وأخيراً اتجهت بوصلة مجلس التعاون نحو جنوب شرق آسيا

مرتضى بدر

الخطوة التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي في فتح آفاق التعاون الاقتصادي، والدخول في مفاوضات للوصول إلى اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين مع دول رابطة الآسيان تعتبر مؤشرًا إيجابيًا وخطوة صحيحة رغم أنّها جاءت متأخرة.

في شهر نوفمبر من العام الماضي نُشِر لي مقال على هذه الصفحة تحت عنوان “لماذا تمشي حكوماتنا على استحياء نحو الصين؟” .. سبعة أشهر مضت من تاريخ نشر المقال المذكور وأول اجتماع وزاري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون مع نظرائهم في رابطة الآسيان عُقِد في يوم الاثنين من هذا الأسبوع في المنامة.

هذا الفاصل الزمني قد لا يعتبر طويلاً في عمر الحكومات، بيد أنه يعتبر ضياعاً في عمر الشعوب التي خسرت الكثير نتيجة هذا التباطؤ والتلكّؤ من قبل حكوماتنا التي لا ترغب في الخروج من العباءة الاقتصادية للغرب الجشع، بالرغم مما مرّت علينا وعلى العالم من ويلات الإعصار المالي، والتي مازالت تداعياته جاثمة على اقتصاديات العالم.

 رابطة الآسيان التي تأسست عام 1967 تضم عشر دول آسيوية، وهي: اندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وتايلند، والفلبين، ولاوس، وميانمار، وكمبوديا، وسلطنة بروناي، وفيتنام.

ومن المقرر أن تنضم ثلاث دول أخرى إلى الرابطة، وهي الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية.  وحسب تقرير وكالة أنباء البحرين المنشور على موقعها الإلكتروني، فإن دول الرابطة “ تتمتع بقوة بشرية تصل إلى 500 مليون نسمة، وتعتمد في اقتصادها الإجمالي بشكل رئيس على السياحة والزراعة كمصدر للإيرادات.

وتعد “الآسيان” قوة اقتصادية وسياسية وبشرية لها ثقلها على المستوى العالمي، بحكم امتدادها الجغرافي في قارة آسيا، كما تمثل أيضًا أكبر سوق استهلاكية في العالم تضم أكثر من نصف مليار نسمة (10% من سكان العالم) .. الأمر الذي يوفر فرصًا ضخمة أمام الصادرات الخليجية. قبل اللقاء الوزاري بين المجموعتين – الخليجي والآسيوي - عُقِد لقاء في مانيلا يوم الخميس الماضي بين وفد غرفة تجارة وصناعة البحرين ورجال الأعمال الفلبينيين، وناقش الطرفان سبل تدعيم العلاقات الاستثمارية بين البلدين.

وقبل أشهر تحركت وفود خليجية نحو جنوب شرق آسيا، وتم عقد صفقات تجارية وزراعية كبيرة، من ضمنها استئجار مساحات زراعية شاسعة، بهدف تغذية أسواق الخليج بالحبوب والمواد الغذائية الأساسية وضمان الأمن الغذائي لدول الخليج. هذا الحراك الاقتصادي بين المجموعتين وإن جاء متأخرًا جدًا، إلا أن الملاحظ أنّه أخذ يتحرك اليوم بوتيرة سريعة.

لا شك أن الأزمة المالية العالمية قد ساعدت في زيادة هذه الوتيرة، وفتحت شهية الخليجيين لأسواق الشرق، بعد أن ضاقوا ذرعًا طوال أكثر من عقدين في الوصول إلى اتفاق تجاري مع السوق الأوروبية المشتركة (الاتحاد الأوروبي).

قُبيل اللقاء الخليجي الآسيوي قال وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة: “إن التبدلات الواسعة التي حدثت في اقتصاديات العالم تتطلب منا الدخول في شراكات مع التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى في العالم ومن بينها دول الآسيان”، وأكد “أن هناك مصالح مشتركة وقوية بين دول المجلس ورابطة الآسيان يجب أن تستثمر بالشكل الصحيح”.

باعتقادي توجد بين الكتلتين الاقتصاديتين مشتركات كثيرة لم تستثمر بصورة جيدة، ومن المؤكد أن الغرب كان المانع الرئيس في عدم توجيه دول الخليج بوصلتها نحو الشرق، إلا أن الظروف العالمية والمعايير الاقتصادية العالمية قد تغيرت، وأصبحت دول الخليج أكثر تحرراً اقتصادياً من ذي قبل، فلم يعد الغرب ذلك السيد الذي يأمر وينهي ويوجّه، خاصة بعد أن فتحت اتفاقية التجارة العالمية، وكذلك اتفاقيات التجارة الحرة بين العديد من الدول الآفاق نحو عولمة الاقتصاد، ووضعت حداً لاحتكارات القوى الاقتصادية الكبرى، وساهمت في تشكيل تكتلات اقتصادية.

من المبكر القول إن منطقة الخليج بعد الاتحاد النقدي قد تحولت إلى ثالث تكتل اقتصادي في العالم بعد السوق الأوروبية ورابطة الآسيان؛ لأن في ذلك قد تكون مبالغة كبيرة، خاصة بعد أن نضع في الحسبان التكتلات الاقتصادية الكبيرة في شمال ووسط وجنوب قارة أمريكا، كتكتل “نافتا” لدول شمال أمريكا والمكسيك، و”كوميسا” لدول أمريكا الجنوبية، وكذلك تكتل “آبيك” لدول آسيا الباسيفيكية. هذه التكتلات الاقتصادية قد قطعت أشواطا نحو التكامل الاقتصادي، الذي ضمن لها الاستمرارية.

السؤال الذي يطرح نفسه: أليس من الأولى على مجلس التعاون أن يطوي أولاً صفحة التكامل الاقتصادي بين أعضائه قبل التحدث عن التكامل مع الآخرين؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/تموز/2009 - 14/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م