الفساد في بريطانيا: فضيحة نفقات النواب تزعزع الثقة بالحكومة والبرلمان

رئيس مجلس العموم يستقيل واحتمالات انتحار واردة

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: فيما حذّرَت عضوة بمجلس العموم البريطاني من ان الكشف المُحرِج لمزاعم نفقات هائلة لأعضاء البرلمان قد تدفع سياسيين الى الانتحار، اعتبرت الصحافة البريطانية ان استقالة رئيس مجلس العموم البريطاني كانت ضرورية، ولكن وحده إصلاح واسع النطاق وإجراء انتخابات تشريعية يمكنهما إستعادة ثقة الرأي العام بالحياة السياسية في البلاد.

ويورد محللون ان مواجهة الفساد بهذه الطريقة المباشرة من قِبل المجتمع والإعلام والجهات الرقابية ستعمل بالتاكيد على الحد منه بصورة قد تعيد الثقة بالبرلمان والحكومة وإن كان ذلك مستبعداً في الوقت الحاضر...

واعلن رئيس مجلس العموم البريطاني مايكل مارتن انه سيغادر منصبه في 21 حزيران/يونيو بعد الانتقادات الموجهة اليه في فضيحة نفقات النواب، في ما يشكل سابقة منذ ثلاثة قرون.

واجمعت الصحافة على الاشادة بخطوته، فيما اعتبر معلقون كثيرون انه لم يكن ينبغي تعيينه في منصبه كونه لا يصلح لهذه المهمة.

وكتبت صحيفة ذي صان ان "قرار (مارتن) الاستقالة لن ينقذ البرلمان الذي فقد صدقيته وبات اشبه بسفينة توشك الغرق. وحدها انتخابات عامة يمكن ان تحل هذا الامر".

واعتبرت صحيفة ذي دايلي تلغراف ان رحيل مارتن يشكل مرحلة اولى في "ثورة بريطانية"، مطالبة ايضا باجراء انتخابات.

من جهتها، دعت ذي اندبندنت حزب العمال برئاسة غوردن براون والمحافظين المعارضين الى استبعاد اي نائب قام باستغلال السلطة، واعتبرت ان انتخابات مبكرة من شأنها ان تأتي بوجوه جديدة. لكن براون استبعد احتمال اجراء انتخابات تشريعية مبكرة، علما ان الولاية الحالية لمجلس العموم تنتهي في حزيران/يونيو 2010.

وسيثار هذا الموضوع مجددا خلال جلسة الاستماع الاسبوعية لرئيس الوزراء ظهر الاربعاء والتي سيليها اصدار بيان عن الاجراءات الجديدة. بحسب بي بي سي.

ورأت ذي دايلي اكسبرس انه "مع الانتخابات الاوروبية (التي ستجري) خلال بضعة اسابيع وانتخابات تشريعية مقررة في الربيع المقبل، فان الرأي العام يمكنه ممارسة اقوى ضغط ممكن على نوابه".

واضافت ان استقالة مارتن تشكل "تطورا كبيرا، يكاد يكون غير مسبوق في التاريخ الحديث. لكن الامر لا يعدو كونه مرحلة اولى لا بد منها، فرضها الغضب الشعبي على الطبقة السياسية".

وتابعت الصحيفة التي نشرت على مدى اسبوعين تفاصيل فضيحة نفقات النواب، ان استقالة مارتن "تكشف انهيار ثقة الرأي العام بالنظام السياسي".

وكتبت ذي اندبندنت ان "استقالة مارتن مرحب بها كونها تطيح برمز نافر لنظام قديم ملطخ. لكن الحقيقة ان العمل الصعب لاستعادة سمعة مجلس العموم بالكاد بدأ".

غوردن براون يرفض الاستقالة ويعلن تعديلات وزارية

من جانبه اعلن رئيس الوزراء البريطاني انه "لن يترك" منصبه، في رد حازم على الدعوات الكثيرة الى استقالته، معلنا عن تعديل وزاري محدود يبقي على اليستير دارلينغ وزيرا للمالية.

وقال براون في مؤتمر صحافي بعد استقالة ثمانية وزراء في اربعة ايام "لن اغادر. لن اتنحى" من الحكم. واقر براون "بهزيمة مؤلمة" لحزب العمال الذي ينتمي اليه في الانتخابات المحلية والاوروبية التي جرت الخميس، لكنه اشار الى ان الشعب لن يغفر لحكومة "تتهرب من مسؤولياتها".واضاف "انا اتحمل مسؤولياتي. ولن اتخلى عن واجبي تجاه بلادي". بحسب فرانس برس.

واكدت النتائج الاولى للانتخابات المحلية هزيمة حزب العمال الانتخابية التي توقعتها استطلاعات الرأي. وقد يخسر الحزب اغلبية الدوائر المحلية التي كان يملكها، بحسب ارقام جزئية.واعتبرت الصحافة ان اعلان براون تعديلا وزاريا محدودا ما هو الا محاولة لانقاذ منصبه.

ومن بين التعديلات، خلف وزير الدولة البريطاني لشؤون القوات المسلحة بوب اينسوورث، جون هاتن في وزارة الدفاع. وهاتن المقرب من رئيس الوزراء السابق توني بلير كان من الوزراء الذين استقالوا في الايام الاربعة الاخيرة.

لكن الاسماء المهمة الاخرى بقيت في مناصبها، ولا سيما اليستر دارلينغ وزير المالية وبيتر مندلسون وزير التجارة، مع توسيع صلاحياتهما، فيما بقي ديفيد ميليباند وزيرا للخارجية، وجاك سترو وزيرا للعدل.

ونفى براون وجود "خلافات" بينه وبين دارلينغ اثر تكهنات صحافية حول عدم تعديل منصب المالية ورفض دارلينغ القبول باي منصب آخر.

ومن التعديلات الاخرى، استلم جون دنهام حقيبة البلدات مكان هايزل بليرز المستقيلة، وتولى اندي بورنهام الصحة. كما تولت ايفيت كوبر وزارة العمل والتقاعد، خلفا لجيمس بورنل الذي استقال وسط ضجة عارمة مساء الخميس، داعيا براون الى النسج على منواله.

الصخب قد يدفع للانتحار

وفي نفس السياق حذرت عضوة بمجلس العموم البريطاني من ان الكشف المُحرج لمزاعم نفقات هائلة لأعضاء البرلمان قد تدفع سياسيين الى الانتحار. وكتبت نادين دوريس عضو حزب المحافظين المُعارض في مدونتها على الانترنت http:/blog.dorries.org تقول ان الفضيحة المستمرة من أسبوعين والتي نشرت فيها صحيفة الديلي تلجراف تفاصيل عن الكيفية التي أساء بها أعضاء برلمان استخدام البدلات السخية قد تدفع سياسيين الى شفا الانهيار.

وفجرت الفضيحة غضبا عارما في انحاء بريطانيا التي اصابها ركود ودعت المعارضة الى اجراء انتخابات عامة مبكرة.

وعندما سُئلت نادين دوريس بشأن تعقيباتها في راديو هيئة الإذاعة البريطانية سعت الى التراجع عن التلميح الخاص بالانتحار لكنها قالت ان الافشاء الذي اشتمل على توجيه اتهام الى سياسيين بأنهم طالبوا نفقات إقامة بركة للبط أو شراء روث جياد أو أفلام إباحية يدفع أعضاء في البرلمان الى نقطة الانهيار.

وقالت "يجب ان أقول ان اليوم الأخير في البرلمان هذا الاسبوع كان لا يحتمل على الاطلاق. لم أوضع على الاطلاق في مناخ أو بيئة مثل هذا حيث الجميع يمشون والرعب في عيونهم."

وانضمت دوريس التي كشفت صحيفة تلجراف مشترياتها لسلع منزلية الى عدد من السياسيين الذين انتقدوا عمليات الافشاء بدلا من الاعتذار.

وقال ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين الذي يتوقع ان يفوز في الانتخابات القادمة انها كان يجب ان تفكر في الناخبين وليس في اعضاء البرلمان الآخرين.

الفضيحة قد تطيح بنصف النواب البريطانيين

وفي وقت لاحق أفادت صحيفة صاندي تايمز، بأن 325 نائباً على الأقل من نواب مجلس العموم (البرلمان) البريطاني البالغ عددهم 646 نائباً سيفقدون مقاعدهم بسبب فضيحة نفقاتهم التي أطاحت حتى الآن أكثر من عشرة نواب من الأحزاب السياسية الكبرى، «ما يمثل أكبر تصفية في البرلمان منذ عام 1945».

وأضافت أن «30 نائباً من كل الأحزاب السياسية سيُجبرون على الاستقالة من مناصبهم في شكل مباشر بسبب فضيحة النفقات، وسيترك 200 نائب مقاعدهم بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع استمرار الغضب الشعبي المرتبط بالفضيحة، وسيخسر 90 آخرون مقاعدهم في الانتخابات العامة المقبلة.

وأشارت الصحيفة إلى أن حوالى 170 نائباً من حزب العمال الحاكم، أي نصف عدد نواب حزب العمال في البرلمان، سيتقاعدون الى جانب 55 نائباً من حزب المحافظين المعارض، فيما سيخسر عشرات النواب مقاعدهم بعد اتهام الناخبين إياهم بالانتفاع من مخصصاتهم البرلمانية. بحسب بي بي سي.

وأوردت صاندي تايمز ان حزب «الديموقراطيين الأحرار» المعارض سيفقد خمسة من نوابه بسبب فضيحة النفقات، فيما سيتقاعد خمسة نواب آخرون ينتمون الى أحزاب صغيرة.

التلجراف تكشف هوية مصدرها في فضيحة نفقات النواب

وفي تطور على مساس مباشر بالفضيحة، كشفت جريدة الديلي تلجراف البريطانية عن هوية الشخص الذي سلمها الوثائق السرية الخاصة بنفقات اعضاء مجلس العموم والتي تسبب نشرها في فضيحة سياسية لا تزال تداعياتها في التصاعد

وذكرت الجريدة ان جون ويك الذي عمل خلال سبعينات القرن الماضي ضابطا في القوات الخاصة البريطانية ويعمل حاليا في شركة تقدم المشورة حول ادارة المخاطر ومتخصص في التفاوض لتحرير رهائن في المناطق الساخنة كان الوسيط الذي مرر المعلومات التفصيلية الخاصة بطلبات التعويضات المالية التي قدمها اعضاء مجلس العموم البريطاني.

ونشرت الجريدة حتى الان تفاصيل النفقات الخاصة بـ 200 نائب في البرلمان والتي ضمت طلبات بالتعويض عن نفقات متفاوتة.

وفي لقاء بث على موقع الديلي تلجراف على شبكة الانترنت، قال ويك انه غير نادم على نشر تفاصيل نظام النفقات الذي وصفه بـ"المتعفن". واشار خلال اللقاء بان "البرلمان سيكون مكانا افضل، والمجتمع سيكون مكانا افضل".

وقال ويك انه يشجع على نشر المعلومات الخاصة بنفقات النواب نتيجة لكون النسخة الاصلية والمقرر نشرها في يوليو المقبل لن تتضمن الكثير من المعلومات.

وبرر ويك دعمه لنشر المعلومات حول نفقات النواب بان العامة لهم الحق في معرفة تلك التفاصيل في مقابل سعي الحكومة لمعرفة الكثير من المعلومات حول مواطنيها.

ورفض ويك التعليق ما اذا كانت جريدة الديلي تلجراف دفعت مقابل حصولها على المعلومات، الا انه اصر على ان المعلومات لم تسرق.

وقال "انها نسخة غير مسجلة تم الحصول عليها نتيجة للاجراءات الامنية الغير مهنية التي تستخدم في مجلس العموم".

وقالت مراسلة الشؤون السياسية في بي بي سي ريتا شيكرابرات ان شرطة لندن وجهات الادعاء لن توجه تهم لجون ويك نتيجة لكون المعلومات التي تم الكشف عنها لا تمثل تهديدا لسلامة المجتمع وتصب في المصلحة العامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/حزيران/2009 - 11/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م