من نقد الآخر.. إلى مراجعة الذات

أحمد شهاب

قبل أربع سنوات تقريبا، صدر تقرير عن الخارجية الأميركية أشار إلى وجود دلائل على وجود تمييز طائفي وانتهاك لحقوق الإنسان في بعض دول الخليج، وسبق هذا التقرير ولحقه عدد من التقارير والبيانات من منظمات حقوقية دولية، أكدت فيها عدم التزام دول الخليج، أو بعضها على الأقل، بالمعايير الدولية للحريات العامة وحقوق الإنسان، وقد تزامنت تلك التقارير مع اشتداد العنف في المنطقة، ما حدا عدد من الكتاب والسياسيين على الربط بين غياب الحريات في الخليج وانعدام الأمن في المنطقة.

وقبل أسابيع معدودة ظهر تقرير وزارة الخارجية الجديد حول «الاتجار بالبشر» للعام 2009، واتهم التقرير الحكومة الكويتية بعدم التزام المعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر، وأنها لا تبذل جهودا كافية لتحقيق ذلك..

وكان قد صدر في أوائل ابريل الفائت تقرير مفصل عن مركز خدمة الأبحاث في الكونغرس الأميركي تناول مسألة «التوتر السني- الشيعي» في الكويت، حيث لاحظ الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط «كينيث كاتزمان» وجود إشارات لتوتر سني- شيعي بسبب شعور المواطنين الشيعية بالحد من فرص تلقي التعليم الديني، وعدم الرغبة الحكومية في السماح ببناء مساجد، وهذه كانت إما غائبة في الماضي، وإما كان يتم التعتيم عليها.

يشير تزامن صدور تقارير المنظمات والهيئات الدولية حول ملف انتهاك حقوق الإنسان، وتراجع الحريات المدنية، مع اشتعال النزاعات الداخلية أو تراجع دور الدولة على المستوى الدولي، إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي أن قوة الدول واستقرارها إنما ينبع من قدرتها على الدفاع عن الحريات داخلها، ونجاحها في توفير أعظم قسط ممكن من الحرية والمساواة لجميع الأفراد القاطنين على أراضيها، كما يشير إلى أنه لا يمكن لأية دولة أن تُثبت قوتها ومكانتها الدولية ما لم يكن مواطنوها ينعمون بالحرية والمساواة، ويشعرون بان الدولة تحولت إلى مظلة جماعية، فهذا الشعور هو الكفيل بتحقيق توافق عام بين السلطة ومصالح المجتمع.

إذ أرادت الدولة أن تستعيد مكانتها ونفوذها فعليها أن تتصالح داخليا مع مكوناتها المختلفة، وان تنشط في حقل الإصلاح الداخلي، إن قضايا مثل الحريات العامة، والمساواة الوطنية، وحقوق الإنسان، لم تعد عناوين تجميلية وتجارية، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، بل تحولت إلى مقياس دولي للتعرف على وضعيات دول العالم، ويحتم ذلك ضرورة المسارعة نحو بلورة تقاليد وقيم واضحة في مجال تعزيز الحريات المدنية والديمقراطية، والسعي إلى إيجاد ضوابط صارمة في قضايا حقوق الإنسان، والتصدي لكافة أشكال الانتهاكات ورصدها وتحليلها، وتفعيل أداوت الرقابة والمحاسبة، وسن تشريعات تحمي كرامة الأفراد، وتطوير التدريبات المعنية بمكافحة كل أشكال انتهاك حقوق البشر.

لكن حسب معطيات الواقع، فإن الجهد الرسمي أو الأهلي الداعم لحقوق الإنسان والراصد للحريات المدنية، والمتابع لحركة ومسارات التطور الديمقراطي المحلي، لا يزال في عداد الأنشطة المغيبة في دول الخليج بصفة عامة، ولا تزال جمعيات النفع العام المحلية مجرد مجالس إدارات ومكاتب شكلية، لم تقدم مساهمات ملموسة على أرض الواقع، ولم تُثبت أهليتها للتصدي للمشكلات القائمة، أو اقتراح الحلول المناسبة لها.

لا أحد ينكر وجود انتهاكات متفاوتة على حقوق العمالة، وتعدٍ على الحريات العامة، وتمييز مذهبي مهما بدا محدودا، ويفترض أن يتحلى المجتمع بالشجاعة اللازمة لمواجهة تلك الحقائق مهما بدت قاسية ومرّة، على افتراض أن الاعتراف بالخطأ ومراجعة الذات، هي الخطوة الأولى لتصحيح المسار، والبدء في معاجلة الأخطاء قبل أن تتحول إلى غول يصعب مواجهته أو تفكيكه، كما هو حاصل فعلا في الكثير من الدوائر.

أعرف أن ردة الفعل على التقارير السالفة الذكر كانت ولاتزال قوية، ولم تحظ بالكثير من الاستحسان، لا على المستوى الرسمي ولا الشعبي.

وبغض النظر عن دوافع تلك التقارير وخلفياتها السياسية، فإنها باعتقادي تعد «ضرورة ملحة» تساهم في التعرف على وضعيات الحريات المدنية وقياس درجة الفساد في دولنا، وبالتالي تحديد موقعنا كدول ومجتمعات من العالم الحديث.

* كاتب من الكويت

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تموز/2009 - 25/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م