الأقبية السرية تفتتح مناقشة جادة لنظريات تطور السرد العربي

انتصار السعداوي

 

شبكة النبأ: احتفل حشد من الادباء والفنانين والقراء بتوقيع كتاب الأقبية السرية في البيت الثقافي بكربلاء وهو مجموعة قصصية جديدة للقاص علي حسين عبيد عضو هيئة تحرير شبكة النبأ المعلوماتية، وقد اتخذ هذا الاحتفال طابع التنوع (وهو أمر لافت وجميل) ولم ينحصر بالأقبية وحدها.

حيث بدأت هذه الاحتفالية بتقديم الدكتور مهند طارق التدريسي في جامعة كربلاء، بورقة نقدية تحدث فيها عن نظريات السرد والتطور الذي حدث في هذا المضمار مستذكرا ما قدمه سوسير وليفي شتراوس وغيرهما من جهد نقدي خلاق أسهم بتأسيس وتطوير نظرية النقد البنيوية وما بعدها والآفاق التي فتحتها أمام كتاب النقد والسرد بصورة عامة، بعد ذلك قرأ الدكتور مهند نبذة مما كتبه بعض النقاد والادباء في سرد القاص علي حسين عبيد وانتخب مقاطع من هذه الكتابات المنشورة لنقاد وادباء مختلفين منهم القاص والناقد المعروف جاسم عاصي والكاتبة كليزار انور والشاعر حسن النواب والروائي علي لفتة سعيد والكاتب ضياء الخالدي وغيرهم.

ثم انتقل المقدم الى محور آخر على هامش هذه الاحتفالية حمل عنون (السرد العربي ... الى أين ؟)، وابتدأ المحور بحديث موجه الى الجمهور النوعي الذي ملأ قاعة البيت الثقافي من لدن القاص عبيد الذي عرض لتجارب عدد من الكتاب والروائيين العرب المعروفين، مستهلا حديثه بتجربة الروائي المغربي الراحل محمد شكري متناولا سيرته الروائية المتفردة (الخبز الحافي) وجرأتها وجماليات السرد التي انطوت عليها بالرغم من انها عرضت للواقع السياسي الاجتماعي المأساوي للمجتمع المغربي والعربي عموما من خلال سرد تجربة التشرد والتسكع والعوز المرير الذي عاشها شكري بنفسه.

ثم جاء دور الحديث عن الروائي العربي ابراهيم الكوني وعالمه الروائي المتمثل بالصحراء وقسوتها ووحشيتها والقدرية التي غالبا ما تواجه سكانها، مستعرضا بإيجاز تجربة الكوني في عدد من رواياته ومنها نزيف الحجر والسحرة والمجوس وبعض نصوصه الاخرى، ثم تحدث القاص عبيد عن عالم الروائي السوري حنا مينا وتأكيده على انتمائه الى البحر اكثر من انتمائه الى اليابسة متحدثا عن بعض رواياته ومنها (حكاية بحار، والمصابيح الزرق، ونهاية رجل شجاع) مؤكدا على ان مينا بدأ قويا ولا يزال على الرغم من (تورطه) بالأدلجة التي قد تحد من حرية الابداع الانساني، وانتقل عبيد بحديثه الى الروائي المصري بهاء طاهر وركز على اسلوبه السردي النقي وانشغاله بمعالجة الاشكالية القديمة المتجددة بين الغرب والشرق مركّزا على تجربته في روايته الأخيرة (واحة الغروب) التي فازت بجائزة بوكر العربية في دورتها الاولى، ومن العراقيين تناول عبيد تجربة الروائي عبد الخالق الركابي وتفرده المهم في روايته الأخيرة (سفر السرمدية) التي عُدّت من لدن النقاد بأنها رواية ما بعد الحداثة مستعرضا بعض اعمال الركابي ومنها رواياته (نافذة بسعة الحلم وسابع ايام الخلق والراووق) وغيرها.

بعد ذلك قدم الدكتور خضير درويش دراسة نقدية في إحدى قصص الأقبية السرية التي حملت عنوان (الرجل الأصم) مركّزا فيها على طبيعة التركيب اللغوي لها ومحاولتها ضرب السائد من خلال معاكسة مضامين الاعراف المتفق عليها، ثم عاد مقدم الامسية ليتوجه بعدد من الاسئلة الى القاص المُحتفل به، تتعلق بآرائه الواردة في أحد الحوارات التي أجريت معه سابقا، وكان من بينها سؤال يتعلق باتهام البعض لعلي حسين عبيد بأنه يكرر نفسه وشخصياته كما حدث في قصة نتوء الشيطان ورائحة الاب ورواية طقوس التسامي، حيث تتكرر شخصية المرأة في هذه الاعمال الثلاثة (حتى بالإسم) وقد علق عبيد على ذلك قائلا: ( يقول بودلير-ما مضمونه- إن بوادر الابداع والتميز ستظهر لدى الانسان الذي يحب ويعشق في عمر مبكر، تسع سنوات او أقل، أما أنا فقد وجدت المرأة النموذج في الريف الذي نتحدّر منه وهي امرأة قروية عظيمة بحنوها وعاطفتها وحنانها الكبير، كانت عندما تراني تفتح ذراعيها من بعيد وتقبل عليّ تحضنني بذراعيها فأشم رائحتها الزكية التي لن انسى نكهتها حتى هذه اللحظة وتمسد بكفها على شعر رأسي، وشعرت في وقتها انها سكنت قلبي، إنني أحببت ولا زلت أحب تلك المرأة –حبيبة الطفولة- وسأبقى أحبها لأنها النموذج العظيم للروح الانسانية التي لا تقبل النسيان مطلقا، هذه المرأة هي بطلة قصتي نتوء الشيطان، وهي نفسها بطلة رائحة الأب كما انها زكية بطلة روايتي طقوس التسامي، وربما ستظهر مجددا في اعمال قادمة، فإذا كان هذا التكرار المتهم به، فأنا لا أرفض هذه التهمة بل سأبقى متمسكا بها في أعمالي القادمة).

ثم فُتح باب النقاش للحاضرين حيث بدأه القاص الراوئي الناقد جاسم عاصي بتعليق حول نظريات السرد ثم تطرق لتجارب بعض الروائيين العرب والعراقيين من الذين وردت تجاربهم في هذه الامسية، ليصل الى الحديث عن تجربة القاص المحتفل به قائلا: (لي الشرف أن أكون مواكبا لتجربة القاص علي حسين عبيد منذ بواكيرها، وهو يتذكر الآن كم احتفينا به حين كنا نقيم الاماسي السردية في اتحاد ادباء بابل وفي كربلاء وقد تناولت كتاباته القصصية الاولى التي كانت ترصد الواقع وتقدمه وفق رؤية واقعية لا تخرج عن هذا الاطار، لكنه بعد ان تعرض الى حادث مميت ألزمه الفراش شهورا كتب قصة بعنوان فضاءات الوهم عبر فيها الى مرحلة المتخيّل الروائي لتجيء بعد ذلك قصته نتوء الشيطان التي شكلت طفرة في مسيرته السردية).

وأضاف عاصي قائلا: (بودي أن أشير الى اننا كنا نحتفي بالغرس الجديد ونفرح به ونمد له أيدينا كما حدث مع القاص علي حسين عبيد ولا نشعر بخطر الموهبة الجديدة علينا، على العكس مما يحدث الآن حيث تتم محاربة المواهب الجديدة مخافة ان تشكل خطرا على الراسخين، لذلك ينبغي التنبّه لهذه الحالة الخطيرة وتجاوزها من قبل المعنيين).

تلت ذلك كلمة الكاتب والاعلامي لطيف القصاب التي أشاد فيها بتلقائية القاص عبيد التي أضفت بدورها متعة وجمالية على هذه الاحفالية الحوارية المميزة.

وفي الختام قدم الدكتور محمد عبد فيحان هدية البيت الثقافي في كربلاء للقاص علي حسين عبيد متمنيا له مزيدا من الابداع المتجدد.

لقطات:

· بدت حيوية هذه الاحتفالية الحوارية واضحة من خلال تفاعل الحضور مع المشاركين بصورة متميزة.

· كان للحضور النسوي موقعه في هذه الامسية ممثلا ببعض الكاتبات والاعلاميات المتميزات.

· كان الحضور لافتا ومميزا حيث امتلأت مقاعد قاعة الاحتفال.

· غطت بعض الفضائيات والاذاعات والصحف هذه الامسية بصورة وافية.

· وزع القاص عبيد نسخا من مجموعته المحتفل بتوقيعها مع نسخ أخرى من مجموعته كائن الفردوس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تموز/2009 - 25/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م