ربيع طهران وانبثاق إيران الجديدة

الحركة الإصلاحية هل تكون بداية لتصدع نظام ولاية الفقيه؟

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بعد نتائج الانتخابات الإيرانية ابدت المعارضة الاصلاحية الكثير من علامات الاستفهام حول مدى أحقية فوز احمدي نجاد بالرئاسة مجددا.

حيث باتت العديد من الشكوك والشبهات تحوم حول تزوير النتائج بشكل اقرب الى الحقيقة خصوصا بعد حصول الرئيس الحالي على أعلى نسبه من الأصوات، متفوقا على اقرب منافسيه بفارق غير متوقع.

فيما بدا الانقسام المجتمعي جليا عقب الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها البلاد،  بعد موجة المظاهرات والفوضى العارمة التي سادت العاصمة طهران وكبرى المدن الإيرانية، بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات مباشرة، وسقوط العديد من القتلى والجرحى بين صفوف المواطنين أثناء بعض الاشتباكات.

من جانب آخر يذهب العديد من المحللون بتوقعاتهم الى بوادر تصدع سريع في أركان النظام الإيراني أن لم تتخذ إجراءات إصلاحية قادرة على ترميم الوضع الحالي، خصوصا بعد تفشي الإحباط و اليأس لدى معظم المجتمعات الإيرانية.

حليفا إيران اليأس والعزلة

أبدى محللون إيرانيون خشيتهم من مخاطر الاتهامات بحصول تزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس المنتهية ولايته محمود احمدي نجاد، وما تلاها من اضطرابات واعتقالات في صفوف الإصلاحيين.

وقال المحلل السياسي والأستاذ الجامعي صادق زيباكلام: «لم أكن أتوقع أن يتم تجاهل تطلعات الشعب وأن يُعلن رئيس بهذه الطريقة».

وأضاف انه كان يجدر بالسلطات «أن تكون أكثر حذراً، وكان يمكن للمرشد الأعلى علي خامنئي ان يطالب بالتدقيق في النتائج». وكان خامنئي اعتبر إعادة انتخاب نجاد «عيداً حقيقياً».

وقال المحلل الإصلاحي سعيد ليلاز ان «المرشد قام بخيار تاريخي»، معتبراً انه يتحمّل مسؤولية النتيجة التي أعلنتها السلطات. وأضاف ان «يوم الجمعة (الانتخابات) رسم الطريق للسنوات العشر المقبلة». بحسب وكالة فرانس برس.

ورأى ان «حكومة نجاد ستكون أضعف على الصعيدين الداخلي والخارجي»، مبدياً خشية من ان «تصبح إيران أشد عزلة وبالتالي أشد هجومية ربما». وتوقّع توقف الاضطرابات، «لكن جواً من اليأس سيخيّم وسيظهر في مجالات أخرى».

وشهدت إيران في تموز (يوليو) 1999 اضطرابات عنيفة ومواجهات بين طلاب والسلطة. وقال ليلاز: «هذه أول مرة تجري مواجهات بهذه الطريقة داخل الحكم، وتشهد شوارع طهران اضطرابات».

وأكد محمد علي أبطحي وهو مستشار سابق للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ان أدنى شك لا يساوره بأن الانتخابات «مزورة»، موضحاً في الوقت ذاته انه «لا يمكن العثور على أدلة» على ذلك. وقال ان «كلمة التزوير دخلت من الآن فصاعداً في المعجم السياسي للبلاد»، مشيراً الى ان «البعض يتساءل ما الفائدة من انتخاب رئيس».

أما كاظم عنبرلاوي كاتب الافتتاحية في صحيفة «رسالات» المحافظة فاعتبر المتظاهرين «مجرد انتهازيين» ينتمون الى «أقلية».

وقال ان المسؤولين الإصلاحيين الذين اعتقلتهم الشرطة السبت الماضي، كانوا «على الأرجح» منظمي الاضطرابات.

لكن زيباكلام أكد أن «الذين تجمعوا في الشوارع ليلاً كانوا يحملون مطلباً اجتماعياً وسياسياً تم قمعه، ولا يمكن أن تقولوا لهم فجأة إن النزهة انتهت وعليهم العودة الى منازلهم».

عمليات التزوير تم الإعداد لها منذ أسابيع

يقول أحد الناخبين: «سنشهد أربعة أعوام أخرى من الدكتاتورية. إنه انقلاب على الدستورية». وأبدى بعض الحاضرين موافقتهم على ما قاله، فيما انخرطت النساء في بكاء شديد. وتحدث البعض عن وجود تمرد فيما كان آخرون أكثر سخرية.  فقال حسن غريبي، بائع العصير الذي يبلغ من العمر 54 عاما، وهو يهزأ ممن أيقظوا آمالهم: «إن الأمر أشبه بفيلم كان جميعهم ممثلين فيه». بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين المتشكيين في نوايا موسوي عشية الانتخابات: «حقيقة الأمر أن موسوي سيكون أكثر صعوبة في التعامل معه لأنه سيكون أكثر لطفا من نجاد».

وقد تركزت نقاشات الصحافيين الإيرانيين والأكاديميين على السر وراء قرار القيادة الدينية وضباط الجيش والسياسيين دعم نجاد، متسائلين هل أصابهم الفزع من العاطفة غير المتوقعة للتغيير التي طغت في الأسابيع الأخيرة من حملة موسوي؟ أم هل تمادى موسوي كثيرا في وعوده بشأن حقوق المرأة والحرية المدنية والطريقة الأكثر تصالحا مع الغرب؟ أم أن ذلك الصخب كان مجرد وهم وأن النتائج لم تتعدَّ سوى كونها أمنيات؟

وقد سأل المتفائلون في إيران وخارجها أنفسهم عما إذا كانت تلك الاضطرابات التي ملأت الشوارع في إيران مبشرات بقوة شعبية جديدة أم أنها مجرد محاولة لتنفيث الغضب، فعلى الرغم من كون إيران مجتمعا منفتحا على عكس ما يعتقد الكثيرون (هي دولة متقدمة في مجال استخدام الإنترنت من المسنجر و«فيس بوك» ويتابعون إذاعة «بي بي سي» الناطقة باللغة الفارسية والإذاعات الأخرى المستقلة) فإنها لا تزال مجتمعا يخضع للسيطرة.

وقد تركزت التكهنات في الشارع على الصورة التي تم التلاعب بها في الانتخابات، حيث أصر العديد من الناخبين على أن أحمدي نجاد ما كان ليسجل ذلك الفارق في عدد الأصوات.

تقول إحدى الروايات (من شخص يُفترض أن أخاه يعرف شخصا من الدوائر المقربة من صنع القرار) إن محصي الأصوات طُلب منهم التلاعب في الأرقام حيث قيل لهم: «اجعل هذه الـ1.000 لأحمدي نجاد 3.000». فيما أشار آخرون إلى أن أوراق الاقتراع كانت مصممة لتضليل الناخبين، فقد كان الناخبون مجبرين على اختيار مرشح وتسجيل كود. على الرغم من أن موسوي كان المرشح رقم أربعة فإن الكود الخاص بأحمدي نجاد كان رقم 44.

وأشار أحد موظفي وزارة الداخلية التي نفذت عملية فرز الأصوات إلى أن الحكومة كانت تعد لعملة التزوير منذ أسابيع، حيث عمدت إلى فصل أي شخص يشك في ولائه وجلبت أفراد لعملية الفرز من أنحاء مختلفة من البلاد.

وزعم الرجل الذي أظهر لنا بطاقة وزارة الداخلية لكنه طلب عدم الكشف عن اسمه: «إنهم لم يتلاعبوا بالتصويت، إنهم لم ينظروا إليه على الإطلاق، فقد قاموا بكتابة الاسم وكتابة الرقم إلى جواره». بحسب الـ«نيويورك تايمز».

وقد توقفت خدمات نظام الرسائل النصية التي تعد الشبكة التي تربط المعارضة، كما أُغلقت الجامعات ومواقع الإنترنت والصحف التي اعتبرتها الحكومة عدوانية. وتوقعت إحدى الشابات نتيجة الانتخابات قائلة: «سيتقاطر الناس إلى الشوارع بحلول المساء، لكن أحمدي نجاد سيكون رئيسا بالقوة».

الصحافة العالمية: فوز نجاد كارثة لبلاده وللعالم

في السياق ذاته هيمنت تطورات الأحداث في إيران على الصحف البريطانية التي تناولت بالخبر والتعليق والتحليل ما يحدث على الساحة الايرانية.

ففي صحيفة الاندبندنت كتب روبرت فيسك يقول إنه يوم القدر في إيران ويوم الشجاعة ايضا حيث قام مليون ايراني بمسيرات تحت عيون رجال شرطة مكافحة الشغب التي تتسم بالعنف.

وقالت الصحيفة إن الجماهير كانت تغني وتصرخ وتضحك وتصف رئيسها بانه مجرد "هباء".

وكان المرشح المهزوم في الانتخابات مير حسين موسوي بين الجماهير، وهو ربما يكون قد خسر الانتخابات رسميا، ولكن الأمس كان يوم موكب نصره الانتخابي في شوارع العاصمة طهران والذي انتهى باطلاق الرصاص والدماء.

ومضت الصحيفة تقول إن إيران لم تعرف منذ الثورة عام 1979 مثل هذه التجمعات الحاشدة والتي اتسمت بالشجاعة نظرا لمعرفة المحتجين بمقتل خمسة في حرم جامعة طهران بوحشية على أيدي ميليشيا الباسيج، وذلك حسب ما ذكر الطلبة.

وردد المتظاهرون هتافات "دبابات، بنادق، باسيج، لم يعد لكل ذلك تأثير الآن". وفيما كانت المروحيات تحلق فوقهم رددوا هتاف "أين صوتي؟".

وكتب فيسك يقول "إن السير وسط هذا الطوفان البشري الهائل خلق حالة من الشجاعة واللامبالاة إزاء الخوف، فمن يجرؤ على مهاجمتهم؟ أية حكومة يمكن أن تنكر حشدا بهذا الحجم والتصميم؟ إنها أسئلة خطرة".

ومضى يكتب " جلست مع بعض من هؤلاء الشباب المحتجين على الحشائش حيث تساءلوا عما إذا كان المرشد الأعلى للثورة على خامنئي سيفهم ما يحدث في إيران؟ وعندما نظروا إلي أجبتهم قائلا لا تسألوا أجنبيا فانا لست واثقا من ان آباء ثورة عام 1979 سينظرون بعطف إلى مطلب الحرية".

وقالت الاندبندنت "حقيقة ان خامنئي وافق على إجراء تحقيق في نتائج الانتخابات، ولكن أحمدي نجاد رجل صارم يعيش في مناخ ملالي صارم".

وأشارت الصحيفة إلى ان سلف نجاد حجة الاسلام محمد خاتمي كان بين الحشود مع موسوي وزوجة موسوي زهرة راهنافارد.

وحول نفس الموضوع كتبت صحيفة الجارديان تقول ان الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الايرانية أخذت منحى دمويا عندما انطلق الرصاص صوب أنصار المرشح المهزوم مير حسين موسوي.

واشارت الجارديان إلى مشاركة مئات الآلاف في المظاهرات احتجاجا على "سرقة" الانتخابات، وقد ردد المتظاهرون هتافات "نؤيدك يا موسوي، نموت ونستعيد أصواتنا".

واشارت الصحيفة إلى إصدار خامنئي أمر التحقيق في نتائج الانتخابات، ونسبت إلى مصادر دبلوماسية القول إن ذلك لا يعد تحولا في موقف المرشد الأعلى الذي حذر موسوي بان عليه اللجوء إلى الوسائل "القانونية" فقط للاعتراض على النتيجة.

كما اشارت الجارديان إلى ورود أنباء من سائر المدن الايرانية مثل أصفهان والأهواز وزاهدان ويزد ومشهد حيث اعتلى الناس أسطح المنازل ورددوا "الله أكبر" تأييدا لمظاهرات طهران.

ومن جانبها تساءلت صحيفة التايمز كيف يمكن مساعدة الاصلاحيين في إيران؟ وأجابت على هذا السؤال قائلة "بنشر المعلومات أولا بأول عما يحدث هناك وقد لا يكون ذلك قد اسقط أنظمة مثل حكومة بورما ولكنها أبقت زعيمة المعارضة أونج سان سوتشي حاضرة في أذهاننا وصحفنا".

وأضافت الصحيفة "كما ان هناك استخدام التكنولوجيا في الاتصال بالإيرانيين وقد تواصل حاليا العديد من المدونين الإيرانيين مع المواقع الإخبارية البريطانية".

واشارت التايمز الى استخدام مواقع مثل فيسبوك وتويتر على الانترنت منوهة بأحد المشاركين على تويتر والذي كتب يقول "إنني ذاهب إلى المظاهرة فالأمر يستحق المخاطرة، ولن أستطيع القيام بالتحديث حتى أعود، أشكركم جميعا وتمنوا لنا حظا طيبا".

في صحيفة "التايمز" يكتب برنوين مادوكس حول الانتخابات الإيرانية التي جاءت مجددا بمحمود أحمدي نجاد رئيسا لفترة رئاسية أخرى. وتحت عنوان "الولايات المتحدة يجب أن تسوي الحساب مع محمود أحمدي نجاد".

المقال يرى أن نجاح نجاد في الانتخابات ربما كان أسهل مما توقع خصومه في الغرب إلا أنه لن يكون من السهل أن يحكم إيران بنفس القبضة الشديدة التي كان يحكم بها خلال السنوات الأربع الماضية.

يستعرض الكاتب في مقاله المظاهرات التي خرجت في ايران خلال الأسبوعين الأخيرين، والاحتجاجات الواسعة التي أعقبت الإعلان عن فوز نجاد، والاعتقالات الكثيرة للمحتجين، بل ومحاولة أنصار المرشح مير حسين موسوي المنافس لنجاد "استعادة" شمال طهران.

ويرى أن المؤكد هو أن كل تلك الأحداث قد غيرت من إيران فقد أظهرت المظاهرات للإيرانيين وللعالم عمق المعارضة القائمة للقمع السياسي الذي تمارسه السلطة الدينية خاصة في أوساط الشباب والمتعلمين الذين يشعرون بالاستياء من العزلة التي نتجت عن سياسات أحمدي نجاد.

ويستطرد فيقول إن تعهد نجاد لشعبه بالابقاء على أسعار الوقود منخفضة ستزيد العبء على الميزانية في وقت هبطت فيه عائدات النفط.

ومن ناحية أخرى قد يواجه نجاد مشاكل مع الفقراء الذي يؤيدونه، خاصة إذا ما ثبت تزوير الانتخابات، وأن تأييدهم له أقل كثيرا من الأرقام المعلنة.

ويقترح الكاتب على ادارة الرئيس أوباما استغلال تلك النقاط "كأهداف لسياستها الخارجية".

أما افتتاحية "التايمز" بعنوان "ربيع طهران" فتقول إن المناقشات العلنية والمظاهرات والشعارات المؤيدة للغرب، كلها كشفت الانقسام الكائن في المجتمع الايراني، وكشفت أيضا عن "طبقة وسطى غاضبة وجيل من الشباب يتوق للحرية".  وتمضي الافتتاحية قائلة إن كل هذه المظاهر كان لابد أن تقمع وأن تقمع بشدة.

و"قد صدرت الأوامر لمراكز الاقتراع الخاضعة للرئيس المتنافس بإعلان فوزه باغلبية كبيرة على خصمه مير موسوي حتى في قريته".

وترى الافتتاحية أن المرشد الأعلى للثورة الاسلامية علي خامنئي رأى أن الوسيلة الوحيدة للحفاظ على النظام الاسلامي هي اللجوء إلى القمع.

وقد لجأت السلطات إلى "قطع الاتصالات عن طريق الرسائل المكتوبة التي يتم تبادلها عبر الهواتف المحمولة، كما أغلقت مواقع عديدة على شبكة الانترنت، واعتقلت المتظاهرين، وشوهت وسائل الاعلام الأجنبية".

لكن الافتتاحية ترى أن العودة إلى ما كان في ايران ليس محتملا. "فقد اهتزت ثقة النظام، وسوف يميل إلى مزيد من القمع، وبالمقابل لن يتخلى الناخبون الذين يشعرون بالمرارة عن التعبيرعن غضبهم مما تعرضوا له من خداع".

وتنتهي الافتتاحية بنوع من التفاؤل عندما تقول إن الوقت سيكون في صالح الإصلاحيين، وإن القمع لا يمكنه أن يقيد إلى الأبد أمة تتطلع إلى الحرية".

أما افتتاحية صحيفة "الجارديان" فترى أن "الشيء المميز للنخبة الايرانية منذ وفاة آية الله الخميني كان دائما خوفها من الشباب".

وتمضي قائلة إن فزع السلطات من امتلاء الشوارع بالشباب والنساء في طهران وغيرها من المدن خلال الأسابيع الأخيرة الذين خرجوا يطالبون بالتغيير قد أدى الآن إلى "إساءة تقدير حمقاء ستكون لها عواقب وخيمة بالنسبة لإيران وربما للعالم".

وتمضي الافتتاحية فتتشكك في نتائج الانتخابات الايرانية، في الفشل الكبير الذي أعلن أن مير موسوي قد حصده حتى في بلدته، والفوز الكبير (المزعوم) الذي حققه أحمدي نجاد رغم السخط الذي يشعر به كثيرون ممن صوتوا له في انتخابات 2005، ورغم فشل سياسته الاقتصادية. وتقول الافتتاحية إن الذين صوتوا لمنافسي نجاد لن يقبلوا أبدا رفض الحكومة الخضوع لرغبانهم وآمالهم. وتؤكد الافتتاحية أن النظام الحاكم في ايران لم يكن يخشى مير موسوي ولا زوجته بل إن الرعب الحقيقي جاء من الشارع، فحكام إيران "جاءوا عن طريق الشارع وعن طريقه أيضا سيذهبون".

وتتطرق الافتتاحية إلى ما يمكن أن يحدث على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة، وكيف سيستغل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو نجاح أحمدي نجاد في ممارسة مزيد من الضغوط على الإدراة الأمريكية لكي يخفف ضغوطها على حكومته بشأن السلام مع الفلسطينيين.  إلا أن الافتتاحية تقول إن السؤال الجوهري بعيدا عن هذا كله هو ماذا سيحدث داخل إيران نفسها.

حركة الإصلاح لم تمت بعد 

من جهتها كتبت الغارديان في مقال لها الى ان ثمة شعار إيراني انطوى على معنى كبير وأخذ يردده إيرانيون كثيرون خلال الفترة القصيرة التي سبقت انتخابات الرئاسة الأخيرة يوم الجمعة الماضي. هذا الشعار هو «حكم الشعب».

والحقيقة ان هذا التعبير كان قد ظهر خلال الفترة التي اطلق عليها المراقبون السياسيون آنذاك «ربيع طهران» وذلك حينما حاولت حركة الاصلاح الابتعاد بلغة السياسة الايرانية عن شعارات الثورة الاسلامية المتطرفة إلى لغة اكثر اعتدالا تعبر عن افكار المساواة، وتؤكد على الحقوق السياسية لابناء المجتمع.

ومن الواضح الان وبصرف النظر عما حدث من أعمال عنف ومواجهات بين الشرطة والمتظاهرين المحتجين على نتائج الانتخابات الأخيرة، ان افكار الاصلاحيين بدأت تترسخ في لغة السياسة الايرانية، فحتى الرجل الذي يتهمه خصومه بسرقة الانتخابات وهو الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، اضطر الى تقديم نفسه على انه رئيس يمثل «رأي الشعب». نعم لقد تبنى أحمدي نجاد شعار «رجل الشعب» وقدم نفسه كعدو للفساد، وجاب اقاليم البلاد كي يصور نفسه قريبا دائما من الناس والمواطنين بينما القيادة العليا في البلاد والزعماء الاخرون بعيدين عن الشعب. لكن ماذا عن عشرات الملايين من الايرانيين الذين صوتوا لمنافسه في الانتخابات مير حسين موسوي؟

الواقع ان تحدي التعامل مع هذه الكتلة البشرية الكبيرة من مؤيدي موسوي لا يقتصر فقط على أحمدي نجاد بل هو يواجه ايضا القائد الأعلى علي خامنئي مؤيد أحمدي نجاد الرئيسي. فإذا كانت الانتخابات الأخيرة قد برهنت على شيء واحد فإن هذا الشيء هو ان حركة الاصلاح، التي قال البعض انها وصلت مداها وانتهت، لا تزال في حقيقة الأمر تجذب اليها ملايين الايرانيين.

لذا، اذا كان احمدي نجاد وخامنئي لا يرغبان بتعميق الخلاف بين دعاة الاصلاح والمحافظين، وبين المحافظين وفصيل من المتشددين، سيتعين عليهما اذا التفاوض حول هذا الخلاف كي يتمكن الجميع من تجنب حدوث أزمة سياسية كبرى في البلاد.

واضافت الغارديان: غير أن القلق ينتاب الان الكثيرين من المحللين السياسيين من احتمال لجوء نجاد وخامنئي لتكتيك القمع الذي جرى استخدامه ضد اليساريين في بداية الثورة.

لكن مثل هذا التكتيك لن ينجح هذه المرة لسبب بسيط هو ان الزمن تغير. فإذا كان على الثورة ان تستمر يتعين عليها ان تشد إليها أبناء المجموعات الجديدة الذين نشأوا تحت جناحيها والذين يجدون أنفسهم نهبا لمشاعر الاحباط بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراكدة.

بل وهناك تحد اخر اكبر انبثق عن الحملة الانتخابية نفسها. هذا التحدي هو العملية الديموقراطية التي جذبت ملايين الايرانيين بعد سلسلة المناظرات التلفزيونية المثيرة، وبعد الاجتماعات الجماهيرية الحاشدة التي اعطت الايرانيين انطباعا قويا بأنهم كانوا يشاركون في انتخابات حقيقية. ومن الواضح ان هذه الفكرة بالذات تثير تهديدا كبيرا برأي المتطرفين الذين يتوقون لأيام الثورة الاسلامية الاولى عندما كانت السياسة تخضع لارادة رجال الدين.

العودة الى المربع الأول مع الغرب

ام صحيفة التايمز فقد بينت في مقال لها ان من غير المبالغة القول ان بعد فوز احمدي نجاد يعني استمرار المواجهة القائمة بين الغرب وجمهورية ايران الاسلامية حول برنامج طهران النووي وتأييدها للمجموعات المسلحة المناهضة لاسرائيل. لكن على الرغم من فوزه الاخير، يواجه نجاد الآن مهمة شاقة بابعاد اقتصادية وسياسية صعبة، فقد بدد تقريبا خلال فترة رئاسته الاولى ثروة ايران النفطية، وجعل الاقتصاد الايراني في حالة يُرثى لها بسبب سياسته التي كانت مدمرة في هذا المجال. ولو تجاوزنا الجانب الاقتصادي هذا لتبين لنا ان سياسته الخارجية لم تكن بأفضل من سياسته الاقتصادية.

واضافت التايمز: لكن من الواضح، على اي حال، ان ثمة تطورا مهما طرأ على الساحة السياسية في ايران خلال الفترة الاخيرة، فقد تميزت انتخابات يوم الجمعة الماضي بمشاركة جماهيرية كبيرة فاز فيها مير حسين موسوي بملايين الاصوات المناهضة لاحمدي نجاد. ان هذا مؤشر واضح يعني ان الكثيرين من ابناء الشعب الايراني يتطلعون اليوم الى المزيد من الحرية والديموقراطية.

بداية النهاية لنظام خامنئي

فيما رأت مجلة دير شبيغيل الألمانية في تقريرا صدر لها مؤخرا ً أن نبذ المعارضة لإعادة انتخاب نجاد، واستهداف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، قد يكون أمرا ً ناتجا ً عن الانقسام المتنامي في المجتمع الإيراني. وترى المجلة أن المعارك التي تشهدها الشوارع الإيرانية الآن تعتبر من أعراض هذا التآكل. وأصبحت دموع مؤسسة إيران الدينية أكثر وضوحا ً في ماضي البلاد الحديث، كما اتسعت الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وتعمق الانقسام الموجود بين فئة الشباب ذات التوجهات الغربية وبين المتعصبين الدينيين. وبالفعل قد تمثل الأزمة الراهنة – بحسب المجلة – بداية النهاية بالنسبة لنظام خامنئي.

وأشارت المجلة في ذات السياق إلى أن التظاهرات الحالية لا تهدف فقط إلى الاحتجاج على الرئيس أحمدي نجاد، الذي تم الإعلان رسميا ً عن فوزه بانتخابات الرئاسة يوم الجمعة الماضي، وإنما للاعتراض في الوقت ذاته أيضاً على  خامنئي نفسه، حيث فقد جميع اتصالاته بأعداد غفيرة من الشبان الإيرانيين. وأكدت المجلة أيضاً على أن حالة الفوضى التي تعيشها البلاد الآن تبدو أكثر من كونها نذير شؤم لخامنئي والثيوقراطية الإيرانية، لأنها تكشف بوضوح عن حجم الانقسام التي تعانيه نخبة النظام الحالي. فمن ناحية، هناك الأشخاص شديدو التدين والمتعصبين المؤيدين للثورة. ومن ناحية أخرى، هناك الإصلاحيين، وقد كان أشهرهم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.

وقالت المجلة أن خامنئي نفسه يعد واحدا ً من الأسباب الرئيسية التي أدت لفشل الإستراتيجية. حيث ارتكب خطأ ً جسيما ً في الفترة التي سبقت الانتخابات عام 2005.

فقد كان يأمل الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني في العودة مرة أخرى إلى الساحة كتجسيد للنموذج الصيني. وقبل أن يحل محله خاتمي، ظل رافسنجاني رئيسا ً لإيران لمدة ثماني سنوات، وكان يرغب في الترشح لولاية أخرى. لكن خامنئي أراد أن يمنع رافسنجاني من بلوغ أرفع منصب سياسي مهما كان الثمن. فإعادة انتخاب رافسنجاني مرة أخرى كرئيس للبلاد، كان سيكون أمرا ً من شأنه أن يمثل تهديدا ً على نفوذه. وحتى بدون الرئاسة، كان يعد رافسنجاني ثاني أقوى رجل في إيران. وعل عكس موقفه من ترشح رافسنجاني للرئاسة، كان الوضع أفضل من جانب خامنئي مع نجاد، الذي أقدم على تقبيل يده بعد فوزه بالولاية الأولى بفترة قصيرة، ومن وقتها ويعتبر نجاد رجل خامنئي، على الرغم من المحاولات التي كانت تهدف إلى الحفاظ على المسافة الرسمية التي تفصل بينهما في الفترة التي سبقت تلك الانتخابات.

وفي النهاية، أوضحت المجلة أنه وفيما وراء الكواليس إذا كان يرغب خامنئي في إنقاذ نظامه، فإنه سيكون مضطرا ً لرأب الصدع العميق الذي وقع. وكي يتمكن من تحقيق ذلك، فإنه سيكون بحاجة إلى ضم موسوي وسابقيه رافسنجاني وخاتمي إلى فريقه. وإما أن يقوم بذلك أو أن يزيحهم من طريقه، لكن تلك المهمة ستكون مهمة انتحارية بالنسبة له. ومن المستبعد أن يقوم خامنئي بفعل أي شيء من شأنه أن يلحق ضررا ً بالرئيس بصورة مباشرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/حزيران/2009 - 20/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م