من يفي بوصية الإمام الراحل

خامنئي أم رفسنجاني؟

د. ريتا فرج

قبل رحيل الإمام الخميني استدعى تلميذيه علي خامنئي وعلي رفسنجاني الى جانب فراشه حيث حذرهما من الفرقة وقال لهما: " لقد تغلبتُ على الامبراطور الذي حظي بدعم العالم وذلك بدعم الشعب لي، غير أن هذا الدعم لن يستمر لكما إذا شعر الشعب أنكما على خلاف، عليكما أن تكونا سنداً لبعضكما البعض، احذركما من النفاق ومن حاشيتكما؛ إن جاءك أحد يا ابني علي وقال إن علي أكبر ينتقدك ويتآمر عليك، ولو زارك يا ابني علي أكبر أقرب الناس اليك وبدأ يهمس في اذنيك كلاماً ضد علي عليكما طردهما وعدم الانصياع الى كلامهما".

فمن يفي بوصية الإمام الراحل؟ وكيف يمكن قراءة المشهد السياسي في إيران إثر الانتخابات الرئاسية وتداعياتها؟

 تاريخياً ومنذ بداية الثورة الإسلامية عام 1979 حتى وفاة الخميني يعتبر رفسنجاني وخامنئي من أهم رموزها، فقد رافقا مراحل الاعداد لها، ولم تشهد العلاقة بينهما أي توتر بل على العكس تقاسما أيام الحزن والفرح ودخلا السجن معاً ثم تحولا الى قطبين سياسيين يحكمان الشعب الايراني. غير أن الشرخ الكبير الذي فصل بين القائدين يمكن ارجاعه الى الانتخابات الرئاسية عام 2005، بحيث اتخذ خامنئي خياره بدعم محمود أحمدي نجاد ضد رفيقه في طريق الثورة، وبعد فوز علي أكبر برئاسة مجلس الخبراء يوم 4/9/2007 توتر العلاقة بينهما، آنذاك حصل رفسنجاني على 41 صوتاً من أصل 76 عضواً شاركوا في التصويت في المجلس الذي يضم 86 عضواً، مقابل 34 صوتاً لرئيس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي الذي يعتبر من أبرز المقربين الى الرئيس نجاد.

 على مستوى إدارة ملفات إيران الداخلية والخارجية يميل مرشد الثورة علي خامنئي الى النهج المحافظ، في حين يتجه رفسنجاني صاحب الشخصية البراغماتية القابلة للحوار مع الغرب الى النهج الوسطي إذا لم نقل الإصلاحي ولو بوتيرة حذرة؛ ومع تشديد الحصار على الاصلاحيين وزيادة الضغوط الخارجية على إيران سيما ما يتعلق بالملف النووي، ودعم حركات المقاومة من بينها حزب الله وحركة حماس تصاعد الصراع بين القطبين رغم نفي خامنئي مرات عديدة لوجود مثل هذه الحالة داخل قيادات الجمهورية الإسلامية، خاصة بعد حضوره في 9/9/2007 للاجتماع الأول لمجلس الخبراء الذي يرأسه رفسنجاني.

أما الواقع الذي ظهر على السطح بوتيرة عنيفة هذه المرة فهو يُنذر بتحولات نوعية داخل إيران كنتيجة طبيعية لصدام الأقطاب، فالانتخابات الرئاسية كشفت عن عمق الحراك السياسي وتأزمه في آن ووصوله الى طريق مسدود، فالسلطات المطلقة التي يتمتع بها الولي الفقيه تقف حاجزاً أمام التغيير الذي يطالب به التيار الاصلاحي _ مع العلم أنه يمكن إقصاؤه من قبل مجلس الخبراء إذا انحرف عن مسار الثورة الايرانية أو إذا فقد بعض خصائص القيادة _ وعليه فإن إيران مرشحة الى مزيد من الفوضى، فالدين لا يستطيع تغطية الفقر والبؤس الشديد الذي تعاني منه شريحة كبرى من الايرانيين.

 عدا ذلك لا يمكن مقاربة ما يحدث في إيران بعيداً عن البانوراما الاقليمية والعالمية الآخذة في التبدل والتحول على إيقاع حكومة متطرفة في إسرائيل تصرح جهاراً بحتمية الضربة العسكرية لجمهورية آيات الله على خلفية ملفها النووي.

 الى ذلك فالصراع على قيادة إيران بين الاصلاحيين والمحافظين والذي وصل الى ذروته مع الانتخابات الرئاسية وتداعياتها، قد يمهد الى حقبة جديدة تشي بقلب الاوراق الداخلية، الأمر الذي سيكون له تأثيره في الملفات الاقليمية التي تضطلع بها الثورة، سيما على الجبهات العراقية واللبنانية والفلسطينية؛ فهل يخرج رفسنجاني من عباءة الولي الفقيه، ولا يفي بوصية الإمام الراحل؟ وهل يتخذ خامنئي المبادرة في إعادة الثورة الى مسارها الصحيح كـ مرجعية دينية ويحفظ بدوره كلام آية الله الخميني؟

 المشهد السياسي في بلاد فارس يقدم أجوبة معاكسة على التساؤلات المتقدمة، فالثورة غير قادرة على تلبية مطالب الشعب الايراني، والاصلاحيون حاولوا مع خاتمي تسريع الاصلاح لكن محاولاتهم أُفشلت من قبل التيار المحافظ، والحال فإن الأسابيع القادمة لا تبشر بحلول مرتقبة وكل طرف يريد إلغاء الطرف الآخر، والشارع الايراني يمر بحراك اجتماعي غير مسبوق منذ بداية الثورة وهو أمام خيارين: إما المحافظة على الثورة الإسلامية بروحية مغايرة لتعاليم الإمام الخميني، وإما اللجوء الى الانقلاب رغم سياسات القمع التي يتعرض لها الاصلاحيون والوسطيون وعلى رأسهم هاشمي رفسنجاني.

 لقد انحرفت ثورة الإمام عن مسارها المطالب بالدرجة الأولى بالوقوف الى جانب المستضعفين في إيران وخارجها وحمايتهم من الطغاة، والواقع الايراني ما بعد المرحلة الخمينية دخل في متغيرات مفصلية، ودعاة الثورة يتأرجحون ما بين تيار محافظ لا يقدم الحلول للقلق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يعاني منه شعبهم؛ وتيار إصلاحي ممنوع عليه طرح التغيير وتطبيقه وإذا فعل يُتهم بولائه للغرب. فكيف ستخرج إيران من عنق الزجاجة؟ الأيام القادمة ستقدم الجواب على سؤالنا.

*باحثة وكاتبة لبنانية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 8/تموز/2009 - 15/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م