويسعى لاعادة عقارب الزمن العراقي الى الوراء، بانه يريد ان ينخرط في مشروع المصالحة، ابدا، لان من اولى شروط الانخراط هو القبول بعملية التغيير والالتزام بمبدا التداول السلمي للسلطة، بالاضافة الى ايمانه بصندوق الاقتراع وما يفرز من نتائج من دون السعي للالتفاف عليها او تجاوزها تحت اية ذريعة كانت.

كما ان من شروط الانخراط الاخرى المهمة جدا، هو القبول، ولو المبدئي، بالدستور، على اعتباره الوثيقة القانونية التي اتفق عليها العراقيون، للالتفاف حولها، من اجل بناء بلدهم وتشييد نظامه السياسي الجديد، الذي يعتمد الحرية والتعددية والشراكة واللامركزية.

من جانب آخر، فان المصالحة هي مشروع عمل وليس للكلام والتنظير والحديث الفارغ، ولذلك يجب ان تحسن نوايا كل الاطراف ويصدقوا القول وما يتفقون عليه، من اجل ان يتحول ما يتم الاتفاق عليه الى برنامج عملي، اما ان يجلس احدهم على طاولة مفاوضات المصالحة في النهار، ويلتحق بجماعات العنف والارهاب في الليل، يخطط معهم كيف يسخر السلاح والقتل والتدمير وعمليات الاغتيال والتفجرات، لابتزاز المتحاورين، فان ذلك لا يخدم المشروع ابدا، بل انه سيدمر العملية السياسية اذا ما استمرت الحالة بهذه الطريقة، ولذلك يجب على الحكومة العراقية ان تنتبه الى من يحاول ابتزازها من اجل فضحه وايقافه عند حده، وعدم الاسترسال معه الى ما لانهاية، مهما كثرت الضغوط وتعددت الجهات الدولية والاقليمية التي تمارسها ضدها.

اعتقد ان من اراد الانخراط في مشروع المصالحة الوطنية، فقد انخرط فيها فعليا فيما مضى من الوقت الذي طال كثيرا حتى الان، ولذلك لا اعتقد ان هناك اطرافا متبقية لم تنخرط في المشروع الى الان، الا اذا كانت من تلك التي تحاول ان تسخر عنصر الزمن لتحقيق مصالح ذاتية انانية، والا لماذا ظلت تنتظر كل هذا الوقت من دون ان تقرر الانخراط في المشروع؟ ولماذا الان وقد اخلت القوات الاجنبية المدن العراقية؟ ماذا يعني قرارها اليوم الانخراط بمشروع المصالحة، ولم يعد هناك ما يبرر التفاوض مع الحكومة وقد انطلقت بداية النهاية للاحتلال الاجنبي للبلاد؟ الذي كان حجتهم لمعارضة العملية السياسية؟.

ان مثل هؤلاء لا يحرضهم على الانخراط دافع المصلحة او تغييرالمواقف من الواقع الجديد، بمقدار ما يحثهم لمثل ذلك، دافع الياس من ان يفعلوا شيئا، ولذلك نقول لهم (اذهبوا فانتم الطلقاء) اذا لم يكونوا متورطون بدم العراقيين.

ولذلك، فانا اعتقد باننا بحاجة اليوم الى العمل من اجل تكريس ما انجز من المشروع، من خلال:

الف؛ المزيد من التعاون بين الحكومة العراقية وكل الاطراف التي انخرطت لحد الان بالمشروع.

باء؛ وضع من التحق بالمشروع في مكانه اللائق ليشعر بانه تحول، بسبب قراره الصحيح في الوقت الصحيح، الى جزء من العملية السياسية وانه شريك فيها وليس اجير او ما اشبه.

جيم؛ توسيع دائرة المشروع في اطار الملتحقين، من خلال استيعاب كل العناصر الطيبة التي ساهمت والتحقت وعملت في اطار المشروع.

اما اؤلئك الذين لا زالوا يحملون السلاح بوجه الشعب العراقي، فيجب التعامل معهم في اطار قانون (الحرابة) الذي تقول عنه الاية الكريمة في محكم كتاب الله العزيز {انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم} فبعد ان سقطت كل اوراق التوت التي كان يستر بها الارهابيون عوراتهم، ولم يعد ما يتسترون به، لابد من فضحهم ومقاتلتهم بقوة وبلا هوادة، لانهم اليوم يعرضون السلم الاهلي للخطر ويهددون امن البلد واستقلاله، الذي يضعونه على كف عفريت.

 لقد قال الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطاب القسم، ان بلاده ستترك العراق للعراقيين وانها ستنسحب منه بشكل مسؤول، وقد فسر الاميركيون هذا المعنى بقولهم انهم يريدون ان يتركوا العراق وقد استقر داخليا، وانه يتمتع بكامل استقلاله، وانه يسير بشكل صحيح في طريق الديمقراطية، بمعنى آخر، انهم يريدون ان يتركونه وقد حل جميع الفرقاء مشاكلهم بشكل سليم وجذري وصحيح، حتى لا تعود الاوضاع الى المربع الاول حال تعرض العراق الى ابسط تحدي، امني او سياسي او دستوري.

ان الولايات المتحدة ارتكبت الكثير من الاخطاء التي ساهمت في تعقيد الكثير من الملفات، منذ سقوط الصنم ولحد الان، ولكن هذا لا ينسينا المشاكل والعقد الكبيرة التي ورثها العراقيون من سياسات النظام الشمولي البائد، والتي لا يمكن ان يحلها العراقيون اذا لم يصمموا هم اولا وقبل اي احد آخر على ان يجدوا لها الحلول المناسبة، ويبقى الاخرون عوامل مساعدة للوصول الى بر الامان. 

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/تموز/2009 - 28/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م