إيران بعد الانتخابات... من الشارع إلى أروقة السلطة

رغم الإصرار المستمر للمعارضة السلطة تتمسك بإعادة انتخاب نجاد

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: أكدت إيران إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لفترة ثانية وقالت إن النزاع الذي نشب حول الانتخابات التي أجريت في 12 يونيو حزيران انتهى، مما لا يجعل هناك خيارات تذكر أمام المعارضين الذين قالوا انه تم التلاعب في الانتخابات.

حيث أعلن أمين مجلس صيانة الدستور في خطاب الى وزير الداخلية القرار النهائي للمجلس، ويعلن إقرار دقة نتائج انتخابات الرئاسة.

وقال متحدث باسم مجلس صيانة الدستور "صدر بيان مجلس صيانة الدستور عندما أصبح مقتنعا بدقة الانتخابات" مضيفا أنه لم يتم اكتشاف أي مخالفات.

ومضى يقول "أغلق اليوم ملف...الانتخابات."

ولم يتضح على الفور النظام المتبع في إعادة فرز الأصوات ولكن وسائل إعلام حكومية قالت انه تم في بضعة أقاليم على الأقل.

مما جعل من الخيارات المتاحة أمام المعارضة محدودة مع تأييد نتيجة الانتخابات رسميا بعد إعادة فرز ما قال المجلس إنها عينة عشوائية تبلغ عشرة في المئة، ولم يعد هناك مجال يذكر للمزيد من المعارك القانونية بعد أن تم احتجاز المئات من أنصار المعارضة، خصوصا بعد تشديد الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي في 19 يونيو حزيران على عدم التهاون مع الاحتجاجات الحاشدة، مما جعل المحتجين بدون زعماء.

وتلقي ايران التي تخوض صراعا مع الغرب بسبب طموحها النووي اللوم في الاضطرابات التي شهدتها البلاد على قوي أجنبية وليس على الغضب الشعبي.

وبعد حلول الظلام ظل هناك عدد من الناس يكبرون فوق أسطح المنازل في محاكاة للأساليب التي استخدمت خلال الثورة الإسلامية ولكن التكبيرات أثناء الليل بدأت تضعف.

وهناك حديث عن أشكال أخرى من العصيان المدني بما في ذلك الإضراب ولكن لم يتحقق بعد أي من ذلك.

ويخطط أنصار المرشح المهزوم مير حسين موسوي الذي يطالب بالغاء الانتخابات لاطلاق آلاف البالونات يوم الجمعة كتب عليها "ندا. ستبقين دائما في قلوبنا" في تذكار لشابة قتلت الاسبوع الماضي وتحولت الى رمز للاحتجاجات.

بيد أن الاضطرابات التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات عن كشفت وجود انقسامات داخل المؤسسة السياسية في إيران دفعت بالبلاد الى أشد أزماتها منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.

ويقول أنصار المعارضة انه تم التلاعب في الانتخابات لصالح الرئيس المحافظ في مواجهة منافسين مؤيدين للإصلاح منهم مير حسين موسوي الذي احتل المركز الثاني. ورفض موسوي فكرة إعادة الفرز ولم يرسل مندوبين عنه لمراقبة العملية.

الصراع خلف الكواليس

في صحيفة الاوبزرفر نجد تقريرا لمراسل الصحيفة من العاصمة الايرانية طهران تناول فيه مستقبل الصراع السياسي في ايران بين المحافظين من انصار المرشد الاعلى علي خامنئي الذي يقف بقوة الى جانب الرئيس محمود احمدي نجاد من جهة والتيار الاصلاحي والمعتدلين وحتى بعض اوساط المحافظين من جهة اخرى.

ويقول مراسل الصحيفة ان الصراع انتقل الان من شوارع طهران الى اروقة النظام حيث تفيد الانباء ان الشخصية السياسية النافذة ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني يخطط لتقويض نفوذ خامئني الذي تراجع خلال الاسابيع الاخيرة ويشير الى ان هذه الانباء تتزامن مع نشوب توتر بين نجاد ورئيس البرلمان علي لاريجاني.

ويقول المراسل ان الانقسام في اعمدة النظام يتسع رغم سحق المظاهرات وقمعها.

فلاريجاني الذي اقصاه نجاد من منصب ادارة الملف النووي الايراني اعلن انه بصدد تشكيل لجنة من البرلمان لبحث حوادث العنف التي جرت بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات بينما اعلن انصار نجاد في البرلمان انهم درسوا امكانية توجيه توبيخ للاريجاني.

ويقول الكاتب ان من مظاهر الازمة التي تعيشها ايران الان انقسام داخل مجلس الخبراء بين رفسنجاني واية الله مصباح يزدي الذي يعتبر المرشد الروحي لنجاد ويحظى بشعبية في اوساط الحرس الثوري ومليشيا الباسيج.

صحيفة التايمز قالت ان معارضي الرئيس نجاد يتوقعون ان يشن الاخير حملة تطهير واسعة تستهدف كل من وقف ضد اعادة انتخابه بل حتى الذين لم يقفوا الى جانيه علانية بعد ان يؤدي اليمين اوائل شهر اغسطس/آب المقبل.

وتقول الصحيفة ان حملة التطهير قد بدأت عمليا فقد تم طرد نائب وزير النفط اكبر توركان من منصبه رغم انه من الوجوه الصاعدة في الحكومة بعد ان كتب مقالة في احدى الصحف المتعاطفة مع المعارضة.

وتنقل الصحيفة عن اوساط ايرانية ان 17 من كبار ضباط الحرس الثوري نقلوا الى وظائف اخرى بسبب الشكوك بولائهم وهو ما اعتاد عليه نجاد اذ انه استبدل حكام جميع المحافظات الايرانية والسفراء والوزراء بشخصيات موالية منذ توليه منصبه عام 2004.

كما اتهمت منظمة حقوقية دولية مليشيات الباسيج بانتهاك القوانين واختطاف إيرانيين أصيبوا أثناء التظاهرات الاحتجاجية، من المستشفيات، فيما اتهمت أخرى تلك العناصر بالانخراط في أعمال عنف متفرقة بحق المتظاهرين ونشطاء المعارضة.

وقال بانافشيه أكلاجي، مدير الإقليم الغربي لمنظمة العفو الدولية" أمنستي"" لـCNN: "يقف الباسيج بالمرصاد لهم"، في إشارة للميليشيات شبه النظامية الإيرانية التي تصدت بالقمع للتظاهرات الشعبية الضخمة المنددة بنتائج انتخابات 12 يونيو/حزيران الجاري.

وأوضح أكلاجي أن المعلومات المستقاة من إيرانيين غادروا البلاد وأجانب، تشير إلى أن مليشيات الباسيج منعت الطواقم الطبية من معرفة هويات المصابين أو السؤال عن كيفية إصابتهم، وتقوم باقتياد الجرحى إلى وجهات مجهولة فور تلقيهم العلاج.

كما اعلنت منظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش) ان قوات الباسيج تشن مداهمات ليلية في طهران وتقتحم المنازل الخاصة وتضرب السكان في محاولة لوقف الاحتجاجات ضد الانتخابات الايرانية المتنازع عليها.

وقالت سارة لي ويتسون مدير منطقة الشرق الاوسط بمنظمة مراقبة حقوق الانسان "أبلغنا شهود بأن الباسيج يهاجمون شوارع بأكملها بل وأحياء ومنازل افراد في محاولة لمنع الهتافات التي يرددها محتجون ليلا من فوق اسطح المنازل."

وقتل 22 شخصا وفقا لوسائل اعلام ايرانية في اعمال العنف التي أعقبت انتخابات الرئاسة التي أُجريت في 12 يونيو حزيران الحالي والتي يقول المرشح المهزوم مير حسين موسوي انه تم تزويرها لضمان فوز الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية.

ونقل تقرير منظمة مراقبة حقوق الانسان عن العديد من السكان الذين لم يكشف عن اسمائهم وصفهم للهجمات الليلية. ولم يرد تأكيد مستقل للتقرير.

وقال ساكن في منتصف العمر من منطقة واناك وفقا للتقرير "يوم 22 يونيو كنا نهتف (الله اكبر) من على اسطح المباني ... ودخل الباسيج ضاحيتنا وبدأوا اطلاق طلقات حية في الهواء في اتجاه المباني التي يعتقدون ان هتافات (الله اكبر) تأتي منها."

وقالت امرأة ان الباسيج تسلقوا الجدران لدخول المنازل بعد ان فشلوا في كسر الابواب في منطقة فيلينياك عندما كان الناس يهتفون من على اسطح المنازل يوم 23 يونيو حزيران.

ونقل عن المرأة قولها "عندما دخلوا المنازل ضربوا السكان. وأخذ الجيران يسبون الباسيج ويلقون حجارة عليهم حتى يتوقفوا عن ضرب السكان لكن الباسيج هاجموا منازل الجيران وحاولوا دخولها."

وقال ساكن آخر ان الباسيج رسموا بالطلاء علامات على أبواب المنازل في منطقة اعتقدوا ان المحتجين فروا اليها.

ووفقا للتقرير قال الساكن "بعد بضع دقائق عادوا وهاجموا المنازل التي رسموا عليها علامات وكسروا الابواب ودخلوها. وضربوا اصحابها وكسروا زجاج النوافذ في المنزل وزجاج سياراتهم."

وقالت منظمة مراقبة حقوق الانسان انها تلقت تقارير مماثلة من أجزاء أُخرى في طهران من بينها نياواران وفارمانيه وسعادات وعباد وشهراك غرب وميدان واناك وهي مناطق تقطنها غالبية من الطبقة الغنية.

اعلن نائب رئيس الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الانسان كريم لاهيدجي الاحد في باريس ان "اكثر من الفي شخص" اوقفوا وهم قيد الاعتقال في ايران وان مئات آخرين يعتبرون "في عداد المفقودين".

وقال لاهيدجي الذي يترأس الرابطة الايرانية للدفاع عن حقوق الانسان التي تتخذ من باريس مقرا لها، خلال تجمع في العاصمة الفرنسية "حسب معلوماتنا، فان اكثر من الفي شخص اعتقلوا وهم لا يزالون حاليا محتجزين".

وتابع من على منبر خلال تجمع شارك فيه 800 شخص احتجاجا على الانتخابات الرئاسية "المزورة" وقمع المتظاهرين في طهران "هناك ايضا مئات الاشخاص يعتبرون في عداد المفقودين، وقد وصلتنا هذه المعلومات البارحة (السبت) من طهران من مصادر مستقلة".

وردا على سؤال لوكالة فرانس برس، اوضح لاهيدجي انه تم تجميع هذه المعلومات من متعاونين مع الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الانسان في ايران وخصوصا لدى عائلات الضحايا من معتقلين او مفقودين.

واوضح "انها مجرد تقديرات لانه من الصعب الحصول حاليا في ايران على معلومات اضافية".

واضاف "تحدثنا عن سقوط عشرات بل مئات القتلى، لكننا لا نعلم في هذه المرحلة عدد ضحايا" قمع التظاهرات.

وقال انه تم اعتقال حوالى 20 امرأة السبت "خلال تجمع سلمي في وسط طهران".

وقال المحامي المقرب من شيرين عبادي حائزة جائزة نوبل للسلام "ان اجواء الرعب والخوف سائدة اليوم في ايران".

ونظمت اللجنة المستقلة ضد قمع المواطنين الايرانيين، وهي منظمة "غير سياسية" انشأها في فرنسا شبان ايرانيون بعد الانتخابات الرئاسية في 12 من الجاري، التظاهرة الاحد في باريس بحسب بها جنتي عطائي المسؤولة عن تنظيمها.

وقالت الشابة المقيمة في فرنسا ان هذه اللجنة مستقلة و"ترفض ان تتبع حركة مجاهدي الشعب" وتطالب "بالغاء الاقتراع وبتنظيم انتخابات جديدة حرة تحت اشراف مراقبين اجانب وبالافراج غير المشروط عن السجناء السياسيين".

واضافت "نطلب من الاسرة الدولية ان لا تعترف بالحكومة الانقلابية".

من جهتها، اعلنت ستاري فارسي، وهي منتجة سينمائية شاركت في التحرك، لوكالة فرانس برس "على الدول الغربية استدعاء سفرائها. يجب مقاطعة الحكومة الانقلابية".

وذكرت بان 60 الف ايراني يقيمون في فرنسا.

ورفع المتظاهرون وبينهم عدد من الشباب يافطات طالبوا فيها ب"التغيير لايران" و"لا للعنف الوحشي" مع صور لوجوه المتظاهرين المضرجة بالدماء في شوارع طهران.

وكتب على يافطة "خامنئي هو هتلر القرن ال21"، في اشارة الى المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي.

من جهته دعا رجل دين ايراني محافظ الى اعدام قادة "مثيري الشغب" حتى يكونوا عبرة لعشرات الالاف ممن تظاهروا ضد نتائج الانتخابات الرئاسية قبل اسبوعين.

وقال رجل الدين أحمد خاتمي للمصلين في جامعة طهران "أريد من القضاء أن... يعاقب قادة المشاغبين بقسوة ودون اظهار الرحمة كي يتعظ الجميع."

وقال خاتمي وهو عضو في مجلس الخبراء ان مثيري الشغب "يجب ان يعاقبوا بوحشية وبلا رحمة."

وقال خاتمي ان ندا قتلت بأيدي مثيري الشغب أنفسهم لاهداف دعائية. وقال "من مشاهدة الشريط يستطيع أي عاقل فهم أن مثيري الشغب هم الذين قتلوها."

رؤية المجتمع الدولي

فيما لا تزال السلطات الايرانية تعتقل اربعة موظفين محليين في السفارة البريطانية، حذر رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني من ان مجموعة الثماني ستنظر في فرض عقوبات ضد ايران خلال قمتها الاسبوع المقبل. واعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان اعادة فرز عدد محدود من الاصوات لا يرضي المعارضة. وقالت "من الواضح انهم يواجهون مشكلة مصداقية كبرى مع شعبهم بخصوص العملية الانتخابية ولا اعتقد ان المشكلة ستزول مع اعلان نتيجة اعادة فرز عدد صغير من الاصوات".

وكانت ايران افرجت عن خمسة من زملائهم لكن رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون اعتبر هذه التوقيفات "غير مقبولة" وطالب بالافراج عن الموظفين الاربعة على الفور.

وشجبت هيلاري كلينتون معاملة ايران لموظفي السفارة البريطانية معتبرة ذلك "امرا مؤسفا" وقالت ان واشنطن تتابع الوضع "بقلق بالغ".

وبعد محادثاته مع براون في لندن عبر رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو عن "تضامنه الكامل" مع بريطانيا بخصوص اعتقال الموظفين.

وردا على صحافي سأله عن عقوبات محتملة تفرضها مجموعة الثماني على طهران، اوضح "بحسب الاتصالات الهاتفية التي اجريتها مع قادة آخرين، اعتقد اننا نتجه صوب ما تشيرون اليه، اي العقوبات". بحسب BBC.

ودعت المجموعة (ايطاليا وبريطانيا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا واليابان وروسيا) ايران الى "تسوية الازمة سريعا عبر حوار ديموقراطي وبالطرق السلمية".

ودعا فراتيني بعد التشديد على "احترام سيادة" ايران، طهران الى "احترام حقوق الاشخاص الاساسية" ولا سيما منها "حرية التعبير".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/تموز/2009 - 11/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م