الانسحاب الأمريكي من مدن العراق: وجهات نظر الإعلام الأمريكي

 

شبكة النبأ: في الثلاثين من يونيو المنصرم بدأت القوات الأمريكية العاملة في العراق الانسحاب من المدن العراقية، وتسليم المهام والمسئوليات الأمنية لقوات الأمن العراقية، وقد شهد العراق ـ على خلفية ذلك - احتفالات كبيرة بهذه المناسبة، وأعلنت الحكومة العراقية يوم الثلاثين من يونيو يوم عطلة رسمية، أطلقت عليه اسم "يوم السيادة الوطنية" فى إشارة إلى استعادة العراقيين السيطرة على بلدهم بعد ست سنوات من الغزو الأمريكي.

وقد أثار هذا الانسحاب الذي جاء وفقًا للجدول الزمني الذي أعلنه الرئيس باراك أوباما منذ أن كان مرشحًا للرئاسة، وأدخل عليه بعض التعديلات بعد وصوله إلى البيت الأبيض كثيرًا من التساؤلات حول ما يمكن أن يتمخض عنه من تأثيرات ليس فقط على مستقبل العراق، ولكن أيضًا على مستقبل المصالح الأمريكية فى المنطقة، خاصة في ظل دفع كثيرين بأن مهمة الولايات المتحدة وقواتها المسلحة لم تنتهِ بعد فى العراق. وفي هذا السياق جاءت متابعات وسائل الإعلام الأمريكية،خلال الأيام الماضية. بحسب موقع تقرير واشنطن.

نجاحات هشة

من جانبها اعتبرت افتتاحية صحيفة الواشنطن بوست أن اليوم الذي احتفل فيه العراقيون بالانسحاب الأمريكي، باعتباره يوما قوميا للسيادة الوطنية، وإن كان مدعاة للاحتفال، إلا أنه أيضًا مدعاة للقلق والخوف أيضًا.

وأسهبت الافتتاحية في شرح أسباب هذا الخوف بطرحها مجموعة الأحوال الجديدة التي يعيشها العراق في الوقت الحالي، خاصة منذ أن تم زيادة عدد القوات الأمريكية فى العراق منذ ما يقرب من العامين والنصف، في إطار الاستراتيجية الجديدة التي اتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة، من أجل العمل على استعادة الاستقرار المفقود بسبب الحرب، حيث كان العراق مهددًا بالدخول في حرب طائفية، مع إمكانية حدوث تقسيم طائفي للبلاد بين السنة في الوسط والشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، ولكن الآن – كما تذكر الصحيفة - وبعد أكثر من عامين من تطبيق هذه الاستراتيجية، يبدو أن العراق اليوم أكثر أمنًا ورخاءً، حيث انخفضت معدلات العنف بنسبة كبيرة وصلت إلى حوالي 90%، كما يشهد المناخ السياسي في البلاد عملية تحول كبيرة نحو إدارة الصراع السياسي بعيدًا عن العنف، وذلك بالاعتماد على الأدوات السلمية، حيث تركز غالبية القوى السياسية - فى الوقت الحالي - على التنافس في الانتخابات القادمة أكثر من التركيز على كيفية المواجهة المسلحة مع بعضها بعضًا في الشارع.

واعتبرت الصحيفة أن هذا الأمر يمثل تغييرات غير عادية وإنجازات كبيرة تحسب للولايات المتحدة الأمريكية وقواتها المسلحة كما يحسب أيضًا للجانب العراقي، مشيرة إلى أن البعض رأى – ومنهم الإدارة الأمريكية الحالية - فى بداية انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية بمثابة تتويج لنهاية المهمة الأمريكية في العراق، ولكن هذه الآراء – كما تقول الصحيفة – أغفلت كثيرًا من المؤشرات التي تدل على أن هناك كثيرًا من المخاطر التي ما تزال قائمة فى العراق، وهى بدورها مخاطر تهدد مجموعة الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية، فعلى سبيل المثال لم تعط إدارة الرئيس باراك أوباما اهتمامًا كبيرًا لمجموعة التحديات السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي تواجه العراق فى الوقت الحالي وهى تحديات وصعوبات مرشحة للاستمرار خلال الفترة المقبلة، أيضًا لم تهتم الإدارة بإمكانية أن تعصف تحركاتها وسياساتها الجديدة بمجموعة النجاحات والإنجازات التي تحققت على مدار السنوات القليلة الماضية.

مخاطر جمة سقطت من حسبان الإدارة الأمريكية

ثم بعد ذلك انتقلت الافتتاحية إلى تفصيل هذه المخاطر، ولفتت الانتباه إلى أن أولى هذه المخاطر هو تنظيم القاعدة وغيره من المجموعات المتشددة، التي ما تزلْ نشطةً بقوة على الأراضي العراقية، والدليل على ذلك مجموعة الهجمات التي شنتها هذه الحركات الإرهابية خلال الأيام القليلة الماضية، والتي أدت بدورها إلى مقتل أكثر من 200 شخص فى واحدة من أسوأ العمليات الإرهابية فى العراق، أما ثاني هذه المخاطر فيأتي من الحدود الشرقية، حيث الدولة الإيرانية التي تعمل – بشتى الطرق - على تعويق أي تقدم على طريق استعادة العراق لاستقراه وأمنه، حيث لفتت الافتتاحية الانتباه إلى أن كثيرًا من التقارير الواردة من قادة الجيش الأمريكي تؤكد استمرار تدفق الأسلحة عبر الحدود الإيرانية إلى العراق، أيضًا هناك ثالثًا عدم قدرة – أو بالأحرى عدم رغبة القيادة السورية – في ضبط حدودها مع العراق، ما يسهم فى استمرار تدفق المقاتلين الأجانب إلى الداخل العراقي عبر الحدود مع سوريا، وهناك أخيرًا مجموعة من التحديات الداخلية التي تواجه الحكومة العراقية، والتي من أبرزها المواجهة الدائرة الآن فى المناطق الشمالية، حيث الأمور مشتعلة بين العرب والأكراد حول من ستكون له اليد العليا على ثروات المنطقة، خاصة احتياطات النفط الكبيرة التي تذخر بها المنطقة، وما يرتبط بذلك من تحديد مصير مدينة كركوك.

ومن ناحية أخرى أكدت الصحيفة أن كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عمدَا دائمًا على التقليل من أهمية هذه المخاطر، ولكل منهم مبرراته ودوافعه، فالرئيس الأمريكي يريد أن يلتزم بالجدول الزمني الذي أعلنه لانسحاب القوات الأمريكية فى العراق. أما رئيس الوزراء العراقي فيريد أن يظهر بمظهر البطل والزعيم القوي، الذي تمكّن من تحقيق حلم وحدة العراق وقوميته، خاصة وأن الانتخابات التشريعية اقترب وقت إجرائها، هذه الدوافع والمبررات جعلت كليهما يقلل من شأن مشاكل الإرهاب والتحديات السياسية التي تواجه العراق والعراقيين في الوقت الحالي.

وتنتهي الافتتاحية بالتأكيد على أن هذه المخاطر التي تواجه العراق حاليًّا، يمكن أن تلعب الولايات المتحدة دورًا كبيرًا في التقليل من آثارها السلبية، من خلال مساعدة العراقيين على التوصل إلى اتفاق حول مستقبل كركوك، والإسهام في تحجيم الدورين الإيراني والسوري، وبالإضافة إلى ذلك الإسهام في وضع الترتيبات التي تقوم بها الحكومة العراقية من أجل الانتخابات، والتي يعول عليها الكثير لمواجهة النزعات الطائفية التي انتشرت فى العراق. أما رئيس الوزراء العراقي فعليه محاولة التواصل مع القيادات السنية، والتي شاركت بفاعلية فى قوات الصحوة العراقية، وحاربت مقاتلي تنظيم القاعدة، وأن يعمل على تحقيق الوعود التي قطعتها الحكومة العراقية تجاههم، خاصةً توفير الوظائف التي وعدتهم القيادات العراقية بتوفيرها لهم.

أوباما وبوش: رؤية باهتة في مواجهة رؤية محددة واضحة

وفي تقرير أعده جون بي حنا John P. Hannah لصحيفة لوس أنجلوس تايمز أكد أنه في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة يبدو أن الالتزامات التي قطعها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بالانتصار فى العراق قد ذهبت أدراج الرياح، وشدد على أنه بالرغم من الأخطاء الكثيرة والمكلفة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية السابقة إلا أنها وعت ضرورة تحقيق نصر حقيقي ومؤثر فى العراق، لذلك رأت أن أي سحب للقوات الأمريكية من العراق قبل إتمام المهمة التي من أجلها تم شن الحرب، سوف يصاحبه نتائج كارثية على العراق، وعلى الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لأن مثل هذا الأمر سوف يجرئ كثيرًا من القوى المناوئة خاصة تنظيم القاعدة وإيران على تحدي النفوذ الأمريكي في المنطقة، كما أنه سوف يقوض من مصداقية الولايات المتحدة وسياساتها على امتداد منطقة الشرق الأوسط، ولن تقف الأمور عند هذا الأمر – كما يسوق الكاتب – بل إن العراق سوف يكون مرشحًا لحالة فوضى عارمة، كل هذه الأمور سوف تمثل تهديدًا خطيرًا للمصالح الحيوية للولايات المتحدة فى المنطقة.

وفي السياق ذاته، أكد حنا Hannah أن من الأشياء الإيجابية الأخرى التي قامت إدارة الرئيس بوش، أن سلوكها وسياساتها عبرت عن فهم عميق بضرورة الوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها تجاه العراق، خاصة تلك المتعلقة بضرورة إقامة دولة ديمقراطية مستقرة، والتي بدورها تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة على المدى البعيد، على اعتبار أن هذه المنطقة هي التي أخرجت هؤلاء الشباب الذين هاجموا الولايات المتحدة فى الحادي عشر من سبتمبر، حيث وفرت الأحوال التي تمر بها المنطقة التربة الملائمة لنمو مثل هذه الاتجاهات المتطرفة من قبيل الأيديولوجية والتمويل والقيادة، لذلك كانت الحرب على العراق فرصة تاريخية للولايات المتحدة لبناء دولة ديمقراطية حديثة، دولة تعتبر من أهم دول المركز في العالم الإسلامي، لتراثها الثقافي والسياسي والديني.

وينتقل الكاتب إلى تحليل الاستراتيجية الأمريكية تجاه العراق فى عهد الرئيس الجديد باراك أوباما، حيث أكد أن كل الالتزامات التي تعهد بها الرئيس الأمريكي السابق بوش أخل بجميعها الرئيس الحالي، حيث انطلق أوباما في سياسته الجديدة من عدم اقتناعه أساسًا بمبررات ودوافع شن هذه الحرب، واعتبرها خطأ كبيرًا ارتكبته الإدارة السابقة، وعلى هذا الأساس تحرك أوباما منددًا بالفشل الذي تمثله الحرب على العراق، كما أنها – من وجهة نظره - جلبت كثيرًا من الآثار السلبية النفسية والسياسية على صورة ومكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، ولذلك لم يكن التزامه تجاه مستقبل العراق التزامًا واضحًا محددَ المعالم.

مستقبل العراق على المحك

وحول طبيعة التأثيرات التي يمكن أن تتمخض عن تنفيذ الانسحاب الأمريكي من العراق، أكد حنا Hannah أنه عندما اتخذ بوش قراره بشن الحرب كانت العوامل النفسية على قدر أهمية العوامل العسكرية ذاتها، لذلك كان قراره بمضاعفة عدد القوات الأمريكية فى العراق - بعد أن تدهورت الأوضاع هناك - بمثابة رسالة قوية ليس فقط لأعداء الولايات المتحدة وإنما أيضًا لحلفائها في المنطقة وللعراقيين أنفسهم، مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن العراق، هذا الأمر طمئن كثيرًا العراقيين وأعطاهم انطباع بأن الولايات المتحدة سوف تقف بجانبهم في مواجهة تنظيم القاعدة والمليشيات المدعومة من الجانب الإيراني، علاوة على مساعدتهم فى إقامة دولة مستقلة ديمقراطية متعددة.

إلا أن أوباما – كما يشير الكاتب – هدد كل هذه المكاسب، بل إنه أسهم - بمجموعة السياسات التي طرحها - فى حدوث تراجع وتدهور في الأمور داخل العراق، حيث بدأ الحديث عن أن الانسحاب وليس الانتصار باعتباره الأولوية الأمريكية الأولى خلال رئاسته للتعامل مع المعضلة العراقية، مما أسهم في سيادة انطباع لدى العراقيين بأن الولايات المتحدة تتخلى عنهم، وأنها أضحت أكثر اهتمامًا بالانخراط مع إيران لحل الموضوعات العالقة بينهم، أكثر من الاهتمام ببناء ديمقراطية عراقية مستقرة، كما أعلن بوش قبل شن حربه على العراق فى عام 2003، هذه الأمور جعلت العراقيين يتساءلون عن الدور الأمريكي في العراق منذ أن جاء أوباما إلى السلطة، وهل هذا الدور في طريقه إلى الاختفاء؟ مما آثار كثيرًا من المخاوف لدى عديدٍ من المسئولين العراقيين. 

وفي النهاية يخلص الكاتب إلى أنه إذا كانت الإدارة الأمريكية السابقة قد ارتكبت كثيرًا من الأخطاء المكلفة فى أثناء الحرب، إلا أن هذه الحرب بدورها حققت نجاحًا معقولاً فى طريق تحقيق الهدف منها، ألا وهو بناء عراق مستقل ديمقراطي متعدد، وأكد حنا Hannah أيضًا أن الإدارة الجديدة فى مقدورها أن تكمل هذا النجاح الذي بدأته الإدارة السابقة، ولكن بشرط أن يرتبط الانسحاب الأمريكي من العراق بمستوى عالٍ من المساعدات الاقتصادية والدعم الدبلوماسي، والعمل الجاد مع العراقيين من أجل مستقبل أفضل لهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/تموز/2009 - 16/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م