الكتاب في ألمانيا وسيلة المعرفة الأولى رغم ثورة الإنترنت

قطاع المكتبات: تهديدات وجودية وأزمات حقيقية تطال دور النشر

 

شبكة النبأ: يعاني قطاع المكتبات عموما منذ فترة من الزمن من تهديد وسائل الإعلام الحديثة، وإذا ما وُضعت في الحسبان أيضا التداعيات التي طرأت مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، فيمكن القول إن هذا القطاع يواجه تهديدات وجودية.

وفي هذا الاطار لفت العاملون في قطاع المكتبات عقب اجتماعهم السنوي التاسع والثمانين في مدينة إيرفورت الألمانية الأنظار إلى  التأثير السلبي الذي يمكن أن يسفر عنه تخفيض المخصصات المالية لهذا القطاع على المستويين المحلي والبلدي.

وقد حذر المشاركون الذين بلغ عددهم  حوالي 3500 مشارك من المخاطر التي تواجه القطاع الذي يعملون فيه. ففي حديث أدلت به لوكالة الأنباء الألمانية، حذرت سوزان ريدل رئيسة الرابطة الألمانية للعاملين في المكتبات فإن العاملين في هذا القطاع يمكن أن يواجهوا مشكلة كبيرة بحلول العام القادم. وأضافت ريدل بان حوالي 9000 مكتبة توظف 30 الف عامل يمكن أن تكون بحاجة إلى نوع من الدعم المالي الحكومي.

على مدى الأيام الأربعة التي استمر خلالها الاجتماع، ناقش المؤتمرون في مدينة "أيرفورت" فرص البقاء المتاحة أمام المكتبات. وقد استعرض العاملون في مجال المكتبات أيضا التبعات المترتبة على التغييرات التي طرأت على المجال الإعلامي وأثر التقنية الرقمية، كما بحثوا دور المكتبات في المجتمع المعاصر بشكل عام، إذ إن التقنيات الحديثة جعلت من الحصول على المعلومات أمرا متاحا في كل مكان وزمان، دون أن يغادر المرء إلى مغادرة مكانه ودون أن يتقيد بمواعيد محددة.

وشهدت عشرات المكتبات في ألمانيا وضعا صعبا في عامي 2003 و2004 عندما رفعت الضريبة المفروضة على الدخل وأضطرت حوالي 300 مكتبة لإغلاق أبوابها . أما اليوم فإن المكتبات الصغيرة في المناطق الريفية تعتبر مهددة بالزوال أكثر من سواها. لذا فقد رفع المؤتمرون في "إيرفورت" مطالبهم إلى الحكومة الألمانية بتقديم المساعدة لتجنيب المزيد من المكتبات اللجوء إلى اتخاذ قرار بالإغلاق. وبعكس ما هو معمول به في الدول الاسكندينافية مثلا، فإن المكتبات في ألمانيا تصنف ضمن المرافق الاختيارية التي يترك للحكومة حرية القرار بدعمها ماليا من عدمه.  وهذا الوضع يعني تلقائيا أن المكتبات تكون على رأس القائمة عندما يتوجب على الحكومة اتخاذ قرار بشأن خفض الميزانية.

وفي حديث لإذاعة MDR "إم دي إر" الألمانية، يلخص اولريش هوف المتحدث الرسمي باسم الرابطة الألمانية للعاملين في المكتبات المعضلة الأساسية التي تواجه المكتبات في الوقت الحالي بجملة واحده: دخل أقل مع منصرفات عالية.  وعند النظر إلى الصورة بشكل شامل، فإن الخطر يكمن في أن ألمانيا ستفقد مستقبلا وضعها الريادي في مجال التعليم والتدريب، كما يقول منظمو الاجتماع الذين طالبوا بألا تقتصر المساعدات والاستثمارات الحكومية على قطاع صناعة السيارات فحسب، وإنما أيضا في قطاع التعليم وبالتالي في المكتبات. إن إهمال هذا الجانب انعكس كما يرى اوليرش هوف على الوضع في بعض المناطق الفقيرة التي تعاني من قصور في توفير المعلومات أو المراجع للمواطنين في تلك المناطق. وعلى الرغم من كل هذه الحقائق فإن الصورة تبدو أقل قتامة عند المقارنة بين زوار المكتبات في ألمانيا وسواها من الدور الثقافية المختلفة، وبحسب مصادر الرابطة فإن المكتبات تستقبل  حوالي 120 مليون زائر سنويا، مقابل 20 مليون شخص زاروا المسارح وقاعات الحفلات الموسيقية ودور الأوبرا.

الكتاب وسيلة التعليم الأولى رغم ثورة الإنترنت والبرامجيات

وأظهرت دراسة لاتحاد بورصة تجارة الكتاب الألماني أن الكتاب هو مصدر المعرفة الأول  عند الألمان، فقد أعلن اتحاد البورصة أمس الخميس (27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008) في مدينة فرانكفورت الألمانية نتائج دراسة بينت أن أكثر من سبعين في المائة من الألمان المستخدمين للوسائط التعليمية يشترون كتبا أكثر مما يشترون برمجيات الكمبيوتر وكتب سمعية. وأوضحت الدراسة أن سوق المواد التعليمية في ألمانيا آخذة في النمو. بحسب دويتشه فيله + وكالات "ع. غ".

وقامت جمعية نيرنبيرغ لأبحاث الاستهلاك باستطلاع رأي حوالي عشرة آلاف مستهلك، أعلن خمسهم رغبته في إنفاق مزيد من المال مستقبلا على شراء الكتب من أجل الارتقاء بمستواهم المعرفي. وقال بيان اتحاد بورصة تجارة الكتاب "من الملاحظ وجود تحفظ لدى الألمان في التعامل مع وسائل المعرفة الأخرى".

 وقالت الدراسة إن خمس المستطلع رأيهم فقط اشتروا في الأشهر الاثني عشر الماضية وسائل تعليمية لهم أو لأطفالهم، مضيفة أن الكتاب ما زال يتمتع بالحظوة الأولى في كل من مجالات تثقيف الكبار والصغار على حد سواء. وأوضحت الدراسة كذلك أن الثلث فقط من مستخدمي الوسائط التعليمية اشتروا برمجيات كمبيوتر، بينما استخدم تسعة في المائة فقط عروض الإنترنت المدفوعة الثمن.

من جهة أخرى وصل عدد العناوين المعروضة في سوق الكتاب الألماني رقماً قياسياً جديداً. فبات بإمكان القارئ الألماني الاختيار بين 1.2 مليون عنوان كتاب، بشكل لم يكن له مثيل في تاريخ تجارة الكتب في ألمانيا، كما أوضح "مؤشر الكتب المتاحة" مؤخراً.

دور النشر الألمانية تكتشف الإنترنت لجذب القرّاء الشباب

بدأ بريق المطالعة يخبو في الآونة الأخيرة، الأمر الذي دفع دور النشر الألمانية إلى ابتكار أفكاراً جديدة في محاولة منها لاجتذاب الأجيال الفتية إلى عالم القراءة. ويبدو أن دور النشر تلك وجدت ضالتها في الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، التي باتت تستحوذ على ولع وشغف الشباب، إذ يقضون جل وقتهم وهم يتصفحونها إما بدافع الفضول أو حب المعرفة.

وبالفعل بدأت دور النشر ببث أشرطة دعائية تروج للكتب، ذات إخراج بالغ الإتقان، وهي تدأب على تطويرها باستمرار. هذا النوع من الدعاية حديث العهد وليس مألوفاً في قطاع الكتب سابقاً، لكن الحال تغير اليوم، إذ يزداد باستمرار عدد دور النشر التي  تخوض ميدان الدعاية لمنشوراتها عن طريق أفلام قصيرة جذابة من حيث الأسلوب والمضمون في محاولة منها لإثارة فضول القارئ، دون أن تسر له بمحتوى القصة.

فعلى سبيل المثال ثمة شريط دعائي يروج لرواية جديدة للأديب الألماني كريستيان كراخت، فبهذه المناسبة أنتج دار النشر "كيبنهوير أوند فيتش"، ومقره مدينة كولونيا، شريطاً دعائياً يعرض على شاشات السينما وبالدرجة الأولى عبر الإنترنت. غير أن الشريط الدعائي يجب أن يكون "منسجماً مع نوع الكتاب الذي يظهر على الشاشة، وقادراَ على الإيحاء بجو القصة، أهي قصة بوليسية أم رواية"، كما يقول ماركو فرهولسدونك من دار النشر آنف الذكر. 

غير أن الأشرطة الدعائية يجب أن تكون مبتكرة وأفكارها غير مكررة، وهو ما أظهره شريط دعائي عبر الإنترنت أثار إعجاب الشباب لكتاب "Slam" للروائي البريطاني نيك هومباي، إذ تم عرض أحد مقاطع النص بأسلوب لغوي شيق؛ فالجيل الشاب لا يقرأ عادة النقد الأدبي للكتب في الصحف، وإنما يبحث عن الكتب الجديدة بواسطة الإنترنت.

وقد أدرك دار نشر "برتلسمان"، ومقرها في برلين، هذا التوجه أيضاً. وفي هذا السياق تقول لاورا كولر: "ميزانيتنا صغيرة ونحن نريد الوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء، وبما أن أهمية الإنترنت في ازدياد مستمر بدأنا بالبحث عن أفضل الطرق لإنتاج دعاية مثيرة للكتب عبر الإنترنت، فعبر الإنترنت يمكننا الوصول أيضاً إلى شريحة شابة من القراء".

تراجُع نسبة القراء الألمان وزيادة نسبة القراء الأجانب

يقول الألمان غير المنكبين على قراءة الكتب "إن قراءة النصوص الطويلة مرهقة للغاية"، الأمر الذي أثار مخاوف "مؤسسة القراءة" في مدينة ماينتس الألمانية ودفعها إلى إصدار دراسة حديثة تحت عنوان "القراءة في ألمانيا 2008" تُعنى بهذا الموضوع. وتطرقت الدراسة بشكل أساسي إلى معرفة كيفية قراءة الشعب الألماني وما يقرأونه ولماذا وكم من الوقت يخصص الألماني للقراءة. وأما نتائج الدراسة فقد حملت معها توجهات جديدة نحو قراءة الكتب، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي.

 وعلى صعيد النتائج السلبية فقد أظهرت الدراسة أن حب المطالعة لدى الألمان تراجع عما كان عليه في السابق، ففي عام 2000 كان ثلث الألمان يقرأون ما بين 12 إلى 15 كتابا في العام الواحد، أما في عام 2008 فقد تراجع عدد الألمان الذين يقرأون هذا الكم من الكتب إلى الربع، في حين حافظ ربع آخر من الشعب الألماني على عدم تطرقه للكتب لا من قريب أو بعيد.

وحسب خبراء المنظمة في مايتنس فإن السبب يكمن في أن الأهل لا يلعبون دور القدوة لأبنائهم فيما يتعلق بالقراءة، وذلك حسبما أفاد نحو نصف من شملتهم الدراسة والذين تتراوح أعمارهم بين الـ14 والـ19 عاما؛ إذ لم يتلقوا كتابا كهدية من أهلهم في سن مبكر من طفولتهم، ما ينعكس سلبا على الدراسة المدرسية مستقبلاً.

أما ما أثار دهشة "مؤسسة القراءة" هو ما اكتشفته حول تنامي توجه القراءة لدى القراء الذين ينحدرون من أصول غير ألمانية، إذ تأخذ هذه المجموعة القراءة محمل الجد، فهي تضاعف من فرص تلك الشريحة لتحسين مستقبلهم، حسبما يقول كريستوف شيفر من المؤسسة المذكورة. وذكر شيفر أن نحو 36 في المائة من أولئك الأجانب يطالعون عدة مرات أسبوعيا، في حين ذكر أن 11 في المائة منهم يطالعون الكتب يوميا.

دار روفولت للنشر تحتفي بمائوية أحد مؤسسيها

 لطالما ارتبط اسم عائلة روفولت بنشر وتوزيع الكتب، وتناقل أفرادها الحرفة أبا عن جد. لقد ساهمت هذه العائلة إلى حد كبير في إثراء الوسط الثقافي والأدبي في ألمانيا بالعديد من المؤلفات لكتاب ألمان وأجانب بارزين أمثال كورت توخولسكي وفالتر بينيامين وإيرنست هيمينغواي. لم تكن مسيرة دار النشر منذ تأسيسها أول مرة عام 1908 على يد إيرنست روفولت سهلة، كونها ابتدأت بإمكانيات مادية بسيطة معتمدة بالأساس على جهود فردية. واجهت منذ بدايتها صعوبات مالية كبيرة، كما أنها عانت كثيرا من الأوضاع السياسية المتقلبة في ألمانيا إبان النصف الأول من القرن العشرين. لكن كل تلك المشاكل لم تمنع مؤسسها الأول إيرنست روفولت وإبنه هينريش ماريا ليديغ روفولت من مواصلة عمل الدار بكل إصرار وإعادة بنائها بعد كل إخفاق أو إفلاس عصف بها إلى أن تحولت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثاني إلى أحد أعرق وأهم دور النشر في ألمانيا. 

وفي 12 مارس/آذار 1908 ولد هينريش ماريا ليديغ - روفولت في مدينة لايبزيغ جنوب شرق ألمانيا، وهو نفس العام الذي أسس فيه والده دار روفولت للنشر. فبعد أن أكمل تأهيله المهني في مجال تجارة الكتب التحق ليديغ - روفولت عام 1931 للعمل بدار نشر أبيه وتولى مهام إدارة القسم الإعلامي. لقد كانت الدار آنذاك تغوص في أزمة مالية خانقة دفعت بها إلى أعتاب الإفلاس. لكن ليديغ - روفولت ما برح أن حصل على دعم أحد العائلات الألمانية الغنية المالكة لمجموعة كبيرة تصدر الجرائد، واستطاع بالتالي مواصلة عمله إلى أن استولى النازيون على  السلطة في البلاد.

 وقامت دار النشر في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بطباعة وتوزيع عدد من الكتب على شكل جرائد. كانت تلك فكرة رائدة حاول من خلالها روفولت التقليل من كلفة الكتاب وبالتالي تمكين عدد أكبر من القراء من الإطلاع على الكتب التي كان ينشرها. وبالفعل استطاعت دار النشر الجديدة خلال فترة وجيزة أن تبيع ملايين النسخ من تلك الكتب. وبعد وفاة والده عام 1960 انفرد  هاينريش ماريا ليديغ- روفولت بإدارة دار النشر وعمل على تطويرها قبل أن يبيعها عام 1982 إلى مجموعة النشر هولتبرينغ التي تملك فروعا لها في نحو 80 دولة. وفي 28 فبراير/شباط 1992 توفي ليديغ- روفولت في نيودلهي بالهند أثناء مشاركته في اجتماع للناشرين. وفي نفس العام أسست زوجته يانه ليديغ- روفولت مؤسسة ثقافية في مدينة هامبورغ تحمل اسم زوجها، تهتم بالأخص بدعم الترجمة الأدبية إلى الألمانية وتخصص جائزة سنوية تدعى "جائزة ليديغ- روفولت للترجمة". 

 آوفباو: صعود وانهيار دار نشر ألمانية

 تنتمي دار النشر "آوفباو" اليوم إلى كبرى دور النشر الألمانية بموظفيها البالغ عددهم الستين، رغم أنها مازالت بعيدة عن المؤسسات الكبرى مثل راندوم هاوس. واليوم تقف دار النشر هذه أمام وضعية صعبة، قد تضع حدا لمسيرتها الثقافية الغنية بالإنجازات، التي تعتبر خير مرآة للتحولات الإيديولوجية والسياسية والاجتماعية التي عرفتها ألمانيا الخارجة من كارثة الحرب العالمية الثانية.

 الشاعر يوهانس بيشر أسس دار النشر في أغسطس 1945 في برلين بالوكالة عن "الاتحاد الثقافي من أجل التجديد الديمقراطي لألمانيا". فبعد سقوط النازية أراد المرء أن يقدم توجيها روحيا للألمان عن طريق إعادة نشر الكتب الكلاسيكية، مثل كتب غوته وهاينريش هاينه وكلايست ومؤلفات الكتاب الألمان الذين هربوا من ألمانيا أيام الحكم النازي، حتى أن دار النشر باعت في سنواتها الخمس الأولى ستة فاصلة خمسة مليون كتاب.

 لم تقدم دار آوفباو على نشر الأدب الألماني الكلاسيكي فقط لكنها انفتحت على الأدب العالمي ونشرت ترجمات لكلاسيكيات القرن التاسع عشر وللأدب العالمي في القرن العشرين. بحسب سيلكه بارتليك ـ دويتشه فيله.

ومثلت سنة 1956 قمة تلك الإنجازات وحدثا ثقافيا كبيرا في ألمانيا الديمقراطية بترجمة أعمال كل من جان بول سارتر وارنست همنغواي، لكن سياسة الدار ستعرف تحولا دراماتيكيا بعد التمرد الشعبي الذي عرفته المجر، إذ سيتم سجن رئيس الدار فالتر يانكا وزميله فولفغانغ هاريش ومحاكمتهم علنيا بتهمة تكوين مجموعة معادية للدولة والحكم عليهم بالسجن. ومع بدء ما اصطلح عليه "الإصلاح الستاليني" اختفت كتب مهمة من برنامج الدار، خصوصا تلك التي تنتمي إلى الأدب الأوروبي والأمريكي، وأيضا مؤلفات كتاب ألمان مثل فرانز كافكا وهوغو فون هوفمانستال، وابتداء من سنوات الستينات ازداد تدخل الدولة في سياسة الدار وفرضها لرقابة سياسية ـ إيديولوجية على مضامين الكتب التي تصدرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/حزيران/2009 - 25/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م