صامويل هنتنجتون.. أفكار متطرفة تنتج الصدامات

نبؤات بانتصار الحضارات على الدول القومية

مركز النبأ الوثائقي/شخصيات

 

شبكة النبأ: للشخصيات والمفكرين أهمية كبيرة في حياة الشعوب، ويكونوا مفخرة لبلدانهم بقدر ما يقدموه من إنجازات، وقد يساهم بعضهم في تأجيج الحروب والنزاعات بسبب الايدلوجيات المتطرفة التي يطرحونها، وذلك يدفع المهتمين بتراث الشخصيات لقراءة ودراسة ما أنتجته من فكر قد تغير مسيرة أجيال كاملة.

صامويل فلبس هنتنجتون، شخصية مثيرة للجدل رحل عن الحياة قبل عدة اشهر اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في انقلابات الدول، ثم أطروحته بأن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين سيكونوا الحضارات وليس الدول القومية. كما استحوذ على الانتباه لتحليله للمخاطر على الولايات المتحدة التي تشكلها الهجرة المعاصرة.

ولد صامويل فلبس هنتنجتون في 18 أبريل 1927 - توفي 24 ديسمبر 2008، برز اسم هنتنجتون أول مرة في الستينات عمل أستاذا للعلوم السياسية بجامعة هارفارد وعرف أكثر عندما قام بنشر بحث بعنوان "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة"، وهو العمل الذي تحدى النظرة التقليدية لمنظري التحديث والتي كانت تقول بأن التقدم الإقتصادي والإجتماعي سيؤديان إلى قيام ديمقراطيات مستقرة في المستعمرات حديثة الإستقلال.

استطاعت أفكار المفكر الأمريكي صامويل هنتجتون،إثارة الكثير مـن الجدل في السنوات الأخيرة ،حين وضع تسلسلاً لمراحل الصراع فـي التاريخ، الذي انتهى فيه إلى أنه بنهاية الحرب الباردة ، سوف تبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين النظام العالمي الجديد مع الحضارات الأخـرى. وأخطر هذا الصراع مع الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، لأنهما حضارتان تستعصيان على النموذج الغربي..أي أن المكونات الثقافية والقيم الأساسية لهاتين الحضارتين سوف تظل بعيدة عن الالتئام والذوبان في الخصائص والسمات التي تميـــــز الغرب..فكان طبيعياً أن يتنبأ هنتجتون بالصراع مع الثقافة الإسلامية ومثيلتها الصينية.. والذي يفسر الى حد كبير فشل قيام الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في العالم العربي والإسلامي..

ومن العجيب في أفكار هنتجتون رغم الانتقادات التي واجهته في العالم الإسلامي ، أنها تلتقي بدرجة أو بأخرى مع أنماط وألوان من المواقف التي تتخذها بعض النخب السياسية في العالم العربي وأسيا وأفريقيا، التي ترفض قيم الغرب وترى في الترويج لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان محاولة لإعادة الهيمنة الغربية وفرض القيم والسياسات الغربية التي لاتتفق وتقاليد مجتمعاتنا الإسلامية..بل أن البعض يرى في هذه المبادئ والتأكيد عليها نوعاً من المؤامرة التي تستهدف كياننا وديننا محدثتا البلبلة في مجتمعات لها تقاليدها العريقة ..فيما يذهب البعض إلى اتهام هذه الأفكار بأنها نوع من الغزو الثقافي الذي يمهد لغزو عسكري وتدخل أجنبي لامحالة.

صراع الحضارات

في 1993، أشعل هنتنجتون نقاشاً مستعراً حول العالم في العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز (العلاقات الخارجية) مقالاً شديد الأهمية والتأثير بعنوان "صراع الحضارات؟"، المقالة تناقضت مع نظرية سياسية أخرى متعلقة بديناميكية السياسة الجغرافية بعد الحرب الباردة لصاحبها فرانسيس فوكوياما في كتابة "نهاية التاريخ". لاحقاً قام هنتنغتون بتوسيع مقالته إلى كتاب، صدر في 1996 للناشر سايمون وشوستر، بعنوان صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي.

 المقالة والكتاب عرضا وجهة نظره أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستحدث أكثر وأعنف مايكون على أسس ثقافية (غالباً حضارية, مثل الحضارات الغربية, الإسلامية, الصينية, الهندوكية, إلخ.) بدلاً من الأسس العقائدية كما كان الحال خلال الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين. هذا التصنيف الثقافي سيصف العالم بطريقة أفضل من النظرة التقليدية للدول المختلفة ذات السيادة.

وخلص إلى القول بأنه لكي نفهم النزاع في عصرنا وفي المستقبل, الخلافات الثقافية يجب أن تُفهم, والثقافة (بدلاً من الدولة) يجب أن يتم القبول بها كطرف وموقع للحروب. لذلك فقد حذر أن الأمم الغربية قد تفقد زعامتها إذا فشلت في فهم الضبيعة غير القابلة للتوفيق للإحتقانات المتنامية حالياً.

من نحن و الهجرة

آخر كتب هنتنجتون، "من نحن؟ التحديات للهوية القومية لأمريكا" كان قد نُشر في مايو 2004. موضوع الكتاب كان معنى الهوية القومية لأمريكا والتهديد المحتمل الذي تشكله الهجرة اللاتيتنية الضخمة، والتي يحذر هنتنجتون من أنها قد "تقسم الولايات المتحدة إلى شعبين، بثقافتين، بلغتين." مثل صراع الحضارات، الكتاب أثار جدلاً واسعاً، واتهم البعض هنتنجتون بالخوف المرضي من الأجانب xenophobia لتأييد الهوية الأنجلو پروتستانتية لأمريكا وللانتقاص من نظم القيم الأخرى.

يقول هنتجتون نظريتي هي أن المصدر الرئيسي للنزاع في العالم الحديث لن يكون في الأساس عقائدياً أو إقتصادياً. التقسيمات الكبرى للجنس البشري و مصدر الصراع الحاكم ستكون على أساس الثقافة. الدول القومية ستبقى كأقوى اللاعبين في العلاقات الدولية، ولكن النزاعات الرئيسية في السياسة العالمية ستحدث بين الأمم و المجموعات المختلفة من الحضارات. صراع الحضارات سيحكم السياسة العالمية. الفوالق بين الحضارات ستكون خطوط القتال في المستقبل".

فالغرب فاز بالعالم ليس بتفوق أفكاره أو قيمه أو ديانته، ولكن بتفوقه في تطبيق العنف المنظم. الغربيون غالبا ما ينسون تلك الحقيقة، إلا أن غير الغربيين لا ينسونها أبداً.

هل تتحقق نبوءات صامويل هنتنجتون بعد رحيله؟

سلك صامويل هنتنجتون نفس طريق المؤرخ البريطانى المعروف ارنولد توينبى(14 ابريل 1889-12 أكتوبر 1975) بإتخاذه من الحضارات وليس الدول أو الايدولوجيات مجالا لدراسته، وكان توينبى يرى أن الحضارات هى المجالات المعقولة لدراسة التاريخ، وهنتنجتون أيضا يرى الحضارات والثقافات وليس الدول مجالا لدراسة مستقبل الصراعات الكونية.

ركز هنتنجتون على التحديات التى تواجه الحضارة الغربية وخاصة من الحضارتين الإسلامية والصينية وركز بشكل أكثر تفصيلا في كتابه على الحضارة الإسلامية. وبعد 11 سبتمبر كتب صامويل هنتنجتون مقالة مشهورة أخرى في عدد مجلة النيوزوييك السنوى في ديسمبر 2001 بعنوان " عصر حروب المسلمين" مكررا رؤيته التى سبق أن طرحها في كتابه ومفسرا لابعاد هذه الحروب بما يعنى أن نظريته قد تحققت، وأن حروب المسلمين ستشكل الملمح الرئيسى للقرن الحادى والعشرين. والسؤال هل ستتحقق نبوءة هنتنجتون فيما يتعلق بحرب واسعة بين الغرب والإسلام؟

يرى هنتنجتون أن السياسة الكونية المعاصرة تتمثل الآن في عصر حروب المسلمين، فالمسلمون يحاربون بعضهم البعض كما أنهم يحاربون غير المسلمين وذلك بمعدل أكثر بكثير مما تقوم به شعوب الحضارات الاخرى. وأن حروب المسلمين قد احتلت مكانة الحرب الباردة كشكل أساسى للصراع الدولى، وهذه الحروب تتضمن حروب الإرهاب، حروب العصابات والقرصنة، الحروب الأهلية، والصراعات بين الدول... وقد يتخذ هذا العنف وهذه الحروب ابعادا تصل بها إلى صراع رئيسى وحيد بين الإسلام والغرب أو بين الإسلام وباقى العالم.

ولكى يشرح ويوضح هنتنجتون نظريته فانه تناول ما يراه حقائق عن الحضارة الإسلامية المعاصرة. جاء أهم ما فيها:

- المسيحية تنتشر اساسا عن طريق التحول، الإسلام ينتشر عن طريق التحول والتناسل... على المدى الطويل (محمد ص) سينتصر ديموغرافيا.

- في الإسلام الله هو القيصر، في الصين واليابان القيصر هو الله، في الأرثوذكسية الله هو الشريك الاصغر للقيصر، في الغرب ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

- الاصوليون الإسلاميون في العالم كله هم وحدهم الذين يرفضون التحديث والتغريب معا كما يقرر دانييل بايبس.

- النمو السكانى في الدول الإسلامية يقدم مجندين جدد للاصولية والإرهاب والتمرد والهجرة.

- الإسلام لا يقدم بديلا للحداثة الغربية.

- حدث تحول رئيسى إلى المسيحية في كوريا الجنوبية، وفى المجتمعات سريعة التحديث، عندما لا تكون الاديان أو العقائد الشعبية قادرة على التأقلم مع متطلبات التحديث،أما في العالم الإسلامى فالصحوة أو هذا الانبعاث يعود اساسا إلى حالة من رد الفعل تجاه الحداثة والتحديث والعولمة.

- الثقافة الإسلامية تفسر إلى حد كبير فشل قيام الديموقراطية في أماكن كثيرة من العالم الإسلامى.

- المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الآصولية الإسلامية بل الإسلام، فهو حضارة مختلفة، شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه هو ضآلة قوته.

- رفض المسلمون لكل شئ يظنون انه ضد الإسلام حتى ولو كان التحديث، وهم يفضلون تخلف مع إسلام قوى أفضل من تحديث يظنون إنه يضعف الإسلام.

- لم يعد الهدف تحديث الإسلام بل أسلمة الحداثة عبر الصحوة الإسلامية، أو ما يطلق عليه جييل كابيل ثأر الله.

- الدين يتسلم زمام الايدولوجية والقومية الدينية تحل محل القومية العلمانية.

- بالنسبة للغرب كانت الدولة القومية هى قمة الولاء السياسى، بنية الولاء في العالم الإسلامى على العكس من ذلك بالضبط، فكرة سيادة الدولة القومية لا تتطابق مع السيادة أو الحاكمية لله واولوية مصالح الأمة.

- الولاء عند المسلمين للدين اولا، لأن فكرة القومية تتنافى مع فكرة الحاكمية والولاء لله، ويفترض مفهوم الامة عدم شرعية الدولة القومية.

- كانت العلاقات دائما عدائية بين المسلمين وشعوب الحضارات الأخرى.

- صراع القرن العشرين بين الديموقراطية الغربية والماركسية ليس سوى ظاهرة سطحية وزائلة إذا ما قورن بعلاقة الصراع العميق بين الإسلام والمسيحية.

- من المرجح أن تكون علاقات الغرب بالإسلام والصين متوترة على نحو ثابت وعدائية جدا في معظم الاحيان.

- الصحوة الإسلامية جاءت من التعبئة الاجتماعية والتزايد السكانى والفقر والفاشية والنزوح الكبير من الريف إلى المدن للسكنى في الاحياء العشوائية.

- الصحوة الإسلامية تيار عام وليست تطرفا، متغلغلة وليست منعزلة. والصحوة أثرت على المسلمين في كل دولة، وعلى معظم جوانب المجتمع والسياسة في معظم الدول الإسلامية.

- الإسلام هو الحضارة الوحيدة التى جعلت بقاء الغرب موضع شك، وقد فعل ذلك مرتين على الاقل كما يقول برنارد لويس.

- لمدة ما يقرب من الف سنة، منذ دخول العرب اسبانيا وحتى الحصار التركى لفيينا، كانت أوروبا تحت تهديد مستمر من الحضارة الإسلامية كما يقرر برنارد لويس.

- المسلمون في كل انحاء العالم يشعرون بالاحساس المسكر بالقوة.

هنتنجتون والصراعات الاسلامية

يقودنا هنتنجتون إلى ملامح العنف القادم من العالم الإسلامى، ويلخصها في عبارة مركزة وهى، أن حدود الإسلام دموية وكذا احشاءه، وهى أكثر عبارة أثارت ردود فعل على مقاله عام 1993 على حد قوله: 1-50% من الحروب بين ثنائيات من الدول ذات اديان بين عامى 1820 حتى 1929 كانت حروب بين مسلمين ومسيحيين، وفى منتصف التسعينات كان نصف عدد الصراعات العرقية في العالم بين المسلمين ممن يحاربون بعضهم البعض أو يحاربون غير المسلمين.

 1-في منتصف التسعينات كانت هناك 19 صراعا بين المسلمين والمسيحيين من مجمل 28 صراعا بين المسلمين وغيرهم عبر حروب خطوط التقسيم الحضارى.

 2-في كل العالم على امتداد حدود الإسلام نجد أن المسلمين لهم مشكلات في العيش مع جيرانهم بسلام.

 3-شارك المسلمون في 26 صراعا من اجمالى 50 صراع عرقى سياسى في الفترة ما بين 1993 و 1994.

 4-كانت هناك صراعات بين مسلمين واطراف أخرى من حضارات أخرى ثلاثة أمثال من كان بين كل الحضارات غير الإسلامية، كما كانت الصراعات داخل الإسلام نفسه كثيرة واكثر مما يدور داخل اى حضارة أخرى.

 5-الصراعات التى كان المسلمون طرفا فيها كانت دائما كثيرة الضحايا. الصراعات الست الكبرى التى زاد ضحاياها عن مائتى الف قتيل كان ثلاثة منها بين مسلمين وغير مسلمين.

6- حددت نيويورك تايمز 48 موقعا كان يدور بها 59 صراعا عرقيا عام 1993، نصف هذه الصراعات كانت بين مسلمين وغير مسلمين أو بين المسلمين أنفسهم.

7- الدول الإسلامية أيضا لها ميل شديد لإستخدام العنف في الازمات الدولية، وقد استخدمت العنف في 76 صراعا من مجمل 142 صراع، وفى 25 صراع كان العنف هو الوسيلة الرئيسية للتعامل.

8 -حسب المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فان ثمة 22 صراعا مسلحا عام 2000، كان المسلمون طرفا في أكثر من ثلث هذا العدد رغم إنهم يشكلون خمس سكان العالم فقط.

9-في تقرير مسحى لمجلة الايكونومست كان المسلمون مسئولين عن 12 من 16 من حوادث الإرهاب الدولية الرئيسية في الفترة من 1983 حتى2000.

10- هناك خمسة دول إسلامية من الدول السبع التى وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية في قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمنظمات الداعمة للإرهاب.

اسباب العنف الإسلامى كما يراه هنتنجتون

 اولا: الإسلام يمجّد القتال وقد انتشر بالسيف، ونبى الإسلام محمد كان مقاتلا وقائدا عسكريا ماهرا.

 ثانيا: تعاليم الإسلام تنادى بقتال غير المؤمنين، كما أن مفهوم اللاعنف غائب عن الفكر والممارسة الإسلامية.

 ثالثا: أنتشار الإسلام وضع المسلمين في احتكاك مباشر مع شعوب مختلفة، وظل ميراث هذه الاحتكاكات موجودا.

 رابعا: عند المسلمين عدم القابلية لهضم غير المسلمين، وهى لها وجهان،الدول الإسلامية لها مشكلات مع الأقليات غير المسلمة، وكذلك الحال بالنسبة للأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية.

 خامسا:الإسلام عقيدة مستبدة أكثر من المسيحية، يمزج بين الدين والسياسة ويضع حدا فاصلا بين دار الإسلام ودار الحرب.

سادسا: الانفجار السكانى والفقر والفساد والإستبداد في الدول الإسلامية.

سابعا:عبر العالم الإسلامى، خاصة فيما بين العرب، يوجد احساس قوى من الحزن والاستياء والحسد والعدوانية تجاه الغرب وثروته وقوته وثقافته.

وتكشف هذه الرؤية لعالم السياسة الأمريكى الراحل صامويل هنتنجتون عن قدرة أيدلوجيته الصدامية في تأجيج النزاعات فرؤيته تعبر عن النزعة الاكاديمية الغربية التي تؤصل لفكر وممارسة قائمة على الصدام مع الآخر، وما اكثر النزاعات والصدامات التي قامت عبر نزاعات المفكرين المتطرفة مثل الحرب العالمية الثانية.

........................................................................................

المصادر/

 إيلاف + موسوعة ويكيبيديا

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 17/حزيران/2009 - 19/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م