الأسرة و تحديات مواطن الاغتراب

بشرى الخزرجي- لندن

كان من إفرازات العنف داخل المؤسسة التعليمية في بريطانيا والذي ارتفعت مؤشراته فترة  التسعينات أن عمدت تلك المؤسسات إلى نصب كاميرات وأجهزة كشف على بواباتها الداخلية والخارجية، فبعض المدارس ضبطت تلاميذا في سن المراهقة وهم يحملون أسلحة نارية وقسما منهم كان يحمل أدواة جارحة خطرة كالسكاكين والمشارط وغيرها، مما أثار الهلع والفزع بين الطلاب والمدرسين معا.

ولم تتسامح أو تتهاون دوائر المدارس التي شهدت فصولها الانهيار السلوكي غير المنضبط والذي كان حديث الساعة في بريطانيا، مما دعاها إلى معاقبة الطلبة بمنعهم المشاركة في فصول الدرس أو الفصل وحتى الطرد إن تطلب الأمر ذلك، وفي ظل حالات الانفلات السلوكي والأخلاقي في بعض المراكز التعليمية صدرت في حينها تصريحات كانت أشبه بالتلميحات لولي العهد البريطاني الأمير تشارلز عام 1996م تدعو إلى معاقبة المشاكسين بصفعات وصفها تأديبية يكون من شأنها إعادة التلميذ إلى جادة الصواب! إلا أنها قوبلت بهجوم عنيف من قبل وسائل الإعلام البريطاني والتي قالت ان الأمير يريد ان يعيد العصا ليد المعلم ثانية، وهو بذلك يريد ان تعود عقوبة الضرب لتأخذ مكانها كما في السابق حين كان المعلم البريطاني يستعين بها! لأجل تهذيب التلاميذ الذين يسيؤون الأدب والآخرين الذين يحدثون الضوضاء أثناء الدرس.

وبطبيعة الحال لم يكن الأمر كذلك، فقول الأمير السابق الذكر كان عبارة عن رأي جاء في سياق الحديث عن أخلاقيات الدين الإسلامي ودورها الفاعل في قيادة الأبناء نحو الطريق الصحيح والمسلك القويم وشيء عن فلسفة الثواب والعقاب، فمن المعروف عن الأمير تشارليز تأييده وتشجيعه لمدارس الجاليات في بريطانيا وعلى اختلاف انتماءاتها وهو من يدرك أهمية الالتقاء بالمؤسسات التعليمية بين الحين والأخر، وفي لقاء بالجالية المسلمة البريطانية العام 2001م وكان في مدرسة الداعية الإسلامي يوسف إسلام (مطرب الروك البريطاني الشهير ستيفن جورجيو الذي اعتنق الدين الإسلامي عندما كان شابا في سن 28 بعد تعرضه كما ينقل عنه لحادث غرق كاد أن يؤدي بحياته)، تحدث الأمير عن دعم الجاليات ومراكزهم التعليمية والاستماع لمشاكلهم ومتطلباتهم وضرورة حلها، وعبرَعن أمله  في أن يرى التلاميذ المسلمين وهم يملأون مواقع هامة في المجتمع البريطاني داعيا الغرب إلى أهمية التعلم من الإسلام وقيمه السامية.

نجاح المسلمين البريطانيين في جذب انتباه الحكومة البريطانية إلى وجود الطالب المسلم ومدى فاعليته بين أقرانه داخل المحيط المدرسي، قد دفع إلى التقليل من خطر ضياع أو فشل الأبناء في خوض تجربة حياة اجتماعية مدرسية قد تبدو متباينة في ما يخص مسألة الحفاظ على العقيدة ومبادئها والتقاليد وطقوسها، وأصبح للطالب المسلم داخل المدرسة حقوق معلومة وواضحة يمارسها متى ما شاء وكيف ما شاء، فمثلا للطالب حق إقامة الصلاة في أوقاتها أثناء الدوام حيث خصصت معظم المدارس والمعاهد والجامعات البريطانية غرفا لهذه الفريضة، وكذا هي فريضة الصوم للطالب المسلم أن يصوم وتراعى مشاعره فترة الغذاء بأن يوفر له جو هادى بعيدا عن قاعة الطعام وإغراءاتها حيث روائح الوجبات التي يسيل لها لعاب الجائعين، والحجاب وحق الفتاة المسلمة في ارتداءه  في المراكز التعليمية وغيرها.

إن توافر أجواء التعايش السلمي المبني على احترام الخصوصيات الدينية والثقافات العرقية بات من سمات العاصمة لندن المميزة، فنحن نعيش في مدينة تعد الأولى من حيث التنوع والتعدد وفي إحصائية عام 2007م هناك 300 لغة ينطق بها سكان المدينة الكبيرة هم نسيجها الاجتماعي المليء بالألوان والإشكال.

يشكل المهاجر العراقي لونا يبدو بارزا نوعا ما في لوحة الخارطة الاجتماعية اللندنية على الرغم من قصر المدة الزمنية لتواجده مقارنه بالجاليات الأخرى التي سبقته في القدم كالهندية والباكستانية واليمنية والإفريقية أيضا، وهو يحاول أن يسجل حضورا في المجالات كافة لا سيما الجيل الثاني من المهاجرين و المقيمين، فلا نستطيع ان ننكر دور المبدع العراقي على الساحة البريطانية ولدينا أسماء مهمة تعمل في ميادين وتخصصات تبعث على الفخر من أطباء ومهندسين ورجال أعمال وباحثين من كلا الجنسين تركوا بصماتهم الجلية في مجال عملهم مما يدعو إلى الاعتزاز بهم وبنتاجاتهم، إذ لا يفوتني ان اذكر وعلى سبيل المثال المهندسة المعمارية والعبقرية العراقية المقيمة في لندن زهاء الحديدي التي حصلت على العديد من الجوائز العالمية في مجالها وقد كرمت بوضع صورة ضوئية لها في متحف اللوحات الزيتية الكلاسيكية القديمة والفن الحديث وسط العاصمة (الناشيونال كاليري)، فمن لا يعرف هذه المرأة المبدعة وهي من يشيد بها القاصي قبل الداني.

 ورجوعا للطالب العراقي الذي نشأ في بيئة تختلف عن بيئة أهله من حيث العادات والتقاليد والثقافات المتنوعة، التي شكلت للكثير من الأهالي قلقا دائما على مستقبله ليس التعليمي والمهني فحسب إنما الأخلاقي والديني وهو الأصل، ولأنني وعن تجربتي أم نشأ أولادها في الأجواء التي نتحدث بها أرى الأمر في الغالب يعود للأسرة والبيت فمتى ما تحملت الأسرة مسؤولية تربية أبنائها التربية الصحيحة السليمة وحمتهم بدرع الإيمان والأخلاق الفاضلة، وقتها لا تبالي عليهم من الاختلاط والانخراط وكسب المعارف والخبرات الحياتية، وسيتبدد بعدها هاجس الخوف من الانحلال والضلال أمام مساهمات ونشاطات الأبناء الأعزاء الذين اثبتوا دورهم المؤثر في محيطهم الاجتماعي والشواهد لدينا كثيرة ونماذج نجاح معظمهم في سن سنن حسنة بين زملائهم من خلال إبراز الأخلاق الحميدة والسلوك المتوازن الذي تربوا عليه داخل أسرهم بينة، حتى أن البعض من العوائل البريطانية فضلت لأولادها الالتحاق بمدارس ذات تنوع عرقي وديني واسع لإيمانها بأهمية التقاء الحضارات و تأثيره  الايجابي عليهم وعلى تحصيلهم العلمي.

ان مسألة انخراط الفرد المغترب في مجتمعه ومحيطه مسألة ضرورية تفرضها الحياة ومتطلباتها، يراها البعض ضياعا للقيم والتقاليد! و يهمني هنا النظر بعين الإيجاب تجاوزاً على النظرة السلبية التي يركز عليها إعلامنا بتعرضه للتواجد الإسلامي والعربي في ساحات المهجر، فالعديد من وسائل الإعلام تنظر للموضوع من المنظار السلبي ذي الاتجاه الواحد، مكونة بذلك صورة مشوشة غير واضحة لدى الأهالي والأقارب داخل الوطن، لا ادري ربما العذر في ذلك صرف أنظار الذين يرون في الهجرة النعيم المنتظر والمفقود في بلدانهم!، واذكر عند زيارتي الأولى مع أفراد عائلتي للعراق بعد السقوط عام 2004م سأل احد أقربائي وهو شاب جامعي  أول ما سأل به ولدي الكبير وكان عمره وقتها 16 سنة عن علاقاته مع الجنس الآخر وهل لديه صديقة في بريطانيا! الصداقة التي قصدها قريبي غير التي يعرفها ولدي طبعا! فأجابه وبكل براءة نعم لدي صداقات لكن ليس كما تعتقد أنت.

 نظرة الانحلال وفكرة انسلاخ المغتربين عن الدين والأخلاق التي تكونت عند هذا الشاب الذي يعيش داخل الوطن من روج لها؟ ومن الذي عمل على ترسيخها في ذهنه! بالطبع لا ألومه عليها فهو يشاهد فضائيات ووسائل إعلام تتجاوز ومن خلال أعمالها الدرامية والوثائقية على واقع المهاجر وهي تركز على سلبيات من ارتضوا لأنفسهم الانحلال والسقوط في ملذات الدنيا وأولئك الذين يتجاوزون على حقوق الدولة التي تحتضنهم بأنواع الاحتيال والتزوير والكذب دون الآخرين الذين يسعون فيها بكل كفاءة وتقدم واحترام.

................................................

* فرحة نجاح وتفوق

يطيب لي وبكل فخر أن أبارك لقرة عيني وثمرة فؤادي ولدي الغالي رضا نضير رشيد الخزرجي بمناسبة حصوله على البكلوريوس ونجاحه بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة (برونيل) الشهيرة الواقعة شمال غرب لندن... ألف مبروك حبيبي رضاوي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/تموز/2009 - 20/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م