إيران والسير صوب الطريق المجهول

محمد حميد الصواف

قال الرهبر  كلمته... ملزما جميع الأطراف الخاسرة في الانتخابات بالصمت والخنوع، لصون الجمهورية الإسلامية حسب رأيه من مزايدات الدول المتربصة بها، مشددا في الوقت نفسه على إن فوز احمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية هي الخيار الأصلح للدولة والنظام في ايران.

فرؤية المرشد الأعلى للثورة الإسلامية جاءت لتدعيم موقف نجاد، ولتؤكد على إن الانتخابات الأخيرة نأت عن شبهات التزوير، مستبقة كشف مجلس صيانة الدستور حدوث ذلك، بعد أن تجاوزت تلك الرؤية في مضمونها الرأي المعارض لذلك مهما كان حجمه.

الأمر الذي لم يستطع الاصلاحيون وأنصارهم استساغته، رغم مكانة ورهبة المرشد، مفضلين مواجهة تحذيرات السلطات على القبول بنتائج الانتخابات المشكوك بصحتها، مطيحين في الوقت نفسه بأوامر ولاية الفقيه وتوجيهاته، لتشهد طهران حركة احتجاج وتظاهرات غير مسبوقة منذ الإطاحة بنظام الشاه عام 1979.

البعد الأكثر خطورة في الأمر كما يراه الكثير من المحليين تمثل في اقدام خامنئي على خطأ سياسي فادح قد يكلفه الكثير من الاعتبارات في المستقبل، عندما كشف عن دعمه لفريق سياسي على حساب فريق آخر بشكل علني، دون أن يلتفت الى حساسية مقامه المفترض كعراب للنظام الجمهوري والراعي الأبوي لجميع الفرقاء.

فولاية الفقيه المرتكزة على أرضية عقائدية ودستورية غير قابلة للنقاش لدى أقطاب السلطة أصبحت الآن محل جدل لدى مختلف الأطراف والأطياف في إيران، سيما إن ذلك منصب جاء لاعتبارات تستمد قوتها من جانب روحي، مبنية على ثقة المجتمعات الإيرانية أولا وآخرا.

فيما كانت إجراءات السلطة التي اتصفت بالقسوة في قمع المتظاهرين، ومحاولة فرض الأمر الواقع لكبح جماح المناهضين لنجاد، الخطوة التي قد تمهد لخلق قضية لدى الكثير من الإيرانيين الراغبين في التغيير، بعد أن حولت الأمر الى البعض حجة شرعية وقانونية تستحق النضال، ومثاله فشل النظام الإيراني في فرض التعتيم الإعلامي على مجرى الأحداث.

فلا يغفل المتبصر في إسقاطات الأحداث الأخيرة على حصانه المجتمع الإيراني، وما سوف يترتب عليها اجتماعيا وسياسيا وامنيا، حسب تجارب الكثير من الدول التي مرت بمثل هذه الظروف، فانكسار حاجز الخوف وتحول القناعات المؤيدة الى قناعات معارضة دائما ما تتيح للدول المتربصة منفذ يسهل ولوجه لاختراق ما كان يصعب اختراقه مسبقا.

فالبعض يرى في ما حدث عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات تعبير عفوي يكمن في رغبة شديدة لدى الإيرانيين في التغيير كانت حتى أيام محدودة عبر الوسائل الديمقراطية التي اقرها الدستور الإسلامي في إيران.

خصوصا إن أركان النظام الإيراني من المحافظين كانوا ولا يزالون يستشعرون في حديث الإصلاحيين النية في تقويم ما سمي بالانحرافات القائمة في إدارة النظام ما هو إلا توجه مبطن لتعديل جوهري، قد يسبق انقلاب شامل على سياسة النظام الداخلية والخارجية على حد سواء، متضمنا إزاحة الكثير من الدوائر الحكومية التي تعيق انسيابية النهج الديمقراطي والحريات العامة والسياسية، بما قد يشمل تحديد الصلاحيات الواسعة للمرشد.

خلاصة القول مفادها إن المحافظين يدركون إنهم أحبطوا ثورة مخملية كانت في طريقها للنجاح عبر الآليات الديمقراطية، في محاولة لتأخير التغيير القادم لا محالة، لكن بعد أن اتخذ منحى الأحداث سبلا أكثر دموية، قد تجر البلاد صوب المجهول. 

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/حزيران/2009 - 27/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م