قراءة عربية في المشهد الإيراني

أحمد شهاب

لست معنيا، في هذا المقال، بإبداء موقف محدد تجاه ما يجري على الساحة الإيرانية، أو الميل إلى فريق الرئيس المنتخب محمود أحمدي نجاد، أو منافسه الإصلاحي مير حسين الموسوي. كما لست في وارد الحديث عن سلامة، أو فساد الاقتراع في إيران، فالأمر يتصل بهيئات ومنظمات محلية ودولية معنية بتقديم أدلتها الملموسة ووثائقها الدامغة، وليس حسب مزاجها العام، أو وجهة نظرها حول العملية الانتخابية.

لكن ما أود الإشارة إليه أن حدة الجدل الدائر بين الإصلاحيين والمحافظين، لا تنفي حقيقة أن فوز أي من الشخصيتين سوف يصب في نهاية المطاف في قناة واحدة، وهي إثراء التجربة الديمقراطية في إيران.

لا أعتقد أن هناك من يدعي أن التجربة الإيرانية وصلت إلى مرحلة الكمال، أو أن قادتها استكملوا بناء مساحات الحرية في ذلك البلد الحيوي، ذي السمات الدينية، لكنها بالتأكيد تخطو خطوات واثقة نحو ولادة نسخة محلية من الديمقراطية، وهي ديمقراطية ليست شبيهة بالنسخة الغربية، بقدر ما هي متميزة بحيويتها وفعاليتها، وباقترابها من طبيعة المجتمع الإيراني وميوله، وهو ما بدا واضحا من خلال تفاعل الشارع مع العملية السياسية، حيث بلغت نسبة التصويت 85 %، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع نسب المشاركة في دول عريقة بديمقراطيتها.

يتفاعل الشارع الإيراني مع الحراك الديمقراطي المحلي، في الوقت الذي يتراجع العالم العربي خطوات إلى الوراء، وباستثناء الكويت ولبنان، فإن المنطقة العربية تكاد تكون خالية من الفعل الديمقراطي، حتى العراق لم تقف ديمقراطيته المدعومة من قوى دولية على رجلها بعد، ولا تزال ديمقراطية العراق تبحث عن ثوبها وتلملم أوراقها، وهي معذورة في ذلك، لأنها عانت المصادرة لسنوات عدة على يد حاكم مستبد، واستثنائي بكل تصرفاته وممارساته السياسية، والأمنية القمعية.

 بقية الدول العربية تتراوح ما بين انتخابات شكلية، أو معدومة تماما. فثمة دول لم تشهد على حياتها السياسية أي نوع من أنواع الانتخاب أو المشاركة السياسية.

هذا الواقع العربي، بكل حمولته السلبية، يُمثل العقبة الأساسية، التي تقف أمام استيعاب ظاهرة تفاعل الشارع الإيراني مع أوضاعه الداخلية، وهو ما دفع المراقبين العرب إلى اعتبار ذلك الحراك بداية ثورة وانقلاب في المشهد الديني، والسياسي، وأن الشارع سيذهب إلى حد إسقاط النظام القائم، حتى قارب البعض بين ما يحدث الآن، وبين ثورة الشارع ضد شاه إيران، ويبدو أن فهم المنطقة العربية لما يحدث في إيران يعتريه الكثير من الخلل والقصور، فهم لم ينظروا إلى مجريات الحدث الإيراني إلا بعين عربية عاجزة عن تفهم أبعاد الحراك الديمقراطي، وما يُصاحبه من آلام ومخاض يقود الساحة نحو المزيد من التغيير والتجديد، وهو أمر صحي بجميع المقاييس.

الأمر لا يقف عند إيران، بل يمتد ليشمل كل الدول التي تمارس الفعل الديمقراطي. فالحرب المعلنة ضد إيران، ليست معنية من وجهة نظري في الحرب ضد الحكم الديني في إيران، على الرغم من أنه يمثل جزءا مهما منه، وبالطبع لا تنطلق من قناعة بالدفاع عن حرية وكرامة وحقوق الإنسان الإيراني، لأن الكرامة العربية مسحوقة منذ عشرات السنين، ولم يهتم بها أحد، وإنما ترتبط بصورة أكبر في الرغبة بإفشال النماذج الديمقراطية الناهضة في المنطقة، ولاسيما تلك التي تحاول أن تبني أنموذجا ديمقراطيا متقدما، وبمقاييس أخرى مختلفة عن المقاييس الغربية.

من المؤكد أن الحراك الديمقراطي في إيران لا يخلو من شوائب وموارد قصور، ويحتاج إلى الكثير من العمل والإصلاح الداخلي. وأظن أن حركة الشارع هي ضرورة لتأكيد وإيصال كلمة الشعب إلى القيادة، ولاستمرار الحيوية في مفاصل الحياة السياسية الإيرانية.

ومن يدقق النظر في طبيعة السجال السياسي الدائر بين الإصلاحيين ونظرائهم المحافظين، يلاحظ أن مساحات الحوار أصبحت اليوم أكثر سعة من ذي قبل، وهي مرشحة للتصاعد بصورة أكبر في الأيام المقبلة. فالنقاشات لم تتوقف عند القضايـا الفرعية، والإثارة الإعلامية، وإنما تجاوزته للحديث الصريح حول مسألة العدالة الاجتماعية، وضرورة تطوير القاعدة الاقتصادية، وحدود صلاحيات مجلس تشخيص مصلحة النظام، وحول سياسات رئيس الجمهورية الداخلية والخارجية، فيما بدأت حوارات أشد جرأة في دوائر أخرى جانبية ومؤثرة، حول صلاحيات المرشد الأعلى.

هذه الأحاديث لا تعتبر انقلابا على الجمهورية، أو على المرشد الأعلى. فالسيد الموسوي ابن النظام وأحـد مؤسسيه، وقد تولى رئاسة وزراء إيران طوال فترة الحرب الإيرانية العراقية، أي منذ العام 1981 وحتى 1989، وكان عضوا في هيئة تشخيص مصلحة النظام. أما الشيخ مهدي كروبي، فقد تولى رئاسة مجلس الشورى بين عامي 1989 و 1992، فيما تولى محسن رضائي رئاسة الحرس الثوري الإيراني، بأمر من آية الله الخميني العام 1981، واستمر حتى 1992، بالإضافة إلى أحمدي نجاد رئيس إيران في الفترة الماضية وعمدة بلدية طهران في العام 2003.

وهو ما يشير إلى أن ما يجري على الساحة الإيرانية اليوم، إنما هي إرهاصات متوقعة ومطلوبة، أحيانا، كتعبير طبيعي عن ألم التحول الديمقراطي الذي تصنعه اليوم النخبة الإيرانية، بالتعاون مع قواعدها الشعبية، وهو ما يُدلل على حيوية هذا الشعب، وقدرته على المشاركة الفعالة في القرار وصناعة التغيير، في الوقت الذي تلتزم شعوب أخرى الصمت تجاه ما يجري على أرضها، ولا تكاد تحرك ساكنا عندما يعلن فوز الرئيس بنسبة 99,9%.

* كاتب من الكويت

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/تموز/2009 - 9/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م