مؤتمر القرآن الكريم وموضوعة التربية الإنسانية الصالحة

دور الأسرة والمؤسسات والحوزات والحركات والأحزاب والحكومات في التربية الصالحة

تقرير: جواد عبد الوهاب

 

شبكة النبأ: وسط أجواء إيمانية، وبحضور نخب من العلماء والمثقفين، اختتمت ممثلية آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي في البحرين أعمال مؤتمر القرآن الكريم في دورته الثالثة مساء الجمعة الماضي والذي انطلقت أعماله في الفترة ما بين 11 – 12 يونيو الجاري في مأتم (أبو صيبع الكبير) شمال العاصمة البحرينية (المنامة).

ولأن القرآن الكريم هو الدستور الذي أنزله الله سبحانه وتعالى والمنهاج الحياتي لجميع أوجه النشاط الإنساني والروح الذي يؤنس المؤمن في رحلته الشاقة في هذه الأرض، والنور الذي يضيء جوانب روحه، والمعلم الذي يلقنه والهادي الذي يبين له معالم الطريق، فقد جاء المؤتمر تحت عنوان (الآفاق القرآنية في التربية الصالحة) ليتماشى مع الواقع المعاصر والحاجة الملحة لمنهاج تربوي تقوم على أساسه بناء الإنسان وصياغة شخصيته بعيدا عن كل مؤثرات وسلبيات العصر.

لذلك جاءت أوراق المؤتمر لتستوعب موضوعة التربية الإنسانية الصالحة من منظور قرآني ومن جوانب أربعة، تعتبر مرتكزات أساسية للوصول إلى رؤية متكاملة في موضوع التربية الصالحة، التي لا تنحصر في حدود البيت، خصوصاً مع تداخل الأطر المؤثرة وتجاذب القوى، وثورة الاتصالات. ذلك أن تأثر الإنسان في (أسرته)، وتأثره بـ"مؤسساته المحيطة" وتأثره بانتمائه "الحركي والحزبي" وتأثره بمحيطه "الرسمي بحاكمية الدولة".. فرض على ممثلية آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي أن تجعل من هذه المحاور عناوين للمعالجة وتسليط الضوء على أثرها في صياغة الإنسان، وفقاً للمعطيات القرآنية والاستفادة من نور القرآن الكريم في منهجه في التربية الصالحة.

أوراق المؤتمر:

جاءت أوراق المؤتمر منسجمة مع الأهداف التي وضعها منظمو هذه الفعالية، حيث حملت العناوين التالية:

الورقة الأولى: (دور الأسرة في التربية الصالحة) لسماحة الشيخ عبد المجيد العصفور.

الورقة الثانية: (دور دور المؤسسات والحوزات في التربية الصالحة). لسماحة الشيخ محمد حسن الحبيب، من المملكة العربية السعودية.

الورقة الثالثة: (دور الحركات والأحزاب في التربية الصالحة) لسماحة السيد علوي البلادي.

الورقة الرابعة: (دور الحكومات في التربية الصالحة) لسماحة السيد جعفر العلوي.

برنامج المؤتمر

الليلة الأولى: 11/6/2009م

ابتدأت الجلسة بتلاوة عطرة من آيات الذكر الحكيم، للمقرئ الشاب علي جعفر.

وقد أدار الليلة الأولى الأستاذ إبراهيم السفسيف، حيث ابتدأ بالترحيب بالحضور من النساء والرجال، معلناً بداية المؤتمر السنوي للقرآن الكريم.

كلمة الإفتتاح

ألقى كلمة الإفتتاح المنسق العام للمؤتمر سماحة السيد محمود الموسوي، مرحباً بالحضور، ثم بيّن رؤية المؤتمر التي تنطلق من إرادة خلق تداول قرآني يعزز الرجوع للقرآن الكريم في قضايا العصر، الرؤية النابعة من اهتمامات وإرشادات سماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي، الذي يرعى مجموعة مؤتمرات التداول القرآني في أكثر من بلد. وتحدّث حول موضوع المؤتمر الذي يعتبر من الموضوعات الحساسة وهو موضوع (التربية) الذي يعتبر صياغة الإنسان، وبرر اختيار المحاور الربعة بأنها الأطر التي يتفاعل معها الإنسان وتؤثر في مساره، لذا وجب أن نستظهر الرؤية القرآنية في هذه المجالات.

وفي ختام كلمته، قدّم الشكر للمشاركين والعاملين والداعمين والحضور، وبلّغهم سلامات ودعوات سماحة المرجع المدرّسي من كربلاء المقدّسة.

الورقة الأولى: دور الأسرة في التربية الصالحة لسماحة الشيخ العصفور

بعد أن ناقش لفظتي (الأسرة) و (التربية) وكيفية ورودهما في القرآن، دخل الشيخ عبد المجيد العصفور في صلب الموضوع وقال أن بعض التربويين يرون أن التربية عملية هادفة لها أغراضها وأهدافها وغاياتها، وهي تقتضي خططا متدرجة، تسير فيها الأعمال التربوية وفق ترتيب منظم صاعد، ينتقل مع الناشئ من مرحلة إلى مرحلة. وقد فصل في ذلك من خلال العناوين التالية:

بناء الأسرة

أوضح الشيخ وخلافا لنظرة بعض الفلسفات إلى العلاقة بين الجنسين، أن الإسلام أعطى هذه العلاقة اهتماما شديدا في نصوصه وتوجيهاته، وتشريعاته، وصنع ثقافة دفع للبناء الأسري العريض،تحركه في مبدئها علاقة الانجذاب بين الجنسين، وحاجتهما لبعضهما البعض، مستدلا بقول تعالى:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)الروم/21

وقال أن الآية تقرر أن العلاقة الزوجية موجبة للمودة والرحمة بين الجنسين، ولاشك أن الإنسان بحاجة ماسة إلى الرحمة، ذلك أن الإنسان مخلوق جبل على الوقوع في الخطأ، لو لا أن تتداركه الرحمة الإلهية.(وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسؤ إلا ما رحم ربي)، وهذه الرحمة ضرورية لبناء أسرة متماسكة ترفد المجتمعات الإنسانية بأجيال متجددة.

وأضاف أن الإسلام الذي شجع على التزاوج من اجل بناء أسرة مسؤولة وقادرة على رفد المجتمع بجيل صالح.

القيادة التربوية في الأسرة

واتساقا مع دور القوامة للزوج فان القرآن الكريم يحمله أيضا المسؤولية التربوية للأسرة كلها، حيث قال تعالى في محكم كتابه العزيز:(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا وقودها الناس والحجارة).

وأوضح الشيخ أنه ومن دون شك تزداد أهمية العناية من قبل الأب بالأسرة في الوقت الراهن، نظرا للتطور التكنولوجي الذي حدث في وسائط الإعلام والاتصال.

وانتقل الشيخ عبد المجيد العصفور بعد ذلك إلى الدور التربوي الراجع الذي أنيط بالأسرة، للمساهمة في إيصال إنسان هذه الأسرة إلى طور التكامل التربوي، وقال أن القرآن الكريم أكد في أكثر من سورة على ضرورة الإحسان للوالدين، بل ، وان في ذلك لدلالة كبرى على قيمة الإحسان في التعامل مع الوالدين. وهو الدور التربوي الراجع الذي أنيط بالأسرة، للمساهمة في إيصال إنسان هذه الأسرة إلى طور التكامل التربوي.

يقول تعالى:(قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)[سورة الأنعام: الآية 151].

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول أن العملية التربوية التي تتكفل بها الأسرة في أرقى صورها، إنما تكون بتمثل الدور التربوي الذي كان يقوم به النبي (ص) وواصله من بعده الأئمة الأطهار عليهم السلام، وكما يبينه القرآن الكريم حيث قال تعالى:" لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ"آل عمران /164

وبذلك تشتمل العملية التربوية للأسرة على أربع وظائف لكل واحدة منها دورها التربوي الخاص، المؤثر في كل أفراد الأسرة:

1/تلاوة الكتاب.

2/التزكية.

3/تعليم الكتاب.

4/تعليم الحكمة.

استراتيجيات تربوية

وحول الاستراتيجيات التربوية قال الشيخ العصفور في ورقته أن الأب يتحمل في الأسرة دور القيادة، وهو معني بالتخطيط لهذه الأسرة، كأي قائد تناط به مسؤولية إدارة أية مؤسسة، أن أراد لهذه المؤسسة أن تنجح، وان يحالف أفرادها التفوق في حياتهم الدنيا والفوز في الآخرة، وهذا ما يتطلب منه التسلح برؤية واضحة لمستقبل هذه الأسرة، وكافة أفرادها.

وأوضح: من هنا نجد أن القرآن الكريم يضع بين أيدينا الرؤية التي ينبغي التطلع إليها تربويا، ويوضح لنا برامج الوصول لهذه الرؤية، كما يضع بين أيدينا مجموعة من الاستراتيجيات التي ينبغي أن نتبناها.والتي منها:

1/الصيانة من الاثارات الضارة.

2/التدريب على برامج تنمية التقوى.

3/التوفر على المهارات النفسية لمواجهة متطلبات الحياة.

4/التواصل الايجابي مع الآخرين.

5/الحرية وتحمل المسؤولية.

واختتم الشيخ العصفور ورقته بالقول: لا يمكن أن تتحقق الاستراتيجيات التربوية إلا في ظل وضوح للرؤية التربوية القرآنية، وفي تقديري أن الرجوع لآيات الفلاح في القرآن الكريم، ستضع أيدينا على هذه الرؤية وبرامجها.

الورقة الثانية:

دور الحركات والأحزاب في التربية الصالحة لسماحة الشيخ محمد حسن الحبيب

في بداية إلقائه لورقته أشار الشيخ محمد حسن الحبيب إلى أنه ارتأى تغيير عنوان ورقته من (دور الحركات والأحزاب في التربية الصالحة) إلى (الملامح العامة في التربية والبناء) معللا ذلك بالفرار من ظلال البعد التطبيقي للقيم التربوية التي تؤمن بها الحركة الإسلامية، خصوصا وأن تجربة الشيعية منها لم تدون حتى الآن من ذوي الخبرة والإطلاع، وأن ما دون منها لا يمكن الركون إليه نظراً لما يحمل من تهافت وتحامل وتناقض.

في تمهيده لبحثه قال الشيخ محمد حسن الحبيب أن بناء الإنسان الرسالي أو الرباني بهدف تأسيس أمة مؤمنة، يحتاج إلى التعرف على الإنسان باعتباره المستهدف من عملية (الإصلاح والبناء)، وأن هذا التعرف لابد أن يكون من خلال خالق الإنسان عن طريق (الوحي والنص) الذي يبين حقيقة الإنسان بعيدا عن جميع الأقنعة الآتية من تأثير الظروف المحيطة، مؤكد أهمية الجمع بين الدراسة النصية والميدانية للواقع الذي يعيش فيه الإنسان المستهدف بالإصلاح. وبناء على ذلك جاءت عناوين البحث كما يلي:

الإنسان في القرآن

قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب) آل عمران 14 .

وقد قدّم عرضا اجمالياً لبعض الصفات التي وردت في القرآن الكريم على نحو الاجمال:

أولا: الإنسان خليفة في الأرض.

ثانيا: الإنسان حر مريد مختار.

ثالثا: التعقل والتفكر والتعلم ومنافذ المعرفة.

قال تعال: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) الإنسان 2.

قيل قديما أن الإنسان حيوان ناطق ومرادهم بالناطق هنا (العاقل) أي أنه قادر على عقل أموره وضبطها من الانفلات. وبتعبير آخر أن الإنسان يتمتع بالقدرة على التحليل بما لديه من معطيات علمية وعملية بل نفسية وروحية أيضا واتخاذ القرار المناسب وفقا لتلك المعطيات. والقرآن الكريم ذكر السمع والبصر باعتبارهما وسيلتين هامتين من وسائل المعرفة من دون فرق بين أن تكون المعرفة عن طريق الوحي أو غيره. فقال جل وعلا: (فلا اقسم بما تبصرون، وما لا تبصرون) الحاقة 28 – 29.

وقال الشيخ أنه ونتيجة ذلك فلا يمكن القبول بالمناهج ذات البعد التلقيني فقط أيا كان مصدرها (دولة أو حركة، أو مصلحين) لتناقضها مع صفات أساسية في الإنسان كالحرية والإرادة والاختيار والتفكير مما يعني الدخول تحت سلطة البشر وتأثيرهم بعيدا عن تعاليم السماء والوحي. ودعوة القرآن الإنسان إلى التفكر والتعقل ما هي إلا إعمالا لما يملك من صفات ومؤهلات يتمكن من خلال استخدامها بالشكل الصحيح السير نحو الكمال البشري. يقول تعالى: (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) الأنعام 32.

الرؤية التربوية

وأكد الشيخ الحبيب أن تعريف التربية قد قيل في معناها الكثير، وإن كان جميعها لا تخلو من مناقشة خصوصا إذا ما أخضعت للموازين المنطقية للتعريف، إلا أن المهم هو واقع العملية التربوية وصيرورته إلى صياغة شخصية الإنسان بما ينسجم مع الفطرة وتعاليم الوحي. وهذا يعني ضرورة حضور الأهداف التربوية في وعي المربي والعمل على تطبيقها بالطرق الحكيمة.

وانتقل الشيخ بعد ذلك إلى الملامح العامة في البعد التربوي، وقال أن هناك عدة ملامح تربوية بحسب المنطق القرآني منها على سبيل المثال:

أولا: التغيير

 قال أن هذا المصطلح ورد كثيرا في خطابات المصلحين وأدبياتهم، وعد هذا المصطلح مصطلحا قرآنيا يدعو إلى استبدال حال أو واقع سيء بآخر حسن، وربما أخذ هذا الفظ من قوله تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) الرعد 11.

واقتبس الشيخ الحبيب من آية الله العظمى محمد تقي المدرسي قوله في تفسير هذه الآية: "إن الإنسان هو الذي يصنع واقعه بنفسه، فباستطاعتك أن تغير نفسك، فإذا غيرت نفسك فأنك آنئذ تغير ما حولك".

واستدرك الشيخ أن الإنسان وخلال عملية التغيير يصطدم بجملة من المعوقات إذا استسلم لها شلت إرادته وتحول من قوة فاعلة إلى أداة تفسد المجتمع وتضره، مؤكدا أن العملية التربوية تبحث في معوقات التغيير وتعمل على إزالتها كي يتمكن الإنسان من تفعيل طاقاته في تثبيت قيم الخير والصلاح في المجتمع، مستدلا بقوله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل مع أولئك هم الملفلحون) الأعراف 157.

ثانيا: البناء

ويأتي من ضمنه الإنتماء الذي هو من الأمور الغريزية وتوجيهه في الاتجاه السليم يجني منه أمرين مهمين هما: ذات الانتماء والثاني ما يترتب على هذا الانتماء.

واضاف الشيخ أن من الأمور المهمة في عملية البناء هو العلم والثقافة والفكر وهذا يعني تقديم الخطوط العريضة إلى وعي الإنسان ومدركاته، وتعليمه طريقة تطبيق الصغريات على الكبريات ليحصل على النتيجة التي قد تكون موقفا من حدث معين – سياسي اقتصادي أو اجتماعي – أو مسلك يجب عليه السير فيه، أو فعل عليها القيام به.

واختتم الشيخ الحبيب ورقته بالتركيز في عملية البناء على مهارات القيادة ، وقال أن الإنسان الخليفة ، والإنسان المسؤول ، والإنسان المبلغ لرسالات السماء ، والإنسان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والداعي إلى الخير.. كل ذلك يعني أن يهيء نفسه للإدارة والقيادة حتى يتمكن من أداء الواجب الملقى على عاتقه، موضحا إن الإدارة والقيادة من الأمور الكسبية التي كان الأقدمون يكتسبونها بالمحاكاة والتجربة نظرا لبساطة مجتمعاتهم، مردفا أما اليوم فينبغي أن تأخذ العملية التربوية مهمة التدريب على مجموع المهارات المتعلقة بالقيادة. مختتما بقوله تعالى: (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلام، خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما). الفرقان 74 – 76.

مداخلة السيد هاشم الموسوي

بدوره قدّم العضو الإداري والكاتب السيد هاشم الموسوي، مداخلة حول موضوع دور الأسرة في التربية الصالحة، وأشار إلى أن آيات القرآن أشارت إلى الأسرة بصورة مباشرة، وبعض الآيات عامة تشمل في دلالاتها الأسرة، وكلها ينبغي أن نستفيد منها في معرفة دور الأسرة في بناء الجيل الصالح، ووضع مجموعة عناوين مهمة كأدوار تقوم بها الأسرة، منها (التقوى) و (التوبة) و (الإشفاق على المنحرفين) و(بناء العقيدة الصالحة) و (الإهتمام بالتزويج الصالح).

كما أضاف إلى أن (الصمود) و (حالة التواصي) في الأسرة أمور مطلوبة ومهمة، وقد اسشتهد بآيات من الذكر الحكيم.

الليلة الثانية 12/6/2009م

ابتدأ البرنامج في الليلة الثانية للمؤتمر بتلاوة آيات عطرة من الذكر الحكيم، بصوت المقرئ موسى عمران.

وقد أدار الجلسة سماحة الشيخ ياسر الصالح، مرحباً بالحضور، ومؤكداً على أن التعاطي مع القرآن الكريم، هو رجوع إلى منهجة في المعالجات البعيدة عن الهوى كما هي التصورات البشرية والمناهج المادية، فالقرآن يوقظ العقل من سباته ويثير القدرة والإرادة في الإنسان.

الورقة الثالثة: دور المؤسسات والحوزات في التربية الصالحة لسماحة السيد علوي البلادي

ابتدأ السيد البلادي بحثه ببيان دلالات قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) باعتبارها المدخل الأساسي لفهم طبيعة عمل المؤسسات القائم على روح العمل الجمعي، وبيّن أن هذه الآية لا تدعو إلى البر والتقوى فحسب، بل هي تدعو إلى شيء إضافي، وهو (التعاون) أي أن يتحول البر ويتحول العمل بالتقوى إلى حالة جماعية، فالجماعية هي قيمة أخرى للعمل التغييري والتأثير في الإنسان.

وأشار إلى أهمية أن تتحول الخيرات والعمل بالتقوى والإصلاح إلى حالة اجتماعية في التأثير في المجال التربوي للإنسان، فإن المحيط الإجتماعي إذا أصبح صالحاً فإنه يؤثر في الفرد باتجاه الصلاح، حتى لو أراد شخص أن ينحرف فإن لم يخف الله تعالى، فإنه سيجعل للمجتمع والحال الإجتماعي اعتبار، فلن يتأثر سلباً، والحال في عكس ذلك صحيح، فإذا أصبح المجتمع سقيماً فإن الناس قد يستأنسون بالإثم ويتحول إلى خير في تعاملهم.

لهذا يأتي دور المؤسسات وأهميتها في صياغة الإنسان وفي تغييره إلى الأفضل، لأنها تخلق تلك الحالة الإجتماعية، وقد بيّن أن للمؤسسة الدينية أثر كبير إذا ما صلحت، لأنها منبع الفضيلة وهي التي تعي مفاهيم الدين وقيم الشريعة، فتعززها في الناس وتبلغها لمن لا يعيها.

الورقة الرابعة: دور الحكومات في التربية الصالحة لسماحة السيد جعفر العلوي

بعد أن بين السيد العلوي في مقدمات بحثه أن التربية هي هدف الرسل والرسالات، وأن هذا الهدف يشترك فيه الكثير من الجهات، قال أن دور الحكومات هو الأخطر، نظراً لأهمية وتشعب مسئولياتها وعملها الذي يشمل كافة الميادين، وللإمكانيات الواسعة لها، وباعتبارها رأس الهرم التنفيذي والقيادي في أي مجتمع. ولا يوازي مثل هذا الدور من حيث الأهمية والخطورة إلا دور العلماء الربانيين. إذ بقدر تظافر جهود الحكومات والعلماء يمكن تحقيق الإصلاح الشامل وهو هدف التربية الصالحة، ونستظهر ذلك من قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل يارسول الله ومن هما؟. قال: الفقهاء والأمراء)

وفي هذا الصدد يقول الإمام علي- عليه السلام-: (فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة)4 لذلك أكد الإسلام أن القيادات لابد أن تصلح أنفسها أولاً ثم تبدأ بإصلاح الآخرين.

ومن الملاحظ أن هناك نقصاً خطيراً وكبيراً  في قوانين الدول الحديثة، وطرق ممارستها. وهذا النقص الكبير هو إعتمادها لمبدأ العقاب فقط، عبر سن القوانين الكثيرة والمتنوعة لمن يخالف ويعتدي. أما مبدأ الثواب والإحسان لمن يؤدي دوره على أحسن وأكمل وجه. في  حين نرى أن من أسس الدولة الإسلامية هو إعتمادها لمبدأ الثواب وما يترتب عليه من قوانين بذات أهمية قوانين العقوبات. وندرك ذلك من قوله تعالى على ماجاء على لسان الولي والقائد الصالح (ذو القرنين) في تعامله مع المجتمع الذي فتحه في مغرب الأرض: (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً)وهو إشارة الى مبدأ العقاب، ثم أردف مباشرة الى تحقيق مبدأ الثواب حين قال) أَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً). وتأكيداً لمبدأ الثواب، قال تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).

إن تفعيل الحكومات لمبدأ الثواب يؤدي الى نتائج  إيجابية واسعة في العملية التربوية، وعلى العكس من ذلك، فإن إهمالها لهذا المبدأ يؤدي الى ضعف الإحسان والأعمال والمبادرات الصالحة في المجتمع، وهو أمر يعاكس العملية التربوية الصالحة للمجتمع، وفي هذا المجال يقول مهندس الدولة الإسلامية  أمير المؤمنين- عليه السلام- في عهده لمالك الأشتر: (ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة)14.

وتتحدد مسؤولية الحكومات في التربية  لكونها تقوم بدورين أساسين مؤثرين فيما يتعلق بالتربية الصالحة لأبناء المجتمع، أحدهما دور مباشر، والآخر بشكل غير مباشر:

الدور المباشر: وذلك عبر مسئوليتها المباشرة عن وزارات مؤثرة ومعنية في تشكيل العلم والمعرفة، والوعي والصياغة العامة والسلوكيات لأفراد المجتمع. ومن أهم تلك الوزارات، هي وزارة التربية والتعليم، ووزارة الإعلام و وزارة الإرشاد  والثقافة. وذلك من خلال وجود إستراتيجيات صحيحة وسليمة لهذه الوزارات في الشأن التربوي والإعلامي والثقافي بما يكفل تنمية أبناء المجتمع ككل.

وقد وضع السيد العلوي مجموعة من التصورات والمقترحات في هذا المجال، منهاأن تهتم بالبرامج الدراسية في المدارس بالدرجة الأولى بإستعراض الشخصيات الصالحة، وأن تهتم وزارات الإعلام والإرشاد والثقافة بالترويج للفضيلة ومحاربة الرذائل.

الدور غير المباشر:ويأتي هذا الدور من خلال قيام بقية الوزارات وأجهزة الدولة بتحمل مسئولياتها المناطة بها تحملاً صحيحاً. وحين يتحقق ذلك، فإن تلك الوزارات تهيء البيئة السليمة للعملية التربوية الصالحة في المجتمع.فمثلاً وزارة الداخلية - بإعتبارها الوزارة الأساسية في إدارة الشأن الداخلي والأمني- حين   تتعاطي مع المجتمع والناس بشكل إيجابي، وتخلق أجواء سليمة من التعايش والأمن العام، من دون إصطدامات خاطئة في مواجهة أية إشكاليات تحدث هنا أو هناك، ومن خلال إهتمامها بتوفير الأمان لكافة أبناء المجتمع، فإنها بلا شك تترك أثراً إيجابياً صالحاً في صنع البيئة السليمة للتربية الصالحة، والعكس صحيح إن هي مارست أساليب قمع وحشية في مواجهة أي نقد أو تظاهرة معادية للحكومة، أو أن هي قصرت في تحقيق وظيفتها في توفير الأمن في المجتمع، بحيث أصبح الناس يعيشون في حالة خوف وقلق وإضطراب فإن العملية التربوية الصالحة ستعاني من شلل وتأخر، وهو ما تشهده العديد من دول العالم الثالث التي تعاني العملية التربوية الصالحة في مجتمعاتها تشوهاً وتخلفاً وإرتباكاً، الأمر الذي يجعل من تلك الدول تعيش حالة مستمرة من التخلف والتأخر وإنتشار حالات سوء الخلق والجرائم المختلفة.   ومن هنا نرى الامتنان الإلهي على قريش بأن عليها عبادة الله الواحد الأحد الذي وفّر لها أرضية سليمة في أمرين هما الأمن والطعام، قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )15. وهذا يدلنا على مدخلية وترابط الأمور في تحقيق الأجواء الإيجابية للعملية التربوية الصالحة، والتي تأتي فيها عبادة الله وحده لا شريك له كهدف أسمى وأعلى. 

مداخلة سماحة السيد محمد علي العلوي

وقد قدّم سماحة السيد محمد علي العلوي، مداخلة حول دور المؤسسات في التربية الصالحة، وقال أن دور الأسرة يحتاج إلى صيانة لأن معدل اتصال الفرد بأسرته يقل في مراحل معينة، والأحزاب قد توظف القضايا فيها إلى أهداف الحزب نفسه، فهو يحتاج إلى أن يرجع إلى التوجهات القرآنية لكي ترجعه للأصل، وقد قال أن أجهزة الحكومات التنفيذية فاقدة للحرية في اتخاذ القرار، لذا فإن دور المؤسسات سيكون مهماً التي تقوم بربط تلك الأجزاء بين بعضها ربطاً إيجابياً وتساهم في بناء الإنسان وتربيته تربية صالحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/حزيران/2009 - 20/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م